الأحد 15 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز

التحقيق مع الرئيس.. «صنع فى مصر».. أسرار أول مسلسل أمريكى عن صدام حسين

صدام
صدام

- العمل يرصد تفاصيل القبض على الرئيس العراقى

وسط أجواء سينمائية عالمية، تم الانتهاء من تصوير مسلسل «Debriefing the President» أو «التحقيق مع الرئيس» بالكامل داخل مصر، فى خطوة تعكس مكانة البلاد كوجهة رئيسية للإنتاج الفنى الدولى. 

العمل الذى يحمل توقيع المخرج والمنتج الأمريكى ليزلى جريف، يعيد سرد واحدة من أكثر الفترات إثارة فى التاريخ الحديث، وهى الغزو الأمريكى للعراق عام 2003، وما تبعه من إلقاء القبض على الرئيس العراقى الراحل صدام حسين واستجوابه.

المسلسل مستوحى من كتاب «استجواب الرئيس»، الذى صدر عام 2016 للكاتب جون نيكسون، الخبير فى شئون الشرق الأوسط المحلل السياسى المخضرم لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية. 

من خلال أحداث العمل، يتتبع المشاهدون تجربة «نيكسون» الفريدة، إذ كان أول مسئول أمريكى يجرى استجوابًا مطولًا مع صدام حسين عقب اعتقاله، ولا يكتفى المسلسل بتقديم سرد تاريخى، بل يغوص فى أروقة الاستخبارات وكيفية تحليل الشخصيات السياسية على أعلى المستويات، ما يمنح الجمهور رؤية أعمق لهذه الفترة المحورية.

المخرج ليزلى جريف: الإمكانيات الإنتاجية فى مصر سهّلت التصوير

كشف المخرج والمنتج الأمريكى، ليزلى جريف، عن انتهاء تصوير المسلسل بالكامل داخل مصر، مبينًا أنه مستوحى من كتاب «استجواب الرئيس صدام» للخبير فى شئون الشرق الأوسط جون نيكسون، الذى عمل محللًا سياسيًا لشئون العراق وإيران لمدة ١٣ عامًا داخل مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية فى بغداد، وكان أول أمريكى يجرى استجوابًا مطولًا مع الرئيس العراقى الراحل عقب إلقاء القبض عليه من قِبل القوات الأمريكية.

وأوضح «جريف»، خلال ظهوره مع الإعلامى أسامة كمال فى برنامج «مساء dmc»، أن المسلسل قصير، ومكوّن من ست حلقات، وسيتم عرضه عالميًا اعتبارًا من أبريل ٢٠٢٦، مشيرًا إلى أن المنتج تامر مرتضى هو المسئول عن توزيعه فى منطقة الشرق الأوسط.

كما كشف عن أن أحداث المسلسل تبدأ قبل الغزو الأمريكى للعراق عام ٢٠٠٢، متناولًا قصة إنسانية مؤثرة أثّرت على العالم أجمع، سواء فى أمريكا أو أوروبا أو غيرهما، مضيفًا أن هذه النوعية من القصص هى ما يسعى إلى تقديمه فى أعماله، مشيرًا إلى أن جون نيكسون حضر جزءًا من التصوير فى مصر، وعندما شاهد مشهد إعدام صدام حسين، غلبته مشاعر التأثر، وامتلأت عيناه بالدموع.

وفيما يتعلق باختيار ممثل أردنى لتجسيد شخصية صدام حسين، أقر «جريف» بأنه كان قرارًا غير موفق، موضحًا أنه لم يكن يدرك الفروق الكبيرة بين اللهجات العربية المختلفة، موضحًا أن هذا الأمر استلزم جهدًا كبيرًا، بدأ بالتدريب على اللهجة العراقية، بالإضافة إلى إعادة كتابة السيناريو ليتناسب مع أداء الممثل الأردنى وليد زعيتر، ورغم التحديات، رأى «جريف» أن «زعيتر» نجح فى تقديم الدور بأداء متقن.

وأشار إلى أن غالبية مشاهد المسلسل قد اكتمل تصويرها، باستثناء ٥ أيام فقط، سيتم تصويرها فى سبتمبر المقبل، وتتعلق بالمشاهد الخاصة بالغزو الأمريكى للعراق، معبرًا عن سعادته بالتصوير فى مصر، مشيدًا بالإمكانات الضخمة التى تملكها، والتى سهّلت عملية التصوير بشكل كبير، لدرجة أن المشاهد التى تُجسّد الولايات المتحدة أو العراق بدت واقعية تمامًا ولم يشعر المشاهدون بفرق واضح.

وعن علاقته بمصر، كشف «جريف» عن أنها تعود إلى نحو ٢٠ عامًا، نظرًا لصداقته بالدكتور زاهى حواس، مشيرًا إلى أنه كان منتجًا لعدد من أعماله الوثائقية، كما كشف عن صداقته بالممثلة المصرية نيللى كريم، لافتًا إلى أنها أعربت عن سعادتها بتصوير المسلسل داخل مصر.

