أديبـة تحت القبة.. ضحى عاصى: تحويل «قرية أم كلثوم» إلى مقصد سياحى ومركز ثقافى

- نعمل على تسجيل منزل «كوكب الشرق» ضمن الآثار
- قانون متكامل لحماية حقوق الملكية الفكرية.. قريبًا
- ترميم «قصر الشناوى وأوبرا المنصورة» فى مراحله النهائية
- «شباك موحد» لاستخراج تصاريح تصوير الأفلام فى مصر
أصدرت الكاتبة ضحى عاصى مجموعتها القصصية الجديدة «حلق صينى لا ترتديه ماجى»، عن دار «دون» للنشر والتوزيع، التى تأتى بعد 3 روايات طويلة، وتناقش فيها شخصيات مأزومة برؤية حداثية.
وتحمل الكاتبة ضحى عاصى ميزة خاصة بها، تتمثل فى عضويتها بمجلس النواب، تحديدًا فى لجنة «الثقافة والإعلام والآثار»، لتمارس بذلك التشريع والإبداع فى آن واحد، وكأنهما جناحان تحلق بهما لإصلاح الحياة الثقافية بصفة عامة.
عن مجموعة «حلق صينى لا ترتديه ماجى»، ورؤيتها لكتابة القصة القصيرة بصفة عامة، وأهم الملفات التى تعمل عليها حاليًا فى إطار عضويتها بمجلس النواب، يدور حوار «حرف» التالى مع الروائية والقاصة والبرلمانية ضحى عاصى.

■ جاءت المجموعة القصصية «حلق لا ترتديه ماجى» بعد ٣ روايات، وتواريخ انتهاء القصص يقول إنها كُتبت على فترات تصل لـ١٥ عامًا.. هل كنتِ تكتبين اللونين بالتزامن؟
- فى الواقع لم تكن لدىّ «خطة» بمعنى الكلمة. طبيعة القصة القصيرة كصنف أدبى ملائمة لبعض الأفكار أو الإضاءات التى قد تأتى وتحرك فىّ شيئًا ما فتدفعنى للكتابة عنه، لذا كتبت المجموعة، أو بالأحرى هذه القصص التى تحولت إلى مجموعة فى فترات زمنية مختلفة، وكذلك فى مواقف مختلفة. أعتقد أن معظم الكُتّاب يكون عندهم أفكار لمشاريع روائية أو قصص قصيرة، فتُكتَب وتُخزَن حتى يأتى وقت للكاتب ويطورها، حال نضجت فى ذهنه، أو ربما لا تنضج أبدًا ولا يستكمل كتابتها.
■ هناك قصص عبارة عن نصف صفحة وأخرى أربع أو خمس صفحات، وبالتأكيد انتقيتِ قصصًا على أساس المشروع الذى تكتبين عنه.. ما المعايير التى استندتِ إليها فى اختيار قصص «حلق لا ترتديه ماجى»؟
- أؤمن بأن المجموعة القصصية هى عوالم مختلفة، وكل قصة عالم ومشروع متكامل بذاته، وأعتبر أن كل قصة أو رواية أو عمل أدبى كُتب، هو عمل وُلِد فعليًا ويجب أن يخرج إلى الحياة، بمعنى آخر، المعيار الأساسى بالنسبة لى فى نشر أى عمل هو اكتماله وصلاحيته للنشر.
إذا اكتملت لدىّ قصة أو رواية أنشرها، بما فيها تلك القصص التى كُتبت منذ فترات بعيدة ولم تساعد ظروف النشر على نشرها فورًا، وكذلك القصص التى كانت لا تعجبنى فى سياق ما. طبعًا تتدخل ظروف النشر فلا تُنشر الأعمال بتوقيتات قريبة ومتزامنة.
■ تحت كل قصة فى المجموعة كتبتِ تاريخ الانتهاء من كتابتها.. لماذا؟
- كل قصة كُتبت بوعى وسياق زمن كتابتها، وأنا لا أتنكر لأفكارى القديمة، بل أقف معها كما جاءت فى النصوص بتاريخ كتابتها، وبالتالى اعتبرت أنه من الأمانة كتابة تاريخ القصة، حرصًا على تأريخها السليم، وفهمها فى سياقها الزمنى الذى يعبر عن ظرفها الاجتماعى والسياسى والثقافى.

