قبل النشر
فضيحة «ألكا».. اتهام دار نشر عراقية بطرح إصدارات مكتوبة كاملة بـ«AI».. وأسماء مؤلفيها «وهمية»!
- وضع أسماء مؤلفين مشهورين على بعض هذه الإصدارات دون أن يعرفوا عنها شيئًا
- المؤلفات مكتوبة بلغة إنشائية أقرب إلى إنتاج «شات جى بى تى وأخواته
شهد الوسط الثقافى العراقى جدلًا كبيرًا حول دار «ألكا» للنشر، عضو اتحاد الناشرين العراقيين، على إثر اتهامها بطرح كتب مكتوبة بالكامل بواسطة «الذكاء الاصطناعى»، ونسبها إلى مؤلفين وهميين لا وجود لهم فى الحقيقة، إلى جانب كُتب أصلية أخرى تُرجمت بالطريقة ذاتها «الذكاء الاصطناعى»، فتغير محتواها بشكل كبير، فى تعدٍ واضح على حقوق مؤلفيها الأصليين.
ورغم أن الدار عراقية، إلا أن القضية تنذر بخطورة كبيرة على صناعة النشر فى العالم العربى كله، خاصة أنها تجسد التحذيرات التى أطلقها كثيرون من أبناء هذه الصناعة بشأن «الذكاء الاصطناعى» وخطورته، التى وصلت إلى حد تأليف كتب كاملة به، ووضع أسماء مؤلفين وهميين عليها، ما يضرب النشر فى مقتل، ويضيف إلى معاناته الكثيرة معاناة جديدة وأشد خطورة.
تفاصيل القضية الخطيرة برمتها تستعرضها «حرف» فى السطور التالية.

«الطائى» يلقى بالقنبلة
فجر الكاتب العراقى، صادق الطائى، مفاجأة من العيار الثقيل حول إصدارات دار «ألكا»، التى ثبت أن مجموعة كبيرة منها مؤلفات وهمية بالكامل، تحمل أسماء مؤلفين غير موجودين، وتُسند إلى مترجمين لا أثر لهم، وتعرض نصوصًا تبدو فى غالبها مكتوبة بواسطة «الذكاء الاصطناعى»، قبل طرحها للقارئ بوصفها «مراجع موثوقة» أو «ترجمات لكتب أجنبية نادرة».
وقال «الطائى»، عبر حسابه الشخصى على موقع «فيسبوك»: «من يتأمل مشهد النشر العراقى، خلال الأعوام الأخيرة، يصطدم بفضيحة لا تشبه أى خلل مهنى معتاد، بل تتجاوز حدود الأخطاء الطباعية وسوء الترجمة إلى مستوى صادم من التضليل الثقافى المتعمد».
وأضاف الكاتب العراقى، كاشفًا عن تفاصيل الفضيحة: «تسربت إلى السوق العراقية، عبر دار (ألكا)، التى تديرها الأكاديمية الدكتورة فاطمة بدر، مجموعة كبيرة من الكتب، التى روج لها شقيق مديرة الدار، الروائى العراقى على بدر، عبر صفحته فى (فيسبوك)، وبعد فحصها النصّى والفهرسى، اتضح أنها مؤلَفات وهمية بالكامل، تحمل أسماء مؤلفين غير موجودين، وتُسند إلى مترجمين لا أثر لهم، وتعرض نصوصًا تبدو فى غالبها مكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعى AI، ثم تُطرح للقارئ بوصفها (مراجع موثوقة) أو (ترجمات لكتب أجنبية نادرة)».
وأوضح أن المراجعة المستندة إلى تحليلات معتمدة أظهرت أن كتبًا مثل: «عاصفة ستالين..كيف قتل ستالين رفاقه؟»، و«الحسن الصباح.. قراءة جديدة فى السيرة والتاريخ»، و«الدولة الفاطمية من السر إلى الدعوة»، و«الإمبراطورية الصفوية: كيف غيّرت الشرق الأوسط إلى الأبد؟»، و«أبوالعباس السفاح.. شريعة الدم فى التأسيس السياسى للدولة فى الإسلام»، و«هتلر والنساء»، و«فضائح الأدباء الجنسية»، و«فيلم إيمانويل ١٩٧٤»، و«الصحفى النيويوركى»- كان القاسم المشترك بينها جميعًا هو غياب أى وجود حقيقى للمؤلفين الذين تُنسب إليهم!
