ملفات السعادة.. كيف تصبح المدير التنفيذى لحياتك؟

- النجاح ليس بالتصفيق أو الحسابات المصرفية بل بالسلام الداخلى
- كتاب لأحد أبرز خبراء العالم فى السعادة يقدم نصائح حول العمل والحياة
- لا تتولى المنصب الأعلى إن لم تكن مستعدًا لتحمل تأثر سعادتك مؤقتًا
- خبير سعادة عالمى: هدف وانضباط وقدرة على التكيف.. الطريق لبناء حياة مليئة بالمعنى
- السعى وراء هدف كبير واحد هو تهيئة نفسك للتعاسة.. ويجب التركيز على تقدمك
تخيل لو كانت حياتك شركة ناشئة، كيف ستقودها وتصقلها لتحقيق أقصى قدر من النجاح؟ إذا كنت ترغب فى أن تكون أكثر سعادة، فحاول أن تتصرف كرئيس تنفيذى لحياتك.
حياتك هى أهم مهمة إدارية ستضطلع بها على الإطلاق، ولذا يجب أن تتعامل معها بطريقة تؤدى إلى مكافآت قيّمة حقًا: الحب، والمتعة، والرضا، والمعنى.. إنها فى الواقع أشبه بشركة ناشئة، حيث تكون أنت المؤسس ورائد الأعمال والرئيس التنفيذى.
وإذا تعاملت مع حياتك كما يتعامل رائد أعمال عظيم مع شركة ناشئة مثيرة، فمع عقلية متجذرة فى الهدف والانضباط والقدرة على التكيف، يصبح من الممكن بناء، ليس فقط مسيرة مهنية ناجحة، بل حياة مليئة بالمعنى وأسعد أكثر نجاحًا مما كانت ستكون عليه لولا ذلك.
هذه هى الفكرة العامة التى يطرحها كتاب «ملفات السعادة: رؤى حول العمل والحياة»، وهو مجموعة ثرية من المقالات المستنيرة والقيّمة لأستاذ جامعة هارفارد، آرثر سى. بروكس، المعروف عالميًا بحكمته ونصائحه الملهمة والعملية.

الكتاب صدر فى أغسطس الماضى، عن دار نشر «هارفارد بيزنس» التابعة لكلية هارفارد للأعمال، فى 272 صفحة، وتأتى أهميته فى أنه يقدم تنويرًا وإلهامًا وإرشادًا مفيدًا لعيش حياة ومهنة أكثر سعادة ونجاحًا وإشباعًا، فجميعنا نحتاج إلى مزيد من السعادة.
آرثر سى. بروكس، الحاصل على درجة الدكتوراه، هو أستاذ فى كرسى باركر جيلبرت مونتجمرى بكلية هارفارد كينيدى، وأستاذ فى ممارسات الإدارة بكلية هارفارد للأعمال. وهو أيضًا كاتب فى مجلة «ذا أتلانتيك»، حيث يكتب عموده الأسبوعى «كيف تبنى حياة؟».
بروكس هو المؤلف الأكثر مبيعًا فى «نيويورك تايمز»، لأربعة عشر كتابًا، بما فى ذلك كتاب «ابنِ الحياة التى تريدها»، الذى شارك فى تأليفه مع أوبرا وينفرى، وكتاب «من قوة إلى قوة».
وهو أحد أبرز الخبراء العالميين فى علم السعادة، ويظهر فى وسائل الإعلام، ويسافر حول العالم لتعليم الناس فى الشركات الخاصة والجامعات والهيئات العامة والمجتمعات الدينية، كيفية عيش حياة أكثر سعادة وتحقيق المزيد من الرفاهية للآخرين.
محاور رئيسية
يعتمد الكتاب على خمسة محاور رئيسية لكشف جوانب السعادة البشرية، من خلال ثلاثة وثلاثين موضوعًا، نواجهها جميعًا فى مراحل مختلفة من حياتنا، أولها:
إدارة الذات: التغلب على الإرهاق، وإعادة صياغة الفشل، وتعلم ضبط النفس، ثانيها: الوظائف، والمال، والمهنة: فك تشابك الطموح مع الهوية، وإدراك حدود المال.
وثالثها: التواصل: بناء حوارات تعمّق التواصل الإنسانى، رابعها: التوازن بين العمل والحياة والعلاقات، وأخيرًا: تعريف النجاح: إعادة تعريف النجاح، ليس بالتصفيق أو الحسابات المصرفية، بل بالسلام الداخلى.