يوسف عباس صانع الموسيقى التصويرية: بداية لعصر مصرى جديد

فى عالم الإنتاج السينمائى، حيث تلعب الموسيقى التصويرية دورًا حيويًا فى نقل المشاعر وتعميق الأبعاد الدرامية، يمنح المسلسل هذا العنصر الإبداعى مكانة خاصة، فالموسيقار العراقى يوسف عباس، المعروف بإتقانه لآلة العود، هو مَن يتولى مهمة تأليف الموسيقى لهذا العمل الذى يتناول مرحلة فارقة فى التاريخ السياسى الحديث.

وكشف يوسف عباس لـ«حرف»، عن أن ترشيحه للمسلسل جاء من خلال معرفته العميقة بالمنتج والمخرج ليزلى جريف، مضيفًا: «التقينا عبر صديقين مشتركين الأستاذ مصطفى لطفى والدكتور طارق الجندى».

وتابع: «كان المخرج فى حاجة إلى شخص يمتلك فهمًا دقيقًا لتفاصيل الواقع العراقى، وفى الوقت ذاته شخص قادر على دمج الأسلوب العراقى التقليدى مع الموسيقى الأوركسترالية، وهذه المعرفة الثقافية العميقة، بالإضافة إلى القدرة على التعامل مع الأنماط الموسيقية المختلفة، جعلتنى مرشحًا مثاليًا لهذا المشروع».

وواصل: «كان المطلوب منى فهم الجوانب الاجتماعية والسياسية للأحداث فى العراق وكيفية ترجمتها موسيقيًا بشكل يتناسب مع الأحداث والروح التى يحملها المسلسل، وهو ما تحقق بعد سلسلة من الاجتماعات مع (ليزلى) وفريق العمل. لذا كان الترشيح بناءً على هذه المهارات التى أتمتع بها، ما أدى إلى هذا التعاون المثمر».

وعن رأيه فى تصوير أول عمل هوليوودى فى مصر لأول مرة، قال: «بالنسبة لى، كانت هذه تجربة فريدة من نوعها، العمل كان يحمل تحديات ضخمة، ولكن فى نفس الوقت كان يحمل فرصة كبيرة لتقديم شىء مختلف فى مجال السينما العالمية، بيئة العمل فى مصر كانت مختلفة عن أى مكان آخر، وكانت هناك تحديات فى تنفيذ العمل بطرق تتناسب مع المعايير الهوليوودية». 

وأكمل: «على الرغم من هذه التحديات، كنا جميعًا متحمسين لأننا كنا نعلم أن هذا العمل سيكون بداية لسوق سينمائية جديدة فى مصر، هذه التجربة لن تقتصر على كونها مجرد مشروع سينمائى، بل هى خطوة مهمة نحو فتح أبواب التعاون بين هوليوود وصناعة السينما المصرية، من المؤكد أن هذا النوع من المشاريع سيحفز المزيد من الإنتاجات الكبيرة على التفكير فى مصر كوجهة رئيسية للتصوير، إنها تجربة غنية وفريدة ستترك بصمتها على السينما العالمية».

وكشف عن أنه عاصر الرئيس الراحل صدام حسين حتى الثامنة من عمره، قائلًا: «على الرغم من أننى كنت طفلًا فى تلك الفترة، إلا أننى كنت أعيش وسط أجواء سياسية كانت مليئة بالانضباط والسيطرة، حيث كان الجو العام يُعبّر عن الحزم والقوة، وكان النظام فى ذلك الوقت يشبه الأنظمة القوية التى لا تتسامح مع التحديات، وكل شىء كان يخضع لقواعد صارمة، وكانت هناك ثقافة هيمنة وانضباط فى كل المجالات، سواء فى التعليم أو العمل أو حتى الحياة اليومية».

وأكمل: «بعد سقوط النظام، بدأت أكتسب فهمًا أعمق وأكثر تفصيلًا لجميع الأحداث التى شهدها العراق، وكيف كانت تدار الأمور على مختلف الأصعدة، هذا الفهم الذى جاء عبر تجاربى الشخصية والدراسات التى قمت بها، ساعدنى بشكل كبير فى توظيف هذه المعارف بشكل دقيق فى الموسيقى التصويرية للمسلسل، وفى إضافة الأبعاد التاريخية والثقافية التى يحتاجها العمل».

وبيّن أن العمل على الموسيقى التصويرية للمسلسل كان تحديًا كبيرًا، لأننا فى البداية كنا أمام مهمة صعبة وهى دمج ثلاثة أنماط موسيقية مختلفة تمامًا، فكان علينا دمج الهوية الموسيقية العراقية مع الأسلوب الأوركسترالى الغربى، بالإضافة إلى إضافة التأثيرات الموسيقية الأمريكية التى تعكس أجواء الاحتلال.

