الأربعاء 11 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

المسرح الكنسى.. إيهاب صبحى: البابا تواضروس كان مسئولًا فى شبابه عن تجميع المادة العلمية للعروض

إيهاب صبحى مع البابا
إيهاب صبحى مع البابا تواضروس

- البابا شنودة كان يشجع على تقديم الأفلام المسيحية ويدعمها بمقدمات خاصة

إيهاب صبحى فنان وإعلامى شارك فى أعمال سينمائية مهمة، مثل «معالى الوزير» و«كلمنى شكرًا و«ولاد العم» و«عائلة ميكى» و«توم وجيمى»، إلى جانب العديد من الأعمال على خشبة المسرح، مثل «بالعربى الفصيح» و«سجناء الطونا» و«البخيل» و«لن تسقط القدس» و«ليالى الأزبكية» و«یا ساکنى مصر» و«نابليون».

إلى جانب هذه الأعمال، ما يميز «صبحى» تقديمه مئات الأفلام والمسلسلات وحلقات الإذاعة و«الدوبلاج» للكنيسة المصرية، وعلى رأسها دور «يسوع» فى فيلم «يسوع بحسب إنجيل لوقا»، فضلًا عن تدريسه المسرح الكنسى لعشرات الفرق داخل وخارج مصر، وكونه أيضًا أحد أبرز الإعلاميين فى القنوات المسيحية منذ 15 عامًا. 

مؤخرًا أصدر إيهاب صبحى كتابه: «المسرح الكنسى فى مصر»، عن دار «المحروسة» للنشر والتوزيع، وهو عبارة عن رسالة بحثية حصل من خلالها على «الماجستير»، وينوى تقديم كتاب آخر قريبًا. عن هذه المسيرة، والكتاب المهم عن المسرح الكنسى، تحاور «حرف» إيهاب صبحى فى السطور التالية.

■ كيف بدأت حكايتك مع المسرح الكنسى؟

- علاقتى بالمسرح الكنسى بدأت وأنا فى الصف السادس الابتدائى، وقتها «كورال» كنيستى طلب منى تقديم مشاهد تمثيلية وسط الترانيم، ثم استمر ذلك فى الإعدادية والثانوية، حيث قدمنا مسرحيات على مستوى الكنيسة كلها، وصولًا إلى تقديم مسرحيات احترافية منذ ١٩٨٠، كانت من إخراج منير توفيق، مساعد يوسف شاهين، بداية من مسرحية «مع الشهداء».

بعدها، طلبوا منى فى أسقفية الشباب تحكيم العروض فى مهرجان الأسر الجامعية، ثم طلب منى مسئولو مهرجان الكرازة وضع قائمة بلجان التحكيم للدورة الأولى، وكان اسمه وقتها «مهرجان الألفية»، لأنه أقيم عام ٢٠٠٠.

وضعت ٣ لجان، كل منها يضم ٥ أفراد متخصصين فى التمثيل والكتابة والإخراج والديكور و«السينوغرافيا»، مع الحرص على وجود ممثل أو ممثلة من الوجوه المعروفة عبر الأفلام المسيحية، التى بدأت منذ ١٩٨٦، لذا احترم الجمهور آراء هذه اللجان وقدر ملاحظاتها.

إيهاب صبحي

■ ما الخطوة التالية بعد مهرجان الكرازة؟

- أسست مهرجان «العجايبى» فى كنيسة «مارمينا» بمنطقة «فليمنج» بالإسكندرية، والتى كانت من أوائل الكنائس التى قدمت المسرح الكنسى، ثم طُلب منى تدريس مادة التمثيل فى دورات منفصلة للمسيحيين فى الكنائس، وكنت عضوًا مؤسسًا فى مهرجان المسرح لكنائس المعادى.

أخرجت مسرحية لـ«منتخب كنائس المعادى» بعنوان «الحق أقول لكم»، وهى مأخوذة عن نص اسمه «راشومون» لمؤلف يابانى، وتم تقديمه فى فيلم سينمائى، يعد من أهم الأفلام السينمائية فى القرن الماضى.

■ أصدرت مؤخرًا كتاب «المسرح الكنسى فى مصر».. ما تفاصيله؟

- قدمت رسالة بحثية للحصول على «الماجستير»، عبارة عن جزءين كبيرين، أخذت جزءًا منهما وقدمته فى هذا الكتاب، متضمنًا مجموعة حوارات مع ١٩ شخصية تُشرف على أو تقدم المسرح الكنسى على مدار العقود الماضية، وعلى رأسهم البابا تواضروس الثانى.

تضم القائمة أيضًا: الأنبا مرقس، رئيس مهرجان كنائس شبرا الخيمة، وهو المهرجان الذى اعتمدت عليه كنموذج فى الرسالة، والأنبا موسى، أسقف عام الشباب، باعتباره المشرف على مهرجان الكرازة، وهو أكبر مهرجان فنى على مستوى العالم، وليست مصر والدول العربية فقط.