ممارسات بسيطة
يبدأ «بروكس» كتابه بالحديث عن ماهية ومفهوم السعادة، حيث يظهر أن السعادة لا تتعلق بالظروف، بقدر ما تتعلق بالممارسات المدروسة البسيطة المتعمدة، فمن خلال أفعال صغيرة ومتواصلة يمكنك تعزيز رفاهيتك ومرونتك، حتى فى بيئة عمل شديدة الضغط.
ويقول: «إن أول خطأ كبير يرتكبه الناس هو الاعتقاد بأن السعادة هى شعور». ويضيف: «عليك أن تتقن فهم علم المتعة والرضا والمعنى. هذه هى العناصر الغذائية الرئيسية للسعادة».
يوضح المؤلف أن السعادة ليست غاية، بل تُبنى يومًا بيوم، وتأتى من التصرف بلطف، والعطاء بسخاء، والاهتمام بصحتك، وقضاء الوقت فى الطبيعة، وتوطيد العلاقات، مضيفًا أن أيًا من هذه الممارسات لا يتطلب تغييرًا جذريًا فى الحياة، بل خطوات ثابتة.
ويشير إلى أن اللطف مهارة يمكن ممارستها، والاستماع إلى الناس بتعاطف وتجنب الخلافات غير الضرورية، وهو الأمر الذى يعزز الدماغ بمشاعر الرضا، وبمرور الوقت يحدث فارقًا إيجابيًا.
ويذكرنا بأن الكرم ليس تضحية بالنفس، بل هو استثمار فى السعادة. عندما تعطى- سواء وقتك أو اهتمامك أو مواردك- يفرز دماغك الدوبامين «المتعة»، والسيروتونين «الهدوء»، والأوكسيتوسين «التواصل».
ويرى أنه حتى الأعمال الصغيرة لها أهميتها: شراء قهوة لزميل، أو توجيه شخص مبتدئ، أو إرسال رسالة تشجيع سريعة. تكبر السعادة عندما تشاركها.
ويؤكد أهمية إعطاء صحتك الأولوية، وهو ما ينشئ استقرار ًايساند كل شىء آخر، فالأبحاث تشير باستمرار إلى أن الصحة البدنية والنفسية لا تنفصلان عن العافية. وأن من أكبر عوامل استنزاف السعادة: الألم المزمن والقلق.
كما أن تجاهل الفحوصات الدورية أو تحمل التوتر دون دعم، يفاقم المشكلة. ولذا يجب منح الأولوية للرعاية الوقائية، وذلك بحجز موعد لطبيب الأسنان، أو تحديد موعد لجلسة علاجية، أو الالتزام بروتين نوم منتظم.

منطق خاطئ
يعتقد الكاتب أن كل شخص تقريبًا يرغب فى أمرين من عمله ومسيرته المهنية: النجاح والسعادة. فهو يريد تحقيق وضع مالى جيد نسبيًا، ونيل تقدير عادل لإنجازاته، والاستمتاع بعمله قدر الإمكان، وأن يصبح أكثر سعادة نتيجة لذلك. هذه أهداف منطقية، لكنها قد تكون صعبة المنال. كثير من الناس، خاصة القادة الطموحين والمجتهدين، يبسطونها بطريقة منطقية: فهم يسعون أولًا إلى النجاح، ثم يفترضون أنه سيؤدى إلى السعادة.
لكنه يرى أن هذا المنطق خاطئ، فالسعى وراء النجاح له تكاليف، قد تؤدى فى النهاية إلى انخفاض مستوى السعادة، كما يخبرك الكثير من مدمنى العمل الوحيدين والمنهكين.
هذا لا يعنى أن عليك الاختيار بين النجاح والسعادة. يمكنك الحصول على كليهما. ولكن عليك عكس ترتيب العمليات: بدلًا من السعى أولًا لتحقيق النجاح على أمل أن يؤدى إلى السعادة، ابدأ بالعمل على سعادتك، مما سيعزز نجاحك.
والأفضل من ذلك كله، تشير الأدلة إلى أن ترتيب العمليات هذا ينطبق على نطاق أوسع أيضًا: فالموظفون الأكثر سعادة يميلون إلى جعل شركاتهم أكثر نجاحًا.
وبالتالى، سواء كنت تبحث ببساطة عن المزيد من النجاح فى حياتك المهنية أو كنت قائدًا يتمنى تعزيز نجاح شركته، فإن الهدف يجب أن يكون التركيز بشكل أكثر جدية على سعادتك وسعادة موظفيك.
يشير «بروكس» إلى أن فى بداية حياتك أنت أهم موظف، لذا من الأفضل أن تدير نفسك. إدارة الذات مهارة يمتلكها الناجحون، والأهم من ذلك أنها مهارة يمتلكها السعداء. بعض الناس ناجحون جدًا فى إدارة حياتهم المهنية، لكن إدارة حياتهم الشخصية أمر مختلف تمامًا.

