روبرت هايدن.. شاعر أفرو أمريكى تأثَّر بالبهائية

- وصفه أحد النقَّاد بأن عمله شهادة حقيقية على الحرفة والرؤية والوعى التاريخى وعلى الحب والتسامح
دائمًا ما نُردد أن الكتابة والأدب هما الملاذ والوسيلة للتعبير عن النفس والذات والوجود، هما المفتاح الذى يقودنا نحو أبوابٍ جديدة للحياة، قد تخطئ أثناء حديثك عن نفسك، قد تتلعثم، لكن عند الكتابة لا تخطئ ولا يخونك قلمك أبدًا، كما هى الحال عندما تهرب من اضطرابات وتحولات الحياة إلى الأدب والانغماس فيه بكل ما فيك من قوة نفسية وعقلية وقد يؤدى ذلك إلى حالة من النضج العقلى والروحى الذى تشعر به ينمو تدريجيًّا داخلك دون أن تشعر، كأنك تبنى كيانًا مُستقلًا داخلك، كيانًا فكريًّا وثقافيًا منفردًا يخصك وحدك، لا يضاهيك أحدٌ فيه، وعندما تشرع فى الكتابة بعدها، ستجد إنسانًا جديدًا لم تعرفه من قبل، ستكتشف ولادة روح جديدة لم تعلم عنها شيئًا، لا تتفاجأ حينها، أنها مخاض الكتابة وفيض قراءات أدبية أحدثت تيارًا ثقافيًّا ومعرفيًّا فى روحك، وستنسى حينها أيضًا أى ألم تعيشه أو أى تجربة مأساوية قد عشتها فى طفولتك وسببت لك صدمة ظللتَ تعانى منها لفترةٍ طويلةٍ وامتد أثرها حتى كبرت.

هذا ما حدث مع الشاعر الأفرو أمريكى «روبرت هايدن» الذى وُلد باسم «آسا بوندى شيفى» فى حى فقير بديترويت يُعرف باسم «برادايس فالى» ParadiseValley ويعنى بالعربية «وادى الجنة» فى عام ١٩١٣ وبسبب اضطراب العلاقة بين والديه، رُبى من قِبَل الجيران، «سو وويليام هايدن»، اللذين تبنياه بشكلٍ غير رسمى وأطلقا عليه اسم «روبرت إيرل هايدن». نشأ هايدن فى فقرٍ بحى يغلب عليه الأمريكيون الأفارقة، وشهد العنصرية والتحيز من جميع الأطراف، وبسبب قصر نظره الشديد وصغر حجمه، كان يتعرَّض للتنمُّر والعُزلة. أدى هذا المزيج من الصدمات إلى نوبات اكتئاب شديدة وصفها لاحقًا بأنها «ليالى الروح السوداء» الخاصة به، ودفعهُ إلى اللجوء لقراءة الكتب وطور اهتماماته بالشعر والروايات، بدلًا من المشاركة فى الرياضة مع أقرانهِ.

عندما بدأ الكساد الكبير، كانت عائلة هايدن واحدة من بين العديد من العائلات التى وقفت فى الطوابير للحصول على المساعدات الاجتماعية.
وفى أحد الأيام، شاهدت موظفة اجتماعية هايدن يقرأ كتابًا شعريًّا للشاعر الأمريكى «كونتى كولين» Countee Cullen «١٩٠٣-١٩٤٦»، سألته الموظفة عن الكتاب، وأصر هايدن على أنه سيصبح شاعرًا مشهورًا أيضًا.
عادت الموظفة إلى منزل هايدن بعد بضعة أيام، واعدة بمساعدته على الحصول على منحة دراسية للالتحاق بالجامعة. حيث قالت له:
«إذا كنت تريد أن تصبح شاعرًا، فيجب أن تحصل على تعليم جيد»، واتفقت عائلة هايدن، التى دعمت تعليمه دائمًا، مع هذا الرأى.

وبعد تخرج هايدن فى المدرسة الثانوية، التحق بكلية واين ستيت «التى كانت تُعرف آنذاك بكلية مدينة ديترويت». وترك الكلية فى عام ١٩٣٦ ليعمل فى مشروع الكُتَّاب الفيدرالى، وخلال هذا العمل، أمضى هايدن وقتًا فى البحث عن تاريخ وثقافة الأمريكيين الأفارقة، وهى موضوعات ألهمت وأثَّرت تأثيرًا كبيرًا على أعماله الشعرية.