أجريت حوارات كذلك مع فنانين يقدمون المسرح الكنسى منذ ١٩٥٠، مثل بشارة عياد فى سوهاج، وسمير صابر وجهاد ميخائيل ويوسف منصور فى الإسكندرية، والقمص صليب حكيم وفوزى شنودة فى بورسعيد واللذين رافقا سمير العصفورى، فى مسيرة فنية حافلة من ١٩٥٧ حتى ١٩٦٧.

التقيت الدكتور جوزيف رفعت، وهو خادم متفرغ للمسرح الكنسى منذ ١٩٩٥، فى أسيوط، إلى جانب إيميل جرجس، وكيل وزارة الثقافة مدير مسرح «السامر» سابقًا، وفادى فوكيه، وهو مسئول إنتاج العروض المسرحية فى هيئة المسرح.

استقيت من هذه الحوارات محاور الرسالة، وإجابات عما تضمنته من أسئلة عن العروض الأولى، أين كانت، والتحديات التى واجهت الرواد الأوائل، ومن أين استقوا تجاربهم، وما المصادر التى اعتمدوا عليها. 

وفى الرسالة التى أُجيزت بامتياز، طلبت عضو المناقشة، الدكتورة دعاء عامر، الأستاذة فى كلية الآداب جامعة حلوان، إضافة نص الحوارات إلى الرسالة، ففرغت هذه الحوارات، وقدمت الجزء الثانى فى الرسالة.

هذه الحوارات كانت مليئة بمفاجآت لا يعرفها أحد، مثل أن البابا شنودة كان يشجع المسرح الكنسى منذ شبابه، والبابا تواضروس كان يشارك فى الإعداد لمسرحيات بكنيسة «الملاك ميخائيل» فى دمنهور. بالتالى هى حوارات ذات قيمة كبيرة، وأتمنى من خلالها تقديم كتاب ثانٍ عن المسرح الكنسى.

■ لماذا تغيب المادة التوثيقية عن المسرح الكنسى فى مصر؟

- سؤال ذكى، ودعنى أقول لك إنه حين حولت الرسالة إلى كتاب، كانت هناك بعض الأجزاء التى لم أضعها فى الكتاب، لأن هناك فرقًا كبيرًا بين الرسالة والكتاب نفسه، فقارئ الكتاب لا يستسيغ البحث العلمى، ويحتاج إلى جمل بسيطة، مع إزالة الكثير من الكلمات البحثية الجافة ذات الطابع العلمى، ووضع أخرى مكانها مثل «عزيزى القارئ» على سبيل المثال.

حولت محتوى الكتاب، أو دعنى أقول جزءًا منه، إلى كورس للمسرح الكنسى فى جامعة قبطية بالولايات المتحدة تسمى «الحكمة المقدسة»، وهى جامعة لاهوتية يرأسها البابا بنفسه، وتُدرس لاهوت وعقيدة، وطلب مسئولوها أن يكون هناك فن، وهو ما أسعدنى بشدة، لأنه يعنى أن الفن تحول إلى علم مُعترَف به من الكنيسة.

وفيما يتعلق بسؤالك عن التوثيق، حين عرضت ما قلته عن الرواد الأوائل، وجدت أن الطلبة فى كنائس الرواد أحضروا ما كتبوه عن هؤلاء الرواد، وتضمن ذلك معلومات كثيرة. عرفت أن هناك من يهتم بتوثيق الأعمال الموجودة فى الكنيسة، بينما هناك كنائس لم تهتم بهذا التوثيق، فتجد -مثلًا- أحد العروض المسرحية، ولا تعرف من مؤلفه.

لذا جاء فى توصيات رسالتى للحصول على «الماجستير» ضرورة أن تحرص الكنائس على توثيق كل أعمالها بالفيديو، ومن خلال أرشيف يسهل على الباحثين والدارسين. والحقيقة أن الرسالة فتحت شهية الباحثين لاستكمال دراسات عن المسرح الكنسى، حتى بلغ عدد الرسائل التى استفادت منها ٩ رسائل، منذ مناقشتها عام ٢٠٢١.

■ كيف حصلت على المادة التوثيقية لبداية المسرح الكنسى إذن؟

- رسالتى كانت أول «ضربة فأس» لفتح المجال أمام البحث العلمى فى المسرح الكنسى. وفى ظل صعوبة الحصول على المادة العلمية، اعتمدت فى البداية على توثيق آرائى، باعتبارى موجودًا فى المسرح الكنسى منذ طفولتى، ثم بدأت البحث عن مراجع متخصصة، فحينما تطرقت للتمثيل مثلًا استعنت بكتاب «المدخل للفنون المسرحية»، وفى الإخراج استحضرت كتاب لويس فرجاس «المرشد إلى فن المسرح»، وهنا اعتمدت على مراجع توثيق للمسرح بشكل عام.