وواصل: «أسماء مثل أنا ريابوفا، وريكا هيجيدوش، وألان بادرسن، وإيلى فون بادربن، وشانون شميت، وجونى روندن، وباترك فرهالست، وإليزابيت شتاينر، لا نجد لها أى حضور فى سجلات المؤلفين العالمية، ولا فى قواعد بيانات الدوريات، ولا فى أرشيف الجامعات، ولا حتى فى الظهور البسيط الذى يتركه أى مؤلف هامشى فى شبكة الإنترنت».
وأكمل الكاتب العراقى: «بعض الأسماء تبدو مصنوعة بطريقة بدائية، أو مكتوبة بتركيب لغوى لا يتناسب مع اللغات التى يُفترض أن أصحابها ينتمون إليها. وحتى حين يظهر اسم حقيقى مثل ديفيد برايس- جونز، فإنه يُستغل لتمرير كتاب بعنوان لا علاقة له بمؤلفه الأصلى».
وزاد: «الأمر ذاته ينسحب على المترجمين. فبعض الكتب جاءت غفلًا من اسم المترجم. أما الأسماء التى ظهرت على الأغلفة بصفات (دكتور) أو (باحث)، مثل د. مجد مسعد، ود. شيار حسن، وجوزفين عاقل، أو غيرهم، فلا وجود لها فى أى سجل للترجمة أو فى الأوساط الأكاديمية أو المهنية. إنهم ببساطة مترجمون وهميون، لا تُعرف لهم سيرة ولا أعمال أخرى ولا حضور علمى».

وتابع: «يزداد الأمر وضوحًا حين نقرأ ما يفترض أنه (نص مترجَم)، فلا نجد أى أثر لروح الترجمة أو بنيتها أو خصوصيتها الأسلوبية، بل نصوص عامة ومسطّحة، مكتوبة بلغة إنشائية أقرب إلى إنتاج النماذج اللغوية الميكانيكية، خالية من الإحالات المرجعية والمصادر، ومليئة بالأخطاء المفهومية، التى لا يمكن أن تصدر عن مترجم حقيقى يعمل على كتاب صادر أصلًا عن مؤلف حقيقى».
وقال صادق الطائى إن «مراجعة هذه الكتب تكشف أن النصوص لا تعود إلى أى مؤلف أجنبى، بل يُعاد إنتاجها عربيًا بطريقة تفتقر إلى المنهج، وتُبنى على معلومات مختلقة أو مجتزأة أو بلا سياق».
وأوضح أنه فى كتاب «عاصفة ستالين» مثلًا، نجد سردًا مشوشًا لا يشبه الأدبيات التاريخية الروسية أو الغربية. وفى «الحسن الصباح» و«الدولة الفاطمية» و«الإمبراطورية الصفوية»، نجد استرسالًا فى معلومات غير موثقة، لا يمكن إسنادها لأى مرجع أكاديمى.
أما «فيلم إيمانويل ١٩٧٤» فمكتوب بنبرة عربية لا تمت بصلة لكتابات النقد السينمائى فى أوروبا. بينما الكتاب الخاص بالصحافة «الصحفى النيويوركى» فيسقط سقوطًا فاضحًا حين يخلط بين مؤلفه المفترض هاملتون هولت وتشارلز ديكنز، الذى وُضع اسمه باللغة الإنجليزية على الغلاف خطأً مع عنوان روايته الشهيرة «الأزمنة الصعبة»، فى واحدة من أكثر علامات التزوير وضوحًا وسذاجة.

باقى الفضيحة
لا تتوقف الفضيحة عند مستوى النص والمؤلف والمترجم، بل تمتد إلى تفاصيل النشر، وفق صادق الطائى، الذى أوضح أن «جميع الكتب تحمل أرقام ISBN غير مسجلة فى قواعد البيانات الدولية، ما يعنى أن هذه الأرقام مصطنعة، وأن الكتب بلا هوية قانونية».
كذلك لا يوجد أى أثر لجهة أجنبية يُفترض أن الكتب مترجمة عنها، ولا عنوان أو تاريخ إصدار أو دار نشر أجنبية أصلية. وما يزيد الشبهة هو استعمال شعار مكرر على أغلفة الكتب باسم «TIVOLI» أو «قصص ترفولى».
«TIVOLI» هى تسمية تعود لدار نشر معروفة فى بلجيكا. لكن عند البحث لن تجد كل هذه العناوين ضمن مطبوعاتها. ويبدو أن وضع اسم دار نشر فعلية هو مجرد واجهة اسمية تُضاف إلى الأغلفة لإعطاء إيحاء بأن الكتاب مترجَم عن مصدر أوروبى.
هذا النمط من الاختلاق: مؤلف غير موجود، ورقم دولى غير موجود، يطابق ممارسات التزوير البسيط، التى تهدف إلى خداع القارئ عبر «الإيحاء بالعالمية».
