الفانيليا.. تاريخ حبة استثنائية
- كتاب يكشف تاريخ الفانيليا الساحر من القرن الـ16 إلى اليوم
- مدغشقر.. أكبر منطقة إنتاج للفانيليا فى العالم بلا مناز ع
- 9 من كل 10أشخاص لا يستطيعون التمييز بين الفانيليا الطبيعية والصناعية
- الفانيليا.. النكهة الأكثر شعبية فى العالم والعطر الأكثر رقيًا
تعدّ الفانيليا من أغلى النكهات، إذ كانت قيّمة لدرجة أن القراصنة هرّبوها أو سرقوها فى بداياتها، ومع ذلك فهى منتشرة فى كل مكان. هى حبة عطرية للغاية وتأتى بين التوابل فى المرتبة الثانية بعد الزعفران من حيث القيمة فى السوق العالمية.
هى المكون الأساسى فى أطباق متنوعة، من الكريم بروليه إلى البورين اليابانى، كما تعتبر نكهة الآيس كريم الأصيلة فى الولايات المتحدة. يشرح أستاذ التاريخ إريك جينينجز كيف أصبحت زهرة الأوركيد الوحيدة الصالحة للأكل فى العالم، والتى كانت موطنها الأصلى أمريكا الوسطى، جزءًا لا يتجزأ من المشهد الطهوى والثقافى العالمى.
فى كتابه «الفانيليا: تاريخ حبة استثنائية»، يتتبع نشأة الفانيليا، واصفًا كيف اكتشف صبى مستعبد يدعى «إدموند ألبيوس» فى أربعينيات القرن التاسع عشر طريقة لتلقيح البساتين باستخدام عود أسنان أو إبرة، وهى عملية مبتكرة لا تزال تستخدم حتى اليوم.

أحدثت هذه الطريقة نقلة نوعية فى قطاع الفانيليا من خلال تمكين زراعة النبات خارج نطاقه الطبيعى. يتناول جينينجز أيضًا كيف أدى جنون الفانيليا إلى البحث عن بدائل منتشرة الآن، وكيف كانت الفانيليا تعتبر ذات يوم العطر الأكثر رقيًا وعنصرًا أساسيًا فى العطور التى يرتديها رموز الثقافة من مارى أنطوانيت إلى ميشيل أوباما.
الكتاب الذى يقع فى ٣١٢ صفحة، صدر فى نهاية أغسطس الماضى، عن دار نشر «جامعة ييل» الأمريكية، وتأتى أهميته فى أن قصة الفانيليا تربط بين علم النبات، وتقنيات الإنتاج، وعادات الاستهلاك، والتنافس الاستعمارى، بين المحيطات الأطلسى والهندى والهادئ، كاشفة كيف أصبحت هذه الحبة رمزًا قويًا للقرية العالمية الحديثة.
إريك جينينجز خبير رائد فى مجالات التاريخ الاستعمارى الفرنسى الحديث ورئيس قسم التاريخ وزميل فى كلية فيكتوريا بجامعة تورنتو، حائز على عدة جوائز. ألّف سبعة كتب سابقة، ترجم جميعها إلى الفرنسية، وكتابًا واحدًا إلى الفيتنامية، وحاصل على زمالة جون سيمون جوجنهايم.
بدأ اهتمام المؤلف بالفانيليا منذ أكثر من ٢٠ عامًا، عندما كان يجرى بحثًا لنيل درجة الدكتوراه فى مدغشقر، حيث ينتج حاليًا ما يقرب من ٨٠٪ من فانيليا العالم.
يقول: «كنت أعمل فى العاصمة أنتاناناريفو، وأدركت حينها أهمية الفانيليا فى اقتصاد البلاد. كنت أغادر الأرشيف لأجد نفسى محاطًا بالباعة الجائلين الذين يحاولون بيعى الفانيليا. لقد انبهرت بكيف أصبحت مدغشقر أكبر منتج لهذه المادة فى العالم، والتى لم تكن حتى من أصل هناك».

