الثلاثاء 16 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

إمبراطورية دياجليف.. كيف أبهر الباليه الروسى العالم؟

حرف

- كتاب يروى الملحمة الاستثنائية والقصة الخالدة لفرقة الباليه الروسية

-«دياجليف».. المبدع صاحب الرؤية الذى أحدث ثورة فى عالم الباليه والثقافة الأوروبية 

- من باريس إلى نيويورك.. رحلة النجاح الساحق لفرقة الباليه الروسية

- دياجليف كان رجلًا لا يمتلك موهبة إبداعية خاصة.. لكن عبقريته كانت فى اكتشاف المواهب اللازمة وجمعها وجعلها فعالة والحصول على نتائج

- قبل الحرب العالمية الأولى ضمّت حاشية دياجليف الملحن سريع الانفعال إيجور سترافينسكى ونيجينسكى الذى اتخذه أول تلميذ له

بروح ريادية لا تلين، ابتكر سيرج دياجليف «1872-1929»، المدير الفنى الروسى ومؤسس فرقة الباليه الروسية، الباليه الحديث، وهو الخبير الذى لم يتلق أى تدريب فى الرقص أو تصميم الرقصات، لكنه كان يحلم بنقل الفن والموسيقى والتصميم والتعبير الروسى إلى الغرب، وكانت لديه مهمة قيادة ثورة ثقافية وفنية.

بجمعه مواهب أسطورية مثل فاسلاف نيجينسكى، وآنا بافلوفا، وإيجور سترافينسكى، وبابلو بيكاسو، وهنرى ماتيس، ابتكر هذا العبقرى المعقد والرؤيوى شكلًا جديدًا من الباليه، يتميز بالنزاهة الفنية والحرية الإبداعية وتجربة شاملة للفن والحركة والموسيقى. 

وقد وصفت الصحافة الباريسية مزيج الألوان المتفجر، وتصميم الرقصات الحسى والذكورى، والأصوات التجريبية لفرقة الباليه الروسية بـ«البربرية»، إلا أن أسلوبها الراديكالى تخطى الأعراف الراسخة للباليه التقليدى، وأحدث تحولًا جذريًا فى المجال الثقافى الأوروبى ككل.

فى كتابه «إمبراطورية دياجليف: كيف أبهر الباليه الروسى العالم»، يستكشف الناقد الفنى روبرت كريستيانسن، الصراعات العنيفة والشخصيات البارزة والابتكارات الفنية الاستثنائية التى تشكّل هذه القصة الخالدة لفرقة الباليه الروسية.

الكتاب الذى يقع فى ٤٠٠ صفحة، صدر فى ديسمبر ٢٠٢٣، عن دار نشر «بيكادور» الإنجليزية التابعة لدار بان ماكميلان، ويأتى فى المرتبة الثالثة للكتب الأكثر مبيعًا فى مجال السير الذاتية للراقصين.

روبرت كريستيانسن ناقد رقص فى مجلة «ذا سبيكتاتور». عمل أيضًا ناقدًا للرقص فى صحيفة «ذا ميل أون صنداى» من عام ١٩٩٥ إلى عام ٢٠٢٠، وكتب عن مواضيع تتعلق بالرقص فى العديد من المنشورات فى المملكة المتحدة والولايات المتحدة، بما فى ذلك مجلات «فوج» و«فانيتى فير» و«هاربرز آند كوين» و«ذا أوبزرفر» و«ذا ديلى تلجراف» و«ذا ليترارى ريفيو» و«دانس ناو» و«دانس ثياتر جورنال». 

عمل ناقدًا للأوبرا ومراسلًا فنيًا فى صحيفة «ديلى تليجراف» من عام ١٩٩٦ إلى عام ٢٠٢٠، وهو مؤلف اثنى عشر كتابًا غير روائى، منها «رومانسيك أفينيتس» و«مدينة النور»، انتخب زميلًا فى الجمعية الملكية للأدب عام ١٩٩٧.