سيرة الفشل
يقدم المؤلف ثلاث طرق للتعامل مع الفشل والتعافى منه، فهو فرصة للنمو، رغم أنه يشعرك بالسوء، أولًا: ينصحك بتأمل إخفاقاتك وإخفاقات الآخرين. فالنظر إلى النكسات السابقة، خاصة «سيرة الفشل»، يساعدك على معالجتها منطقيًا ورؤية دروسها الخفية.
ثانيًا: يشدد على ضرورة الانتقال من النجاح إلى النمو. فيجب أن تتوقف عن السعى وراء النجاح كهدف نهائى. عندما تركز
على التعلم والتحسين يصبح الفشل جزءًا من الرحلة، وليس نهايتها.
ثالثًا: يؤكد أن تتمسك بقيمك الأساسية. فمثلك العليا الأعمق مرنة بشكل مدهش. إن إعادة التواصل معها يمكن أن يساعدك على تذكر سبب استحقاق المخاطرة فى المقام الأول.
يعتقد الكاتب أن الأشخاص الذين يتمتعون برفاهية أعلى لا يتجنبون الفشل، بل يتعلمون منه. عندما تجد معنى وهدفًا فى اللحظات الصعبة فمن المرجح أن تخرج منها أقوى وأكثر كفاءة.
ويؤكد، من ناحية أخرى، أنه يجب عليك التوقف عن إضاعة الوقت على ما تكرهه، فليس كل وقت يستغل بالتساوى. يشعر المرء بأنه ضائع حقًا عندما يقع فى أحد فخين: إما أن ينفق على شىء أكثر أهمية، أو أن ينفق على شىء لا يستمتع به أصلًا.

المسار المهنى
يقول «بروكس» إن الكثيرين يعتقدون أن العشرينيات من عمرهم هى مرحلة بناء مسيرتهم المهنية، لكن الحقيقة هى أن البناء فى مجال عملك عملية مستمرة. فالمسار المهنى دائمًا ما يكون عملية استكشاف واكتشاف.
ربما تكون مختلفًا عن الآخرين، هل مسارك المهنى خطى، حيث تنتقل من شىء لآخر، حيث يكون كل ما تفعله أكبر وأفضل وأعظم من سابقه؟ ربما يكون مسارك المهنى حلزونيًا، حيث تكون مسيرتك المهنية عبارة عن مجموعة من المسارات المهنية الصغيرة التى تتراوح مدتها بين سبع واثنتى عشرة عامًا، وأحيانًا تجنى مالًا أكثر وأحيانًا أقل، لكنك تعدّها كمغامرة من صنع يديك.

المخاطرة المدروسة
يلفت المؤلف إلى أن هناك بعض الحالات تكون فيها المغامرة عالية جدًا والعواقب وخيمة، لدرجة أن التصرف يعدّ تهورًا، مضيفًا: «إذا بدا الأمر ممكنًا ومرعبًا فى آنٍ واحد، فستعلم أنك وجدت الخيار الصحيح».
قد يكون تغيير الوظائف، أو حتى المهن، أمرًا مخيفًا، ولكنه قد يساعدك أيضًا على الخروج من الروتين ويؤدى إلى نجاح واكتمال أكبر فى المستقبل. يعدّ الحصول على قرض عقارى لشراء منزل مخاطرة، ولكنه قد يصبح رصيدًا قيّمًا طالما خصصت ميزانية مناسبة. يصاحب الالتزام بعلاقة عاطفية خطر كامن من احتمالية انكسار القلب إذا لم تنجح الأمور، ولكن القيام بذلك يمكن أن يؤدى أيضًا إلى حياة مليئة بالرفقة القيّمة.
يوضح الكاتب أن العامل الأكبر الذى يمنعنا عادة من خوض هذه الأنواع من المخاطر هو «الخوف من الندم فى المستقبل». ويكتب: «يتمتع البشر بقدرات ذهنية مذهلة على السفر عبر الزمن.. نستطيع أن نتخيل أنفسنا فى حالة مستقبلية، نشعر بالحزن لقرار نتخذه الآن، ما يؤثر بدوره على هذا القرار».
ويضيف: أظهرت الأبحاث أن مخاوف الندم هذه تلهم «تجنب المخاطر»، ما يمنع الناس غالبًا من خوض مخاطر قد تكون مفيدة.
مجرد التفكير طويلًا فى قرار محفوف بالمخاطر قبل اتخاذه فى النهاية كفيل بزيادة سعادتك وثقتك بنفسك، ستشعر بالرضا عند مواجهة تحدٍ جديد، سواء نجح فى النهاية أم لا.