أما فى البحث عن مراجع متخصصة، فاستعنت بمؤلفات مثل «المسرح الدينى فى العصور الوسطى». ولكى أتتبع علاقة المسرح بالدين منذ الفراعنة، استعنت بكتاب «المسرح المصرى القديم»، مرورًا بـ«المسرح لدى الرومان واليونان» و«المسرح فى القرون الوسطى».

وهناك ملاحظة جيدة رصدتها من خلال هذا البحث، هى أن كل رجالات المسرح الكبار، بداية من عصر النهضة، كانت تربيتهم تربية مسيحية تقليدية، واعتمدوا على طقس الكنيسة وتاريخها، مثل شكسبير، وجان راسين، وموليير، وكل المشاهير فى العصر الحديث.

■ ماذا عن التطبيق العملى باستخدام هذه المادة العلمية؟

- لأننى شعبة «تمثيل وإخراج»، لم يكن الأمر مجرد فرز تاريخى، كان لا بد أن أخوض تجربة عملية، عبر تحليل عروض مسرحية، لذا اخترت مهرجان كنائس شبرا الخيمة المسرحى، لأنه مهرجان غزير وبدأ منذ عام ١٩٨٦، ولم يتوقف فى ظل الظروف الأمنية الصعبة التى تلت ٢٠١١. صحيح أن العروض قَلت، لكنها استمرت فى الفترة من ٢٠١١ حتى ٢٠١٥، وهذا إنجاز كبير.

المهرجان طور نفسه بإقامة ورش للمبدعين فى كل تخصصات المسرح، ثم جاءت أكاديمية شبرا الخيمة للفنون والثقافة، والتى نجحت فى تكوين فرقة مسرحية، وحصلت من خلالها على جوائز فى مهرجانات عدة داخل وخارج مصر، مثل مهرجان «تطوان» فى المغرب.

نظموا كذلك «يومًا للإبداع»، كرموا فيه الشخصيات الفنية المؤثرة فى عالم المسرح، مثل سميحة أيوب وهدى وصفى وسناء جميل ومحمود يس وعزت العلايلى. ووسط هذه الكوكبة من النجوم، تم تكريمى ٣ مرات، ورغم أننى كنت أتصور إن تكريمى إجرائى، فوجئت بتصفيق هائل لدى صعودى على خشبة المسرح، تصفيق يوازى التصفيق للفنانين الكبار.

تعلمت من هذا الموقف أن الجمهور القبطى وفىٌ جدًا، يعرف قدر الفنان الذى قدم له عمره، خاصة أننى أعمل فى الأفلام المسيحية منذ سنوات طويلة، لدى أدوار رئيسية فى ١٥٠ فيلمًا، إلى جانب تقديم برامج «توك شو» فى قنوات الكنيسة القبطية، لذا اعتبرت ذلك محبة من الجمهور لشخص أفنى عمره فى خدمة الكنيسة.

■ هل صحيح أن البابا شنودة كانت له تجربة مع المسرح الكنسى؟

- هذا الموضوع متجذر فى الكنيسة، والبابا شنودة على وجه التحديد كان يحب المسرح منذ صِغره، حين كان خادمًا فى كنيسة شبرا باسم «نظير جيد». فى هذا الوقت كان يجمع شباب شبرا ويشجعهم على المسرح، وكان أيضًا شاعرًا يكتب قصائد وأزجال، وله ندوات ثابتة فى معرض الكتاب، فضلًا عن كتابته حوالى ١٢٠ كتابًا.

من بين هذه الكتب كتاب مهم اسمه «حدث فى تلك الليلة»، كتبه فى المغارة حين كان راهبًا متوحدًا، وبه ٣ قصص مهمة جدًا، من ضمنها القصة الرئيسية التى حملت عنوان الكتاب: «حدث فى تلك الليلة»، وهذه القصص قدمناها فى فيلم وأُعجب به جدًا. كان يشجع على تقديم الأفلام المسيحية، ويشرفها بمقدمات خاصة لها، يتحدث فيها عن القديس صاحب السيرة التى نتناولها فى الفيلم

■ وماذا عن البابا تواضروس الثانى؟ 

- بالنسبة للبابا تواضروس الثانى، فقد نشأ فى كنيسة «الملاك ميخائيل» فى دمنهور، وكانت هناك أسرة اسمها «خدمة الراعى الصالح» من الشباب، تقدم مسرحيات كبيرة فى السبعينيات، كلها مسيحية تاريخية.

