الأربعاء 11 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

الأغنية الإلهـة.. الأسرار الكاملة لـ«القلب يعشق كل جميل»

أم كلثوم
أم كلثوم

- «أم كلثوم» رفضت تغنى الأطلال بسبب «السنباطى»

- إسماعيل مروة أستاذ الأدب بجامعة دمشق: النظام السابق افتقد الذائقة الفنية لتمييز قيمة الأعمال

بالصلوات اعتاد المسلمون فى كل مكان وزمان التقرب إلى الله، وبالصوم والزكاة والفروض وأركان الإسلام الخمسة حرص الموحدون بالله وأتباع سيدنا ونبينا محمد، صلى الله عليه وسلم،على عدم التفريط فى عقيدتهم، بحثًا عن دنيا تقربهم إلى آخرة بها جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ. من كان يتخيل أن يأتى يوم تتحرك مشاعر المسلمين فيه بكلمات قصيدة غنائية ترسم لهم إحدى أهم شعائرهم المقدسة، وهى رحلة الحج والطواف ببيت الله الحرام. لوحة فنية تنطق بالإبداع وتسحر الوجدان وتٌلهم العاطفة، وتزيدها شوقًا وعطشًا إلى زيارة البيت المعمور.

كيف لا يشتاق من يسمع: «مكة وفيها جبال النور.. طلة على البيت المعمور»، وكيف يتنحى من يسير على طريق التوبة حينما ترتقى لآذانه: «مسيرك يوم تخضعنى وتجيلى، طاوعنى يا عبدى طاوعنى أنا وحدى. من هُنا لديه القدرة ألا يطاوع؟! كيف لا يطاوع العقل والقلب أمام «سلملنا تسلم»، حتى يصل صاحبهما إلى سدرة المنتهى ليلبى النداء وهو يسمع: «دعانى لبيته.. لحد باب بيته».

كلمات نجح بها شاعر نفحه الله موهبة جعلته يترك إرثًا يشبه الصدقة الجارية، وتجعل جميع المسلمين حول العالم يتذكرون بالرحمات ويدعون بالمغفرة لأحد عباقرة هذا الزمان هو «بيرم التونسى»، بعد أن كتب رائعة وجوهرة ثمينة عاشت وستحيا أمد الدهر: قصيدة «القلب يعشق كل جميل»، ليلحنها بأنامل من ذهب ويشاركها ثواب السميعة رياض السنباطى، قبل أن تغلف تلك الدرة المكنونة صوت «كوكب الشرق» السيدة «أم كلثوم».

فى عام ١٩٧٢، كان العالم العربى والإسلامى على موعد مع صوت جاء إليهم من أم الدنيا، يُدل من ضل طريق الرقى، صوت يُدندن فى شموخ: «القلب يعشق كل جميل»، تلك التحفة الفريدة من نوعها، التى جمعت نقاء وبساطة العامية المصرية ووقار الموسيقى الكلاسيكية، ونقلت صورة حية لمناسك بيت الله الحرام، حتى أصبحت القصيدة أيقونة ارتبطت فى أذهان المصريين والمسلمين فى شتى أنحاء الكرة الأرضية بموسم الحج، قصيدة تعلقت بها قلوب المسلمين قبل آذانهم، لتبقى وتعيش حتى يفنى الله عز وجل الأرض ومن عليها.

