قارئ الجثث

لما كان مصطفى عبيد بـ يترجم مذكرات توماس راسل، حكيمدار بوليس العاصمة المصرية، لقى إنه راسل بـ يعمل إشارات لـ كتب وشهادات لـ موظفين كبار جم من إنجلترا واشتغلوا فى مختلف القطاعات فى مصر خلال فترة الاحتلال.
كان ضمن إشارات راسل باشا، كلامه عن كبار خبراء الطب الشرعى فى إنجلترا وزياراتهم المتكررة إلى مصر، فى بدايات القرن العشرين، وإزاى إنهم لقوا فيها منجم لـ لتجارب والخبرات نتيجة تنوع الجرائم وتعدد أساليب القتل، وذكر راسل أسماء بعض الأطباء الشرعيين المعروفين، زى مستر نولان، وسيدنى سميث، وسميث دا اللى يهمنا دلوقتى.
سيدنى معروف للعاملين فى مجال الطب الشرعى المصرى، بـ اعتباره واحد من المؤسسين لـ مصلحة الطب الشرعى سنة ١٩٢٧، كمان اشترك مع طبيب مصرى فى إصدار أول كتاب بـ اللغة العربية عن الطب الشرعى سنة ١٩٢٤.
دا خلى مصطفى عبيد يترجم مذكرات سيدنى سميث اللى ما كانش حد اهتم بـ ترجمتها، على أساس يعنى إنه دا كان طبيب جى مع الاحتلال الإنجليزى، فـ إذ ربما يكون له موقف سلبى من القضايا الوطنية أو الثقافة المصرية أو أى من هاتيك الأشياء اللى بالك فيها.
مذكرات سميث اتنشرت سنة ١٩٥٩، وما يخص مصر، فـ هو عاش فيها ١١ سنة كانوا فى النص الأول من القرن العشرين، ثم إنه سافر لـ استكمال تجاربه فى مجال كشف الجرائم من خلال الطب الشرعى فى أيرلندا واسكتلندا، وأستراليا، وسيلان.
كيث سيمبسون، كبير الأطباء الشرعيين فى لندن، قال عن سميث إنه استنساخ حقيقى لـ جوزيف بيل، طبيب الجراحة بـ إدنبرة الذى استوحى منه آرثر كونان دويل شخصية «شارلوك هولمز» الشهيرة.
بـ نلاقى كمان إنه فى سيرة سميث خفايا غامضة حصل معظمها فى مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين، وكانت اكتشافاته سبب لـ الوصول إلى الجناة فى قضايا مرعبة كتير تمكن من فك غموضها.
المهم، إنه سميث دا اللى اكتشف هوية جثث ريا وسكينة واشتغل فى قضايا مهمة زى مقتل السير، ودا كان خلال فترة وجوده بـ مصر فى الفترة من بداية ١٩١٧ إلى نهاية ١٩٢٧، فـ هو احتك بـ المجتمع المصرى خلال مرحلة مهمة من مراحل تطوره بعد ثورة ١٩١٩، وما نتج عنها من تطور مجتمعى واضح انعكس على التعليم والثقافة وكل جوانب الحياة.
الملاحظ إنه الراجل تابع خلال وجوده فى مصر قضايا جنائية وسياسية معقدة انحاز فيها كلها لـ ضميره العلمى، قبل انتماؤه الوطنى؛ ودا كان بـ يخليه فى بعض الأحيان يكشف بـ وضوح إزاى سلطات الاحتلال البريطانى فى مصر كانت بـ توظف لصوص سابقين لـ العمل كـ خفر غير نظاميين، ثُم تستخدمهم فى قتل المتظاهرين وإثارة الشغب لـ تحقيق أهداف سياسية.
بل إنه ممكن يتجاوز دا فـ نلاقيه بـ يشهد فى واحدة من المرات لـ صالح سجين مصرى تعرض لـ التعذيب فى السجن.
سميث بـ يقدم فى مذكراته آراء متعاطفة مع الحركة الوطنية فى مصر ومع سعد زغلول ويقدم مقترحات لـ لمسئولين الإنجليز، إنه شايف إمكانية منح مصر حكم ذاتى زى ما حصل فى نيوزيلندا، وانتخاب سعد زغلول رئيس لـ المصريين، لـ درجة إنه مرؤسيه ردوا عليه بـ سخرية إنه أكيد شارب حاجة صفرا.
سميث كمان بـ يقدم وصف دقيق لـ لقرى المصرية فى بدايات القرن العشرين، وإزاى كانت مرتع لـ البؤس والحرمان وموطن لـ الأمراض النادرة، ومركز لـ لجهل والإهمال؛ دا اللى بـ يخليها حقل خصب لـ مختلف أنواع الجرائم وطرق القتل بداية بـ التسميم بـ الزرنيخ وحتى الخنق وتقطيع الضحية لـ أشلاء عدة. عشان كدا مصر فضلت تعيش معه حتى بعد ما سابها، فـ يفتكر فى كل جريمة يحقق فيها موقف مشابه عايشه فى مصر واستفاد منه.