وخلص «الطائى» إلى أن «ما جرى لا يمكن اعتباره خطأ أو تجاوزًا، بل تزييف حقيقى للمعرفة»، شارحًا: «هذه الكتب لا تضلل القارئ فحسب، بل تُفسد البيئة الثقافية، وتشوّه صورة الترجمة والبحث، وتقدم موادّ مضللة يمكن للطلاب والباحثين غير المدققين اعتمادها فى دراساتهم على أنها كتب أكاديمية».
ورأى أن الأخطر هو وصول هذه الإصدارات إلى رفوف معرض العراق الدولى للكتاب، وهى فعالية يفترض بها أن تكون الأكثر حرصًا على مستوى جودة الدور المشاركة، مضيفًا: «مجرد عرض هذه الكتب فى مهرجان رسمى يثير أسئلة كثيرة حول آليات الرقابة، ومسئولية اتحاد الناشرين العراقيين، ووزارة الثقافة، وإدارة المهرجان».
وتساءل: «كيف مُنحت هذه الدار منصة عرض واسعة بينما كتبها تفتقر لأبسط مقومات الشرعية المهنية؟ ومن يتحمل مسئولية إدخال هذا الكم من الخداع البصرى المعرفى إلى فضاء ثقافى يمثل العراق أمام العالم؟».
وواصل «الطائى»: «حماية المجال الثقافى ليست ترفًا ولا سجالًا، بل شأن عام يمس جوهر وعى المجتمع. وما جرى يستدعى فتح تحقيق رسمى شفاف، ومراجعة إجراءات القبول فى المعارض، ومساءلة القائمين على النشر فى هذه الدار، حفاظًا على مصداقية صناعة الكتاب، ومنع تحولها إلى مساحة للمنتجات المزيفة».
واختتم بقوله: «الثقافة العراقية التى واجهت الحرب والحصار والرقابة، لا تستحق أن تنهار اليوم تحت وطأة كتب مصنوعة على عجل، بأسماء مستعارة ونصوص مُقلّدة، تُمرّر على أنها (معرفة)، بينما هى، فى الحقيقة، مجرد وهم منسّق بخط جميل وغلاف جذاب».

مدير الدار يتنصل
فى تعقيبه على الاتهامات السابقة، قال المدير السابق للدار، على بدر: «أنا تركت دار (ألكا) من عامين، وتديرها شقيقتى الدكتورة فاطمة منذ ذلك الوقت، وهذا الشىء رسمى وليس صوريًا. فلا قدرة لى على العمل عليها سوى المساعدة فى بعض الأمور الخاصة التى تنفعها فى إبقاء الدار حية ومستمرة، مثل عروض الكتب، وهى مهمة أقوم بها لمنفعة عامة ولحبى للكتب والترويج لها».
وأضاف «بدر»: «من جانبى أوقفت النشر فى الدار منذ ٤ أعوام، وأقفلت جميع المخازن فى كل العالم العربى، وعملتها دارًا محلية، وتركتها لشقيقتى. هى حصلت على كتب جيدة عن طريق الإيميل، الكثير منها غيرت عناوينها، وبعضها الآخر على شكل كتب مشتركة».
وأوضح أن من بينها كتاب يان زيجلر، وهو كاتب سويسرى شهير، وكتاب «العرب» لديفيد برايس جونز، الذى قابله فى ٢٠١٠، ونشر تفاصيل هذه المقابلة فى كتابه «صحيفة الغرباء» الصادر عام ٢٠١٨، إلى جانب كتاب شانون وروندون عن «الفضائح الجنسية للأدباء»، أو كتاب «الصحفى النيويوركى»، الذى يحمل عنوان: «الصحافة والتجارة»، وموجود فى موقع «جوتنبرج».
وواصل: «لم يخطر فى بالى مطلقًا أن أيًا من هذه الكتب مزيفة كما ادعى صادق الطائى، وما استغربته هو حفلة الكراهية التى رقص لها الكثيرون، ومنهم أصدقاء كنت أتوقع أنهم أصدقاء. وبصرف النظر عن تخلىّ عن مسئولية الدار منذ وقت ليس بقريب، مع ذلك أنا أتحمل أى مسئولية طالما أن الأمر يخص دار (ألكا). وأعد بإغلاق الدار نهائيًا فى حالة وجود أى شائبة أو شبهة أو خطأ حتى إذا كان غير مقصود».

«الطائى» يعقب
على نفس المنشور السابق، رد الكاتب صادق الطائى، الذى أثار القضية من بدايتها، قائلًا: «فى المنشور الذى نشرته، أشرت إلى مجموعة كتب نُشرت فى دار (ألكا)، التى تديرها الأكاديمية د. فاطمة بدر، ولم أقل إن لعلى بدر علاقة بالدار، بل قلت إنه روّج لكتب تم نشرها وتوزيعها مؤخرًا فى معرض العراق الدولى للكتاب الأخير فى بغداد».