إشارات قوية
يفسّر «بروكس» ما يحاول حدسك إخبارك به فى المواقف المختلفة، حيث إن غالبًا ما يعرف حدسك ما تشعر به قبل أن يدركه عقلك، ويميل إلى التحدث إليك بثلاث إشارات قوية:
الأولى: الحماس: إنه اندفاع الاحتمالات، الشعور بأن شيئًا أفضل قد يكون قاب قوسين أو أدنى. إنها طريقة حدسك فى القول: «الأمل حى».
الثانية: الخوف: يأتى الخوف على شكلين؛ الخطر، الذى يمكن لجرعات صغيرة أن تعزز تركيزك وتشير إلى أنك تواجه تحديًا جديرًا بالاهتمام. والخوف، الذى دائمًا ما يكون ثقيلًا وسلبيًا، مهما كان حجمه. تعلّم التمييز بينهما هو المفتاح.
الثالثة: الخمول: عندما تشعر بكل شىء رتيبًا، مثل الملل، والوحدة، فهذا حدسك يشير إلى حاجتك للتواصل، أو الهدف، أو التغيير.
ويجيب المؤلف عن سؤال: كيف يمكنك التعامل مع قلق عدم اليقين المهنى واحتمالية التسريح من الوظيفة، فيشير إلى أن بعض الأشخاص يتعاملون مع عدم اليقين فى مكان العمل وقلق التسريح بشكل أفضل من غيرهم.
يقول: بصفته شخصًا لا يخشى المخاطرة، وقد غيّر وظيفته وأعاد بناء مسيرته المهنية مرات عديدة، إنه لا يخشى المجهول المهنى، لأنه يرى قيمة تقبّل كل تجربة جديدة.
يوضح: «يصبح التعامل مع عدم اليقين أسهل عندما تدرك أن مسيرتك المهنية جزء من مغامرتك الريادية».. أنت، كشخص، أنت المؤسسة. وظيفتك أو مسيرتك المهنية جزء منها. إنها تتغير بشكل طبيعى، وهذا يعنى أنه عندما تتغير عليك أن تنظر إليها ليس فقط بخوف وقلق ورهبة، ولكن أيضًا بشعور من الحماس».
يعتقد أن فترات عدم اليقين العابرة قد تكون من أكثر الأوقات ثمارًا. ويقول: «فى هذه المرحلة يزدهر رواد الأعمال فى مجال الحياة». لن يكون الأمر سهلًا، لكن لا بأس. إذا اعتبرته فترة للخصوبة والعطاء، فسيكون التعامل معه أسهل بكثير، وستكون أكثر انتباهًا للفرص.

الرضا الوظيفى
يجيب الكاتب أيضًا عن سؤال كيف تجد وظيفة أو مسيرة مهنية مُرضية، الذى كثيرًا ما يسأله الشباب الطموح فى العشرينات من عمرهم.
الإجابة، وفقًا لبروكس، هى «مصطلح بالغ الأهمية: «الرسالة أو الدعوة».
يعلق: «هذا لا يعنى بالضرورة أن تكون الأم تريزا. لا يعنى ذلك إطلاقًا. قد يكون العمل فى مجال معين رسالتك. قد تكون تربية أطفالك فى المنزل رسالتك. هناك الكثير من الأشياء التى يمكن أن تكون رسالتك، لكنك تحاول العثور على الشىء الذى خلقت للقيام به، أى أنك تحاول العثور على شىء يضفى عليك معنى كبيرًا».
يشير إلى أن العثور على رسالتك، لا يعنى أنك ستستمتع طوال الوقت أو ستشعر بالرضا كل يوم من أيام الأسبوع، ولكن الانتباه إلى مقياسين، يمكن أن يساعدك فى معرفة ما إذا كنت تفعل ما خلقت من أجله.
«أولًا إذا كنت تكسب نجاحك، بمعنى أن عملك الجاد وكفاءتك ومسئوليتك الشخصية يتم الاعتراف بها ومكافأتها، وثانيًا أنت تخدم الآخرين، فستشعر وكأنك مقدر لك أن تفعل ما تفعله، وستكون هذه هى دعوتك».