كيف استطاعت زهرة الأوركيد الاستوائية غير اللافتة «فانيليا بلانيفوليا»، التى لا تتكاثر إلا بمساعدة حشرة صغيرة مشتركة التطور، لا توجد إلا فى بيئتها المشتركة فى أمريكا الوسطى، أن تحقق شهرة واسعة فى مطابخ العالم؟
هذا هو السؤال الذى أجاب عنه الكاتب، بعد عقود أمضاها فى دراسة الجوانب السياسية والاقتصادية للإمبراطورية الفرنسية فى حقبتى الاستعمار وما بعد الاستعمار، وهو موضوع يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتبنى الفانيليا فى أوروبا والولايات المتحدة.
هنا، يستخرج رؤى جديدة من مجموعة هائلة من المواد الأولية، معظمها «وإن لم تكن حصرية» باللغة الفرنسية وموجودة فى أرشيفات الحكومة الفرنسية.
يتحدث جينينجز عن عملية البحث، فيقول: بدأت المشروع عام ٢٠١٧ الذى تعطل بعض الوقت بسبب كوفيد ١٩، وشمل البحث جميع القارات باستثناء القارة القطبية الجنوبية، من الأرشيفات النباتية فى بلجيكا إلى العمل الميدانى فى مدغشقر، وصولًا إلى مقتنيات المدن الساحلية الرئيسية.
يضيف: اعتمدت على مساعدى أبحاث مدفوعى الأجر فى جزء من العملية، لكننى أنجزت الجزء الأكبر منها بنفسى.
يشرح المؤلف أصول الفانيليا حتى وصولها إلى مدغشقر، فيقول إن أوركيد الفانيليا موطنه الأصلى المكسيك، حيث تلقّحه نحلة محلية تسمى ميليبونا، وإن حبوب الفانيليا استخدمت لإضفاء نكهة على مشروب يسمى شوكولاتة، وهو مشروب مفضّل لدى شعب توتوناك «شعب قديم فى المكسيك عاش فى المنطقة الساحلية الشرقية». ثم لدى الأزتك «حضارة فى أمريكا الوسطى ازدهرت فى وسط المكسيك» لاحقًا. نقلت القوى الاستعمارية الأوروبية الفانيليا لاحقًا عبر المحيط، ووصلت فى النهاية إلى مدغشقر.

عناية فائقة
يبدأ كتابه الذى يتكون من ٩ فصول، بمقدمة تشرح عملية إنتاج الفانيليا، التى تتطلب عناية فائقة، حيث تتفتح زهرتها، ثم تذبل وتسقط فى صباح واحد. إن لم تلقّح يدويًا خلال تلك الساعات القليلة، فإنها تضيع، ومعها، تضيع فرصة نمو حبة فانيليا ثمينة.
اليوم، تأتى كل حبة فانيليا فى المتاجر من زهرة أوركيد تم تلقيحها يدويًا، وهى عملية دقيقة تجرى باستخدام عود أسنان أو أداة تشبه الإبرة، حيث تنطلق نسائم الفانيليا قبل الفجر لتلقيح آلاف الأزهار كل صباح.
يشير الكاتب فى الفصل الأول إلى أن شعب توتوناك لم يبدأ بزراعة الفانيليا إلا فى ستينيات القرن الثامن عشر فى التلال المحيطة ببابانتلا «مدينة فى المكسيك معروفة بأنها موطن الفانيليا، وتقع فى ولاية فيراكروز»، بمعنى أنها «اعتادت على الحصول على تحسينات من خلال العمل». قبل ذلك، كانت الفانيليا تقطف من الغابات الرطبة فى أمريكا الوسطى.