قصيدة «القلب يعشق كل جميل» مرت بالعديد من المفارقات منذ بداية تكوينها حتى إذاعتها للمرة الأولى عام ١٩٧٢، فبعد أن عاد بيرم التونسى من رحلة الحج ولا يشغل ذهنه إلا هول ما رآه من عظمة وهيبة تجلت أمام عينيه مع أول نظرات للكعبة انهمرت فيها دموعه، وحينها قرر أن يكتب «القلب يعشق كل جميل» لتكون بمثابة تجربة حية لكل من لم يُرزق بمنحة الله له بزيارة بيته الحرام، وتزيد العاشق لهفة للزيارة، حتى خرجت كلمات القصيدة التى تحولت بمرور الأيام إلى طقس رسمى يميز موسم الحج فى شتى بقاع الأرض، إلا أن بيرم التونسى وبعد عرضه كلمات القصيدة على كوكب الشرق أم كلثوم رفضت ثومة غناء الكلمات فى البداية ثم اعترضت على ألحان الشيخ زكريا أحمد الذى قام بتلحين القصيدة فى بداية الأمر، لتذهب القصيدة أدراج الرياح يجرفها النسيان ومرور الأيام، ويرحل عن الحياة كاتبها بيرم التونسى وملحنها الشيخ زكريا أحمد دون أن يروا ثمرة ما قدموه ويدركوا هذا النجاح وردود الأفعال التى مازال صداها لم ينته حتى اليوم وبعد مرور مايقارب نصف قرن من الزمان على تقديم القصيدة، لتعود السيدة أم كلثوم وفى العام ١٩٧٢ لتطلب من الملحن الكبير«رياض السنباطى» إعادة تلحين القصيدة من جديد بلحن يختلف عما قدمه الشيخ زكريا أحمد، وبالفعل لحن السنباطى القصيدة بشكل جديد به من التلقائية والبساطة ما جعلها تصل لآذان الناس وقلوبهم بسرعة كبيرة جعلها تترسخ فى عقل المستمع قبل آذانه.

ومن مفارقات قصيدة «القلب يعشق كل جميل» أيضًا ماحدث مع السيدة أم كلثوم نفسها أثناء تقديم الأغنية لأول مرة على مسرح دار قصر النيل، وكان من بين الجالسين فى الصفوف الأولى شاب يستمع إلى الكلمات ودموعه تنهمر وخصوصًا عندما رددت أم كلثوم آخر الأبيات والتى تقول «دعانى لبيته .. لحد باب بيته، وأما تجلى لى .. بالدمع ناجيته» ولم يكن هذا الشاب سوى «أيمن» نجل مؤلف الأغنية الشاعر بيرم التونسى.

ونحن نحتفى هذه الأيام بحج بيت الله الحرام، تقدم «حرف» احتفاءً خاصًا بقصيدة قلوب كل المسلمين فى هذا الموسم: «القلب يعشق كل جميل»، احتفاء شارك فيه شهود على العصر ممن كانوا على مقربة من صناع العمل التاريخى وعلى رأسهم المستشار محمود بيرم التونسى حفيد الشاعر الكبير بيرم التونسى، مرورًا بكابتن طيار «محمد رياض السنباطى» نجل الملحن الكبير رياض السنباطى، ليستمر الاحتفاء مع مريدى القصيدة وعلى رأسهم شاعر العامية الكبير جمال بخيت، والباحث الموسيقى العُمانى مسلم بن أحمد الكثيرى، وأستاذ التراث بجامعة الملك سعود «محمد أبوالفتوح غنيم»، ليكتمل احتفاء «حرف» بمشاركة من الداعية الصوفى الحبيب على الجفرى، ورجال الأزهر الدكتور أحمد كريمة والشيخ أحمد تركى العالم الأزهرى، ليكشف كل هؤلاء عن أسرار وحكايات وتفنيد كل من وجهة نظره عن القصيدة التى ما زالت تبوح بأسرارها رغم مرور ما يزيد على نصف قرن من الزمان على تقديمها للجمهور.

جمال بخيت: صُناعها «قفلوا باب الإبداع وراهم»

جمال بخيت

الشاعر الكبير جمال بخيت وصف قصيدة «القلب يعشق كل جميل» بأنها فريدة من نوعها وتكاد تكون الأغنية الدينية الوحيدة فى تاريخ القصائد والأغانى الدينية، حيث نقلت صورة حية وواقعية لرحلتى العُمرة والحج إلى بيت الله الحرام، مضيفًا فى حديثه لـ«حرف»: بيرم التونسى حين كتب كلمات تلك القصيدة نجح فى الجمع بين فكرة تصوير المشهد وبين مشاعر الإنسان التى تجعلك تشعر بأنك ترى الصورة التى يحكى عنها وتتناولها القصيدة، وهى الصفة التى تتميز بها أعمال بيرم التونسى مثلما فعل فى قصيدة «شمس الأصيل» وغيرها من الأعمال الفنية التى تجعلك تسمع وكأنك ترى، وينقل إليك صورة حسية ومشاعر قلما يأتى بها شاعر عامية أو فُصحى.