المدير المناسب

يوضح كريستيانسن كيف يمكن للشخصيات الغريبة الأطوار والنرجسية أن تتعاون معًا لصياغة فن عظيم، إذا ما توفر لها المدير المناسب، وهو ما فعله سيرج دياجليف، مؤسس فرقة الباليه الروسية الأسطورية، الذى أبرم صفقات مع مجموعته الفنية المتنوعة من الفنانين والداعمين على مدى عقدين من الزمن، حيث عرّف العالم بأمجاد الباليه الروسى. 

وإلى جانب إطلاق العديد من المهن الفنية، قام دياجليف بتغيير مفهوم الرقص من مجرد تمرين تقليدى فى التناظر والقطع الثابتة إلى شكل فنى جاد ومزيج غامر ورائع من الرسم والموسيقى وابتكارات الحركة، بعبارة أخرى، قاد الباليه من القرن التاسع عشر إلى القرن العشرين.

ثلاثة أقسام

يمكن تقسيم فصول الكتاب التسعة إلى ثلاثة أقسام: «الحدود» و«الجذور» و«البدايات» التى تتناول دياجليف نفسه ومشاريعه المبكرة؛ «الانتصارات» و«الحرب» التى تبرز الفترة الأكثر إبداعًا فى مسيرة الفرقة؛ وتتناول أعمال «المنافسون» و«الخلفاء» و«الناجون» التأثيرات، حيث تتناول الأحداث والشخصيات بين عام ١٩٢٩ ومنتصف القرن العشرين.

يعد الفصل الأول، «الحدود»، بمثابة مقدمة، يصنف فيه المؤلف فرقة الباليه الروسية كمحفز لتحول نموذجى فى الإنتاج الثقافى الحداثى، ويعتقد أن الرقص، لكونه متحركًا، لديه إمكانات أكبر بكثير لكسر الحدود التى تحمل الاسم نفسه.

ويبرز الموضوع الفرعى المستفز للجندر والجنسانية منذ البداية. بالنسبة للكاتب، فإن الفرقة «قدّمت شكلًا جديدًا من الحسية، متحدية الحدود التقليدية للذكورة والأنوثة».

نصف المتعة

يخبرنا كريستيانسن فى الكتاب أن زوجة أبى دياجليف، هى التى زرعت بذور ثقة استثنائية فى نفسه، وهو شاب عادى ظاهريًا. قالت يلينا دياجليف لسيرج الصغير، رغم إنجازاته الأكاديمية المتواضعة وافتقاره للموهبة الموسيقية: «لا تقل أبدًا لا أستطيع»، «عندما يريد الناس، يستطيعون». وكانت هذه نصيحة استجاب لها دياجليف الطموح للغاية.

يرى المؤلف أن دياجليف كان رجلًا «لا يمتلك موهبة إبداعية خاصة» لكن عبقريته كانت «فى اكتشاف المواهب اللازمة وجمعها، وجعلها فعالة، والحصول على نتائج».

بعد أن جاء من بيرم النائية فى جبال الأورال غرب روسيا إلى سانت بطرسبرج الراقية عام ١٨٩٠ لدراسة القانون، بدأ سيرج، وهو ابن تاجر فودكا من طبقة النبلاء الروس من ملاك الأراضى، البالغ من العمر ثمانية عشر عامًا، بالتعرف على مجموعة من المثقفين الشباب الجادين المعروفين باسم «نيفسكى بيكويكيين»، قبل أن يقيم معرضًا فنيًا لأعماله الخاصة، ويطلق مجلة بعنوان «عالم الفن». 

وذلك بعد أن شعر بالإحباط من النزعة المحافظة السائدة فى عالم الفن الروسى، فهو نشأ حيث كان والداه يقيمان حفلات موسيقية منتظمة. وتلقى تعليمًا جيدًا، وكان شغوفًا بالأوبرا والرسم، وكان يأمل أن يصبح ملحنًا.

استوحى دياجليف من معرض «ذا ستوديو» اللندنى، فعرّف القراء الروس على سيزان وماتيس وفان جوخ وكاندنسكى. وخضعت سانت بطرسبرج لمحاولة أخرى لتحسين ذوقها الفنى عندما قام بمفرده تقريبًا، بجمع التبرعات وتقديم معرض ضخم للوحات شخصية لشخصيات روسية مرموقة. 