وأضاف «الطائى»: «من العرف فى أخلاقيات النشر أن من حق الناشر تغيير العنوان لأسباب تجارية أو بلاغية بحسب ما يرتأيه المترجم والناشر. لكن يجب وضع عنوان الكتاب الأصلى، واسم المؤلف، ودار النشر الأصلية، ليتسنى للقارئ والباحث التأكد من مصداقية الكتاب»، قبل أن يعقب: «أستاذ على أشار أعلاه إلى بعض الكتب، وأنا هنا أطالبه بشكل رسمى، لأنه روج لكتب أخرى، أنا أشك أنها كتب وهمية لكتاب وهميين ومترجمين وهميين».
وواصل: «أتمنى من على أن يرد علىّ هنا، أو أن يرد على أحد القائمين على الدار بخصوص الكتب التالية: عاصفة ستالين.. كيف قتل ستالين رفاقه؟، والحسن الصباح.. قراءة جديدة فى السيرة والتاريخ، والدولة الفاطمية من السر إلى الدعوة، والإمبراطورية الصفوية: كيف غيّرت الشرق الأوسط إلى الأبد؟، وأبوالعباس السفاح.. شريعة الدم فى التأسيس السياسى للدولة فى الإسلام، وهتلر والنساء، وفيلم إيمانويل ١٩٧٤، للكُتَّاب أنا ريابوفا، ريكا هيجيدوش، ألان بادرسن، إيلى فون بادربن، باترك فرهالست، وإليزابيت شتاينر».
وتابع: «إذا كانت كتبًا حقيقية أتمنى من دار (ألكا) وضع أغلفة الكتب الأصلية، وعندها سأعتذر بشكل رسمى، وبالطريقة التى تراها الدار مناسبة لرد الاعتبار لها. أما إذا لم يتم ذلك فى غضون أيام، فأنا أطالب من هنا، من صفحة الصديق على بدر، بفتح تحقيق شفاف حول الكتب الوهمية التى تم تسويقها فى العراق على أنها مصادر حقيقية، وذلك لخطورة الأمر».

صاحبة «ألكا» ترد
أما الدكتورة فاطمة بدر، رئيسة الدار، فقالت: «لو كانت كتبنا مكتوبة بالذكاء الاصطناعى لكنا كتبنا عليها بكل بساطة: (كتب كُتبت بالذكاء الاصطناعى)، وهو أمر طبيعى ومشروع وموجود فى كل المعارض العالمية».
وأضافت: «النقطة الثانية هو الاستهداف الشخصى لشقيقى على بدر، مع أنه ترك الدار من عامين، وطلبنا منه الترويج لكتبنا على صفحته»، معتبرة أن «صادق (الطائى) لو كان صادقًا لتأكد من الكتب بشكل حقيقى ودون استعجال».
وواصلت: «نعم، تم تغيير عناوينها، وهذا متبع فى كل العالم، فدار النشر يمكنها أن تنشر كتابًا بعنوان آخر هى ترتأيه»، موضحة أن كتاب «العرب» موجود بعنوان «الحلقة المغلقة» للكاتب ديفيد برايس جونز، وكتاب «هتلر والنساء» موجود فى «بيوجرافيا» عن هتلر صادر من خلال معهد «Institut für Zeitgeschichte IfZ» بعنوان: « Hitler. Eine Biographie».
وأكملت: «ما يقوله السيد صادق الطائى عن الأرقام العالمية للكتب ISBN أنها مزيفة، فهو محض هراء، كل الكتب مأخوذة بأرقامها، وليس لدينا أى رقم لم نشتره أو زيفناه». وزادت: «ما أقوم به الآن مع بعض من يساعدنى، لأن لا إلمام لى باللغات الأجنبية، فى حالة معرفة أنها كتب مزيفة، من دون شك سأقوم بإيقافها».
وتابعت: «نعم أستقبل الكتب، مثل كل الدور، عن طريق الإيميل، أحيانًا صعب علىّ التحقق، فأرسل الكتاب لمختص لمعرفة علميته، وأخضع الترجمة إلى برنامج الذكاء الاصطناعى، وأقبلها لما تكون بشرية بدرجة معقولة»، قبل أن تختتم بقولها: «الإشارة من القارئ مهمة، لكن ليس بطريقة التحريض، لأنه ليس لدى أى مقاصد مادية من الدار، ومقاصدى ثقافية فقط».