وأضاف «بخيت» أن بيرم التونسى امتلك قدرًا من الجرأة يُحسد عليه حينما بدأ قصيدة دينية بجملة عاطفية مثل «القلب يعشق كل جميل، وياما شفت، وياما شفت جمال يا عين، واللى صدق فى الحب قليل» وغيرها من الكلمات التى اتسمت بالجرأة فى استهلال الكلمات، وأعتقد أن بيرم هُنا تأثر بعاطفته الجياشة وعشقه لكلمات الغزل والحُب التى طغت على وجدانه حتى فى كتابة قصيدة دينية، ومن وجهة نظرى أن بيرم هو من اخترع الجرأة الفنية، فهو شاعر مُتمرد سواء فى أفكاره أو الموضوعات التى يتناولها أو حتى فى طريقة التناول ما انعكس من وجهة نظرى على نجاح الأغنية بهذا الشكل الكبير وتحولها إلى أيقونة لموسم الحج.

جمال بخيت انتقل من الإشادة بـ«ابن كاره» بيرم التونسى الذى اعتبره أحد أسباب نجاح القصيدة، إلى الحديث عن ضلع رئيسى فى العمل وهو الملحن رياض السنباطى الذى وصفه برائد مدرسة العُمق فى التلحين، علاوة على امتلاكه حسًا مُرهفًا وشديد الرقة والرقى، ظهر فى كل أعماله مثل «قصيدة الأطلال» للشاعر الكبير إبراهيم ناجى، أو حتى فى ليلة العيد للشاعر الكبير أحمد رامى، فحينما تسمع ألحانه تدرك بسهولة أن من صنعها هو رياض السنباطى؛ لما فيها من سمو يمنح المستمع حالة من الأنين والشموخ فى نفس اللحظة، ونجاح السنباطى هُنا لا يمكن فصله عن كونه ترسًا فى تلك المنظومة الناجحة التى تدفع كل مشارك فيها للنجاح، حتى إن الموسيقار الكبير زكريا أحمد حينما لحن الأغنية فى البداية كانت ممُيزة بشكل كبير لم يقل فى روعته عما قدمه السنباطى.

وإلى مسك الختام وصل جمال بخيت بالحديث عن سيدة الغناء العربى وكوكب الشرق أم كلثوم التى ترجمت بصوتها كلمات بيرم التونسى وألحان رياض السنباطى، والتى وصفها بخيت بالصوت الشامخ؛ لما فيه من روعة وعظمة وثقافة ورُقى لم ولن يأتى الزمان بمثله لتغلف عملًا رائعًا من جميع الزوايا، عمل اجتهد فيه أباطرة الفن الراقى لصُنع رائعة تعيش أبد الدهر وتخترق منطقة لم يقترب منها أحد، وأعتقد أنه لن يستطيع أن يقترب منها أحد فى المستقبل، حيث نجح الثلاثى أم كلثوم وبيرم التونسى ورياض السنباطى فى أن يغلقوا باب الإبداع فى هذه المنطقة خلفهم، ويتركوا الجميع دون أن يكشفوا لهم عن سر الصنعة.