ثم انتقل إلى الإشراف على الفن الطليعى الروسى، وهو فن مثير للاهتمام، وإن كان يفتقر إلى السوق العالمية. وأخيرًا، شقّ طريقه نحو الباليه، الذى بدا له سخيفًا عندما صادفه لأول مرة. ومع ذلك، كان ذلك نصف المتعة. وكما قال صديقه ألكسندر بينوا لاحقًا: «كان يعرف كيف يريد الشىء، يعرف كيف يطبّق إرادته».

يشير الكاتب إلى أن دياجليف قد شعر بفرصة واستخدم معرفته العميقة بعالمى الموسيقى والفن لتكليف التعاون مع إيجور سترافينسكى وسيرجى بروكوفييف وكلود ديبوسى وبابلو بيكاسو وفاسيلى كاندينسكى وهنرى ماتيس وجوان ميرو وجان كوكتو وماكس إرنست وكوكو شانيل. 

وقد مكنت هذه الشراكات الفنية الرائعة دياجليف من تحقيق فلسفة الملحن الألمانى المتمثلة فى Gesamtkunstwerk ««العمل الفنى الكامل»».

روح الإبداع

فى هذه الحالة، اشتملت الإرادة على تحويل شكل فنى منهك إلى أشكال جديدة مثيرة، لدرجة أن العالم لم يستطع إلا أن يتأملها ويلاحظها. ورث دياجليف ممارسة فنية جامدة، تنتج حكايات حنينية عن بجعات تحتضر وأميرات نائمات لجمهور يتألف فى معظمه من رجال فى منتصف العمر، جاءوا ليتفرجوا على الفتيات ويتساءلوا إن كنّ يرتدين سراويل داخلية. 

كان نجاحه الأعظم هو ضخّ روح الإبداع فى الباليه الروسى - الذى أطلق على فرقته الجديدة اسم «باليه روس» - بحيث انخرط فى خلق حالات مزاجية ولحظات من النشوة، بدلًا من مجرد إعادة سرد قصص غير معقولة.

كان فى قلبها أيضًا نوع جديد من الجسد، جسد قادر على القفز عاليًا وسريعًا كما كان من قبل، ولكنه أيضًا يرتب نفسه بحيوية بصرية جديدة.

يلفت كريستيانسن إلى أن الفرقة الروسية انطلقت فى سانت بطرسبرج بعد تأسيسها عام ١٩٠٩، وحصلت على اسمها الفرنسى، ليشير إلى أول جولة لها خارج البلاد، والتى اجتاحت باريس ولندن ونيويورك بين عامى ١٩٠٩ و١٩٣٠.

برنامج ذكى

من المفارقات أن روسيا كانت من الأماكن التى لم تقدم فيها فرقة الباليه الروسية عروضها. فعندما كان موظفًا شابًا فى سانت بطرسبرج، فقد دياجليف حظوته لدى رؤسائه، بعد تنظيمه العديد من المشاريع الفنية الناجحة.

وفر العديد من الفنانين من البلاد خلال الثورة البلشفية، وبعدها اضطر دياجليف، الذى شعر بالحنين إلى الوطن، إلى منفى دائم فى أوروبا.

كان دياجليف، الذى كان يجيد الفرنسية، يتطلع إلى أوروبا لتحقيق طموحاته. فقد أشرف على معرض ناجح للفن الروسى فى باريس عام ١٩٠٦، وفى العام التالى، نظم سلسلة من الحفلات الموسيقية الأوركسترالية التى تضمنت موسيقى الملحنين الروس والباس الروسى الرائع فيودور شاليابين. وفى عام ١٩٠٨، قدم دياجليف إنتاجًا ناجحًا للغاية لأوبرا موديست موسورجسكى بوريس جودونوف فى باريس. 

يشير المؤلف إلى أن فى هذه الأثناء، مثل الأوبرا، نشأ الباليه فى ثقافة بلاط عصر النهضة الفرنسية والإيطالية، لكنه تراجع فى أوروبا فى القرن التاسع عشر، حيث «لم يكن له محتوى فكرى ولا كرامة جمالية»، وكان يستخدم فى المقام الأول لتسلية كبار السن الفاسقين. 