نبات مقدس
يتساءل جينينجز فى الفصل الثالث عن الروابط الغذائية بين الفانيليا والشوكولاتة، موضحًا أن الأزتك، اعتبروا زهور الأوركيد البيضاء الكبيرة نباتًا مقدسًا، يخلطون قرون بذوره المجففة فى مشروب كاكاو بارد، يسمى «تشوكولاتل»، كما اكتشفه الغازى الإسبانى هيرنان كورتيس عندما وصل إلى تينوختيتلان فى أوائل القرن السادس عشر.
وقد عشق الأرستقراطيون الأوروبيون الفانيليا بعد وصولها من مستعمرات إسبانيا فى العالم الجديد على متن سفن محملة بالذهب والفضة المنهوبة. وفى نهاية المطاف، انتشر مشروب كاكاو الأزتك، الذى يقدّم الآن ساخنًا مع إضافة السكر والحليب، فى جميع أنحاء القارة، وسرعان ما انتشر إلى أقصى أركان الإمبراطورية الفرنسية. يلفت المؤلف إلى أن الفرنسيين أحبوا الفانيليا بشكل خاص، حيث كانوا يخلطونها فى مجموعة متنوعة ومتنامية من الحلويات، بما فى ذلك الكاسترد المجمد «المعروف اليوم باسم الآيس كريم» الذى قدمته كاثرين دى ميديشى، وفقًا للأسطورة، عندما تزوجت الملك هنرى الثانى ملك فرنسا فى عام ١٥٣٣.
وفى عام ١٧٨٩، عاد توماس جيفرسون إلى وطنه من فترة عمله كسفير الولايات المتحدة الثانى فى فرنسا، وقد أحب آيس كريم الفانيليا، لدرجة أنه قدمه فيما أصبح بعد ذلك البيت الأبيض. «وصفة جيفرسون المكتوبة بخط اليد، والتى استندت إلى وصفة كبير الخدم الفرنسى أدريان بوتى، موجودة ضمن أوراقه الرسمية فى مكتبة الكونجرس».

البؤر الاستوائية
مع ذلك، فى غياب نحلة ميليبونا، بدا تلقيح زهرة الفانيليا مهمة مستحيلة. لكن فى جزيرة رى يونيون، تمكن مراهق مستعبد يدعى «إدموند ألبيوس» من القيام بذلك يدويًا عام ١٨٤١.
يشير الكاتب إلى ظروف نشأة ألبيوس، فيقول إنه ولد فى رى يونيون لأبوين مستعبدين عام ١٨٢٩، وتوفيت والدته أثناء الولادة، وكان يعرف ببساطة باسم إدموند- إذ لم يطلق ملاك الأراضى ألقابًا على من استعبدوهم. نشأ إدموند فى مزرعة صغيرة، بيلفيو، تطل على بلدة سانت سوزان، على الساحل الشمالى للجزيرة.
كانت الجزيرة مهجورة عندما وطأها البرتغاليون لأول مرة فى أوائل القرن السادس عشر. فى عام ١٦٤٢، استولى الفرنسيون على الجزيرة لصالح لويس الثالث عشر. وسرعان ما تحولت الغابات الكثيفة، التى عمل فيها أسرى مستعبدون نقلوا من إفريقيا ومدغشقر وجنوب آسيا، إلى مزارع قهوة وقصب سكر مزدهرة.
بحلول أوائل القرن التاسع عشر، شكّل العبيد ٧٠٪ من سكان الجزيرة. كان هذا عالم طفولة إدموند فى بيلفيو. وقيل إن مالك المزرعة، فيريول بيلييه- بومونت، «عامله كابن له أكثر منه عبدًا»، وفقًا لرسالة كتبها صديق بيلييه - بومونت، وهو مسئول محلى وعالم نبات يدعى أوجست ميزييه ليبرفانش.
وقد عبّر بيلييه- بومونت نفسه عن عاطفته تجاه إدموند فى رسالة عام ١٨٦١ إلى قاضية الصلح فى سانت سوزان. «كان حبيبى، ودائمًا إلى جانبى».

كان بيلييه- بومونت بستانيًا شغوفًا بالنباتات النادرة، وقد علّم إدموند منذ صغره الأسماء العلمية للأشجار والنباتات التى زرعها فى أرضه، مع أنه لم يعلّمه القراءة أو الكتابة قط.
فى حديقة بيلفيو، كانت هناك كرمة واحدة من «فانيليا بلانيفوليا»، موطنها المكسيك، يعتقد جينينجز أنها انحدرت من إحدى أوائل شتلات الفانيليا التى نجت فى الجزيرة، بعد وصول شحنة من باريس عام ١٨٢٢.
بحلول ذلك الوقت، كان الفرنسيون يكافحون لسنوات لكسر احتكار إسبانيا لما أصبح توابل مربحًا، بزراعة الفانيليا فى البؤر الاستوائية لإمبراطوريتهم، ولكن مع عدم وجود ملقحات طبيعية، باءت كل محاولات إنتاج الفانيليا بالفشل.

