الخميس 31 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

يا عندليب ما تخافش من غنوتك.. إبداعات الجامعات

حرف

يا عندليب ما تخافش من غنوتك

قول شكوتك واِحكى على بلوتك

الغنوة مش ح تموتك.. إنما

كتم الغنا هو اللى ح يموتك!

فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.

جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ. فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».

جابر الأنصارى يكتب: وحكالى

جابر الأنصارى

وحكالى 

إن الخدمة ساعات بتهوّن عنه 

يكتب لها جوابات

أو يقرالها جواب كان كاتبه

قاللى

بيحب حبيبته أكتر م العالم 

ممكن يضرب صف الظابط 

لو خبطه فى قلبه

وحلف لى 

إن الورق الساقط من شجرتهم 

مش ذنبه 

ما ندمتش 

لما لمحت إيديه بترعش 

رحت أقعد جنبه 

خد كل حكاوى الدنيا فى شهقة 

طلعها وقال: الغربة 

هى لولاها مكنش الهم لواله دراع 

ولا كان مشاه وياه بالقلب

قاللى

أنت صحيح متكتف رجل وإيد زيى 

لكن مش متكتف قلب 

ولا متاكل غلب 

زى المقتول 

لو مش عارف

مين قاتله 

قالى الحب محدش قدّه

فحكيتله

وحكالى

آية إبراهيم تكتب: ثمن

آية إبراهيم

حين يُصبح لكل شىء فى حياتنا ثمن، تصبح الحياة بأكملها بلا ثمن. لم يخسروه ولم يخسرهم، الحياة وحدها هى من خسرته، إنه فرد ما، مجرد رقم فى أعداد زبائن، يسكرون لينسوا. سُكرهم الدائم عن كل حقيقة طاغية. ينفقون المال على ما ينسيهم عناء اكتسابه.

هو بقصد أو غير قصد، بإدراك أو بلا إدراك، انتبه مبكرًا، رحل قبل أن يسكر معهم، من الحانة الكبيرة للكون، والتى تمتلئ بشتى أنواع مذهبات العقل: المال، الأولاد، الصحة، الحب، السلطة، وغيرها من الألفاظ الفارغة من معناها، معنى يضمها جميعًا فى حروف عبثية، يجرون وراء حياة تواعدهم بأشياء فائقة السعادة، تذيقهم بعضها لكى يهتفوا: «هل من مزيد؟» والنهاية قدر الانتهاء.

هو طفل لا يميزه شىء عن باقى الأطفال، بينه وبين أمه عشرات القبل الصباحية وأحضان الدفء فى المساء، ونظرات له أثناء نومه، دائمًا ما ينتهى إحصاؤها بالنوم مجددًا.

كان ذلك اليوم ذكرى عيد ميلادها كما فهم من إخوته الأكبر منه، أيقظته على إشراقة ابتسامتها الناضجة، وإبريق ماء له فيه بعض قطرات من ضياء يضعها على وجهه كل صباح. 

يسألها عما إذا كان سيذهب إلى المدرسة مثل إخوته الكبار، إجابة تحتاج إلى تفكير عميق أو كثرة التفكير دون جدوى، تحتاج فى النهاية إلى إجابة، أيقول مثل إخوته الكبار الذين تم فصلهم منها لعدة أسباب؟ مثل عدم ارتدائهم الزى الرسمى، أو تأخر دائم فى دفع رسوم الكُتب، وأحيانًا سرقة الطعام من زملائهم. يمكن أن نلخص ذلك ونقول لأنهم فقراء. أجابت بألم: العام القادم.

كانت إجابتها كافية لكى ينطلق فى حُلم جميل عله يُسعدها كما أسعدته، فى يومها الأول من عامها الخامس والخمسين.

فى الحقل الذى يعمل به أبوه، صار يفكر بصوت مرتفع فى طريقة الاحتفال بنظرة شاردة إلى اللا نهاية فى حقول الجيران الأغنياء من أصحاب الأراضى الواسعة. كان أبوه يستمع إليه دون أن ينطق، دون إيماء، ودون أن يحرك أجفانه، بعد أن تصلبت عين الطفل عليهما ليرى أى رد فعل على ما يقول.

ولكونه طفلًا لا بد أن يفكر فى الأشياء التى لا يملكها، ليس ضعفًا فى علقه، ولكن الأطفال دائمًا ما يتمتعون بشىء من أمل قد تآكل فينا عبر السنين. 

سارت الأفكار والاقتراحات إلى أن يبنى وأبوه غرفة من الخوص والأشجار الرفيعة، على أن يضعوا فيها بعضًا من الشموع والأزهار المعلقة، بحيث يحضرها ليلًا، ويحتفلون. 

وافقه الأب بتبرم إلى أن حل الليل وهما يجهزان فى تلك الغرفة، ويتنقل هو بين الحقول باحثًا عن أندر الأزهار وأروعها فى نظره، حتى تلك اللحظة وهو محتفظ بهيئة وردة كانت قد أعجبتها ذات يوم.

بدا العالم مظلمًا ومخيفًا لدرجة أقلقت والده كثيرًا، بعد أن أحضر أمه وإخوته. فى هذا الوقت كان يتجول فى عالمه الحالم، الذى لا يعرف الأسود لونًا ولا يعرف لليأس مذاقًا، إنه دائمًا ينظر بروحه إلى الأعلى حيث توجد أقمار خضراء، فى فضاء شاسع. هو دائمًا ما ينظر إلى سماء عالم آخر. هذا التناقض بين ما يرى وبين ما هو عليه حقًا، بين الطريق الذى يتخيله والطريق الذى تسير عليه قدماه، ربما هذا ما جعله يسقط فى «ترعة» صغيرة بعض الشىء وليست بالعميقة، لكن مياهها أحاطته ببرودة عميقة وصلت إلى عظامه.