وفى روسيا، خلال ذلك، كان باليه مارينسكى وبولشوى تحت سيطرة القيصر. وعلى الرغم من أن هذا الشكل الفنى أقل حيلًا من نظيره الغربى، إلا أنه، كان «محفوظ فى محلول مائى ومقيد بالبروتوكول». 

وعندما حاول دياجليف تقديم إنتاج جديد وجرىء لأوبرا سيلفيا لليو ديليبس فى سانت بطرسبرج، اصطدم بالمؤسسة، التى كانت يهيمن عليها آنذاك الفرنسى ماريوس بيتيبا.

المصمم الرئيسى

كان ماريوس بيتيبا، مصمم الرقصات الرئيسى الفرنسى المولد، والذى استقر فى روسيا لثلاثة عقود ليهيمن على باليه الإمبراطورية القيصرية، قد أصبح من كبار الفنانين. 

كانت أعظم نجاحاته فى الماضى - أولًا، موكب الفتيات الشبحات بتول أبيض من «لا بايادير»، ولاحقًا، عرض «الجميلة النائمة» الفاخر بطاقم تمثيل يزيد على مائتى راقصة وموسيقى تصويرية آسرة من تأليف تشايكوفسكى، تدور أحداثها فى بيئة ملكية مستوحاة من قصة خيالية فرنسية من القرن السابع عشر. 

كان العرض ساحرًا فى عام ١٨٩٠، حيث «سحرت» موسيقاه ألكسندر بينوا، الذى ادعى فى أواخر حياته أنه لو لم «يصيب» رفاقه من أتباع بيكويك بحماسه «لما كان هناك باليه روسى وكل هذا الهوس بالرقص الذى ولّده».

ولذا حوّل دياجليف اهتمامه إلى باريس، مستعيرًا راقصين من فرقة الباليه الإمبراطورية الروسية لموسم رقص وأوبرا، استمر ستة أسابيع هناك عام ١٩٠٩. وحقق برنامجه الذكى -بمزيج من الغرابة والهدوء- نجاحًا ساحقًا. 

مغامرة جمالية

كان دياجليف، الذى أُعجب بالحركات الانسيابية للراقصة الأمريكية حافية القدمين إيزادورا دنكان، حريصًا على تجاوز حدود التنورات القصيرة الجميلة، وأحسّ بأن الباريسيين يتمتعون بروح مغامرة جمالية.

لاقى تصميم ميشيل فوكين «البدائى» المثير للدهشة لرقصات ألكسندر بورودين نجاحًا باهرًا. كما انجذب الجمهور إلى أعمال أخرى من الفولكلور الروسى صممها فوكين، بما فى ذلك «طائر النار» و«بيتروشكا» لسترافينسكى. أبهرت ديكورات وأزياء ليون باكست الفخمة لأوبرا شهرزاد لريمسكى كورساكوف الجمهور الباريسى.

وقد عبّر زميل دياجليف، الفنان ألكسندر بينوا، عن سعادته قائلًا: «لقد أثبتت بدائيتنا الروسية الجامحة وبساطتنا وسذاجتنا أنها أكثر تقدمية وإتقانًا ورقيًا من كل ما يبدع فى باريس - أكثر المدن تحضرًا!». 

أصبحت الفرقة مؤسسة دائمة بتمويل خاص، جابت العديد من المناطق، لكنها لم تقدم عروضها فى الوطن قط، لأن استيلاء البلاشفة على الحكومة الروسية عام ١٩١٧، جعل العودة الرسمية محفوفة بالمخاطر.

ليلة افتتاحية

قبل الحرب العالمية الأولى، ضمّت حاشية دياجليف، الملحن سريع الانفعال إيجور سترافينسكى، ونيجينسكى، الذى اتخذه أول تلميذ له. يشير الكاتب إلى أن دياجليف اكتشف فى نيجينسكى، من خلال حدسه فقط، عبقرية تفوق قدرته على تجسيد هويات أخرى والقفز كالقط الكبير. 

كان نيجينسكى راقصًا بارعًا بكل وضوح. أسر الجمهور بقفزته الخارقة الشهيرة «المحلقة» التى كانت تحركها ساقاه العضليتان وأصابع قدميه المرنة. وأوضح قائلًا: «الأمر ليس صعبًا، عليك فقط الصعود إلى الأعلى ثم التوقف قليلًا».

