الثلاثاء 03 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مذكرات مثقف سورى عن مصر..

أستاذ الأدب فى جامعة دمشق إسماعيل مروة: بشار الأسد منع أعمال نور الشريف فى سوريا

إسماعيل مروة
إسماعيل مروة

- أسامة أنور عكاشة رائد الدراما العربية والشارع السورى مدُمن «أرابيسك» و«الشهد والدموع»

- جلست مع سميحة أيوب وفاروق شوشة وإبراهيم عبدالمجيد للتعلُم فى محرابهم

- حبكة وحيد حامد جعلت من مسلسل «الجماعة» الأعلى مشاهدة فى سوريا

- سوريا مرت بسنوات عجاف صنعت حالة من الارتباك فى المشهد الفنى والثقافى

وطن واحد وشعب واحد جمعته راية الوحدة العربية فى حقبة الستينيات، قبل أن تفصل بينهما أيادى الفُرقة، ومع ذلك استمرت مصر وسوريا يدًا واحدة، واستمر صوت القاهرة يصدح من قلب دمشق دائمًا: «من دمشق.. هُنا القاهرة».

مصر وسوريا شقيقان اعتاد اللسان نطقهما معًا دون فصلات، باعدت بينهما الجغرافيا وجمعت بينهما عوامل مشتركة لا تُحصى، على رأسها الفن دون أدنى شك، الذى أصبح من الروابط الأساسية بين البلدين، فكم من فنانين سوريين استقبلتهم مصر، وكم من أعمال درامية حفرت أحداثها فى وجدان السوريين.

حقائق دامغة أكدها ضيف «حرف» بل صاحب الدار إن أردنا وصفًا دقيقًا للدكتور إسماعيل مروة، المتخصص فى الأدب واللغة العربية بجامعة دمشق، والذى حطم أقفال صندوق حكاوى وذكريات جمعته بالعديد من الأدباء والمثقفين والفنانين المصريين، ليرسم صورة حية عن تلك العلاقة الوثيقة بين الشعبين المصرى والسورى.

رئيس القسم الثقافى بجريدة «الوطن» السورية تحدث لـ«حرف» عن زياراته المتعددة إلى مصر، التى تجاوزت 18 مرة، التقى خلالها العديد من الفنانين المصريين، بل وكون معهم صداقات لم تنقطع حتى اللحظة. حكى لنا عن جولاته مع أسامة أنور عكاشة، وصولاته مع فاروق شوشة وسميحة أيوب وإبراهيم عبدالمجيد وفتحية العسال وغيرهم من النجوم، قبل أن ينتقل إلى الحديث عن المشهد الثقافى والفنى فى سوريا، الذى وصفه بـ«الضبابى»، فى ظل التطورات السياسية الأخيرة فى البلاد.

■ فى البداية.. جمعتك بالعديد من رواد الثقافة والفن فى مصر علاقات وثيقة وإن كانت صداقتك بالكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة الأبرز.. حدثنا عنها؟

- أسامة أنور عكاشة رجل روائى وكاتب قلما يأتى الزمان بمثله، فهو يمتلك شخصية نادرة الوجود حيث كان يحرص على استضافتى فى كل مرة أزور فيها مصر فى أحد مقاهى حى الزمالك الشهير ثم ننطلق معًا إلى منزله الكائن على طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى، عرفته حينها رجلًا عظيمًا محبًا لوطنه ولقوميته العربية معتزًا بانتمائه لمصر، محُبًا للجميع، فهو روائى لم يأت مثله على مدار التاريخ الأدبى والدرامى المصرى والعربى، حيث لو بحثت فى كل ١٠ آلاف كاتب وروائى وفنان مصرى وعربى ستجد أن أسامة أنور عكاشة يتصدر ترتيبهم دومًا، فهو صديق وأديب لا ينتظر شهادة من أحد فأعماله تتحدث عنه.