حياة المدير
يتساءل بروكس عما إذا كنت شخصًا ترغب فى القيادة أو حياة المدير، فإدراك تكاليف القيادة، وليس فوائدها فقط، هو الخيار الأمثل. إليك ثلاثة إرشادات عليك مراعاتها عند التخطيط لمستقبلك:
أولًا: ينبغى على بعض الناس تجنب القيادة، فإذا كنت تعانى من الوحدة أو من صعوبة فى السيطرة على غضبك، فقد تؤدى قيادة الآخرين إلى تفاقم مشكلتك. هذا ليس سيئًا جدًا لصحتك فحسب، بل قد يصعّب الحياة على من حولك، ويضعف فرص نجاحك فى وظيفة تنفيذية، حيث يفشل فيها، كما رأينا، ما بين ٥٠٪ و٧٠٪ من الوافدين الجدد.
ثانيًا: إذا قبلت الوظيفة، فكن مستعدًا، تشير البيانات إلى أنك قد تواجه الوحدة والغضب بمستويات مرتفعة. وكما أنك لن تلتحق بوظيفة عالية المخاطر دون استعداد مهنى، فلا يجب عليك أن تلتحق بها دون استعداد عاطفى. ربما يعنى هذا طلب المساعدة قبل أن تحتاجها. يمكنك إيجاد العديد من التقنيات لإدارة مشاعرك، بما فى ذلك التأمل أو الصلاة. المهم هو أن تبدأ قبل أن تواجه صعوبات.
ثالثًا: لا تتول المنصب الأعلى إن لم تكن مستعدًا لتحمل تأثر سعادتك مؤقتًا، فحتى لو لم يكن لدى المدير الجديد العادى شعور بالوحدة أو مشاكل فى إدارة غضبه، فقد يواجه عامين من السعادة أقل من مستواه السابق.
ربما تكون مستعدًا لتقديم هذه التضحية من أجل الآخرين أو من أجل مصلحتك الشخصية على المدى الطويل. ولكن قد يكون لديك العديد من الأسباب الوجيهة لعدم تقديم هذه التضحية - ربما تكون مستعدًا لإنهاء مسيرتك المهنية، على سبيل المثال، أو تفضل ببساطة اتباع أسلوب الحياة القصيرة. فكر فى السلبيات قبل الانتقال إلى المكتب الصغير.