يروى كريستيانسن أن دياجليف غامر بتكليفه نيجينسكى بتصميم رقصات موسيقى «طقوس الربيع» القوية لسترافينسكى، والتى استحضرت تضحية عذراء فى ثقافة روسية قديمة. 

يصنّف العرض الأول للباليه عام ١٩١٣ الآن كأكثر ليلة افتتاحية سيئة السمعة فى تاريخ الرقص، حيث اضطر الممثلون إلى شق طريقهم وسط ضجيج الضحكات والصافرات والتصفيق والعواء لإكمال العرض. 

من الناحية الجمالية، كان عرضًا حداثيًا رائعًا؛ أما من الناحية التسويقية، فقد صرّح دياجليف بأنه «هذا ما أردته تمامًا». 

الشخصيات الداعمة

يلفت المؤلف إلى أن كل من كان ذا مكانة فى أوروبا الفنية فى أوائل القرن العشرين، كان مرتبطًا فى وقت ما بمشروع دياجليف الحداثى العظيم، حتى لو لم يتقاضوا أجرًا فى الغالب. قام بابلو بيكاسو وليون باكست بتصميم الديكور بينما استشارت شانيل خزانة الملابس. 

تدور حول هذه النقطة المحورية مجموعة من الشخصيات الداعمة بما فى ذلك رعاة مثل الأميرة دى بوليجناك، والمعروفة أيضًا باسم ويناريتا سينجر، وريثة ماكينة الخياطة من يونكرز، والراقصة برونيسلافا نيجينسكا.

فترة الحرب

يصور الفصل الخامس فترة الحرب العالمية الأولى: فقد حفّزت الاضطرابات المزيد من التجريب، ويظهر هذا القسم الفرقة فى أوج طليعتها. إذا كان السرد السائد هو أن الجولات إلى الولايات المتحدة بين عامى ١٩١٦ و١٩١٧ أبقت الفرقة طافية خلال فترة الحرب، فإن الكاتب يذكرنا بالتوترات الكامنة داخل الفرقة، والتى تعزى إلى الخلافات الشخصية الحتمية. 

بعد ذلك، قامت الفرقة بجولة فى إسبانيا والبرتغال، قبل العودة إلى لندن عام ١٩١٨. حيث ساهم أسلوب الإدارة الفولاذى وجدول العروض المحكم فى استقرار الفرقة.

ولاقت عروض الباليه الجديدة «لا بوتيك فانتاستيك»، و«لو تريكورن»، بديكورات بيكاسو استحسانًا كبيرًا.

فشل دراماتيكى

بعد الحرب، كان دياجليف يأمل فى العودة إلى روسيا، لكنه انتهى به الأمر عالقًا فى الغرب، بعد أن أدى ذلك إلى فشله الأكثر دراماتيكية، حيث كان الجمهور الأوروبى قد تقبّل فكرته الجديدة المتمثلة فى استبدال باليه القصة الطويلة التقليدى بسلسلة من الدراما الراقصة العصرية من فصل واحد كترفيه مسائى. 

فى عام ١٩٢١، عكس مساره فجأة بتقديم ملحمة «الأميرة النائمة» فى لندن، تكريمًا لباليه روسيا الكلاسيكى العظيم فى نهاية القرن التاسع عشر. لذا ينسب إليه الفضل فى جلب هذه النسخة إلى الغرب، بتصميمات ليون باكست ورقصات بيتيبا، والتى تعرض بانتظام حتى اليوم.

استثمر دياجليف بكثافة لإعادة إنتاج سحر النسخة الأصلية من سانت بطرسبرج عام ١٨٩٠، وطلب ما يكفى من الأقمشة الخلفية الجديدة لإبقاء أربعة ورش عمل منفصلة مشغولة. 

عندما تراجعت المبيعات، اختصر العرض وفكر فى إضافة حيوانات حية أو «خطاب ساخر ذكى يكتبه جورج برنارد شو»، وهو نوع من الإصلاحات التى قد تطرح اليوم. لكن لم ينجح شىء.

