الأربعاء 04 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محمد حقى: إعادة طبع أعمال إسماعيل ولى الدين مرتين.. والبدء بـ«ثلاثية الجمالية»

محمد حقى
محمد حقى

الدكتور محمد حقى، الطبيب الجراح الشهير، هو ابن شقيق والوريث الوحيد للروائى الكبير إسماعيل ولى الدين، والذى حمل على عاتقه مسئولية الحفاظ على التراث الأدبى لعمه، ليجمع بين تميزه المهنى كاستشارى جراحة الجهاز الهضمى والمناظير، وإدارته عددًا من المستشفيات المرموقة، ودوره كحارس أمين لأرشيف أحد أهم رواد الأدب المصرى الحديث.

ويتعاون «حقى» مع دار «ريشة» للنشر، بقيادة الكاتب حسين عثمان، لإعادة إحياء أعمال «ولى الدين» ونشرها من جديد أمام جمهور القراء، فى محاولة لتسليط الضوء على إرثه الإبداعى، الذى يضم عشرات الروايات والمخطوطات غير المنشورة.

فى حواره التالى مع «حرف»، يكشف الدكتور محمد حقى عن كواليس الجهد الذى يبذله للحفاظ على هذا التراث الأدبى الثمين لعمه، كما يقف على محطات مهمة من حياة الروائى الراحل، بدءًا من أيام خدمته العسكرية، مرورًا بفترة اعتزاله الأدبى.

■ مم يتكون إرث إسماعيل ولى الدين الذى تعاقدت على نشره مع دار «ريشة»؟

- ترك إسماعيل ولى الدين إرثًا أدبيًا ضخمًا يضم ٣٥ رواية منشورة، بالإضافة إلى العديد من المخطوطات التى لم تر النور بعد. المفارقة تكمن فى أن هذا الكم الهائل من الإنتاج الأدبى لم يرافقه أى مراسلات أو وثائق تثبت علاقات الراحل الواسعة مع أبرز الأدباء والفنانين فى عصره، رغم الثابت تاريخيًا عن صداقاته العميقة مع العديد منهم.

عُرف عن «ولى الدين» علاقاته المميزة مع كبار المثقفين، فقد تعاون مع كمال الملاخ فى إصدار رواية «الأستاذ» عام ١٩٨٣، ورفض عرضًا من أحمد بهاء الدين للعمل فى الصحافة، وكانت له صداقة خاصة مع يوسف السباعى، وسافر معه إلى روسيا وأوكرانيا.

كما حظى بتقديم يحيى حقى لروايته «حمام الملاطيلى». وفى الوسط الفنى، ارتبط بعلاقات وثيقة مع نجوم مثل فاتن حمامة وليلى مراد وسمير صبرى الذى قدم عدة أفلام مستوحاة من أعماله، بالإضافة إلى مصطفى محرم وغيرهم.

تميز أسلوبه الأدبى بقدرته الفائقة على وصف المكان، حتى إنه كان يقول: «البطل هو المكان نفسه فى أعمالى». 

فى حياته العسكرية، بدأ ضابطًا مهندسًا فى سلاح الأشغال العسكرية «سلاح المهندسين لاحقًا»، وترقى إلى رتبة «عميد»، وكان من القادة الذين شاركوا فى بناء «حائط الصواريخ» خلال حرب أكتوبر ١٩٧٣، وحصل على ميدالية مقاتلى أكتوبر تقديرًا لجهوده.

قرر ترك الحياة العسكرية ليتفرغ للكتابة، فأنجز أكثر من ٣٥ كتابًا نُشرت جميعها. أما مخطوطاته غير المنشورة، فقد أوصى بها للأستاذ حسين عثمان، وهى مكتوبة بخط اليد وبالآلة الكاتبة، تنتظر من يكتشف كنوزها الأدبية ويخرجها إلى النور.