عملية دقيقة
يشير المؤلف إلى أنه بينما كان عالم النبات البلجيكى تشارلز فرانسوا أنطوان مورين قد اكتشف سر تلقيح فانيليا بلانيفوليا قبل سنوات، إلا أنه كان يفعل ذلك فى ظروف مختبرية. على النقيض من ذلك، اكتشف ألبيوس كيفية القيام بذلك يدويًا، وبرز كخطيب ومعلم، ثم رسّخ مكانته فى التاريخ لاحقًا.
يقول الكاتب: «يمكنكم تخيّل ردود أفعال الآخرين- المستعبدين الآخرين، وكذلك الأحرار من ذوى البشرة الملونة». أيضًا علماء النبات، والمستوطنون، وأصحاب المزارع. كيف استطاع عالم النبات المراهق، أن يفعل ذلك، بالإضافة إلى معرفته بالأسماء اللاتينية للنباتات ووظائفها؟ فى عروضه التقديمية للخبراء، خالف التسلسل الهرمى.
مؤكدًا أهمية إنجاز ألبيوس، يلفت جينينجز إلى أنه أدرك مدى صعوبة تلقيح الفانيليا عندما حاول القيام بذلك بنفسه فى بولينيزيا.
يقول واصفًا البراعة المطلوبة للتلقيح اليدوى: «إنها عملية دقيقة للغاية. وإذا نجحت، فستحصل بعد تسعة أشهر على قرن فانيليا. ولكن إذا فاتتك لحظة الإزهار، فإن الأزهار لا تدوم إلا صباحًا ثم تذبل».

موقع بديل
وفى غضون ٢٥ عامًا من ابتكار إدموند، يوضح المؤلف: «أصبحت رى يونيون رائدة عالمية فى مجال الفانيليا».
ولكن مع زيادة الإنتاج- حيث تضاعف إنتاج رى يونيون من الفانيليا أكثر من ثلاثة أضعاف بين عامى ١٨٦٠ و١٨٨٠- ارتفعت تكاليف الأرض والعمالة أيضًا.
ومع ظهور سوق جديدة ضخمة فى الولايات المتحدة بعد إدخال المشروبات الغازية «ظهرت كوكا كولا لأول مرة فى عام ١٨٨٦» وأقماع الآيس كريم «التى تم اختراعها فى مدينة نيويورك فى عام ١٨٩٦»، بدأ منتجو الفانيليا فى رى يونيون يتطلعون إلى مدغشقر، المستعمرة الفرنسية الأكبر حجمًا والأقل تطورًا المجاورة، كموقع بديل للزراعة.
يروى الكاتب فى الفصل الخامس حكاية نقل مزارعى رى يونيون إنتاج الفانيليا إلى مدغشقر. ففى عام ١٨٤٨، نشر الطبيب الريونى لويس لاكيل كتابًا لخص فيه كل شىء: «أهمية وضرورة استعمار جزيرة مدغشقر».
ومن بين الحجج العديدة التى طرحها، إمكانية جلب مزارعى رى يونيون الفانيليا إلى الجزيرة الكبرى، وزراعتها بتكلفة أقل من قبل السكان المحليين. ومع إلغاء العبودية فى العام الذى بدأ فيه الكتابة، تخيل لاكيل أن مدغشقر ستوفر عمالة بأجور زهيدة للغاية فى مزارع الفانيليا الشاسعة- وهو الخيار الأمثل، فى رأيه، بعد عمالة العبيد.