استمر هايدن فى العمل بمشروع الكُتَّاب الفيدرالى لمدة عامين، وفى السنوات التالية، بدأ فى كتابة أول مجموعة شعرية له «قلبٌ على شكلِ غبار» Heart-Shape in the Dust، الذى نُشر فى عام ١٩٤٠ وفاز عنها بجائزة هوبوود، وهو العام نفسه الذى تزوج فيه من معلمة الموسيقى وعازفة البيانو المحترفة «إرما إينير موريس»، ونشر مجموعته الشعرية الثانية «الأسد ورامى السهام «The Lion and the Archer» عام ١٩٤٨.
وقد اعتنق هايدن بعد ذلك دين زوجته «البهائية»، بعد فترة قصيرة من زواجهما أى فى عام ١٩٤٣. وقد أوضح هايدن أن أسباب اعتناقه للإيمان البهائى شملت: الإيمان بالتطور التدريجى للوحى؛ الاعتقاد بأن تعاليم البهائية يمكن أن تؤثر على العلاقة بين التفكير الدينى والاكتشاف العلمى الضرورى لنظرة موحدة مادية وروحانية؛ والأهم، الإيمان بمبدأ الأخوة العالمية» «بونثيولا ت. ويليامز، تحليل نقدى لشعر روبرت هايدن، ص ٢٦».
وقد أثَّر هذا التحول على كتابته الشعرية وعلى نظرته إلى الحياة بصفة عامة. إذ لم يهدف عمدًا إلى تضمين إشارات إلى البهائية ولكنَّ تعاليمها انعكست بطريقة طبيعية وعفوية فى شعره.

والديانة البهائية واحدة من الديانات الحديثة نسبيًا، إذ تأسست فى منتصف القرن التاسع عشر الميلادى، وتُعرف بأنها حركة دينية عالمية تدعو إلى وحدة الأديان والشعوب، والسلام بين البشر. ورغم صغر عدد أتباعها مقارنةً بالديانات الكبرى، فإنها أثارت- ولا تزال- جدلًا واسعًا فى الأوساط الدينية والسياسية، خصوصًا فى المجتمعات الإسلامية، وتعود أصول البهائية إلى إيران، حيث ظهر الباب «على محمد الشيرازى» عام ١٨٤٤، مؤسس ما عُرف بالبابية، التى كانت تمهيدًا لظهور البهائية، وقد أعلن الباب أنه مبعوث من الله وأنه جاء ليمهد لظهور «مَن يُظهره الله»- أى بهاء الله لاحقًا. فى عام ١٨٦٣، أعلن ميرزا حسين على النورى، المعروف بلقب بهاء الله، أنه هو الموعود الذى بشر به الباب، مؤسسًا بذلك الدين البهائى رسميًا.
عاد هايدن بعد ذلك إلى التعليم العالى بعد نشر كتابه الأول، والتحق بجامعة ميتشجان لمتابعة دراساته العليا، وحصل لاحقًا على درجة الماچستير فى الجامعة.
وكان للشاعر الأمريكى الشهير دبليو إتش أودن W.H. Auden «١٩٠٧-١٩٧٣» تأثير كبير على كتابات هايدن الشعرية حيث كان يوجهه فى قضايا تتعلَّق بالشكل الشعرى والتقنيات الأدبية.وقد بدأ هايدن مسيرته التدريسية فى جامعة ميتشجان بعد تخرجه، ثم انتقل إلى جامعة فيسك بعد عدة سنوات، حيث استمر هناك لأكثر من عشرين عامًا، وعاد فى نهاية المطاف إلى ميتشجان فى عام ١٩٦٩، وظل فى آن آربر حتى وفاته فى عام ١٩٨٠.
وعلى مدار سنوات تدريسه، استمر فى كتابة ونشر الشعر، ليصبح واحدًا من أبرز الشعراء الأمريكيين الأفارقة، وعن مهنة التدريس علَّق هايدن قائلًا إنه يعتبر نفسه «شاعرًا يدرِّس لكسب لقمة العيش حتى يتمكن من كتابة قصيدة او اثنتين بين الحين والآخر». كان يرى نفسه أولًا وقبل كل شىء شاعرًا، ثم أستاذًا جامعيًا فى المرتبة الثانية، وعن ذلك أقول ياليت كل الناس فى مجتمعاتنا يفتخرون بأنهم شعراء وشاعرات ويدركون جيدًا أن الشهادات قد تمنح بواسطة إنسان، أما الشعر فيمنح من خالق الكون، فهى هبة تُمنح لكى تُسقى وتنمو حتى تصبح حديقة تمتع من ينظر إليها ويتأملها.

