الأربعاء 04 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

محمود المصطفى: قال لنجيب محفوظ «والله ما بقلدك!» فرد عليه: «أنت موهوب يا إسماعيل»

حرف

الكاتب والمحامى محمود المصطفى نجح فى الجمع بين مهنة المحاماة وشغفه بالكتابة السينمائية، فقد شارك فى كتابة العديد من الأعمال الفنية، على رأسها فيلمه الروائى الطويل «المصيف» الذى كتبه بالمشاركة مع المخرج سليم العدوى، إلى جانب إعداد البرامج وكتابة الإعلانات. «المصطفى» كانت له علاقة قوية بالروائى الراحل إسماعيل ولى الدين، بدأت فى فترة دراسته بكلية الحقوق، حيث كان شغوفًا بالقراءة، ليعثر بالصدفة على روايته «حمام الملاطيلى»، التى شكلت نقطة تحول فى حياته. 

فى حواره التالى مع «حرف»، يكشف محمود المصطفى عن تفاصيل لقاءاته مع إسماعيل ولى الدين، فضلًا عن كواليس إعادة طبع أعماله بالتعاون مع دار «ريشة».

■ كيف بدأت علاقتك بالكاتب إسماعيل ولى الدين؟

- بدأت علاقتى بأدب إسماعيل ولى الدين عندما اشتريت روايته «حمام الملاطيلى» من معرض الكتاب. شعرت بالدهشة حين عثرت عليها، لأننى كنت قد شاهدت الفيلم المُقتَبس منها، وكانت النسخة التى حصلت عليها مهترئة وبحالة غير جيدة، لكننى قرأتها واكتشفت وجود اختلافات كبيرة بين الرواية والفيلم. 

الحقيقة أننى انبهرت تمامًا بالأسلوب السردى لـ«ولى الدين»، فهو يمتلك قدرة فريدة على الكتابة بثقافة بصرية عالية، ولاحظت أن كتاباته تنتمى إلى نفس المناخ الأدبى الذى كتب فيه نجيب محفوظ، وعندما علمت أنه من مواليد حى الجمالية، فهمت سبب الحضور القوى لهذا الحى فى أعماله، بالإضافة إلى عشقه الواضح لـ«القاهرة الفاطمية» بكل تفاصيلها.

أخذت أبحث عن أعمال أخرى له، وقرأت الكثير منها، لكننى كنت أعتقد أنه قد توفى لأن تاريخ ميلاده يعود إلى عام ١٩٣٧، وخلال بحثى، صادفت الكثير من المعلومات غير الدقيقة عنه.

فى عام ٢٠١٥، اكتشفت بالصدفة حوارًا صحفيًا نادرًا أُجرى معه، فبدأت رحلة البحث عن رقم هاتفه حتى تمكنت من الوصول إليه والتواصل معه، وهكذا بدأت قصتى مع إسماعيل ولى الدين. 

■ ماذا حدث بعد ذلك؟

- بعد ذلك، زرت الراحل ٣ مرات، بالإضافة إلى العديد من المحادثات الهاتفية الطويلة، وعرفت منه تفاصيل مثيرة عن حياته، منها أنه خطب مرة واحدة فقط فى حياته، وأن شقيقته كانت تتولى كل أموره الشخصية. 

كما كشف لى كيف تعلّم كتابة السيناريو على يد المخرج الكبير صلاح أبوسيف، وكانت فاتن حمامة حاضرة فى تلك الجلسات، حتى إنها اشترت حقوق إحدى رواياته لتحويلها إلى فيلم، لكن المشروع للأسف لم يكتمل.

■ كيف استقبلك؟

- حين بدأ الحوار بيننا، اقترحت عليه إعادة طباعة أعماله، الأمر الذى أثار دهشته، إذ لم يكن يتوقع أن شابًا فى الـ٢٦ من عمره يعرفه جيدًا. كان أول ما سأله لى: «أنت تعرفنى منين؟»، وكأنه يتساءل إن كان هناك مَن لا يزال يقرأ! 

■ ما سبب اعتقاده أنه منبوذ فى حين أنه كان «بيست سيلر» يبيع الآلاف من أعماله أمام السينمات التى تعرضها على شكل أفلام سينمائية؟

- يمكن اعتبار إسماعيل ولى الدين واحدًا من أبرز الأسماء فى الأدب المصرى والعربى، بل إنه كان بحق «البيست سيلر» الأول فى مصر والعالم العربى. كانت رواياته تحظى بشعبية استثنائية إلى درجة أن بعض المنتجين، مثل سمير صبرى، كانوا يشترون حقوق الرواية لتحويلها إلى فيلم سينمائى حتى قبل أن تُطبع رسميًا، كما أن نور الشريف كان من بين المهتمين بأعماله.