■ هل هذا التعلق والارتباط بكتابات أسامة أنور عكاشة وجد انعكاسًا على الشارع السورى من خلال أعماله الدرامية؟

- بالتأكيد، حتى أن المواطن والشارع السورى كان يحفظ أعمال عكاشة عن ظهر قلب، خاصة رائعة «أرابيسك» التى قدمها الفنان الكبير صلاح السعدنى والفنان كرم مطاوع، وكذلك سلسلة «ليالى الحلمية» ودور السعدنى الذى لا يُنسى فيها، علاوة على أداء الفنان الكبير يحيى الفخرانى، وكذلك مسلسل «الشهد والدموع» الذى حظى بشهرة وصيت كبير فى الشارع السورى، لذلك دعنى أؤكد لك أن الفن المصرى متغلغل بشكل رئيسى فى الشارع العربى ككل والشارع السورى بشكل خاص، ويُعد أحد أسباب الترابط والقومية العربية، والتى كان يسعى إليها عكاشة من خلال كتابته، التى وضعته فى مصاف رواد الدراما وجعلته رائدها الأول مصريًا وعربيًا، وأبرز وأشهر من كتب عنه الصحفيون العرب والسوريون.

■ ألمحت كثيرًا إلى تمسك عكاشة بفكرة القومية العربية.. كيف رصدت ذلك من خلال تعاملك معه؟

- عكاشة كان مُحبًا كما ذكرت للفكر العروبى ولم يكن أبدًا غائبًا عن قضايا المحيط العربى بل والإفريقى وكان حاضرًا سواء بكتاباته أو رواياته أو حتى بتصريحاته ومواقفه البطولية التى لم ولن ينساها أى عربى مخلص لعروبته، فهو مؤسس وشريك فى فكرة القومية العربية، وكان دومًا منحازًا للحق والحرية.

أسامة أنور عكاشة

■ هل أخذت الدراما جزءًا من رصيد أسامة أنور عكاشة الروائى؟

- بالتأكيد، وعلى الرغم من إبداعات وتفوق عكاشة فى المجال الدرامى الذى حفر فيه اسمه بحروف من نور إلا إنه كان روائيًا من الطراز الفريد، ولكنه أراد أن يوجه دفة إبداعه بشكل أكبر إلى الإنتاج الدرامى، حتى رواياته التى تحولت إلى أعمال مسرحية مثل مسرحيته الشهيرة «الناس اللى فى التالت» بطولة سيدة المسرح العربى سميحة أيوب والفنان فاروق الفيشاوى والتى ختم بها حياته الفنية حققت نجاحًا كبيرًا، وعلى الرغم من ذلك كانت له جملة شهيرة يرددها دائمًا: الرواية والقصة لم تكن لتفعل شيئًا فى حياتنا ولا تترك أثرًا ليس ماديًا فحسب إلا إذا تحولت إلى عمل درامى، لذلك أنحاز بشكل واضح للدراما عن الرواية.

■ زياراتك المتعددة للقاهرة بالتأكيد لم تقتصر ذكرياتك فيها على صداقتك بعكاشة.. هل امتلكت حكاوى مع غيره من نخبة المثقفين المصريين؟

- بالتأكيد، زياراتى لمصر لم تُكن مجرد زيارات عابرة لقد زُرت مصر ما يزيد على ١٨ مرة، وفى كل مرة كنت أعود حامًلا ذكريات جديدة مع أصدقاء جُدد، لا أنسى سيدة المسرح العربى سميحة أيوب وعروضها المسرحية الرائدة التى كانت حريصة على دعوتى لحضورها، وكذلك الشاعر الكبير فاروق شوشة الذى كان يحافظ دومًا على إهدائى دواوينه، ناهيك عن مسرحيات جورج أبيض التى كنت أحضرها من أجل مشاهدة فن راقٍ لا مثيل له، كذلك أذكر أننى التقيت الكاتبة الكبيرة فتحية العسال خلال زيارتى للفنانة سميحة أيوب فى مسكنها بعمارة أم كلثوم الكائنة بحى الزمالك، ونشأت بيننا منذ تلك اللحظة علاقة صداقة ومودة دامت لسنوات وسنوات، كما كان الروائى الكبير إبراهيم عبدالمجيد من أقرب أصدقائى، وكانت رواياته بمثابة الرحلة التى تنقلنى من عالم لآخر، مرورًا بالعديد من الفنانين المصريين مثل القديرة سميرة محسن والكاتب الكبير وحيد حامد.