هذه الفترة سبقها فى مطرانية البحيرة عمومًا، ودمنهور خاصة، جهد اثنين مهمين جدًا، هما الفنانان جميل برسوم وسمير فهمى، واللذين قدما فى الستينيات مسرحيات كبيرة جدًا، حيث إنهما مستفيدان من كونهما خريجى المعهد العالى للفنون المسرحية.

وبالعودة إلى أسرة «خدمة الراعى الصالح»، نجد أنها قدمت مسرحيات مهمة، منها مسرحية عن القديس أثناسيوس الرسولى، الذى حمى الإيمان القبطى الأرثوذكسى ضد الأباطرة، واُضطهد ونُفى عن كرسيه ٥ مرات، ثم قدموا بعدها مسرحية عن المطران هيلاريان كابوتشى، مطران الروم، الذى رفض تصرفات الصهاينة فى فلسطين، ودعم المقاومة بالفكر.

وهذه أعمال ضخمة تطلبت البحث فى المراجع لكى تكون دقيقة، إلى جانب أهمية البحث فى تحديد الملابس السائدة فى القرن الرابع، وهذا كان دور البابا تواضروس الثانى، البحث وتجميع المادة العلمية، بالإضافة إلى خدمات يوم العرض مثل طباعة الدعوات وتجهيز العرض.

■ ما تفاصيل كتابته لمقدمة كتابك؟

- البابا تواضروس سألوه فى لقاء عما يحبه فقال: «حين يحصل أحد أبنائى على شهادة عليا، ويبدع فى شىء جميل». لذا حين طلبت منه كتابة مقدمة للكتاب لم يتردد، وأرسلها لى على الفور، وهو ما أسعدنى جدًا، إلى جانب مباركته لخطة «الماجستير» ولأول نسخة قبل المناقشة.

أهديت البابا نسخة من الرسالة فقال لى إنها ستوضع فى المكتبة الباباوية، وهى مكتبة عظيمة تضم آلاف المراجع. كما سبق لى أن التقيته فى فيلم تسجيلى مدته تقترب من ساعة لصالح قناة «مارى مرقس»، والذى تم عرضه بحضور وتشريف البابا.

■ قلت إن «القداس الإلهى» كان رافدًا مهمًا للمسرح الكنسى.. كيف هذا؟

- لا مراجع تؤكد وجود مسرح فى الكنيسة القبطية الأولى، فالمسرح يُقال أنه تم استجلابه من أوروبا. قيل أيضًا إنه جاء مع الاستعمار الفرنسى أو البريطانى، وبدأ فى الانتشار مع يعقوب صنوع وجورج أبيض وغيرهما، أو بدأ مع تأسيس خدمة «مدارس الأحد» قبل 100 عام، حيث يتم تجسيد قصص معينة على المسرح.

وفى كل الأحوال، هناك مظاهر مسرحية فى «القداس الإلهى»، الذى يعود إلى القرن الأول الميلادى، ففيه نص مكتوب وأدوار موزعة وحركة ثابتة تتكرر ولها دلالات روحية، وفيه موسيقى وآلات وألحان، وإيقاظ لكل الحواس عن طريق الصور واللحن والبخور، وكل هذه مظاهر مسرحية.

 

مقدمة البابا تواضروس الثانى 10 مايو 2022

بلا شك أن فكرة إعداد رسالة علمية عن المسرح الكنسى، فكرة جديرة بالاهتمام والشكر والتقدير.

المسرح بصفة عامة هو أبوالفنون، ومنه انبثقت جميع الأعمال الفنية على مدى التاريخ الإنسانى.

ويحتل المسرح الكنسى مكانة معتبرة بين الأنشطة والهوايات التى تهتم بها الخدمة الكنسية

فى معظم كنائسنا القبطية، ليس فى مصر فقط ولكن فى الخارج أيضًا.

ويبدأ هذا النشاط فى فصول مدارس الأحد مع الأطفال الصغار الذين يجدون متعة محببة لهم فى أداء أدوار تمثل شخصيات فى التاريخ سواء من الكتاب المقدس أو تاريخ الكنيسة، قديسين أو غير قديسين، ويزيد من أهمية هذه الدراسة العلمية أن معدّها وصاحبها أحد المهتمين بالمسرح دراسيًا و عمليًا، إذ شارك فى أعمال مسرحية وأيضًا سينمائية عديدة ، بل وصار بطلًا فى بعض الأعمال بأداء رفيع متقن جعله أهلًا أن يسجل خبرة عملية فى هذه الدراسة العلمية المفيدة وتصير كتابًا هو الذى بين يديك عزيزى القارئ.

من كل قلبى أشكر الأستاذ الفنان إيهاب صبحى مقدرًا عمله ودراسته ونجاحاته بل وخدمته المتميزة فى مجالات كنسية كثيرة.