حدود المال
يؤكد بروكس أن السعادة الحقيقية تكمن فى إنفاق المال بأربعة طرق: مشاركة تجارب مع أحبائك. الاستعانة بمصادر خارجية للعمل لتجد وقتًا لقراءة كتاب أو ممارسة نشاط آخر تستمتع به. التبرع بالمال لدعم قضايا تهمك، أو ادخاره واستثماره للمستقبل.
ويلفت المؤلف إلى أن من أهم المهارات التى يجب تطويرها هى القدرة على التعامل مع الآخرين. أو التواصل والتفاعل، فى العمل والمنزل، فهما يتعلقان بإدارة مشروع حياتك والارتقاء به مع مرور السنين.
لكن فى نفس الوقت، يوضح متى يجب ألا تتواصل مع الآخرين، إن أمكن. الإجابة هى الاجتماعات. حيث يرى أنه يجب عليك تجنب أكبر عدد ممكن من الاجتماعات. فإذا كنت تريد أن تكون أكثر سعادة؟ ابتعد عن الاجتماعات وتجنب إجراء المكالمات الهاتفية قدر الإمكان.
ويقول الكاتب: جميعنا نعشق النقد. وللأسف، نكره أيضًا أن ننتقد. وهذا يؤدى إلى مشكلة فى الرضا عن المراجعة الشاملة المستمرة التى تمثلها الحياة العصرية. ننشر ونعلق على الآخرين بلا مبالاة، لكننا نشعر بالضيق من طريقة تقييمهم لنا، سواء عبر الإنترنت أو فى الواقع.
لكن لحسن الحظ، كل منا قادر على تغيير أسلوبه فى توجيه النقد وتلقيه، ما يجعلنا أقل عرضة لإيذاء الآخرين، وأكثر مناعة ضد الإساءة، وأكثر قدرة على الاستفادة من الملاحظات - حتى لو كانت سلبية.
يرى أن القدرة على الإطراء فى التعامل مع الآخرين لا يقل أهمية. ففى الواقع، تعتمد جودة علاقاتنا على نسبة المديح إلى النقد المتبادل. فالأشخاص الذين نتعامل معهم، فى العمل والمنزل، لن يزدهروا فقط إذا قدمنا لهم نسبة جيدة من التعليقات الإيجابية مع التصحيحات من حين لآخر، بل إنهم أيضًا أكثر عرضة للأداء الجيد والنجاح.
يشير إلى إن ثقافة النقد، التى تعززها التكنولوجيا الجديدة، لن تختفى. والطريقة الوحيدة للازدهار فيها، هى تبنى عادات جديدة فى تلقى الملاحظات النقدية وتقديمها، أولها أن الأمر ليس شخصيا حتى لو كان كذلك.
فعندما نتلقى انتقادًا يكمن الحل فى ترسيخ تأكيد داخلى، مثل: «لا يهمنى ما تقوله هذه الملاحظات عن الشخص الذى يقدمها، وأختار ألا أعتبرها هجومًا شخصيًا على. سأقيّمها ظاهريًا حول الموضوع المطروح - لا أكثر ولا أقل».
هذا نهج معرفى مفيد- نهج ينقل التركيز من العاطفة إلى التحليل. هذا يمكّنك من الحكم على المعلومات بناءً على مزاياها «أو عدمها»، كما لو كانت تتعلق بشخص آخر.
ثانيها أن تتعامل مع النقد كمعلومات داخلية، أو لمحة نادرة عما يعتقده الآخرون عن أدائك، وبالتالى فرصة محتملة لتصحيح المسار والتحسين. ثالثها أن تجعل النقد هبة لا سلاحًا، فعندما يكون بدافع المساعدة فهو هبة والعكس صحيح.
وتشير الأبحاث إلى أن النقد يجب أن يتضمن خمسة عناصر: مراعاة مشاعر المتلقى؛ والتعامل باحترام، والنوايا الحسنة، وإيجاد سبيل للتحسين، والاستهداف المناسب لاحتياجات المتلقى.
وأخيرًا أن تمدح علنًا وتنتقد سرًا، وهى قاعدة تنسب إلى مدرب كرة القدم الأسطورى فينس لومباردى، الذى استخدمها لتحفيز اللاعبين.

بلسم المجاملة
يعتقد بروكس أن المجاملة وكلمات المديح ليست بالأمر السهل وتتطلب مهارة ومعرفة، فإن أحسنت استخدامها، تهدئ العلاقات الإنسانية فى المنزل والعمل. أما إن أسأت استخدامها، فقد تكون غير فعّالة، بل مدمرة.
وينصح أن يتم ذلك من خلال ٣ طرق، أولها أن تكون صادقًا، فالمجاملات ترفض عادة عندما لا تكون موثوقة. فقد يكون لديك دافع لإغداق الثناء، أو ربما لأنك معتاد على مجاملة الآخرين.
ثانيها أن تجعل مجاملتك هدية خالصة، دون طلب أو توقع أى مقابل، فمن الأسباب الشائعة لمجاملة شخص ما هو حثه على رد الجميل بطريقة ما. وقد أثبت علماء النفس نجاح هذه الطريقة: فعندما تلقى المشاركون فى تجربة مجاملة من شخص غريب ثم طلب منهم خدمة، كانوا أكثر ميلًا للامتثال مقارنة بمن لم يتلقوا مجاملة، وذلك، كما افترض الباحثون، بسبب الرغبة البشرية فى المعاملة بالمثل.
وأخيرًا تجنب المقارنات، فمقارنة شخص بشخص آخر أو بمعيار قياسى أمر محفوف بالمخاطر فى أحسن الأحوال ومدمر فى أسوئها. المقارنة الإيجابية ستجعل الشخص المتواضع يشعر بعدم الارتياح. وإذا بدت المقارنة غير مواتية، فإن الإطراء سيأتى بنتائج عكسية.

