الخميس 09 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

مكتبتي..

كفافيس

حرف

اتولد كفافيس فى الإسكندرية، بس هو مش مصرى، أبوه وأمه يونانيين، ودا عادى كان حاصل كتير، بس الأسرة ما تقدرش تقول إنها عايشة فى مصر من أصول يونانية بـ سهولة كدا، لـ إن الأبوين نشأوا فى القسطنطينية «إسطنبول» فـ فيه تأثير من المجتمع التركى، ثم إنه الأب كان تاجر، وله صلات وثيقة بـ بريطانية، دا كمان خد الجنسية الإنجليزية. فـ تقدر تقول إن الطفل اللى اتولد ١٨٦٣ كان كل دول ولا شىء من دول، كان كفافيس.

مش بس الأصول والجذور، كان ممكن الأمر يبقى مستقر على هوية ما، لو كان الولد عاش حياته فى مكان ما، وليكن الإسكندرية اللى اتولد فيها، إنما دا ما حصلش.

لـ حد ما بقى عمره ٢٣ سنة ما كانش باين له مقر، من الإسكندرية راح عاش فى ليفربول شويتين بعد موت أبوه وهو عنده سبع سنين، ثم رجع تانى إسكندرية تانى، وما طولش، راح القسطنطينية، وفى النص قعد شوية فى فرنسا، لـ حد ما جات سنة ١٨٨٥، اللى قرر فيها يكمل حياته فى إسكندرية.

الكلام دا خلى كتاباته لا تنتمى لـ أى تيار فى أى حتة، ولما نقول كتاباته نقصد أشعاره، لـ إنه كان شاعر، مالوش منتج بره القصائد، فـ هو كان صوت لـ وحده، أكيد مالوش أى صلة بـ الشعر العربى ولا سياقه، لكن كمان ما لوش علاقة بـ الأصوات الغربية وقتها بـ ما فى ذلك الشعر اليونانى نفسه اللى كان غالب عليه الشعر الوطنى أو القومى.

مش بس شعر كفافيس اللى ما كانش متصل بـ حركة أدبية هنا أو هناك أو فى أى حتة، هو نفسه كان منعزل، موظف فى وزارة الأشغال، دى اللى عايش منها وعليها، وهو كان موظف ملتزم، بـ نفس قدر اهتمامه بـ الشعر، ما كانش يعنى فنان بوهيمى يفعل ما يحلو له، لأ، بنى آدم عايش عادى، وعنده هاجس الشعر فـ بـ يدى له من وقته وجهده ونفسيته ما كان كافيا لـ كتابة تراث مش قليل من القصائد.

الفكرة هنا هو إنه ما كانش يملك طريقة، ولا مهتم يملك طريقة، لـ نشر أشعاره على نطاق واسع وسط النخبة الأدبية، كان بس ينشرها فى صحف محدودة، أو طبعات أكثر محدودية، ومش بـ يطرحها فى السوق مثلًا، لأ، بـ يهديها لـ المهتمين «عماد أبوصالح ستايل» فـ فضل لـ فترة طويلة جدا محدش يسمع عنه لا هنا ولا هناك.

فييين وهو داخل ع الستين، بعد هزيمة اليونان فى الحرب اليونانية التركية، بدأ جيل جديد من الشعراء اليونانيين يستلهموا أشعاره الذاتية، وشوية شوية بدأ يبقى له اسم، لكن لـ حد ما اتوفى فى عيد ميلاده السبعين ما كانش أخد حيز معتبر فى الأوساط الأدبية.

بعد وفاته هـ يبدأ اسمه يكبر يومًا فيومًا، وجيلًا فجيلًا، ورغم إنه أشعاره ما كانتش بـ العربية، لكن ارتباطه بـ الإسكندرية فضل محل اهتمام، فى النهاية معظم قصائده اتكتبت فى المدينة الساحرة دى، ودا كان محل دراسة مستقلة عن شعره، وكـ العادة إحنا هنا فى الأوساط الأدبية ما اتعرفناش عليه غير متأخر، وصدر له أكتر من كتاب يضم ترجمة أشعاره أكملها وأفضلها فى رأيى كان ترجمة رفعت سلام.

اليونان اهتمت بـ الشاعر الكبير الراحل، حتى على مستوى رسمى، وفى التسعينيات، القنصلية اليونانية بـ الإسكندرية اشترت البيت اللى كان عايش فيه، وحولته لـ متحف يضم مقتنياته، والمسئولين اليونانيين الكبار بـ يحرصوا على زيارته، لـ درجة إنه أحد زواره كان الرئيس اليونانى ذات نفسه.