ورأى أن التحدى الأكبر كان فى كيفية الحفاظ على الأصالة العراقية فى الموسيقى وفى نفس الوقت دمجها مع الموسيقى الأوركسترالية الكبرى، إضافة إلى ضرورة نقل الإحساس الأمريكى الذى يعبر عن التدخل العسكرى، فكانت عمليتى فى دمج هذه العناصر تحتاج إلى اهتمام دقيق جدًا.

وتابع: «كان هناك الكثير من الجهد فى اختيار الأدوات والآلات المناسبة التى يمكن أن تعكس هذه الثقافات المختلفة بشكل متوازن، ما يجعل كل نمط موسيقى متكاملًا مع الآخر، وكانت هذه مهمة دقيقة، لأنها تتطلب فهمًا عميقًا لكل من هذه الثقافات وطرق دمجها بشكل يعكس تاريخيًا الأحداث التى تمر بها الشخصيات».

وأشار إلى أن العمل مع ليزلى جريف كان بمثابة تجربة تعليمية فى حد ذاته، هو مخرج ذو خبرة هائلة، ليس فقط فى صناعة السينما والدراما، بل فى فهم طريقة إيصال الرؤية إلى فريق العمل بشكل يجعل الجميع متفقين على الهدف النهائى.

وأكمل: «كان ليزلى شخصًا محبًا لعمله، وكان يضع ثقة كبيرة فى فريقه، ما جعل بيئة العمل مليئة بالطاقة الإيجابية، وكان دائم الاستماع لجميع الآراء والأفكار التى قدمتها، وكان يحترم أى ملاحظة تتعلق بالثقافة العراقية، ويعمل على تنفيذها بشكل دقيق، ويمتلك القدرة على التفاعل مع كل عنصر فى العمل بشكل كامل، من الممثلين إلى الفنيين، وكان يعزز روح التعاون بين الجميع».

وبيّن أنه بالنسبة للموسيقى، فإن «ليزلى» كان على دراية تامة برؤيته للمشروع، وبالتالى لم يكن هناك الكثير من التعديلات التى اقترحها، قائلًا: «كنا متفقين تمامًا على كيفية دمج الثقافات المختلفة، وكان هناك بعض الملاحظات البسيطة فى بعض التفاصيل الموسيقية، لكن بشكل عام كان يوافق تمامًا على الاتجاه الذى اخترته ويشعر أنه يتناسب تمامًا مع رؤيته للمسلسل».

المؤلف جون نكسون: صدام لم يكن مجنونًا كما روّجت أمريكا

فى كتابه «استجواب الرئيس» الذى استند إليه المسلسل الدرامى، يقول جون نيكسون، العميل السابق فى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، إنه شعر خلال جلسات استجواب صدام حسين بأنه يعرفه جيدًا، لكن الأسابيع التالية جعلته يدرك أن الولايات المتحدة أساءت فهم طبيعته ودوره كخصم صلب للتيارات المتطرفة فى العالم الإسلامى.

وأضاف «نيكسون» فى حديثه عن تجربة استجواب «صدام»: «وجدته فى كامل قواه العقلية، بعيدًا عن صورة (المجنون) التى روجها البعض»، متابعًا «العالم كان يعج بالطغاة، لكن المفارقة أن واشنطن اختارت ملاحقة هذا الرجل بالذات، دون تقدير تبعات اختفائه، لقد خلفت إزالته فراغًا سلطويًا حول الخلافات الدينية فى العراق إلى صراع طائفى دموى».

ونقل «نيكسون» فى كتابه عن «صدام» قوله أثناء التحقيق إنه توقع أن تقربه هجمات ١١ سبتمبر من الولايات المتحدة بدلًا من أن تبعده عنها، معتبرًا أن التحالف بين البلدين كان خيارًا طبيعيًا فى مواجهة التطرف. 

وأكد «صدام» - حسب «نيكسون»- مرارًا خلال التحقيقات أنه لم يفهم سبب العداء الأمريكى له، وهو الزعيم السنى الذى مثل حزبه القومية العربية الاشتراكية، والذى كان يرى فى التطرف السنى تهديدًا مباشرًا لسلطته، متوقعًا أن ينتشر الفكر السلفى بوتيرة أسرع مما يتصور الجميع، حيث سيرى الناس فى السلفية فكرًا ونضالًا، وسيصبح العراق ساحة مفتوحة لكل من يريد محاربة أمريكا.

كما يكشف الكتاب عن زيف الادعاءات الأمريكية بمحاربة الإرهاب واحترام حق تقرير المصير، حيث يتتبع الظروف التى استُخدمت لتبرير غزو العراق وإسقاط نظام صدام، ويكشف نوايا صانعى السياسة فى البيت الأبيض وقيادات وكالة الاستخبارات المركزية تجاه المنطقة. 

ويتناول الكتاب أيضًا تفاصيل إعدام «صدام» فى سرداب مظلم، حيث يقول «نيكسون»: «جئنا إلى العراق ونحن نعد بتحسين الأوضاع وإحلال الديمقراطية وسيادة القانون، لكننا انتهينا إلى تنفيذ حكم الإعدام به فى ظلام الليل».