إلى جانب مكانته الأدبية، كان إسماعيل ولى الدين ضابطًا مهندسًا ومستشارًا فى وزارة الإسكان، الأمر الذى دفع البعض إلى اعتباره قريبًا من السلطة، وهو ما أثر على تقييمه الأدبى فى بعض الأوساط.

كما أن التيار اليسارى آنذاك كان يتبنى توجهًا فى دعم أسماء معينة من الكُتاب، وكان إسماعيل ولى الدين خارج هذا الإطار، ما جعله بعيدًا عن دائرة «التلميع الثقافى»، الذى حظى به غيره من الأدباء خلال تلك الفترة. 

■ نشأ إسماعيل ولى الدين فى الجمالية مثل نجيب محفوظ.. هل هذا سبب المقارنات بينهما خصوصًا وأن كلًا منهما يكتب عن عالم مصر الفاطمية؟

- نعم بالتأكيد. لكن يجب أن تعلم أن إسماعيل ولى الدين وُلِد عام ١٩٣٧، فى حين وُلِد نجيب محفوظ عام ١٩١١، ما يعنى أن الفارق بينهما يصل إلى ربع قرن كامل. لذا، عندما بدأ «ولى الدين» الكتابة عام ١٩٦٧، كان نجيب محفوظ قد حقق مكانته الأدبية بالفعل، وبالتالى التأثر به طبيعى، إذ اعتبره أستاذه فى عالم الكتابة. 

رغم ذلك، واجه إسماعيل ولى الدين انتقادات من بعض الصحف التى رأت أنه يقلد نجيب محفوظ، وظهرت العديد من المقارنات بين أسلوبيهما، كما أشرت سابقًا. أذكر أنه أخبرنى ذات مرة بأنه ذهب لمقابلة نجيب محفوظ، وكان متحفظًا أثناء الحديث، وقال له بوضوح: «والله، أنا لا أقلدك». إلا أن نجيب محفوظ استقبل كلامه بابتسامة وضحك قائلًا: «أنت موهوب يا إسماعيل، ودع من يقول يقول، فالكتابة مفتوحة للجميع».

■ ماذا عن نشر مشروعه عبر «ريشة»؟

- حين تواصلت مع إسماعيل ولى الدين، كانت الصدمة كبيرة عندما علمت بخبر وفاته، فطلبت من جليسه حينها أن يزوّدنى برقم أحد ورثته، فدلّنى على الدكتور محمد حقى، الذى تواصلت معه لأقدم له واجب العزاء، ومنذ ذلك الوقت، بدأ لدى شغف كبير بإعادة نشر أعماله وردّ اعتباره الأدبى وإحياء سيرته الأدبية من جديد. ومنذ صيف ٢٠٢١ وحتى اليوم، تواصلت مع العديد من دور النشر، لكن أزمة النشر، التى تفاقمت بعد جائحة «كورونا»، جعلت الأمر شديد الصعوبة، وكان من اللافت أن أحد الناشرين سألنى: «من هو إسماعيل ولى الدين؟»، إذ بدا واضحًا أن معظم الناشرين الذين دخلوا هذا المجال بعد عام ٢٠١١ لم يكونوا على معرفة باسمه أو بأعماله، وحتى عندما ذكرت لهم فيلم «حمام الملاطيلى»، كانت ردود الأفعال محيرة، إذ قالوا لى: «هل الفيلم كُتب كرواية؟»، وكأن الرواية لم تكن معروفة لهم بالشكل الكافى. ورغم هذه التحديات، استمر بحثى عن فرصة لإعادة نشر أعماله، إلى أن كنت فى إحدى المرات فى زيارة للكاتب إبراهيم عيسى، الذى أبدى اهتمامًا كبيرًا بإسماعيل ولى الدين، بل وتحدث عنه مرتين فى برنامجه الإذاعى، وقال إنه اعتقد هو الآخر أنه توفى خلال فترة اعتزاله. أخبرته حينها بأننى تواصلت مع العديد من الناشرين وفشلت فى إعادة نشر أعماله، فكان رده حاسمًا: «دع هذا الأمر لى». بالفعل، تواصل إبراهيم عيسى مع حسين عثمان، مدير دار «ريشة»، الذى كان يعرف إسماعيل ولى الدين معرفة جيدة وكان متحمسًا جدًا لإحياء إرثه الأدبى، وبفضل هذا التعاون، تحقق الأمر، وتمكّن مشروع إعادة نشر أعمال إسماعيل ولى الدين من أن يرى النور أخيرًا.