تجسيد الإله على المسرح

كنا فى أكتوبر ١٩٩٦، وفى الولايات المتحدة الأمريكية كان فيه أستاذ جامعة اسمه بروس لورانس، ومراته الدكتورة مريام كوك. الزوجين وجهوا الدعوة لـ الدكتورة نوال السعداوى اللى كانت وقتها موجودة فى أمريكا، تحديدًا فى ولاية نورث كارولينا، والأكثر تحديدًا فى مدينة ديرهام.
خلينا الأول نقول إنه فى التوقيت دا، منتصف التسعينات، كان فيه حاجة مهمة اسمها قوائم الموت، طول الوقت كان الأصوليين والمتطرفين بـ يهددوا الكتاب والمبدعين اللى شايفينهم مخالفين لـ الدين «من وجهة نظرهم» لكنها كانت مجرد تهديدات، محدش كان يتصور إنها هـ تنتقل لـ حيز التنفيذ، لـ حد ما جات التسعينات للى بـ نتكلم عنها.
كانت البداية بـ اغتيال فرج فودة فى يونيو ١٩٩٢، ثم محاولة اغتيال نجيب محفوظ فى ١٩٩٤، ووقتها عرفنا إنها مش لعبة ومش هزار ومش ظاهرة صوتية، إنما الجماعة دول، لـ الأسف، جادين فى مسعاهم لـ تصفية المختلفين مش هـ أقول المخالفين، وأى قائمة ممكن تتخيلها فى هذا الشأن كان اسم نوال بـ ييجى فى الأسماء الأولى.
الواقع إنه دا ممكن يخلق حالة من الخوف عند الكاتب، لكنه فى الوقت نفسه ممكن يحرره من الخوف ويخليه أكثر جرأة، ما دام كدا كدا محصلة بعضها، ومفيش فرصة لـ التراجع، فـ يبقى نقطع البطاقة ونروح لـ الحد الأقصى، هى موتة ولا أكتر.
نرجع لـ الدعوة اللى تلقتها السعداوى من الزوجين الأكاديميين فى أمريكا، وهى كانت دعوة تشمل عشاء ثم مشاهدة مسرحية لـ طلاب دكتور لورانس، أعدوها عن نصوص هو كاتبها، وفى مقدمة المسرحية الراوى بـ يقول: «إن تجسيد الذات الإلهية على المسرح كان مستحيلًا، ليس خوفًا من دخول النار، وإنما هو عجز الخيال البشرى عن تصوره».
ما اقتنعتش نوال السعداوى ساعتها بـ الفكرة دى، ولا بـ المسوغ ليها، وقررت وقتها إنها تكتب فورًا مسرحية تجسد فيها الذات الإلهية، وعلى ما جينا الصبح كانت كتبت مسرحية «الإله يقدم استقالته فى مؤتمر القمة»، إنما الكتابة سهلة مش محتاجة غير قلم ورزمة ورق صغيرة، إنما هـ نعمل إيه فى هذا النص القنبلة؟
الواقع إن دكتورة نوال أخدت أكتر خطوة جريئة ممكنة، وودت المسرحية لـ الحاج مدبولى، الناشر الأكثر جرأة فى هذا المجال، هو اللى طبع مثلًا «حروب دولة الرسول» لـ سيد القمنى، وغيرها من الأعمال اللى ما كانتش شايفة التابوه أصلًا مش بس بـ تكسره، وميزة الحاج مدبولى عليه رحمة الله إنه ما كانش بـ يقرا، بـ التالى مش بـ يراجع، ولا بـ يراقب، هو بـ يطبع وينشر ويوزع وزى ما تيجى تيجى.
إنما لـ سبب ما لا يعلمه إلا الله، الحاج مدبولى ما طبعش المسرحية فورًا، وركنها ما يقرب من عشر سنين، ودكتورة نوال ما كانتش بـ تزن، لـ إنها مقدرة موقف الناشر، ولما مرت السنين كان فيه تصور إنها خلاص ما عادتش تشوف النور، لـ حد ما جينا ٢٠٠٦، وقرر الحاج مدبولى يطبعها وينزل بيها معرض الكتاب ٢٠٠٧.
بس يا سيدى، ما وصلناش طبعًا معرض الكتاب، والكل كان بـ يشد فى شعره مش بس غلاة الأصوليين والمتطرفين، كان الموضوع تقيل فعلًا، والحاج مدبولى لقى نفسه فى ورطة، وإن دا مش زى الكتب والأعمال اللى اتعود ينشرها رغم جرأتها، وقدّر إنه مش هـ يقدر يقف فى وش الريح، فـ أعلن ساعتها إنه حرق كل النسخ اللى طبعها «قال ٣٠٠٠ نسخة ساعتها» وإنه مش يوزعها، وما عادش حد يشوفها تانى.
طبعًا اترفعت قضايا على نوال السعداوى لكن كسبتها، والرواية كـ كتاب بقى لها مسار تانى استمر سنين، إنما فى النهاية مع الإنترنت وسهولة تداول الكتب، ما عادش الكاتب محتاج ناشر، وبقى متاح وأظن إنه اتقرا كتير.
السؤال هنا: بعد ما الكتاب قراه الآلاف والآلاف، هل فيه حاجة اتغيرت؟ هل الناس بقوا يخرجون من دين الله أفواجًا؟ إذا كان لأ، يبقى ليه الخوف والتهديد والمنع من الأول؟ أفلا يعقلون؟