الثلاثاء 22 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

السويسرى الثائر

حرف

جون نينيه اتولد فى سويسرا، تحديدًا جنيف، سنة ١٨١٥، كانت أسرته عادية، بس عندها قدرة على تعليم أولادها، وهو دخل المدرسة صغير، ومن ساعة ما بدأ يدرس وهو عنده هسهس بـ القطن، وكل ما يتعلق بـ القطن من زراعة وصناعة وتجارة، ولف ورا ملك القطن وراح أمريكا، واشتغل هناك واكتسب خبرة كبيرة، وهناك كمان عرف مصر، وإزاى إنها تتميز بـ جودة القطن المزروع فى أراضيها. 

كانت زراعة القطن المصرى وقتها فى بداياتها، مش بداياتها أوى، لكن كانت حديثة، محمد على باشا كان اهتم بـ القصة دى، مع بداية عهده فى ١٨٠٥، ثم بدأت الصناعات التحويلية، اللى هى الصناعات المتعلقة بـ الغزل والنسيج بـ كل أنواعه، وعمل مصانع لـ النسيج، وكان أول مصنع حكومى فى مصر هو مصنع الخرنفش لـ النسيج ١٨١٦، كمان عمل مصنع الخوج وجاب له خبراء من بريطانيا لـ التأسيس وإدارة الصناعة فى مصر.

طبعًا كان الغرض من كل دا توفير الكسوة العسكرية لـ الجيش المصرى، ثم إنه الخبراء البريطانيين علموا العمال المصريين، وبـ مرور الوقت بقى فيه مصريين فاهمين فى الشغلانة. بعدين لما جات ١٨٢٠، بدأ محمد على باشا يدخل القطن طويل التيلة، اللى ما أخدش غير سنة واحدة علشان يبقى فيه محصول متميز منه، وتبدأ تقوم عليه صناعات تانية.

جون نينيه قال ما بدهاش، وشد الرحال من أمريكا لـ مصر سنة ١٨٣٩، أواخر أيام محمد على باشا، واقترح عليه بعض الصناعات القائمة على القطن طويل التيلة، وجاب معاه آلات لـ حلج القطن دا، فـ الباشا اداله ألفين فدان فى الدلتا، علشان يزرع ويصنع، يعنى الراجل قاعد ومكمل معانا، خصوصًا إنه لسه صغير فى السن، وقدامه العمر الطويل.

فعلًا عاش نينيه وسط المصريين، ومع الوقت بدأ يتعامل كـ مصرى، ويتعاطف مع الفلاحين، وياخد مواقف ضد الأجانب فى صف المصريين، وتوج مواقفه دى بـ إنه بدأ يبعت مقالات لـ الصحافة فى أوروبا، جرايد ومجلات إنجليزية وفرنسية وسويسرية، يتكلم فيها عن أحوال المصريين والظلم الواقع عليهم، ومن كتاباته فى الرسايل دى: الأسرة من الفلاحين التى تستطيع أن تعيش على خبز يومى جاف أسود وبعض المش، إلى جانب بصلة كبيرة مخللة، هى فى الواقع ليست أسرة فقيرة بالقياس بغيرها من عوام الفلاحين.

هذه الأسرة لا تمتلك أثاثًا، إذ يقوم الحصير مقام السرير. أدوات المطبخ من الفخار متناثرة حول كوخ من الطين، يتكدس فيه الأب والأم والأبناء بلا نظام، عندما يأتى الليل ويحل الظلام، مع نباح كلب دون داع ولا هدف.

فلا هناك شىء يستحق السرقة، لقد أخذ جباة الضرائب والمرابين كل نقوده ولم يبقَ له منها شىء. أما الملابس فالزى هو زى الفقر الموحد، لا يتغير أو يتبدل، من العيد للعيد.

الرسايل دى اتنشرت مترجمة إلى العربية لـ فتحى العشرى عن المركز القومى لـ الترجمة، لكن الكتاب اللى عايز أكلمك عنه لـ نينيه كتاب تانى لسه ما اترجمش.

نينيه عرف أحمد عرابى، وقرب منه، والأهم إنه شاركه ثورته، وهو اللى كتب البيان الأول اللى أشعل الثورة العرابية، كان مر على وجوده فى مصر ٤٣ سنة، يعنى تقدر تقول بقى مصرى، وبعد هزيمة الثورة قرر الإنجليز يحاكموه، لكنهم ما قدروش يقبضوا عليه، ضرب وثائق سفر بـ اسم تانى، وقدر يخلع.

بعدها، قرر نينيه إنه يتفرغ لـ تسجيل تجربته مع عرابى، ويسجل التجربة كلها فى كتاب سماه «عرابى باشا».

نظرة يا أهل الترجمة.