الإثنين 13 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

أعيدوها إلينـا.. أين اختفت مكتبة الأسرة؟

مكتبة الأسرة
مكتبة الأسرة

كان إنجازًا ثقافيًا هائلًا وفاعلًا بجد، فى بلد تكون الثقافة فيه آخر أولويات المواطن، والقراءة فريضة غائبة لدى معظم الناس إذ نجح فى تنمية حب المعرفة عند أكثر من جيل، إضافة إلى تحقيقه عدالة ثقافية غير مسبوقة، إذ كان يصل إلى كل مكان من الخريطة المصرية، ويؤكد فعلًا لا قولًا أن الثقافة للجميع على أرض الوطن.

إنه مشروع مكتبة الأسرة الذى انتهى وهو فى أوج تألقه، الذى شهد إقبالًا غير مسبوق على القراءة، ما يجعل المطالبة بإحيائه مرة أخرى أمنية مشروعة، خصوصًا أن هناك أسبابًا عديدة تستلزم ذلك الآن.

فلقد أثبت هذا المشروع العظيم أنه قادر على توفير خدمة معرفية للمواطن المصرى تشتمل على تنوع فى جميع الحقول، إضافة إلى إبداعات متباينة، وكانت أسعار الكتب المنشورة من خلال هذا المشروع فى متناول يد معظم الناس، خاصة محدودى الدخل، وأولئك الذين لا يملكون رفاهية شراء كتاب حتى لو رغبوا فى ذلك.

مكتبة الأسرة

وفى ظل الارتفاع المتزايد للأسعار الآن، وتعاظم متطلبات الأسرة المصرية أصبح شراء كتاب موضوعًا للتفكير والتدبير، ومع تلاشى الطبقة الوسطى وتعثرها اقتصاديًا وهى الطبقة الأكثر نهمًا للقراءة بحكم تكوينها التكنوقراطى، فإن انحسار قراءة الكتب بات أمرًا واضحًا للجميع، لذلك فالعودة للقراءة لن تكون إلا بكتاب ذى سعر مقبول، وفى متناول يد الناس وبالنسبة للشباب والفئات العمرية الصغيرة، والتى هى فى عمر القراءة، فإن غياب كتاب زهيد السعر، عالى القيمة، سيدفعها إلى مزيد من التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعى، وهى التى ذات محتوى قليل الإيجابية، وهائل السلبية.

تنتج دور النشر الخاصة فى مصر القليل من الأعمال ذات القيمة والكثير من الأعمال محدودة القيمة، فهذه الدور تحركها الاعتبارات الربحية وقوانين السوق القائمة على طبيعة العرض والطلب، ويشهد معرض الكتاب بالقاهرة كل سنة ظواهر تؤكد هذا، فثمة طوابير طويلة لشراء كتب شديدة التفاهة لا تحتوى على أى قيمة معرفية يُعتد بها، أما دور النشر العربية فكتبها فى مجملها عالية السعر بالنسبة لدخل المواطن فى مصر بسبب فرق العملات؛ ما يحجم معظم الناس عن شرائها.

إن ذلك فى النهاية يُحرم الإنسان المصرى من التعرف على خطابات ثقافية وفكرية مختلفة ويجعله فريسة- كما هو حادث الآن- لخطاب واحد شديد التخلف يُغيب العقل ويتلاعب بالمشاعر وخصوصًا المشاعر الدينية، وتصبح وسائل التواصل الاجتماعى هى السبيل الوحيد لمن يرغب فى استنارة، ولكنها على الأغلب استنارة شكلانية غير متجذرة، ولا تعمل على ترسيخ قيم إنسانية حقيقية تتبدى فى السلوك وطرائق الحياة عمومًا.

مكتبة الأسرة

لقد كانت مكتبة الأسرة أكبر مشروع استنارة عرفته مصر بعد ستينيات القرن الماضى، وما جرى فيها من انفتاح هائل على المستوى الثقافى، وهى كانت بمثابة حائط صد فى مواجهة الأفكار الإرهابية، وقدمت للمجتمع خدمة تنويرية تركت بصمتها، وأثبتت أنها علاج ناجح للقضاء على سموم فكرية عديدة ومتنوعة.

كانت مكتبة الأسرة يأتى تمويلها من عدة وزارات مختلفة، وقد توقف هذا التمويل بعد فترة ولقد ظل هذا هو الحجة لتبرير توقف هذا المشروع العظيم، وفى حقيقة الأمر أن غياب الخيال والإبداع فى العمل الثقافى والتفكير فى حلول خارج الصندوق، إضافة إلى البلادة البيروقراطية، كانت من عوامل توقف مكتبة الأسرة، فهناك أفكار عديدة يمكن أن تعيد مكتبة الأسرة إلى الحياة مرة أخرى، منها مثلًا اللجوء إلى الإعلانات أو فرض جنيه واحد على كل تذكرة سينما أو مسرح أو أوبرا... إلخ، ثم هناك التبرعات.. لماذا لا تكون هناك حملة تبرعات تكون حصيلتها إعادة المشروع إلى الوجود مرة أخرى؟ ولماذا لا يتم ترشيد النشر أى تنشر الكتب ذات القيمة الثقافية فقط؟ فهناك أعمال نشرت فى هذا المشروع جاءت كنوع من المجاملات الشخصية وغير الشخصية.

ثم إن إعادة طبع العديد من الكتب المعرفية المؤسسة، والتى نشرت قبل ذلك ضمن المشروع لن يضير ولن يكلف الكثير.

أما من عقل رشيد يعيد إلينا مكتبة الأسرة؟