■ ناقشت أمثلة عديدة، مثل المحامى فى قصة «ليلة رقصت فيها الأرض»، الذى تصدّر الإعلام رغم جُبنه.. هل ترين فعلًا أن الشجعان الحقيقيين لا يحتويهم الكادر؟
- هناك ارتباك فى منظومة القيم وتحولات جوهرية، ليست فقط على المستوى المحلى بل على المستوى العالمى فى تعريف كلمات مثل: النجاح والتحقق والحضور، فإذا كنا نتحدث على الإعلام بكل أنواعه سواء مقروء أو مسموع، وحتى وسائل التواصل الاجتماعى، فإن القنوات الأكثر مشاهدة أو التى تجذب الإعلانات وتدر أرباحًا، هى التى تعتبر الأكثر نجاحًا.
هنا تُطرح أسئلة عديدة: كيف يُقدّم محتوى جيد مع الحفاظ على الأعلى مشاهدة والأرباح؟ وإذا حدث تضارب أيهما المفترض أن يكون الأكثر غلبة؟ كل هذه الأفكار تنعكس بدورها على متصدرى المشهد، والذين يُشترَط فيهم القدرة على تحقيق النجاح بمفهومه السائد الآن.
■ هناك قصص مُبطَنة بالسخرية مثل «مقامرة الأسئلة الخمسة»، هل تتأسين على حال بعض الشخوص بذلك؟
- لا أعتقد أننى أكتب بروح التأسى على الشخصيات بقدر ما أستخدم أسلوب السخرية من المفارقات المحتملة بين ما يحتاجه الإنسان وما تفرضه عليه الثقافة أو المجتمع، أو حتى رؤيته عن نفسه، أو طوفان صيرورة العالم بأدوات وطرق لا يستطيع الإنسان الفرد مواجهتها، أو حتى فهمها والتعامل معها.
وكما فى قصة «خناقة أسرية»، التى كانت التكنولوجيا والأدوات الكهربائية وعالمنا الحديث بما فيه الذكاء الاصطناعى وغيره جزءًا من أزمة ورمزية، إلى كل ما/ مَن يتحكم فى الإنسان، وكيف يتعامل الإنسان فى عالم أصبحت مفرداته اليومية والحياتية تسير حسب إرادة الآخرين.

■ لكن شخصيات المجموعة تبدو «مأزومة» ولكل منها هَم يؤرقها، مثل «صابحة» بطلة قصة «لحم».. ما رأيك؟
- من المؤكد أن الكتابة والأدب معنيّان بالأزمة! فالشخوص المأزومة هى فى الواقع نتاج لكل ما يعيشه هذا الإنسان من مناخات سياسية واقتصادية ودينية واجتماعية وأسرية، وعندما يتطرق الأدب للحديث عن الشخص المأزوم، فهو يهدف لكشف السياقات والمناخات التى تسير بالإنسان إلى هذه الأزمة، كمحاولة من الأدب لإعادة قراءة هذه السياقات من أجل تغييرها. يحضرنى الآن أن الإنسان المأزوم قد يذهب للمعالج النفسى ليعالجه ويساعده على التعامل مع سياقاته. أما الأدب فيطرح السياقات لتكون هى محل نقد وكشف أمام المجتمع.
مثلًا، إذا تحدثنا عن «صابحة» فى قصة «لحم»، فهى شخصية مأزومة نتيجة هجرة زوجها للعمل بعيدًا عن القرية من أجل لقمة العيش، هذا النوع من الأعمال الذى قد لا يُدر مالًا يكفى حتى لإسعاد أسرته وهو بعيدًا عنها، فنرى الزوجة التى حُرِمت من حياة زوجية مستقرة ومن المال، وتتحمل مسئولية عدد هائل من الأطفال، فى ظل ثقافة ريفية، وهى غير مؤهلة لتقتات لنفسها ولأبنائها. هى مؤهلة فقط بالصبر والحكمة، بهاتين الوسيلتين اللتين قد تحافظان على الأسرة والأبناء، لكنهما لا تجلبان السعادة ولا تعوضان الحرمان من الزوج الحبيب أو المال.
وكما شخصية «صابحة»، هناك أيضًا «هنية» بشكل يشير إلى تحول كثير من الأسر، خاصة فى الريف إلى مجتمع أمومى بدائى يغيب عنه الرجال لأسباب اجتماعية واقتصادية مختلفة. ومن هنا نجد أن شخصية «صابحة» هى مفتاح لإلقاء الضوء على قضايا مثل العمالة غير المنتظمة، وهجرة العمالة من الريف إلى المدينة، ومنظومة الحماية الاجتماعية، وشكل الأسرة فى غياب الرجل، والاحتياجات العاطفية والبيولوجية للمرأة فى غياب زوجها، إلى جانب طرح أسئلة أخرى عن الفقر، خاصة فى القرى التى هجرت الزراعة.
■ ماذا عن «شيرى» فى «مقامرة الأسئلة الخمسة»؟
- فى قصة «مقامرة الأسئلة الخمسة»، نجد أن «شيرى» على النقيض من «صابحة»، فى وضعها الاجتماعى والاقتصادى والتعليمى، ضمن إطار عام يناقش احتياجًا آخر ربما فرضه نمط الثقافة الحالية، الذى لا يكرس لنموذج «النجاح بعد كفاح»، وإنما يكرس لنموذج ضربات الحظ والثراء الفاحش، على نقيض المدرسة الأقدم التى كانت تكرس للنموذج العصامى.
فى مثل هذه الأجواء، تجد «شيرى» التى تستطيع ماديًا شراء جهاز «أيفون»، تنسحق أمام فكرة أنها، بعد كل سنوات الجهد والكفاح، تستطيع الحصول على أى شىء، ولو كان صغيرًا، بضربة حظ ودون بذل أى جهد.
أما فى قصة «سرقة غير ممكنة» فتستيقظ البطلة لتجد وجهها اختفت منه الخطوط التعبيرية، لنكتشف فيما بعد أن ذلك نابع من قرارها الشخصى بعدم التفاعل مع أى شىء كردة فعل على ما تصورته من محاربة المجتمع لها، فقط لأنها امرأة ناجحة.
فى هذه القصة هناك أسئلة كثيرة من بينها: هل حقًا شعر زوجها بالتهميش لمجرد أن زوجته ناجحة؟ هل لم تكن مؤهلة بالقدر الكافى للتعامل مع إنجازاتها أم أن المجتمع لم يكن مؤهلًا لتقبُّل هذه النجاحات؟ هل بعض برامج ما يطلق عليه «التنمية البشرية»، التى تحض المرأة أو المشاهد بشكل عام على التخلى عن مشاعره والتعامل فقط بالعقل- وكأن المشاعر نقطة ضعف والعقل وحده مصدر القوة- تجعل الإنسان أكثر سعادة وقوة ونجاحًا؟

