الإثنين 15 سبتمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

فضيحة فى القاهرة

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

نجيب محفوظ كان موظفًا فى وزارة الأوقاف خلال الأربعينيات. وقتها كان بدأ كتابة القصة والرواية، وكان له عدد قليل منها أغلبه تاريخى، وكان صديقه كامل الكيلانى نصحه نصيحة: ما تقولش لـ حد فى الوزارة إنك بـ تألف روايات وكتب، لـ إن دا هـ يعمل لك مشاكل، ومحفوظ التزم بـ نصيحة صاحبه.

فى الفترة دى كانت الحرب العالمية التانية زى الطاحونة، بـ تهرس أى حاجة وأى حد، وإذا كانت فيه طبقة محدودة استفادت، وسموهم أثرياء الحرب، فـ الأغلبية الكاسحة من المواطنين كانوا زى ما سماهم إسماعيل ياسين «فُقرا الحرب»، وما بقاش فيه شغل، والناس تكالبت على الوظايف الميرى، فـ بقى الحصول على وظيفة أشبه بـ إنك تلاقى قارب وسط البحر وإنت بـ تنط من سفينة غرقانة.

محفوظ لاحظ الفساد اللى كان سايد وسايق فى اللحظة دى، ورصد أشكال الانحراف والتحلل الأخلاقى، ودور السلطة بـ شكل مجرد، وأصحاب النفوذ بـ شكل عملى فى تعزيز كل هذا التفكك، وكتبهم فى رواية، وحط لها عنوان: «القاهرة الجديدة»، ونشرها.

ولـ إن محفوظ ما كانش مشهور، ولا حتى المقربين منه يعرفوا حكاية إنه روائى، ما كانش متخيل إن الرواية هـ تعمل ضجة، إنما عملت، وبـ طبيعة الحال، محدش قال إن أحداثها محض خيال من مؤلفها وإنما أكيد المؤلف ناقل الأحداث دى من الوسط اللى عايش فيه، وبدأت الاستنتاجات والتكهنات تحيط بـ وزارة الأوقاف، وزيرها وكبار موظفيها، خصوصًا لو حد باين عليه النعمة.

وقتها نجيب خضع لـ التحقيق بـ سبب الرواية، واللى حقق معاه كان أحمد حسين أخو طه حسين، ودا أفاده لـ إنه تمسك قدام المحقق بـ إن أحداث الرواية من بنات أفكارى، زى ما بـ يعمل أخوك طه، ومع المقارنة دى اتحفظ التحقيق، لكن فضلت الرواية وما يصاحبها من ضجة.

نفدت نسخ الرواية وما انطبعتش تانى لـ فترة، ثم جات ١٩٥٢، وكان فيه سلسلة اسمها «الكتاب الذهبى» ويوسف إدريس حب يطبع فيها الرواية اللى كانت عاجباه كـ عمل أدبى «وهى عظيمة فعلًا» بس لقى إنه ما ينفعش يبقى كل هذا الفساد تحت عنوان «القاهرة الجديدة»، لـ إن قاهرتنا الجديدة هى قاهرة يوليو، ورجال يوليو، اللى بـ يعلنوا كل لحظة إنهم جايين يطهروا البلاد من الفساد، طب نعمل إيه؟

الرواية اتنشرت فعلًا لكن تحت عنوان رخيص شويتين هو «فضيحة فى القاهرة» ويقال إنه دا بـ الرجوع لـ محفوظ نفسه، اللى غالبًا ما كانش عايز وجع دماغ، فـ كان موافق على بياض ومستعد لـ أى إجراء من قبل السباعى، وهكذا ظهر العمل بـ عنوانين مختلفين فى طبعتين غير بعض لكن نفس المتن.

تدور الأيام وتلف، والسينما فيها صلاح أبوسيف، وأبوسيف بـ يحب الرواية البديعة وعايز يحولها فيلم، هو من حيث الأحداث هـ يتدخل، لكن تفضل مشكلة العنوان، كنا أواسط الستينيات، وأكيد مش هـ نستعين بـ عنوان الرواية الأصلى «القاهرة الجديدة»، لكن كمان عنوان «فضيحة فى القاهرة» فضلًا عن سوقيته، فـ هو ما حلش المشكلة، لـ إنه ما زلنا بـ نقدم الرواية بـ اعتبار إن أحداثها معاصرة، نعمل إيه؟

قال لك: نسمى الفيلم «القاهرة ٣٠»، ولـ إننا هـ نلبس الممثلين طرابيش، يبقى دى رواية تتناول الفساد الذى كان سائدا فى العهد البائد، وجه عبد الناصر خلصنا منه، وفعلًا عدت، واتعمل الفيلم ونجح نجاح كبير.

الظريف إنه استغلالًا لـ النجاح دا ظهرت طبعة جديدة من الرواية، بـ نفس المتن بس بـ عنوان الفيلم، علشان يبقى عندنا رواية واحدة ظهرت بـ ٣ عناوين مختلفة، لـ إنه محدش قدر يتحمل القاهرة اللى رسمها نجيب محفوظ، والكل كان عايز يعرضها، بس كمان يتبرأ منها، وإيييه دونيا!