تناولت أعمال هايدن معاناة الأمريكيين الأفارقة، مستلهمًا كثيرًا من طفولته فى «وادى الجنة» Paradise Valley. حيث استخدم فى كتاباته الشعرية، العبارات العامية السوداء، مستندًا إلى المعرفة التى اكتسبها من مشروع الكُتَّاب الفيدرالى ومن تجاربه الشخصية، كما تناول موضوعات سياسية بشكلٍ صريح، مثل حرب ڤيتنام، وكان تاريخ العبودية والتحرر موضوعًا متكررًا فى شعره.
وقد تأثر هايدن بشكلٍ كبير بشعر «نهضة هارلم» الذى كتبه شعراء مثل «كونتى كولين» Countee Cullen «١٩٠٣-١٩٤٦» ولانجستون هيوز LangstonHughes «١٩٠١-١٩٦٧»، وكغيره من مجايليه من الشعراء، كان مُهتمًا بتاريخ الأمريكيين الأفارقة، كما كان مهتمًا أيضًا بالمشكلات العرقية والتى ظهرت جليًّا فى كتاباته الشعرية وبحلول فترة الستينيات من القرن الماضى، لمع اسم روبرت هايدن فى سماء الشعر وفاز بجائزة عن شعره فى مهرجان الفنون الزنجية العالمى الأول فى داكار، السنغال، فى عام ١٩٦٦، وكانت هذه الجائزة تقديرًا لكتابه «أنشودة الذكرى» A Ballad of Rememberance.
وعلى الرغم من اهتمامه المستمر بالموضوعات التاريخية والثقافية للأمريكيين الأفارقة، وعدم إنكار جذوره بالتعبير عنها فى شعره، كانت مكانة هايدن بوصفه كاتبًا أسود موضع تساؤل، فاعتقاد هايدن فى مبادئ البهائية التى تحث على المساواة، أثرت على اتجاهه نحو ذاته والنظر إلى شخصه بوصفه شاعرًا أمريكيًا وليس شاعرًا أفرو أمريكيًا، فلم يحاول تصنيف نفسه بالطريقة نفسها التى فعلها بعض الكُتَّاب والفنانين السود الأمريكيين الآخرون، بل أعلن نفسه أولًا وقبل أى شىء «شاعرًا أمريكيًّا» وأدى ذلك إلى نفور بعض من زملائه وأصدقائه وجمهوره، ورغم أن هذا الموقف أثَّر على سمعته إلى حدٍّ ما، فإنه لم يمنع من تحقيق النجاح النقدى أو التقدير الأكاديمى، فحصل هايدن على العديد من الجوائز تكريمًا لشعره، اُنتخب فى الأكاديمية الأمريكية للشعراء فى عام ١٩٧٥، وفى العام التالى، أصبح أول أفرو أمريكى يشغل منصب مستشار الشعر فى مكتبة الكونجرس، وهو المنصب الذى أعيدت تسميته لاحقًا ليصبح «شاعر الولايات المتحدة الأمريكية»، كما حصل هايدن على جائزة راسل لوينز من المعهد الوطنى للفنون والآداب عام ١٩٧٠.
ووصفه أحد النقَّاد بأن «عمله شهادة حقيقية على الحرفة، والرؤية، والوعى التاريخى، وعلى الحب والتسامح»، كما أجمع النقاد على أن شعر هايدن يمتاز بدمجه أيضًا بين التاريخ والرمزية، مما فتح بوابة إلى الروحانيات التى أضاءت مفاهيم الحقيقة والوحدة.

كان لهايدن طريقة مبتكرة فى دمج الموضوعات الشخصية والسياسية، ويستمد الإلهام غالبًا من شخصيات وأحداث تاريخية، ومن القصائد التى تعكس نهجه الحداثى قصيدتى «العبور الأوسط» Middle Passage التى تتألف من ١٧٧ سطرًا، قصيدة حداثية تتناول جوانب مختلفة من تجارة العبيد إلى أمريكا الاستعمارية.