■ هل حاولت نشر أعماله من قبل؟

- بالطبع حاولت، وأذكر أننى تواصلت مع إحدى دور النشر، فقال لى صاحبها «اطبع أنت كتابك ونحن نساعدك فى التوزيع»، وأنا ليست لى علاقة بالطبع من الأساس، وأعمل طبيبًا، فلماذا أطبع وأنا لا أعرف حتى من أين أبدأ؟

■ لماذا اعتزل وقطع علاقته بالجميع؟

- كان قرار إسماعيل ولى الدين بالاعتزال الأدبى والاجتماعى مُحيِرًا للكثيرين، لكن وراء هذا القرار أسباب عميقة تكشف عن شخصية الفنان المرهف والعسكرى الصلب فى آن واحد.

السبب الأول يعود إلى مشروعه الأدبى الضخم «شجرة العائلة»، الذى استغرق منه جهدًا كبيرًا، فهو عمل من ٥ أجزاء يؤرخ لمصر فى الفترة من ١٩٥٢ إلى ١٩٨٢، وعندما عُرض الجزء الأول على الناشر، قوبل برد فعل محبط، بعدما اعتبره الناشر عملًا معقدًا ولن يفهمه القراء.

رغم ذلك، أصر «ولى الدين» على طباعة الجزء الأول على نفقته الخاصة، لكن المبيعات المخيبة للآمال زادت من عزيمته على الانعزال. واليوم، تبقى ٣ أجزاء من العمل بينما فقد الجزآن الثانى والثالث.

الضربة القاسية الأخرى جاءت بوفاة شقيقته الكبرى حورية عبدالحق، أول ناظرة مصرية وعربية للمدارس الثانوية، والتى كانت بمثابة الأم والمديرة الفنية لـ«ولى الدين»، وتدير جميع شئونه الأدبية والعملية، لذا ترك فقدانها فراغًا كبيرًا فى حياته لم يستطع تعويضه.

أما السبب الثالث فيكمن فى قراره الجرىء بالاستقالة من الجيش برتبة «عميد». رغم علاقاته القوية داخل المؤسسة العسكرية، وصداقته الشخصية مع وزير الدفاع الراحل، المشير محمد حسين طنطاوى، كان يؤمن بأن الكتابة تحتاج إلى تكريس كامل للوقت والجهد، فاختار الفن على الرتبة العسكرية، فى خطوة جريئة تكشف عن عمق إيمانه بدوره ككاتب ومؤرخ.

■ كيف ترى إعادة نشر أعماله؟

- هذه المغامرة تقع على عاتق حسين عثمان، لكنى أراه متفائلًا وصاحب رؤية مميزة. سيبدأ رحلته فى النشر بثلاثية «الجمالية»، وقد سألته إن كان هناك من يقرأ الآن، فأجابنى بثقة إن القراءة لها مواسم، ما أعادنى إلى ذكريات طفولتى عندما كنت أزور عمى وأطلب منه كتبًا، فيشير إلىّ بضرورة إعادتها بعد قراءتها. 

هناك نية لإعادة طباعة أعمال إسماعيل ولى الدين مرتين، وأتمنى أن ينجح هذا المشروع فى إحياء اسم أدبى له مكانته. ورغم أنه لم يغِب تمامًا عن الساحة، إذ تحمل أعماله السينمائية إرثًا قويًا يضم أكثر من ٢٥ فيلمًا، رواياته دائمًا ما تجد طريقها إلى المنتجين الذين يسعون لتحويلها إلى أفلام. 

إعادة تقديم هذه الأفلام يُعيد تسليط الضوء على إسماعيل ولى الدين، ويزيد من اهتمام الجمهور بأعماله الأدبية، خاصة أن الأفلام غالبًا ما تختلف عن النصوص الأصلية للروايات. ومن الأمثلة على ذلك، فيلم «السلخانة»، إذ ذكر أن دور نادية الجندى لم يكن كبيرًا فى القصة الأصلية، لكن السيناريست والمخرج عملا على تطويره ليأخذ مساحة أكبر فى العمل السينمائى، وهو ما يعكس تفاعل السينما مع الأدب بطرق مختلفة.