أستاذ تراث بجامعة الملك سعود: «السنباطى» قال لزوجته باكيًا: أشعر بأننى سأحج بهذه الأغنية

د. محمد أبوالفتوح غنيم

قصيدة «القلب يعشق كل جميل» لم يقتصر مريدوها على السميعة أو المشتاقين لزيارة بيت الله الحرام، ولكنها أيضًا اتخذت فى تقييمها جانبًا أكاديميًا، وهو ما كشفه د. محمد أبوالفتوح غنيم، عضو هيئة التدريس بقسم إدارة موارد التراث بكلية السياحة والآثار بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، حيث قال فى مقاله الذى نشر فى يناير من العام ٢٠٢٢ بصحيفة الجزيرة، إن القصيدة هى درَّة الأغانى الدينية لأم كلثوم، وأكثر ألحان السنباطى تعبيرًا ووصولًا، مشيرًا إلى أن صوت أم كلثوم، وموسيقى رياض السنباطى، ولعل نشأة كل منهما الريفية والدينية، وتوافقهما فى تذوق الشعر العربى، هو الذى أخرج هذا المزيج الرائع من الأغنيات الدينية فى التراث الغنائى لكليهما، حتى جاءت أغنية «القلب يعشق كل جميل لتتوج هذا العطاء المتميز، حسًا وتعبيرًا، عاطفة وصوفية، وإن كانت بالعامية المصرية. ويكاد يجمع من يسمعها على صوفية روحها، وعلى رقة كلماتها، وعذوبة لحنها، وحسن إنشاد أم كلثوم لها، بل يتأثر بها ويكاد تدمع عيناه من فرط التأثر بها، هذا التأثر امتد لمن لحنها، ومن غناها، فقد قال السنباطى لزوجته متأثرًا بالحالة الروحية للأغنية، وبكلماتها وتجاوبه معها: «إننى أشعر بأننى سأحج بهذه الأغنية»، وشاء القدر وكانت العمرة من نصيب السنباطى، كما بكت أم كلثوم متأثرة وهى تغنيها لأول مرة على المسرح فى ٣ فبراير عام ١٩٧٢م.

وأضاف غنيم فى مقاله، كتب بيرم هذه الأغنية أو القصيدة، بعد رحلة حج إلى مكة، وتأثره بروحانيات المكان، وقيل إنه كتبها فى الروضة الشريفة، وأعطى بيرم الأغنية إلى صديقه وتوأم روحه، الملحن زكريا أحمد؛ لكى يلحنها عام ١٩٦١، وعرضها زكريا بدوره على أم كلثوم فاعترضت على بعض الجمل اللحنية، وحدث أن توفى بيرم التونسى، وزكريا أحمد، فى ٥ يناير، و١٤ فبراير على التوالى من العام نفسه، بينما ظلت الأغنية حبيسة الأدراج عشر سنوات تقريبًا، حتى عام ١٩٧١ تحديدًا عندما بدأ رياض السنباطى بروفات تلحينها.

وتذكر غنيم فى مقاله بعض الروايات أن أحد السفراء السعوديين من أصدقاء أم كلثوم سألها ذات يوم: لماذا لا تقدمين أغنية عن الحج يتغنى بها الحجاج والمسلمون فى كل مكان؟، فاقتنعت أم كلثوم بالفكرة، وعرضتها على السنباطى، وكانت المشكلة التى صادفته هى مَن هو المؤلف الذى يكتب الأغنية، وقبل مرور أسبوع وجدت أم كلثوم الأغنية، وكانت قد عرضت عليها من قبل، وتذكرتها أخيرًا، وينبهر السنباطى بالأغنية ويعود إلى بيته ويعتكف فيه لمدة شهرين تقريبًا يكون خلالهما قد انتهى من تلحين الأغنية، مشيرًا إلى أن القصيدة تتحدث عن وقوف المسلم المؤمن بخشوع أمام خالقه، متجردًا من سلطته ومنصبه، وماله وجاهه، ومن عوالق الدنيا جميعها، حتى من ثيابه الخاصة إلى ثياب الإحرام، وهو يلبى ربه، ويطوف فى خشوع وتبتل، وقد تجلى له ربه من عليائه بكل عظمته وجلاله. وبعد أن كان يحاول التهرب منه والبعد عن طريقه، ها هو قد شمله الله برحمته، فيذعن له، ويعترف بتقصيره، وبفضل الله عليه، وحينها يقف يناجيه بدموعه المنسكبة التى تعبر عن الحب الخالص والخالد لخالقه.