إسماعيل مروة مع إبراهيم عبدالمجيد

■ على ذكر الكاتب الكبير وحيد حامد.. هل نالت أعماله سواء السينمائية أو الدرامية ما نجحت فى أن تحصل عليه أعمال أسامة أنور عكاشة؟

- بالطبع، خاصة مسلسل «الجماعة» الذى تناول سيرة وتأسيس جماعة الإخوان المسلمين، والذى نجح وحيد حامد بحبكته وإتقانه وموهبته فى أن يجعله المسلسل الأكثر مشاهدة فى سوريا إبان عرضه، بل وتحول إلى مرجع يعود إليه كل من يريد أن يتعرف على تاريخ تلك الجماعة الإرهابية التى نجح الكاتب والسيناريست الكبير فى اختراق أسرارها وكواليس تأسيسها وتفاصيل ومواثيق عديدة تأسست عليها الجماعة منذ نشأتها، وهى المنطقة التى لم يتطرق إليها الكثير من الكتاب والمؤلفين بسبب اعتبارها حقل ألغام محظور الاقتراب منه.

■ هل تتذكر لقاءاتك مع الشاعر الكبير فاروق شوشة؟

- بالتأكيد، خاصة أن الشاعر الكبير فاروق شوشة بمثابة أستاذ تعلمنا منه وتربينا على صوته، وكنا نجلس أمامه بمثابة التلاميذ نتناقش حول اللغة والشعر والإعلام والثقافة فى حديث شيق، كما تشرفت باستقباله فى دمشق خلال زيارته لها أكثر من مرة وكان رجًلا غاية فى اللطف والنُبل والأخلاق والتواضع، كما حقق ديوانه «أحلى عشرين قصيدة حب فى الشعر العربى» مبيعات قياسية فى سوريا مثلما حققها فى مصر ليبقى صاحب أثر فنى وثقافى كبير فى الوطن العربى.

■ حكايات وذكريات وجلسات جمعتك مع حشد من مثقفى وفنانى مصر.. كيف يمكن وصف تلك الذكريات؟

- مصر العظيمة لا يمكن اختصار دورها ومكانتها وريادتها فى كلمات أو سطور ولا يكفيها مداد ليحكى ويروى كيف قادت العالم العربى للتنوير، مصر صاحبة تقاليد راسخة وفن راقٍ وأسس سليمة ومن يجلس مع نخبتها كمن تناول وجبة دسمة، وعن نفسى كانت جلساتى مع مثقفى وفنانى مصر بمثابة دروس وعبر وجلسات تُعلم فى محراب نجوم وأساتذة يمتازون بالتواضع الجم والأخلاق العالية، أذهب إليهم للدراسة والتعلم.

وحيد حامد

■ بالتأكيد زياراتك المتعددة إلى مصر شهدت جولة فى معرض القاهرة الدولى للكتاب.. ما انطباعك عنه؟

- بالفعل زُرت معرض القاهرة الدولى للكتاب مرتين، ووجدت فيه كيف يتعامل الأدباء المصريون بمبدأ الأب مع صغار الأدباء والشعراء والمثقفين، حتى تحول معرض الكتاب إلى ملتقى عالمى للأدباء ومحراب للأمسيات الثقافية والفنية يلتقى فيها أدباء ومثقفون من شتى أنحاء العالم من أجل التبادل الثقافى والفنى فيما بينهم، كما أسهم معرض القاهرة الدولى للكتاب فى صٌنع حالة من الزخم الثقافى فى المنطقة العربية والشرق الأوسط بل والعديد من دول العالم جعلت المثقفين من شتى أنحاء الدنيا ينتظرون إقامة المعرض كل عام فى دورته الجديدة؛ للحضور والمشاركة فيه والتعرف على ثقافات وعادات جديدة.