■ تتطرق القصص لكثير من البيئات والأماكن والأشخاص.. هل قصدتِ التعبير عن الإنسان ومعاناته فى كل الأمكنة والأزمنة؟
- كما قلت فى البداية، كل قصة قصيرة تجربة خاصة بذاتها، وكل شخصية نتاج زمانها ومكانها، واختلاف الشخصيات وتعدد الأبطال، سواء رجال أو نساء، وتعدد الأمكنة والأزمنة، كل هذه أمور تسمح برؤية قضايا كثيرة والكتابة عنها.

■ تشغلين عضوية مجلس النواب منذ فترة.. ما أبرز الملفات التى ركزتِ عليها؟
- ركزت على عدة ملفات، تم اتخاذ خطوات عملية فى بعضها، مثل إنشاء «جهاز حماية الملكية الفكرية»، الذى جمع كل الهيئات والوزارات والجهات المعنية بحماية الملكية الفكرية. لكن لم يتم حتى الآن تعديل مواد القانون الخاصة بحقوق المؤلف، التى تقدمت من قبل بمشروع قانون لتعديلها، وذلك لأن الجهاز الجديد يعكف على تقديم مشروع قانون جديد متكامل بشأن حماية الملكية الفكرية ككل، وليس فقط تعديل بعض المواد.
أما ملف ترميم «قصر الشناوى»، وأوبرا المنصورة بعد تضررها جراء التفجير الإرهابى فى ٢٠١٣، فإنه يسير فى مراحله النهائية، بعد معالجة الكثير من المعوقات التى كانت تعطل العمل فيه، ويتواصل حاليًا ضخ الأموال اللازمة لاستكمال الترميم والبناء، وإن كان ضعف الميزانيات المقدمة يجعل وتيرة العمل أقل مما ينبغى.
خاطبنا مجلس الوزراء ووزارة الثقافة لتخصيص ميزانية أكبر للانتهاء من أعمال ترميم أوبرا المنصورة، ونتوقع حدوث ذلك قريبًا. أما «قصر الشناوى» فقد ضخت محافظة الدقهلية ٧٠ مليون جنيه لاستكمال ترميم القصر، ما يبشر بالانتهاء من أعمال الترميم قريبًا.
كذلك أعمل جاهدة على تسجيل آثار محافظة الدقهلية، ومنها مسجد الصالح أيوب إلى جانب تسجيل منزل أم كلثوم فى قرية «طماى الزهايرة»، مسقط رأس كوكب الشرق فى مركز السنبلاوين، علاوة على تحويل القرية إلى مقصد سياحى ومركز ثقافى.
وتشتبك لجنة «الثقافة» فى مجلس النواب، التى أشغل عضويتها، مع الكثير من القضايا المهمة، مثل تدشين «شباك موحد» لاستخراج التصاريح اللازمة لتصوير الأفلام السينمائية فى مصر، وتسجيل المفردات التراثية فى منظمة «يونسكو»، علاوة على استراتيجيات الإعلام والثقافة، وما تحقق منها وما تأخر وأسباب تأخره.

■ ماذا عن فكرة تدشين صالون خاص بإبداع المرأة المصرية التى طرحتِها مؤخرًا؟
- شعرت برغبة شديدة لتخصيص ما أطلقت عليه مبادرة لتوثيق وقراءة والتعرف على إبداع المرأة فى مجالات السرد القصصى والروائى وكتابة الشعر والمسرح والسيناريو والإخراج والفن التشكيلي، هذا المنتج الكبير الذى يواكب ما حققته المرأة من نجاحات على كافة المستويات. ولاقت المبادرة ترحيبًا كبيرًا، ليس فقط من المُبدِعات، بل أيضًا مِن كثير من الناشرين والمسرحيين والسينمائيين والمهتمين بالشأن الثقافى.