آفة الاجتماعات
يشدد المؤلف على أن الأبحاث تظهر على أنه إذا كنت ترغب فى أن تكون أكثر سعادة فى العمل «أو ترغب فى أن يكون موظفوك أكثر سعادة»، فعليك محاربة آفة الاجتماعات المستهلكة للوقت وغير المنتجة فى كل فرصة.
وينصح ببعض الخطوات التى يمكنك اتخاذها لجعل الاجتماعات أقل إرهاقا وأكثر فائدة، عندما تكون ضرورية ولا مفر منها، أهمها تحديد مدة الاجتماعات نصف ساعة أو أقل.
حيث يشير الكاتب إلى أنه فى عام ١٩٥٥، صاغ المؤرخ البحرى البريطانى سى. نورثكوت باركنسون ما أسماه - والذى عرف منذ ذلك الحين - قانون باركنسون: نوسع نطاق مهمة ما لملء الوقت المتاح لإنجازها.
ويتجلى هذا بوضوح فى اجتماعات الموظفين. كم مرة بدأ اجتماع بعبارة «لا ينبغى أن يستغرق هذا ساعة كاملة» ثم امتدّ ساعة كاملة؟ إذًا: ما المدة المناسبة للاجتماع؟
يقول أحد خبراء الإنتاجية إن ٢٥ دقيقة هى المدة المثالية، بناءً على ما تشير إليه الأبحاث بأنه الوقت الأمثل لتركيز الموظفين. لكن الفكرة واضحة: اجعل الاجتماعات أكثر فاعلية من خلال التركيز الشديد والدخول فى صلب الموضوع مباشرة، والالتزام بإنهائها فى غضون فترة زمنية قصيرة.
النصيحة الأخرى هى عدم دعوة الجميع للاجتماعات، فكلما زاد حجم المجموعة، انخفض متوسط الجهد الفردى. لذا يجب دعوة أقل عدد ممكن من الأشخاص، لكن بلا شك، الأمر يعتمد على أهداف الاجتماع وإنجاز المهمة المطلوبة.

هدف التقدم
يمنح بروكس درسًا آخر وهو يخص الهدف، فيقول إن السعى وراء هدف كبير واحد على أمل بلوغ السعادة هو، ومن المفارقات، تهيئة نفسك للتعاسة، ولكن يجب عليك ببساطة التركيز على تقدمك.
ويلفت إلى أن البوذيين يرون هذه الأهداف، مجرد نوع آخر من التعلق الدنيوى الذى يخلق حلقة مفرغة من الشوق والتشبث. هذا المبدأ هو جوهر الحقيقة النبيلة الأولى فى البوذية، وهى أن الحياة معاناة. هذا لا يعنى التخلى عن جميع الأهداف، بل عليك فقط فهمها والسعى لتحقيقها بطريقة مختلفة.
ينصح بفحص أهدافك جيدًا. من خلال أن تسأل نفسك ثلاثة أسئلة:
أولها: هل تستمتع بالرحلة؟
دائمًا ما يخبرك صوت خافت فى رأسك أن حلمك الخاص، سيجلب لك السعادة، لذا فإن الكثير من البؤس فى السعى لتحقيقه يستحق العناء. لكن هذا ليس صحيحًا، فكلما زاد تركيزك على النتيجة النهائية، زادت معاناتك النفسية.
بدلًا من السعى وراء هدف واحد، ركز أكثر على ما إذا كنت تستفيد من تقدمك الحالى. على سبيل المثال، قبل نحو عشرين عامًا، حددت هدفًا لتحسين لياقتى البدنية. فى البداية، كان التمرين شاقًا، وخاصة رفع الأثقال. لكن بعد شهرين تقريبًا، وجدت أننى أستمتع به، وأصبح شيئًا أتطلع إليه كل صباح. سرعان ما نسيت هدفى الأول- أعتقد أنه كان رفع وزنى وعمرى على البنش- وبعد عقدين من الزمن، نادرًا ما أفوّت يومًا فى النادى الرياضى، لأنى أحبه.
ثانيًا: هل تحب الفطائر؟
إليكم لغز وجودى: ما الجائزة الأولى عادة فى مسابقة أكل الفطائر؟ الإجابة: المزيد من الفطائر. لذا آمل أن تحبوا الفطائر. الهدف من الهدف الجيد هو تحسين جودة حياتك بتغيير حياتك اليومية نحو الأفضل، وليس الوصول إلى خط النهاية والتوقف بعد محنة مروعة.
العمل على تحقيق هدف يشبه إلى حد كبير مسابقة أكل الفطائر. مكافأة الإقلاع عن الكحول هى التوقف عن الشرب ثم الاستمرار فى العيش بطريقة صحية. مكافأة الحصول على ماجستير إدارة الأعمال هى التأهل لوظيفة تستمتع بها حقا. تأكد من أنك ملتزم بها على المدى الطويل.
ثالثًا: هل يمكنك التقدم خطوة بخطوة؟
وجد الباحثون أن الإنجازات الصغيرة المتكررة عادة ما تبدأ دورة من النجاح والسعادة أكثر بكثير من الإنجازات الكبيرة غير المتكررة. تأكد من قدرتك على تقسيم أهدافك طويلة المدى إلى أجزاء أصغر- حتى لو كان ذلك ممكنًا، إلى أهداف لأيام محددة.
يمكنك تحقيق نصر كل يوم دون الاعتماد على أمر قد يحدث بعد سنوات. وجّه جهودك نحو ما تطمح إليه خلال عام، ولكن لا تركز على هذا الهدف. بل استمتع بالإنجازات اليومية والأسبوعية التى تعلم أنها تقودك إلى النجاح.