باحث موسيقى عُمانى: لوحة فنية تستحق العرض فى أعظم متاحف العالم

مسلم بن أحمد الكثيرى

«قصيدة القلب يعشق كل جميل» مثلها كأغلب أعمال كوكب الشرق أم كلثوم لم تُكن يومًا حكرًا على وطن أو أحد فهى ملك لكل متذوق للفن الراقى، وهو ما ترجمه الباحث الموسيقى العُمانى مسلم بن أحمد الكثيرى عبر مقاله المنشور عام ٢٠٢٢ بصحيفة «عُمان»، حيث اعتبر «القلب يعشق كل جميل» عنوان واحدة من روائع الغناء الإسلامى العربى فى القرن العشرين، مضيفًا فى مقاله: لن أكتب تحليلًا موسيقيًا شاملًا عن هذه العمارة الفنية العظيمة، ولا عن سيرة حياة أم كلثوم أو الشاعر بيرم التونسى ولا عن الملحن العبقرى رياض السنباطى، ولن أتطرق كذلك فى هذه الزاوية القصيرة إلى قصة كتابة كلماتها أو قصة التلحين ولا التاريخ الذى غنت فيه أم كلثوم «القلب يعشق كل جميل»، حيث يمكن إدراجها ضمن آخر أغانيها وختام مشوارها الفنى الثرى الذى شمل كذلك أغانى «يامسهرنى، وليلة حب، وحكم علينا الهوى»، فقد كُتب عن تلك الموضوعات الكثير، ولن أضيف الجديد بشأنها حيث يجدها القارئ الكريم فى مختلف مواقع الإنترنت وحتى على قنوات اليوتيوب، وسيكون بمقدوره أيضًا أن يستمع إلى غناء أم كلثوم الرائع، بل وحتى ينزّل فى هاتفه هذه التحفة الموسيقية والأدبية التى لو تجسدت فى لوحة فنية تشكيلية، كما جسدها الملحن العبقرى رياض السنباطى وأم كلثوم والفرقة الموسيقية المصاحبة لعُلقت فى أعظم المتاحف. مسلّم الكثيرى هو باحث موسيقى ومدير الفنون وفنان وملحن عُمانى، ذهب إلى أدق التفاصيل حول قصيدة كوكب الشرق فى مقاله، حيث قال: لا بد أن المستمع إلى رائعة أم كلثوم «القلب يعشق كل جميل» لاحظ معى دور آلة القانون البارز من خلال أداء الأستاذ محمد عبده صالح الذى يكاد أن يكون ثانى المؤدين بعد أم كلثوم نفسها، فيما يشترك فى الصولو الأخير معهما عازف الكمان الشهير الأستاذ أحمد الحفناوى على ما أعتقد كثالث الأثافى إن جاز التعبير، فالأعمال الموسيقية ليس يقدمها المطرب فقط بل وكذلك العازفون الماهرون الذين يلاقون أيضًا التكريم بالتصفيق من الجمهور تقديرًا لحسن أدائهم.

أحمد كريمة: جوهرة ثمينة.. وتحريمها «جنان»

أحمد كريمة

وصف الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن فى جامعة الأزهر، قصيدة «القلب يعشق كل جميل» بأنها جوهرة ثمينة تزيد قيمتها مع مرور الأيام، خاصة أنها جسدت صورة حية لمناسك ومشاعر الحج، أحد أركان الإسلام الخمسة، الذى يتوق إليه قلب كل مسلم فى شتى بقاع الأرض.

وقال «كريمة»، فى حديثه مع «حرف»، إن «كوكب الشرق» أم كلثوم أبدعت فى أداء هذه القصيدة، لتترك لنا عملًا لا ينُسى، مضيفًا: «لذا أرى أن من يقترب إلى فكرة التحريم تجاه تلك الأعمال يُعد قد وصل إلى مرحلة الجنان».

وانتقل أستاذ الفقه المقارن فى جامعة الأزهر للحديث عن فكرة تحريم الأغانى فى الأساس، التى يتخذها البعض ذريعة للهجوم على الفن والأعمال الجيدة، مبينًا أن القاعدة واضحة فى هذا الشأن، وهى: «ما حُسنه حسن وما قبيحه قبيح».

