الأربعاء 30 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

مكتبتي..

وليمة لأعشاب البحر

حرف

أواخر التسعينات، أوائل الألفية كان فيه سلسلة بـ تصدر عن الهيئة العامة لـ قصور الثقافة، اسمها «آفاق الكتابة»، السلسلة دى كانت معنية بـ إصدار كتب عربية غير مصرية، ومش متاحة لـ القارئ هنا فى مصر.

بـ المعنى دا، الكتب اللى بـ تخرج من السلسلة ما كانش دا إصدارها الأول ولا طبعتها الأولى، لأ، حاجات اتطبعت فى بلد تانى، خلينا نقول مثلًا بيروت ولا بغداد، وفيه صعوبة لـ الحصول عليها فى مصر لـ سبب أو لـ آخر، فـ السلسلة تطبع الكتاب وتتيحه بـ سعر رمزى، ودا حصل مع أدباء زى محمود درويش وأدونيس وغيرهم.

رئيس تحرير السلسلة كان إبراهيم أصلان، ومدير تحريرها حمدى أبوجليل، وفى سنة ٢٠٠٠ قرروا إن السلسلة تصدر رواية «وليمة لأعشاب البحر» لـ الكاتب السورى حيدر حيدر، اللى صدرت فى بيروت قبلها بـ ١٧ سنة، وما كانش حد هنا فى مصر يسمع عنها.

حيدر كاتب له شأن فى عالم المثقفين، وبطل روايته شيوعى عراقى، والرواية ملمسة مع ملفات فى السياسة والأيديولوجيا، وما تقدرش تقول إنها ليها علاقة بـ الملف الدينى، بس الأمر برضه لم يكن يخلو من تلميح هنا أو هناك، هى عمومًا رواية مش ملتزمة أوى بـ قيود، ثم الأهم إنها فعلًا نخبوية، ما تهمش القاعدة الجماهيرية العريضة.

والواقع إنه حتى بعد ما نشرت «آفاق الكتابة» الرواية، فضلت شهور فى مصر برضه محدش كتير يسمع عنها، عادى يعنى، رواية صدرت، هـ يقراها عدد محدود من المهتمين ودمتم، لكن فجأة الدنيا اتقلبت، والأحداث تطورت من حيث لا أحد يعلم.

الحكاية ما كانتش خاصة بـ الرواية إنما تربص من التيارات الإسلامية بـ وزير الثقافة فاروق حسنى، مش لـ شخصه إنما لـ منصبه وموقعه ودوره، أصلك الرواية نفسها تقدر تقول مفيهاش حاجة، غير كام جملة من أصل ٧٠٠ صفحة على لسان شخصية فى الرواية غير مؤمنة، حاجة لا تذكر، لكن الأقلام الإسلامية اشتغلت.

ورغم إنه ما كانش صاحب ضربة البداية فى الحملة، لكن الكاتب محمد عباس فى جريدة الشعب كان راس الحربة، وجريدة الشعب كانت بـ تصدر عن حزب العمل، ثم حصل تحالف من الحزب مع الإخوان المسلمين، فـ الإخوان سيطروا على الجريدة وبقت تنطق بـ لسانهم ولغتهم.

مقالات محمد عباس هيجت الدنيا، وحصلت مظاهرات عنيفة من طلاب كتير فى جامعة الأزهر، طبعًا محدش منهم قرا الرواية، لكن الكلام كله كان إزاى وزارة الثقافة الرسمية تطبع كتاب فيه الكام جملة دولة، وبدأت تبقى دعوات لـ إقالة المسئولين ومحاكمتهم كمان وعلى رأسهم فاروق حسنى، لكن كمان إبراهيم أصلان وحمدى أبوجليل طالهم الكلام.

فعلًا، خضع أصلان وأبوجليل ومعاهم محمد كشيك لـ تحقيقات استمرت ساعات طويلة، بس المهم كان الموقف الصلب من فاروق حسنى، اللى رفض الخضوع لـ الابتزاز الدينى، وشكل لجنة من كبار النقاد علشان يبتوا فى أمر الرواية، وإزاى إنها رواية عادية زى أى رواية، ووقف فى ضهر المسئولين عن السلسلة، لـ حد ما عدت الأزمة.

موقف فاروق حسنى الشجاع وقتها دعم كتير الأدباء اللى ممكن نسميهم منفتحين، وشجع المسئولين على إنه ورانا وزير متنور، صحيح الرواية نفسها اتصادرت، ونسخها اتسحبت من السوق، بس بدا واضحًا إننا أحرار فى عصر حر.

تقديرى إنه دا كان السبب الرئيسى فى أزمة تالية بعدها بـ فترة مش كبيرة، كنت حكيت لك عنها، اللى هى أزمة الروايات التلاتة: أبناء الخطأ الرومانسى وأخواتها.

يالا، منه له.