تضمنت القصيدة أيضًا أسماء سفن العبيد وروايات البحارة القدامى، وحتى أجزاء من الترانيم التى كان يغنيها تجار العبيد و«أُنشودة نات تيرنر» The Ballad of Nat Turner، واستخدم فى كتابتهما تقنيات سردية مبتكرة للتأمل فى قضايا الحرية والإنسانية، كما تناولت أعماله موضوعات العرق والتاريخ مع التعمق فى تجاربه الشخصية وإيمانه بالديانة البهائية، وكل ذلك بأسلوب يتسم بالرقة والبلاغة،
ومن خلال هذا المزيج الهائل من التأثيرات والأساليب، يعتبر شعر هايدن انعكاسًا عميقًا لتعقيدات الحياة والسرد الأفرو أمريكى.
وقد كتب هايدن شعرًا احتجاجيًّا أيضًا، لكنه ركَّز على إنتاج فن جيدٍ بدلًا من الأسلوب الاعترافى الهتافى المبالغ فيه الذى كان شائعًا فى عصر حرب ڤيتنام. كان يعتقد أن الافتراضات الشائعة بين كُتَّاب منتصف القرن العشرين مثل «أن القدرة على التعبير عن الذات أهم من الحرفية»، كانت مضللة، ورأى أن «الشعراء الثوريين حقًا هم الذين يلتزمون برؤية متكاملة للفن والحياة».
كان هايدن مهووسًا أيضًا بصوت ووزن كلماته، وهذا أحد الأسباب التى جعلت أعماله الشعرية الكاملة لا تتجاوز مائتى صفحة.

كانت قصيدة «أيام الآحاد الشتوية «Those Winter Sundays»، أول قصيدة قرأتُها لهايدن، وتأثرتُ كثيرًا بما كتبه عن والديه بالتبنى وعن تضحياتهما الكبيرة التى بذلاها لحمايته وغمره بالحب والحنو الذى افتقده عند والديه، تأثرتُ كثيرًا إلى حد البكاء، حتى إننى لم أترجمها فور قراءتها بل انتظرت ساعات ثم رجعت إلى ترجمتها والاستمتاع بمعانيها المذهلة التى تدفئ القلب، فبرغم بساطة وعفوية المعانى، فإنه عبَّر عنها بمنتهى الدقة والحرفية والبلاغة التى تأسر العقل والروح معًا. أدركتُ من خلال قراءتى لهذا الشاعر، أنه شاعر رومانسى غلَّف نفسه بروح الواقعية الموجعة حتى يعبر بصدق عما رآه وعاشه، وبرغم اهتمامه الكبير بوزن كلماته وموسيقاها فإنه لم يفته عفوية وصدق مشاعره والتعبير عنها بكلماتٍ وتعابير وصور حديثة مواكبة للعصر، وبرغم كل الصعوبات التى مر بها، كان قويًّا فى الحق، دافع عن آرائه بثقةٍ، مرفوع الرأس وباستماتة من دون إحباطٍ أو خضوعٍ لآراء الغير.
وقد ترك روبرت هايدن إرثًا شعريًا يتكون من تسعة كتب شعرية من بينها: «أشكال الوقت» Figures of Time عام ١٩٥٥ و«كلمات فى زمن الحداد» Words in the Mourning Time عام ١٩٧٠ و«السريس المُزهر ليلًا» Night -Blooming Cereus عام ١٩٧٢ و«زاوية الصعود: قصائد جديدة ومختارة» Angle of Ascent:New and Selected Poems عام ١٩٧٥ وغيرها، ولدينا فى الشعر العربى اسمان بارزان يقابلانه فى الإنتاج الشعرى وهما «صلاح عبدالصبور» الذى أنتج خمسة أعمال شعرية وخمس مسرحيات شعرية فقط، و«محمد الماغوط» الذى ترك أثرًا شعريًا كبيرًا بثلاثة أعمال شعرية فقط، وهذا يدل على أن كثرة الأعمال لا تعنى الجودة، وأن العبرة بالكيف وليس بالكم.
وفى حوارٍ مع روبرت هايدن أجراه الكاتب الأمريكى «دوجلاس روهى» Douglas Ruhe، سأله:
«ما الذى سيكون عليه مستقبل الشعر فى أمريكا؟ ماذا سيجلب القرن الثالث؟ ربما يمكنك التحدث عن ذلك فى جزأين: محتوى الشعر، ثم الموضوعات والتقنيات».
