مكتبتي..
ساعة عدل واحدة

آرثر سيسيل ألبورت، هو طبيب من جنوب إفريقيا، اتولد هناك فى مدينة كيب الغربية، سافر بريطانيا لـ دراسة الطب، واتخرج من جامعة أدنبره ١٩٠٥، عشان يرجع بلده بعدها يشتغل دكتور شوية، قبل ما يلتحق بـ الجيش البريطانى.
لف ألبرت لفة محترمة، لـ حد ما جات سنة ١٩٣٧، وقرر إنه ييجى مصر يشتغل هنا أستاذ لـ الطب الإكلينيكى فى مدرسة طب قصر العينى بـ جامعة فؤاد الأول. وكانت مجيته مصر بناء على نصيحة من السير ألكسندر فلمنج، الطبيب المشهور جدًا، علشان يقعد ست سنين فى المستشفيات المصرية، تيجى له فيها صدمة من اللى شافه، الصدمة دى هـ ينتج عنها كتاب.
الكتاب هو «ساعة عدل واحدة» وبـ يقول إنه استقى العنوان دا من حديث: «عدل ساعة خير من عبادة سبعين سنة»، والكتاب أصدره ألبرت على نفقته الخاصة، لكن بعديييين سنة ٢٠٠٩، دار الهلال أصدرت له طبعة جديدة بـ ترجمة سمير محفوظ بشير.
الكتاب صادم جدًا بـ الطبع، خصوصًا لـ الناس اللى فاكرة إنه مصر قبل يوليو ١٩٥٢، كانت عايشة فى جنة الملكية، لما كانت الموضة بـ تيجى مصر قبل باريس، والحلاق بلجيكى والبقال يونانى والحلوانى سويسرى، والفلوس رزم رزم، والعمارات بحرى بحرى، والأرض مروية بـ الراحة.
مثلًا، بـ يتكلم عن مستشفى الملك الفؤاد الأول «الجديدة» اللى افتتحوها سنة ١٩٣٨ فـ بـ يقول إن المستشفى كانت فخمة وبـ تصميم فرعونى ومستشفى كبيرة جدًا بـ سعة ١١٥١ سريرًا، لكنه وصفها «بـ الفيل الأبيض الضخم».
فى الوقت اللى الجامعة بـ تفخر بـ أن مساحة الدور الأرضى لـ المستشفى أكبر من أربع مستشفيات كبرى فى لندن كانت التجهيزات فى حالة مزرية، ومكنش فى أصلًا شبابيك فى الممرات، والمستشفى كانت ساقعة فى الشتا، والتدفئة المركزى مش شغالة، ومفيش كراسى لـ أهالى المرضى والطلبة، فـ الأهالى اللى بـ يزوروا المرضى بـ يقعدوا على نفس السرير، والعدوى بـ تنتشر بـ سرعة.
المستشفى افتتحوها كروتة عشان كان فى حد مهم جاى من إنجلترا يفتتحها، بس مفيش بطاطين ولا أغطية، والالتهاب الرئوى ضرب فى المستشفى كلها من البرد القارص، وفى الصيف الجو حر جدًا ومفيش سلك على الشبابيك والذباب فى كل حتة فى المستشفى.
المستشفى اتكلفت ٢ مليون جنيه سنة ١٩٣٨ ودا رقم مهول، بس لـ الأسف، اتصرفت على أبنية ضخمة وديكورات فرعونية، وهو نفسه- ألبرت- بـ يقول إنه فى سنة ١٩٤٢ بلغ مكرم عبيد باشا إن مستشفى الملك فؤاد تمثل تهديدًا بالغًا لـ حياة المرضى ويجب إغلاقها فورًا.
بـ يقول كمان إن التمرجية بـ يبتزوا المرضى، وبـ يطلبوا فلوس، ولو مريض رفض بـ يضربوه ويرموه بره المستشفى. وإنهم- التمرجية- سرقوا ١١ مروحة كهربائية و٩٠٠ متر من أسلاك الكهرباء، وبلاوى كتير عن التمرجية، وإزاى إنه رغم قلة مرتباتهم، كان فيه إقبال على المهنة، علشان المكاسب اللى بـ يحققوها من المستشفى بـ طرق غير مشروعة.
بـ يقول كمان إن فيه مستشفى بـ تكشف على حوالى ٥٠٠٠ مريض يوميًا فى العيادات الخارجية، كل قسم حوالى ٥٠٠-٨٠٠ حالة و٩٠٪ من الكشوفات عبارة عن مسرحية هزلية. الدكاترة الصغيرين قاعدين على المكتب وبـ يسألوا المريض سؤال واحد وبعدين يكتبوا الروشتة، وبـ يقول إن معظم المرضى عايزين الدوا عشان يبيعوه فى السوق السودا!
دا غير الكلام الكتير عن أحوال كلية الطب نفسها، وطرق التعيينات والمحسوبية وانعدام وسائل التدريب، وعدم وجود خطة، أما مجلس الكلية نفسه فـ قال عنه الخلاصة: «إن وصف مجلس كلية الطب يندرج فعلًا خارج نطاق قدرات قلمى».
لنا الله.