منافسون وخلفاء

ومع حلول القرن العشرين، تقدم الفصول ٨ و٩ و١٠ المنافسين والخلفاء، منهم فرقة باليه سويدوا، وإتيان دو بومونت، وجوزفين بيكر، وإيدا روبنشتاين، وفرقة باليه روس دى مونت كارلو، وجورج بالانشين، وسول هوروك، وغيرهم الكثير.

يلفت كريستيانسن إلى أن أولئك الذين قادوا فرقة الباليه البريطانية فى منتصف القرن العشرين، كانوا «أبناء دياجليف الحقيقيين». وكان من بين أشد منافسيه بيكر وروبنشتاين الطموحان والمنطلقان، واللذان سارا بمهارة على الخط الرفيع بين النجومية والفضيحة. 

ويكتب المؤلف أن روبنشتاين أزعج دياجليف أكثر من غيره، ما دفعه إلى كتابة خطاب حافل بالغيرة فى صحيفة التايمز. 

صراعات داخلية

توفى دياجليف فى البندقية عام ١٩٢٩ بسبب داء السكرى، عن عمر يناهز ٥٧ عامًا فقط - ومع رحيل قوتها الدافعة، واصلت فرقة «باليه روس» مسيرتها تحت قيادة العديد من المديرين الجدد، متغلبة على فرقة باليه سويدوا المنافسة، ومحققة نجاحًا فى أمريكا وفى كوفنت جاردن بلندن فى ثلاثينيات القرن الماضى.

يعلق الكاتب: «كان الإنجليز يجدون سرا طريقتهم الخاصة فى رقص الباليه»، بينما كان الروس يتخبطون فى صراعات داخلية لا تنتهى.

كان دياجليف رجل أعمال فاشلًا، فخلط بين أمواله الشخصية وأموال الفرقة. لطالما عانت الفرقة من ضائقة مالية خانقة، وغالبًا ما كان ينقذها رعاة أثرياء. وبعد الوفاة تم بيع مجموعات وأزياء الشركة إلى مدير أعمال أمريكى لتقليل ديونها الهائلة.

إعادة الإحياء

يقدم كريستيانسن لمحة موجزة عن حقبة ما بعد وفاة دياجليف، حين أعلن النقاد أن الباليه نفسه سيندثر بدون مديره الفنى النشيط. ومع ذلك، أُعيد إحياء فرقة الباليه الروسية كفرقتين تحملان أسماء متشابهة بشكل مربك.

يؤكد المؤلف أن دياجليف خلفه العديد من المقلدين، من بينهم شرطى عسكرى سابق، لا يكاد يكون محتالًا، أطلق على نفسه اسم العقيد فاسيلى دى باسيل؛ ولينكولن كيرستين، المثقف الانطوائى الذى يملك صندوقًا استئمانيًا، والذى نقل أفكار دياجليف إلى الولايات المتحدة.

بجانب سيرج دينهام، المصرفى الذى أدار فرقة الباليه الروسية فى مونت كارلو؛ والماركيز دى كويفاس، الذى تزوج من إحدى بنات عائلة روكفلر لتمويل سيرك الباليه الباذخ؛ وغيرهم الكثير، الذين فشلوا جميعًا. 

يعلق الكاتب: «لم يضاهِ أى منهم مزيج دياجليف من الفطنة العملية، والمكر البسيط، والجرأة الخيالية».

ورغم ذلك إلا أن كريستيانسن يشير إلى الشخصيات المختلفة فى هذا المجال التى أبقت الباليه على قيد الحياة طوال القرن العشرين، وهى قائمة تضم الراقص ومصمم الرقصات جورج بالانشين، وفرقة الباليه القصيرة ولكن البارزة Les Ballet ١٩٣٣، التى مولتها كوكو شانيل وكول بورتر والمؤثر السريالى إدوارد جيمس.

كانت هناك أيضًا المعلمة مارى رامبيرت وفرقة الباليه التى تحمل اسمها، بالإضافة إلى فرق الرقص المتعاقبة التى بلغت ذروتها فى عام ١٩٤٨، فيما أصبح فرقة الباليه الرائدة فى أمريكا، فرقة باليه مدينة نيويورك.