فأجابه هايدن: «أفضل طريقة للبدء هى القول بأنه من الصعب التنبؤ، لكن يبدو لى أن هناك تنوعًا كبيرًا فى الشعر اليوم، وأعتقد أن هذا التنوع سيستمر. وسيكون هناك العديد من الأصوات المتنوعة فى الشعر الأمريكى فى القرن القادم. فلدينا اليوم جميع أنواع الأشكال الشعرية، رغم أنه، بشكل عام، يبدو أن هناك رد فعل ضد الشعر الذى يعتمد على البناء التقليدي، وهناك الكثير من الاهتمام بالأشكال الحرة. ربما، مع تقدم القرن، ستظهر أشكال أكثر إثارة للاهتمام، وربما حتى أشكال جديدة. أعتقد أنه حتى السينما، والتليفزيون، والأفلام قد تؤثر بطريقة ما على الاتجاه الذى يسلكه الشعر، وقد تؤثر على شكله. يمكننى أن أتخيل قصائد تُستخدم مع الأفلام.
أما بالنسبة للمحتوى، أعتقد أن الشعراء الأمريكيين سيواصلون الكتابة عن الحياة كما تُعاش هنا فى الولايات المتحدة الأمريكية، والتعامل مع التجارب الخاصة التى تميزنا. إضافةً إلى ذلك، لا أستطيع أن أقول الكثير. أعتقد أنه إذا بقينا شعبًا حرًّا، وإذا استمر الفرد فى التمتع بحريته ولم نتعرض لأى نوع من التنظيم القسري، وإذا لم تظهر مجموعات تسيطر علينا، فإن الشعراء سيتمكنون من الحفاظ على التنوع وابتكار جميع أنواع الأشكال الجديدة، وبما أن هناك تجارب تُجرى فى هذا القرن وستمتد بمرور الوقت فى الفنون وكذلك العلوم، أعتقد أنه فى المستقبل سيكون هناك النوع نفسه من التنوع».
سأله روهى: «من هم الشعراء الذين ترى أنهم يشيرون إلى اتجاهات جديدة فى أمريكا وتعتبرها ذات أهمية؟».
أجابه هايدن: «من الصعب القول. هناك قدر معين من المرونة والتطور فى المدارس الشعرية. هناك مدرسة كاملة من الشعراء الذين يكتبون فى الأشكال الحرة، وهى مدرسة لا تعتمد كثيرًا على التقنيات القديمة والأساليب التقليدية. هناك بعض الشعراء الطليعيين، الذين لا أعرف أعمالهم جيدًا، ولكنهم مهتمون بخلق نوع من الشعر الشفهى الذى لا يُكتب، بل يُلقى، وإذا لم يُسجَّل، فإنه ببساطة سيختفى.
أستطيع القول إن هناك العديد من الشعراء الجيدين الذين يبدو أنهم يشيرون إلى اتجاه جديد. أفكر فى بعض الشعراء الأمريكيين الأفارقة، وأفكر فيهم أولا لأننا، لفترة طويلة، ارتبطنا بنوع معين من الكتابة، واُعتبرنا أقرب إلى علماء الاجتماع من الفنانين، لكننى سأشير إلى شعراء مثل مايكل هاربر، الذى يُدرِّس فى جامعة براون؛ جاى رايت، الذى يُدرِّس فى جامعة ييل؛ ديفيد هندرسون، نورمان لوفتيس، وهربرت مارتن.
لكن هذا يصبح خطيرًا لأن أصدقائى سيقولون: «آه، لم تذكرنى!» ولكننى ذكرت فى الغالب شعراء هم أصدقائى. أعتقد أن ما هو جديد فى أعمالهم هو موقف جديد تجاه ما يعنيه أن تكون إفريقيًّا أمريكيًّا، وأن لديهم اهتمامًا بالشعر كفن وليس بالشعر كسلاح.
بعض الشعراء الآخرين، الذين ليسوا أفارقة أمريكيين ولكنهم يشيرون فى اتجاه جديد، سيكونون ويليام ميريديث، وجيمس رايت، وليسيل مولر. ما هو جديد فى جميع هؤلاء الشعراء هو موقف مغاير ومختلف وحديث تجاه الحياة، ومحاولة كتابة شعر له عمق ومعنى إنسانى.
استمر هايدن فى التدريس والكتابة رغم معاناته من ضعف البصر، حتى وفاته فى عام ١٩٨٠ إثر إصابته بمشكلات فى القلب، وكان عمره حينها ستة وستين عامًا ودُفن فى آن آربر بولاية ميتشجان.
رحل هايدن تاركًا بصمة دائمة فى الأدب الأمريكى، حيث استطاع ببراعة فائقة أن يدمج بين التجارب الإنسانية والشخصية وبين المشكلات السياسية والعرقية مشكِّلًا جوهرًا شعريًّا فريدًا لا يضاهيه أحد فيه.