وشرح: «المُحرّم فى الغناء هو القبيح منه وما يدعو للرذيلة ويفتن المستمع ويحرض على الفسق والفجور، وهى العلة التى لا تتوافر من الأساس فى الأعمال الفنية داخل مصر، خاصة الأغانى الدينية والوطنية، وإلا لكان تحريم النشيد الوطنى أولى، خاصة أننا نعيش فى بلد مصدر التشريع لديه هو الشريعة الإسلامية». وشدد الداعية الأزهرى على أن من يُنادى أو ينجرف وراء دعوات تحريم الغناء يخدم دون أن يدرى الفكر الإخوانى المتطرف، ويسعى لإلهاء المسلمين عن قضاياهم المهمة اليومية. وأتم الدكتور أحمد كريمة بقوله: «مرجعية التحريم من عدمها متروكة فقط لمؤسسة الأزهر الشريف والأوقاف ودار الإفتاء، بالتالى ما دامت لم تحرّم تلك المؤسسات شيئًا لا يمكن الإفتاء بتحريمه».

أحمد ترك: أغانى مدح الشعائر والمناسك «حلال»

أحمد ترك

أكد الشيخ أحمد ترك، أحد علماء الأزهر الشريف، أن الطرب بشكل عام، والموسيقى والغناء ذا البُعد الروحانى والدينى لا يمكن أن يندرجا تحت بند «المُحرمات».

وأضاف «ترك»: «المدح عن طريق الشعر فكرة موجودة مع انتشار الإسلام، دون أى غضاضة، وبالتالى قصائد مدح الشعائر ووصف المناسك، كما فى قصيدة السيدة أم كلثوم، التى تتضمن كلمات غاية فى الرقى للشاعر الكبير بيرم التونسى، تعتبر من قبيل الحلال الذى لا شبهة فيه».

وواصل العالم الأزهرى، فى حديثه لـ«حرف»: «الغناء والطرب إذا ما كان يدعم القيم الروحية، يُعد جزءًا من منظومة متكاملة تدعم ثوابت الدين ولا تُضيره، بل على العكس تمامًا».

وفيما يتعلق بحديث: «ليكونن من أمتى أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف»، قال «ترك» إن الحديث هنا يشترط اقتران العزف بشىء مُحرم مثل الخمر والزنا وارتداء الحرير وغيره.

الحبيب الجفرى: تحتوى على عمق المخاطبة مع الله.. والكلمات تحرك القلب

الحبيب الجفري

بالبكاء والتأثر الشديد استقبل الداعية الإسلامى والمفكر الكبير الحبيب على الجفرى، صوت السيدة أم كلثوم وهى تشدو برائعة «القلب يعشق كل جميل»، وذلك خلال استضافته فى برنامج ٩٠ دقيقة على قناة «المحور» مع الإعلامى محمد الباز فى العام ٢٠٢٠، حيث قال الجفرى إن كلمات الشاعر الكبير بيرم التونسى، التى تغنت بها سيدة الغناء العربى كوكب الشرق أم كلثوم ذات معان صوفية، كما تحتوى على عمق المخاطبة مع الله، وذوق صوفى يحرك القلب.

العالم والمفكر الصوفى الكبير الحبيب على الجفرى، كشف خلال حديثه عن تفاصيل تخص واقعة شيخه الإمام محمد سعيد البوطى، الذى استشهد داخل المسجد فى تفجير انتحارى بمسجد يقع فى مركز العاصمة دمشق، حيث قال إن شيخه كان يستشهد بكلمات قصيدة «القلب يعشق كل جميل»، وكان ينهار بالبكاء عند ترديدها.