نجاح باهر
حقق مزارعو الفانيليا الجدد فى مدغشقر نجاحًا باهرًا فى الساحل الشمالى الشرقى الخصب والرطب للجزيرة، حيث التصقت الكروم بجذوعها الهوائية على جذوع الأشجار المظللة وتسلقت نحو قممها.
لم يمض وقت طويل حتى تجاوزت مدغشقر رى يونيون، لتصبح عاصمة الفانيليا العالمية الجديدة، وهى مكانة احتفظت بها منذ أوائل القرن العشرين.
ورغم فترات عدم الاستقرار السياسى فى مدغشقر، التى نالت استقلالها عن فرنسا عام ١٩٦٠، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية، ودورات النمو المتذبذبة المرتبطة بمضاربات السوق، ومنافسة الفانيلين الاصطناعى - وهو التكرار المختبرى للمكون الرئيسى لنكهة الفانيليا، والذى اكتشفه لأول مرة عالم فرنسى عام ١٨٥٨- لا يزال حوالى ٨٠٪ من فانيليا العالم تزرع فى مدغشقر حتى اليوم.

ذورة الهوس
يكشف جينينجز فى الفصل السابع عن انتشار جنون الفانيليا، حيث بدأ تصدير الفانيليا التاهيتية بكميات كبيرة حوالى عام ١٨٦٠؛ وللمفارقة، تصدّرت بولينيزيا الفرنسية قائمة مصدّرى الفانيليا العالميين بعد خمسين عامًا فقط.
ويشير فى الفصل الثامن إلى أن الشغف بالفانيليا قد بلغ ذروته خلال الحرب العالمية الثانية. فمع غرق سفينة يو إس إس ليكسينجتون إثر هجوم غواصة يابانية عام ١٩٤٢، سارع البحارة إلى الحصول على الآيس كريم من ثلاجات السفينة.
ملأوا خوذاتهم به قبل النزول إلى سفن النجاة. لا بد أن آيس كريم الفانيليا قد حاز على إعجاب هؤلاء المقاتلين، فصار هوسهم به هو ما يلجأون إليه من سفينة حربية غارقة.
يستكمل المؤلف فى الفصل التاسع الحديث عن الهوس بالفانيليا، فيحكى أنه بينما كانت الروائية والكاتبة المسرحية والممثلة البولندية غابرييلا زابولسكا تتجول فى أرجاء معرض باريس العالمى لعام ١٨٨٩، لم تذهلها رائحة برج إيفل الجديد، بل رائحة آسرة.
استعانت بأنفها: تطفو الفانيليا فى السماء بكثافة فوق ساحة ليزانفاليد. تباع كميات لا تحصى منها فى جميع الأكشاك، ورائحتها الرقيقة الخفيفة تعبق فى الهواء باستمرار. حتى الجناح الرئيسى لوزارة الحرب يلفه عطر الفانيليا الخفيف.

جماعات الضغط
ويلفت إلى أن الفانيليا كانت من أبرز ما لفت انتباه الحضور فى المعرض الدولى للاستعمار «مصطلح عام يشير إلى سلسلة من المعارض الدولية التى أقيمت فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين للترويج للإمبراطوريات الاستعمارية الأوروبية لتعزيز التجارة وكسب الدعم الشعبى» عام ١٩٣١، والذى حظى بشعبية واسعة فى فينسين بضواحى باريس.
فى مارس ١٩٣٠، أقنعت جماعات الضغط المهتمة بالفانيليا منظمى الحدث بتخصيص جناح كامل لعرض منتجاتهم. وصوّر الكشك إنتاج الفانيليا وتداولها واستهلاكها.
داخل الكشك، لفت انتباه الزوار على الفور شعار كبير: «الفانيليا: فرنسا تنتج ٨٥٪ مما يستهلكه العالم». كما عرضت خريطة خطوطًا حمراء تمثل الواردات المتدفقة إلى باريس من رى يونيون.