فاروق شوشة

■ وهل شرع النظام السابق فى منع فنانين آخرين بسبب خلافات أو مواقف معهم؟

- بالتأكيد، النظام السابق كان يمنع كل من هو مخالف له فى الرأى أو التوجهات بغض النظر عن جنسيته سواء سوريًا أو من خارج سوريا، فما حدث مع الفنان نور الشريف تكرر أيضًا مع الفنانة أصالة بسبب مواقفها المناوئة لنظام بشار الأسد ورجاله، وتم منعها من الغناء داخل سوريا.

■ على ذكر المنع والحجب.. هل بالفعل كان النظام السابق يحظر إذاعة قصيدة «القلب يعشق كل جميل» لكوكب الشرق أم كلثوم بعد أن استعان بلحنها السوريون فى الهجوم على النظام؟

- من يردد تلك الأقاويل يُهيئ له أن النظام السابق كان يمتلك الذائقة الفنية والأدبية التى تمكنها من دراسة الأعمال الفنية والأدبية والتفريق بينها، واختيار بعضها وترك الآخر، وهو ما يجافى الحقيقة بشكل واضح، حيث افتقد النظام السابق ومسئولوه للفكر الفنى من الأساس حتى وإن حدث بالفعل ما ذكرته من استعانة بعض المعارضين لنظام بشار، ومن قبل، والده حافظ الأسد لألحان القصيدة العظيمة لكوكب الشرق، والتى أبدع فيها الملحن رياض السنباطى فى الهجوم على نظامهم ما كان ليدرك هؤلاء معنى ذلك، حتى أن الأغنية على ما أذكر كانت تُذاع على إحدى القنوات الدينية، وتدُعى نور الشام حتى قبل أيام من سقوط نظام بشار الأسد.

■ بالتأكيد وبحكم مكانتك الأدبية والفنية لا يمكن إغفال الحديث عن المشهد الفنى والثقافى فى سوريا.. كيف يمكن قراءته حاليًا؟

- الموقف الحالى بعد سقوط نظام بشار الأسد، وانتهاء حقبة عائلة الأسد بشكل واضح لا يمكن وصفه بشكل دقيق وواضح، فالمشهد حاليًا ضبابى لا دلائل أو مؤشرات تحدد بوصلة الأحداث أو عن الشكل والتوجه الذى يمكن أن تؤول له الأمور بعد تولى أحمد الشرع رئاسة البلاد، ومن وجهة نظرى الموقف بحاجة لبعض الوقت والتريث قبل الحكم عليه، خاصة أن سوريا مرت بسنوات عجاف صنعت حالة من الارتباك فى المشهد الفنى والثقافى، ذلك الموقف الآن أشبه بمن يؤسس ويبنى من جديد ويحتاج وقتًا ليس بالقليل لكى يؤسس أعمدة رئيسية لا تتعرض للانهيار.

سميحة أيوب

■ هل تسرب إلى الفنانين والمثقفين السوريين شعور باليأس أو التشاؤم بعد التطورات الأخيرة فى البلاد؟

- على الإطلاق، لسنا متفائلين كما أننا لسنا بالطبع متشائمين، بل لا نملك إلا سلاح التفاؤل فى ظل مشهد لم يكشف بعد عن أسراره وتفاصيله، ومن وجهة نظرى أنه بجانب التفاؤل كما ذكرت، علينا كمثقفين وفنانين وأدباء أن نصطف جميعًا من أجل تحسين وتعديل الموقف وننتظر بدء الموسم الدرامى حتى نحدد بعدها الموقف بشكل دقيق من خلال إشارات وعلامات من شأنها أن تشرح طبيعة الحال وما نُحن بصدده خلال المرحلة المقبلة من عُمر البلاد، على سبيل المثال هل سيواجه الفن رقابة مسبقة أم لاحقة؟! هل سيترك للمثقف السورى أن يكسر التابوهات والتخوفات التى حاصرته لعقود أم سيبقى الوضع على ما هو عليه؟! أسئلة عديدة تدور فى الأذهان حول مستقبل سوريا، ولكن ستبقى الإجابة دائمًا «دامت سوريا حُرة».