الأربعاء 08 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

دايبين فى صوت الست.. عودة أم كلثوم إلى المسرح

أم كلثوم
أم كلثوم

لم تكن أم كلثوم مجرد مطربة، بل حالة وجدانية وثقافية تجاوزت حدود الفن؛ لتصبح جزءًا من الهوية، ليس على مستوى مصر فحسب، بل فى الوطن العربى كله. لذا، ورغم رحيلها منذ نصف القرن وأكثر، فإن اسمها لا يزال يثير فى النفوس محبة خاصة، ويكفل لأى عمل مقترن به نجاحًا مضمونًا.

من هنا جاء الرهان على تقديمها من خلال المسرح، وتحديدًا عبر العرض المسرحى «أم كلثوم.. دايبين فى صوت الست»، الذى يعيدنا إلى زمن كانت فيه الأغنية نافذة للروح، والصوت معجزة تختصر الحنين والشجن.

فالعرض المسرحى الجديد لا يقتصر على استحضار صورة «الست»، بل يطرح سؤالًا أعمق حول كيف يمكن للمسرح أن يعيد صياغة رموزنا الثقافية ويمنحها حياة جديدة على خشبة «أبوالفنون»، وهو ما نحاول التعرف عليه بصورة أكثر تفصيلًا، من خلال الحوار التالى مع أحمد فؤاد، مخرج «أم كلثوم.. دايبين فى صوت الست».

المخرج أحمد فؤاد

■ ما الدافع وراء اختيار شخصية أم كلثوم تحديدًا لتقديمها على خشبة المسرح؟

- لدينا دوافع عديدة لتقديم العرض، أولها أن المسرح الموسيقى فى العالم طوال الوقت يقدم شخصيات مهمة، مثلما نرى «هاملتون» و«ديانا» وغيرهما فى الولايات المتحدة من القصص الملهمة والمهمة. لم نجد أهم من اسم أم كلثوم ولا قيمة أكبر منها لتقديم مشروع مسرحى موسيقى، فهى أيقونة خاصة بنا كمصريين وعرب. لم نجد شخصية فنية لها نفس تأثيرها خلال الـ١٠٠ عام الماضية.

■ ما الذى يميز «دايبين فى صوت الست» عن أى عمل فنى آخر تناول «كوكب الشرق»؟

- أهم ما يميز «دايبين فى صوت الست» أنها مسرحية غنائية، وهذه المرة الأولى التى يتم فيها تناول حياة «كوكب الشرق» فى إطار مسرحى غنائى. ومع كتابة الدكتور مدحت العدل، أصبحت لدينا شخصية حقيقية من لحم ودم، فالعرض ليس مجرد سرد، بل موثق، وكل ما يعرضه حقيقى وحدث بالفعل، وبه دراما شيقة وغناء، وكل هذا يجعله مميزًا عن أى تجربة أخرى قُدمت من قبل عن أم كلثوم.

■ كيف وُلدت الفكرة؟ وما الرسالة الأساسية التى يريد إيصالها إلى الجمهور؟

- «دايبين فى صوت الست» جزء من قصيدة كتبها الدكتور مدحت العدل عن أم كلثوم، وهذه حقيقة، فالجميع «دايب» فى صوت أم كلثوم على مدار أجيال متعاقبة، الجميع لديه حب شديد وذكريات عديدة عن «الست». أما هدفنا الرئيسى، فهو أن نقول: لدينا العديد من القامات التى يجب أن ننظر لها بفخر، وعلى رأسها أم كلثوم.

■ هل واجهت صعوبات فى التعامل مع شخصية بحجم وقيمة أم كلثوم؟

- أول تحدٍ أمامنا كان رغبتنا فى عدم تقليد أى عمل آخر، بدءًا من اختيار النمط المسرحى الغنائى وتقديمه بشكل مختلف، مرورًا بتناول القصة نفسها من منظور مغاير تمامًا لكل ما سبق أن قُدم عن «كوكب الشرق»، سواء أفلامًا أو مسلسلات أو مسرحيات.

هناك سرد لنقاط مهمة بتاريخ أم كلثوم فى أى عمل فنى عنها، لكن المهم هو زاوية تنفيذ الفكرة، كيف نتعامل مع شخصية أم كلثوم، ونجعلها قريبة من الناس، ليس فقط بصوتها، بل أيضًا بشخصيتها التى تشبهنا.

ويحاول العرض، كذلك، منح أمل للناس فى الغد، وأنه سيكون لدينا أم كلثوم ومحمد صلاح جديدان فى كل المجالات، وليس الغناء والرياضة فقط. هذا هدفنا الأساسى، أن نعطى للجيل الجديد أملًا فى أن كل شىء قابل للتكرار، من خلال قصة سيدة بدأت من إقليم بعيد إلى أن أصبحت أهم مطربة فى الوطن العربى والعالم، وهذا لا يعتمد على الموهبة فقط، وإنما على عمل واجتهاد شديدين أديا إلى وصول هذه الموهبة لمكانتها الطبيعية.