بشار الأسد

هل منع نظام بشار الأسد الأغنية فى سوريا؟

إسماعيل مروة

كعادة الأغانى والأعمال الفنية التى تتحول بناءً على ماهيتها وتكوينها لأيقونات ثورية، تعرضت قصيدة «القلب يعشق كل جميل» للغط وأقاويل هنا وهناك تدعى منع غناء وإذاعة تلك الرائعة فى سوريا الشقيقة إبان حكم الرئيس السورى الأسبق حافظ الأسد ومن بعده نجل السابق بشار، بعد انتشار مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعى يردد فيها عدد من النشطاء السوريين هتافات أو أهازيج تندد بالنظام الأسبق والرئيس حافظ الأسد على ألحان وتوزيع القلب يعشق كل جميل، وهى الإشاعة التى انتشرت بشكل لافت للنظر الفترة الأخيرة، ما دفع «حرف» للتحقيق فى الأمر لمعرفة مصداقية الأمر من عدمه.

الدكتور إسماعيل مروة، المتخصص فى الأدب واللغة العربية بجامعة دمشق، قال فى حديث خاص لـ«حرف» إن من يردد تلك الأقاويل بحق نظام الأسد وحاشيته يهيأ له أن النظام السابق كان يمتلك الذائقة الفنية والأدبية التى تمكنها من دراسة الأعمال الفنية والأدبية والتفريق بينها واختيار بعضها وترك الآخر وهو ما يجافى الحقيقة بشكل واضح، حيث افتقد النظام السابق ومسئولوه، سواء بقيادة حافظ الأسد ومن بعده نجله بشار، أى توجه نحو الفكر الفنى من الأساس، حتى وإن حدث بالفعل ما تردد فى الأونة الأخيرة من استعانة بعض المعارضين لنظام بشار ومن قبله والده حافظ الأسد لألحان القصيدة العظيمة لكوكب الشرق والتى أبدع فيها الملحن رياض السنباطى فى الهجوم على نظامهم ما كان ليدرك هؤلاء معنى ذلك حتى إن الأغنية على ما أذكر كانت تُذاع على إحدى القنوات الدينية وتدُعى نور الشام حتى قبل أيام من سقوط نظام بشار الأسد.

وأضاف مروة فى تصريحاته الخاصة لـ«حرف»، أن قصيدة السيدة أم كلثوم أيقونة فنية تعلق بها وجدان وفكر المواطن السورى واعتبر نفسه أحد مُلاكها مع شقيقه المصرى، فكوكب الشرق كانت وستظل ملكًا للعرب جميًعا تجمعهم لا تفرقهم وتقرب بينهم مسافات صنعتها الجغرافيا والأسباب السياسية، فكيف أن يجروء أحد على الاقتراب من هذه المنطقة.

«حرف» استكملت رحلتها فى البحث والتدقيق لتأكيد الحقيقة، والتى أكدها أيضًا «عدنان فتح الله» رئيس قسم الموسيقى العربية فى «المعهد العالى للموسيقى»، والذى نفى بشكل صريح ما تردد فى هذا الأمر، سواءً بمنع قصيدة كوكب الشرق أم كلثوم من الغناء على مسارح سوريا أو فى محطات التليفزيون والقنوات الرسمية للدولة، مؤكدًا أن الأمر لا يتعدى كونه محض شائعات تم ترديدها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى، خاصة أن الموقف والمشهد الحالى فى سوريا ملىء باللغط والأخبار غير الصحيحة.

وأشار رئيس قسم الموسيقى العربية بالمعهد العالى للموسيقى، إلى أنه تواصل بشكل شخصى مع مسئولين عدة بالإذاعة والتليفزيون الرسمى للدولة السورية، للفحص والتبين من حقيقة ماتردد عن منع القصيدة حتى تيقن بنفسه من كذب تلك الأقاويل وعدم دقتها على إلاطلاق، سواء فى الفترة الحالية أو فترات سابقة، مشيرًا إلى أن قصيدة كوكب الشرق أم كلثوم «القلب يعشق كل جميل» بمثابة الأيقونة التى يستحيل القصاء عليها.

اقرأ أيضًا: 

محمد رياض السنباطى: العُزلة وفنجان القهوة سر عبقرية اللحن

محمود بيرم التونسى: الكعبة ألهمت جدى كلمات القصيدة