الإثنين 02 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز
المحرر العام
محمد الباز

مكتبتي..

المشروع والممنوع

الأبنودى
الأبنودى

لـ سنوات، فضلت علاقة الأبنودى بـ السادات ونظامه جيدة، وتقدر تقول متميزة. وقتها كانت الأخبار نشرت صورة لـ الشاعر وهو بـ ينحنى قصاد رئيس الجمهورية بـ شكل مبالغ فيه، وبـ سبب الصورة دى كان فيه هجوم كبير من اليسار والناصريين على الأبنودى، لـ إنه زى ما إحنا عارفين العلاقة بين النظام واليسار كانت مرتبكة إلى أقصى حد.

ما تعرفش إيه اللى حصل، وتعددت الأقاويل والحواديت والشائعات، لكن علاقة الأبنودى بـ السادات باظت فى الآخر، وتحول موقف الشاعر من الرئيس ١٨٠ درجة، وبدأ يكتب قصائد ضد النظام وضد الرئيس، كان أشهرها قصيدة اسمها سوق العصر، اللى هى ضد الانفتاح الاقتصادى واللى عمله.

طبعًا القصائد دى ما كانتش بـ تتنشر بـ صورة رسمية، إنما وسيلة الانتشار الأولى ليها كان الكاسيت غير الرسمى، كان الأبنودى يقعد فى قعدة يقول القصيدة، وحد من القاعدين يسجل، ثم الشريط يلف على المهتمين، يسمعوه وينسخوا منه نسخ، والنسخ تلف وهكذا.

لما حصل اغتيال السادات، الأبنودى كتب قصيدة رهيبة، طويلة ومتدفقة، بـ يمجد فيها خالد الإسلامبولى، واسمها «المتهم»، اللى كان آخر جملة فيها: كل القضاة زايلين والمتهم خالد. القصيدة دى انتشرت بـ شكل رهيب بين أوساط اليسار والناصريين، رغم إنه خالد نفسه كان إسلامى، بس الاحتفاء بيه وبيها كان فى المعسكر المقابل.

بعد رحيل السادات، كان فيه فرصة إنه القصائد اللى كتبها الأبنودى دى، خصوصًا سوق العصر والمتهم يصدروا فى ديوان رسمى، ودا اللى حصل فعلًا، الأبنودى جمع عدد من القصايد وطلع على مدبولى، وعملوا ديوان اسمه المشروع والممنوع صدر سنة أو سنتين بـ الكتير بعد رحيل الرئيس، وحقق مبيعات كبيرة جدًا فى سنوات صدوره الأول.

لكن اللى حصل فى السنوات دى إن الدنيا مشيت فى اتجاه تانى خالص.

الأبنودى علاقته اتصلحت بـ النظام السياسى، وبقى من الشعراء المفضلين لـ نظام مبارك، وأفتكر إنه فى فترة وجيزة عمل أغنيات «وطنية» كتير، زى بلدى ومصر يا أول نور فى الدنيا، وطبعًا حطيت «وطنية» بين قوسين، حسب موقعك إنت من الإعراب تشوفها إزاى.

الأغانى اللى عملها الأبنودى دى كانت ذكية جدًا، مفيش تمجيد مباشر لـ النظام السياسى، لكنها صالحة تمامًا إنها تكون الصوت الرسمى لـ نظام بـ يبدأ عهده، ومع الوقت كان الأبنودى على استعداد لـ تطبيع أكبر مع النظام، وصل ذروته سنة ٩٠ بـ الليلة المحمدية.

ما يعنينا دلوقتى، هو إنه سريان المياه فى هذا الاتجاه، خلى تداول الديوان اللى أصدره الأبنودى فى أعقاب رحيل السادات أمر محرج ليه ولـ النظام فى آن معًا، ودا اللى خلاه يتوقف عن طباعة الديوان مرة تانية، ويختفى من سلسلة دواوين الأبنودى.

قصيدة المتهم نفسها اختفت، وبقى الأبنودى يرفض يلقيها فى أى حتة وأى مناسبة، حتى إنه فى أمسية شهيرة بـ المركز الثقافى الروسى، طلبناها منه مرارًا وتكرارًا، فـ قال لنا فى الميكروفون: ابقوا قولوها فى أحزابكم السرية، فـ قمت أنا وقلت له: ليه؟ ما نقولها هنا وألقيتها كاملة!

على أى حال اختفى ديوان المشروع والممنوع، واختفت قصيدة المتهم، واختفت سوق العصر، لـ حد ما جرت فى النهر مياه تانية، والدنيا بدأت تتبدل، وكتير بدأوا ينطوا من مركب مبارك، ثم جه خالد آخر هو خالد سعيد، خلى الأبنودى يطلع القصيدة من الدرج، أو بـ الأحرى أجزاء منها، وكمان طلع سوق العصر، بعد ما حذف منها السطر اللى بـ يشير لـ أزمته مع السادات، وبدأت القصائد فى التداول مرة أخرى، لكن من غير بقية قصائد الديوان، ومن غير الديوان نفسه.

فين المشروع؟ وفين الممنوع؟ الله أعلم!