الإنتاج الصناعى
تشتهر الفانيليا بكثافة حصادها وتحضيرها، ويواجه إنتاجها اتهامات متكررة باستغلال العمال، وعمالة الأطفال، والسرقة، والعنف فى المزارع.
يوضح الكاتب أن زراعة الفانيليا مكثفة ومتطلبة للغاية، خاصة خلال مراحل التلقيح والقطف والتحضير. كما أن الاحتباس الحرارى يعرّض بعض مناطق الإنتاج للخطر، لأن الفانيليا تتطلب عدة أمسيات باردة متتالية لتزهر.
يضيف: تعدّ الندرة أحد الأسباب العديدة لارتفاع أسعار الفانيليا الحقيقية، خاصة فى السنوات التى يدمّر فيها إعصار أحد مواقع الإنتاج الرئيسية فى مدغشقر أو جزر القمر، على سبيل المثال.
لكن من ناحية أخرى، بفضل ثورة التلقيح اليدوى، يمكن زراعة الفانيليا فى أى قارة إذا توافرت الظروف المناسبة- حتى إن هناك محاولات متعددة لزراعتها فى البيوت الزجاجية فى المناخات الباردة.
لذا، ليس من المستغرب أن يكون معظم الفانيليا المستهلكة حول العالم اصطناعية، بعد أن عزل عالم فرنسى جزىء الفانيليا فى القرن التاسع عشر، وانتشر إنتاجه صناعيًا على نطاق واسع.
وبحلول أوائل القرن العشرين، أصبح بديلًا رخيصًا للفانيليا الأصلية. هذه التطورات جعلت الفانيليا فى كل مكان. وأصبح آيس كريم الفانيليا المفضل لدى الأمريكيين «تجاوزت الولايات المتحدة فرنسا كأكبر مستهلك للفانيليا فى أوائل القرن العشرين».
استخدمت الفانيليا فى الكاسترد والصلصات والمعجنات والكعك، كما كانت مكونًا رئيسيًا فى العطور، ويمكن القول إنها أصبحت النكهة والرائحة الأكثر شعبية فى العالم.

مصادر متنوعة
يشير جينيجز إلى أن الفانيليا اليوم تنتج من مصادر متنوعة، مثل لب الخشب وروث الأبقار. على علبة الآيس كريم، «ما يسمى بنكهة الفانيليا (الطبيعية) يمكن أن يعنى أى شىء على الإطلاق»، كما يقول.
«ولذلك أقول فى الكتاب: إذا كنت ترغب حقًا فى الحصول على النكهة الأصلية، فمن الأفضل شراء حبوب الفانيليا، وتقطيع القرن برفق، وإزالة الجزء الداخلى، واستخدامها فى الآيس كريم أو أى شىء آخر تحضّره».
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه هنا: هل يحدث فرق؟ تسعة من كل عشرة أشخاص لا يستطيعون التمييز بينهما».

نكهات معقدة
يلفت إلى أن أحد الأسئلة التى طرحها فى الكتاب هو ما إذا كان وجود الفانيليا الأصلية فى المنتج مهما أم لا.
يوضح: الفانيلين، الجزىء الرئيسى فى الفانيليا الحقيقية الذى تم تقليده بواسطة الفانيليا الاصطناعية، ليس النكهة الوحيدة فى الفانيليا الطبيعية. تتميز الفانيليا بلمسات دقيقة من اليانسون ونكهات أخرى، لذلك، يصبح من المثير للاهتمام دراسة أنواع الفانيليا ذات النكهات المعقدة التى تتجاوز مجرد الفانيلين.
يضيف: اتضح أن الصنف الذى يحتوى على معظم هذه العناصر هو Vanilla tahitensis «المعروف عادة باسم الفانيليا التاهيتية»، وهو النوع الذى ينمو بشكل أساسى فى جنوب المحيط الهادئ الفرنسى، والذى لم يحظَ بالتقدير الكافى فى القرون الماضية، لأنه كان يعتبر غير مكثف بدرجة كافية.
مع ذلك، بذل المؤلف جهدًا كبيرًا فى دفع زهرة أوركيد الفانيليا نحو التلقيح. هل أثمرت جهوده، أو ما يقاربها؟
يقول: «أخبرنى أحد معارفى أننى نجحت فى المحاولة الرابعة، لكنه ربما كان كريمًا». «فى النهاية، تعدّ تجاربى الآن بمثابة معطرات سيارات، لأنها فشلت كفانيليا صالحة للأكل. قد أكون خبيرًا فى تاريخ الفانيليا، لكننى لست خبيرًا فى إنتاجها».