تحقيق التوازن
يكره المؤلف عبارة «التوازن بين العمل والحياة»، لأنها توحى بضرورة الموازنة بين أمرين منفصلين. فى الحقيقة، إذا أردت السعادة فى حياتك، فإن عملك وحياتك جزءان من الظاهرة نفسها. يجب أن يكون العمل جزءًا منها. مع ذلك، لا ينبغى أن يكون كل شىء فيها، بل يجب أن يكون لديك أمور أخرى فى الحياة لا علاقة لها بعملك، مثل العائلة والصداقة. بدلًا من التوازن بين العمل والحياة، يتحدث عن التكامل بينهما.
يقدم الكاتب عدة نصائح لوضع حدود واضحة بين العمل والحياة، وذلك بخلق «مساحة» بين حياتك وعملك. وهذا يعنى: تحديد ساعات عمل محددة، وعدم التحقق من رسائل البريد الإلكترونى خارجها، استخدام هاتفًا شخصيًا لترك أجهزة العمل.
بجانب وضع قواعد بعدم مناقشة العمل فى أوقات محددة. حيث إن هذه «العطلات القصيرة» تنعش وتجدد التواصل، وغالبًا ما تحسّن الإنتاجية، أيضًا عالج المخاوف المالية العميقة.
حيث إن بناء تقدير الذات على النجاح المالى، يؤدى إلى الشعور بالوحدة والانفصال الاجتماعى. لمواجهة هذا يجب التبرع بالمال، وتخصيص الوقت لأنشطة كالقراءة، والطبيعة، والتأمل، والتطوع، ما يعزز تحقيق الذات والسمو.

تعريف النجاح
يريد بروكس فى الكتاب أن تجعل حياتك أكثر شركاتك الناشئة نجاحًا على الإطلاق، ولذا فعليك دائمًا إحراز تقدم، وفعل ما تريده بهدف النجاح، لكن هنا يتساءل: كيف تعرف هذا النجاح لشركتك الناشئة؟ ماذا يعنى النجاح بالنسبة لك؟ كيف نقيسه؟
يقول المؤلف: إذا كنت تريد أن تكون شخصًا سعيدًا لا تقيم النجاح بالمال. هذا لا يعنى أن المال غير مهم، بل على العكس تمامًا. إنه مهم جدًا للقيام بجميع أنواع الأشياء، ولكنه ليس مقياسًا جيدًا لفهم نجاحنا الشخصى.
قد يؤدى النجاح إلى التعاسة، إذا ركزت فقط على المال، أو السلطة، أو المتعة، أو الشهرة، أو المكانة، أو الألقاب، أو المناصب. هذه الأشياء تمثل سلعًا وسيطة لما نريده حقًا، وهى أشياء مثل الحب، والرضا، أو الإيمان.