■ وماذا عن اختيار بطلة العرض؟

- واجهنا تحديات لإيجاد شخصية قريبة فى روحها من أم كلثوم، ويكون صوتها قويًا. رأينا من خلال «الأوديشن» العديد من الفنانات حتى نستطيع الاختيار، لأننا لدينا أكثر من مرحلة لـ«أم كلثوم»، والاختيار كان صعبًا كما قلت، لأنها يجب أن تكون موهبة فذة، خاصة فى الغناء، لكن الوصول إلى التوازن بين الغناء والتمثيل أخذ منا الكثير من الوقت.

واجهنا صعوبات، أيضًا، فى اختيار باقى فريق العمل، لأن جميعهم لهم صورة ذهنية موجودة فى ذاكرتنا. عملنا بجد على عدم كسر هذه الصورة، وفى الوقت نفسه مراعاة عدم التقليد أو التناسخ مع الشخصية الأصلية، فقط سعينا إلى تقديم روحها لكن بتاريخ ٢٠٢٥.

■ ما المختلف الذى سيكتشفه الجيل الجديد عن أم كلثوم من خلال هذا العرض؟

- الجيل الجديد نستهدفه بقوة، لكن بلغته وبإمكانات بها تكنولوجيا وإبهار؛ حتى يكتشف أن لدينا أبطالًا خارقين مثلما نرى فى العالم كله، لذلك أجد أن أم كلثوم من الشخصيات الخارقة، فصوتها لديه قدرة على مواصلة التأثير فى الزمن دون أى تأثر، ورغم مرور ٥٠ عامًا على وفاتها حتى الآن، فإنها ما زالت أهم صوت على مستوى الوطن العربى كله، وليس فقط أهم صوت، بل أهم مؤسسة فنية استطاعت بناء شخصية يظل الجميع متطلعًا لها، وأظن هذا هدفنا الأساسى، وهو تطلع الجميع إلى أم كلثوم فى مجاله، أى يكون أفضل شخص فى مجاله، ويظل له أثر فى حياة الناس مهما كانت موهبته.

■ هناك من يرى أن شخصية مثل أم كلثوم أيقونة يصعب تجسيدها على المسرح خوفًا من الانتقاص من عظمتها.. كيف واجهت هذا التحدى؟

- أم كلثوم كأيقونة لا يوجد ما ينتقص منها أبدًا، فالحديث عن شخص ومدى تأثيره يضيف لنا، خاصة أننا نحكى للأجيال الجديدة عن كوكب الشرق، كما أنهم يرون أنها عفا عليها الزمن، لكن تجديد الخطاب بشكل فنى مختلف للجمهور، خاصة الشباب، واجب علينا جميعًا، فكلما أظهرنا قيمة الشخص الذى نقدمه خرّجنا أجيالًا جديدة مرتبطة بتراثها وترى أنه عظيم.

■ هل تعتقد أن المسرح الغنائى ما زال قادرًا على جذب الجمهور مثل الماضى؟

- أرى أن المسرح عمومًا والمسرح الغنائى خصوصًا قادر على جذب الجمهور، فنحن أهم من قدم المسرح الغنائى فى عشرينيات القرن، وأظن أننا فى عشرينيات القرن الجديد نسعى لمحاولات جديدة، ومع أنه يجب احترام عقل الجمهور وتقديم أعمال لها قيمة، ويكون المتفرج موجودًا بها مع عائلته بأريحية، وأظن كل ذلك سيكون متوافرًا فى العرض المسرحى من إمتاع وإبهار وقيمة فنية وثقافية، خاصة أننا نسعى لأن يضيف للجمهور قيمة وفكرًا، وهذه هى رسالة الفن الأساسية.

■ كيف ترد على الانتقادات التى ترى أن المسرح الغنائى فى مصر أصبح يعتمد على «النوستالجيا» أكثر من التجديد؟

- «النوستالجيا» لها علاقة بالعرض، خاصة أن المسرح الغنائى ليس حاضرًا لدينا بشكل قوى، لكن لدينا تجارب مهمة جدًا، وفكرة الاعتماد على «النوستالجيا» ليست أساسية أبدًا فى العروض، لكن فى هذه التجربة تم الاعتماد عليها بشكل مختلف تمامًا لتقديم شخصية بحجم أم كلثوم وبصفتها مطربة فى الأساس، فالأولى أن يكون عرضًا مسرحيًا غنائيًا، وليس عرضًا عاديًا عن تاريخها.

لذلك نقدم عرضًا غنائيًا به استعراضات ضخمة وإنتاج ضخم، وسيكون بوابة للمسرح عمومًا، لأن تصدى شركة بحجم «العدل جروب»، لإنتاج عمل بهذا الحجم سيثرى المشهد الثقافى بقوة، خاصة المشهد المسرحى، وأيضًا سيشجع منتجين وفنانين على خوض التجربة المسرحية، سواء فى المسرح الغنائى أو العادية.

كما أتوقع إقبالًا جيدًا على العرض؛ لأنه يحمل اسم أم كلثوم، وأيضًا يحمل قيمة فنية تنير مسيرة كوكب الشرق القوية جدًا، لأننا نحتاج أن نفكر أنفسنا بأننا مصريون ومهمون وكبار برموزنا.