غير الحركة المبعثرة بين الوحول وحروف من الاستغاثة، لم يجد والداه أى دليل آخر لكى يجداه وينتشلاه من وقوعه فى الخطأ، كل ما فى الأمر أنه لم يعش العالم كاملًا، لم يأخذ منه بقدر ما أعطاه. لقد أخذ منه كل أمل وأبدله ليعيده إليه ألمًا.

لكل ثمنه، انتفاضاته بين يدى أبيه، ونصف غطاء لا يحتويه على سريره. صوت ارتطام أسنانه وفكيه، وصوت قهقهات الألم على بكاء الأم، وأسى الأب، وابتسامة الصغير، تلك التى مكنت منه الألم، تلك التى أنستهم خطورة الأمر. تناقشا فى مصدر للمال أو للعلاج أو لأى شىء ينقذ صحته. لم يُدرك أىُ منهما أنه سينقذ حياته.

عندما تتصاعد الأنفاس فى سرعة وارتباك، وعندما تزداد رعشة الجسد إلى أكبر ما يمكن، إنها لغة قوية وصراخ غامض يدل على الاستسلام وانتصار الأقوى.

الأقوى المنتصر يأخذ من الآخر فتات أمله. عندما تتوقف الرعشة وتتوقف شفتاه عن التمدد فى ابتسامة، وقلبه عن النبض.

عندما ينتصر الألم على الأمل لأنه الأغنى، هو الذى يأخذ أكثر عدد من الأرواح، وها هو يأخذ، بعد رهان، روح الطفل الأكثر أملًا. لأنه هو الأغنى فى النفوس. نحن ما نحدد ثمن الشىء على قدر طلبنا له، وحينما طلبنا الألم، سيظل الأمل أكثر الأشياء يحتاج إلى ثمن!

بدا العالم مظلمًا ومخيفًا لدرجة أقلقت والده كثيرًا بعد أن أحضر أمه وإخوته

أحمد الشيخ يكتب: ماذا يتقن الشعراء مثلى؟

أحمد الشيخ

ماذا يتقن الشعراء مثلى

سوى حياكة تابوتٍ من قشّ،

نضع فيه خيباتنا بعناية العاشق لرماده،

ونلفّ حولها وشاح الذكرى ونثر الحنين،

نعلنه مأتمًا سريًا لأجمل أحلامنا،

نشيّعها بخطى مثقلة نحو نهاياتٍ كتبناها نحن،

مع العويل الطويل فى ممرات الذكرى،

حيث يختنق الصدى وتبكى الجدران أسماء من رحلوا،

نكتب قصائدنا كأنها رسائل إلى الغياب،

نحملها فوق أكتاف الغيم إلى حيث لا يصل الضوء،

ثم نعود إلى قصيدة جديدة، نبنيها من رماد الدموع.

أدهم الصغير يكتب: «س»

أدهم الصغير

دى آخر شعرة من رمشى

وأنا.. بمشى

غريب معرفش فين بمشى

بدون صُحبة.. بدون أحلام

بدون نفسى بقالى أيام

بدوّر بين نجوم الليل

وبتمنّى..

وبنفُخ بعدها فـ رمشى

هنا الشارع..

وضِحك كتير

عشان السكّة مَـ تطولشِ

هناك شباك عليه مِنّى

لمين سابنى

عشان فـ العودة

مَـ يْتوهشِ

وقلبى اللى مَلُهش إيدين

بيسأل حضن فـ الجنة

ويتغنّى

عشان الحضن مَـ يْعبشِ

يا وحدة وطايرة فوق عِشّى

برغم شجاعتى على وشى

أنا..

أجبن من أن فـ يوم حبيب يمشى

من اللى يبص فـ عنيا

مَـ تسكتشِ

وتتكلم:

شوف قد إيه كان نفسه

يستسلم

وقد إيه كان لسه بيعافر

ومَـوصلشِ

فضل يمشى

وساب منه على الشارع

عشان غيره.. مَـ يقلقشِ

ومين يلقى لحبيبه طريق ومَـ يتوهشِ

يسيبله جواب مَـ يبخلشِ

يقول جوّاه:

«ديه آخر شعرة من رمشى»

فـ يتمنى..

وينفُخها يقوم يمشى!

أحمد شكر يكتب:  بغير عيونها أسر ومنفى

أحمد شكر

كَأَنَّكَ تَائِهٌ وَهْىَ الطَّرِيقُ

تَطُوفُ كَأَنَّهَا البَيْتُ العَتِيقُ

وَفى جَنْبَيْكَ مَحرقةٌ ووجدٌ

فَتُبْصِرُهَا فَيَنْطَفِئِ الحَرِيقُ

كَأَنَّكَ فِى تُخُومِ الحُبِّ تَهْوِي

وَتَحْسَبُ كُلَّ زَاوِيَةٍ تَضِيقُ

وَتُبْحِرُ بَعْدَمَا ظَنُّوا جَمِيعًا

بِأَنَّكَ فِى شَرِيعَتِهِمْ غَرِيقُ

تَمُدُّ يَدَيْكَ تَنْبُشُ فِى حَصَاةٍ

وَفِى الأَعْمَاقِ يَنبَثقُ العَقِيقُ

تَخُطُّ بِمَاءِ قَلْبِكَ مُفْرَدَاتٍ

كَأَنَّ قِوَامَهَا الصَّافِى رَحِيقُ

عُكَاظُ وَأَنْتَ شَاعِرُهَا المُفدى

وَكُلُّ ذَوِى القَوَافِى هُمْ رَقِيقُ

تَصُبُّ الحُبَّ كَأْسًا بَعْدَ كَأْسٍ

وَتَأْبَى الصَّحْوَ، سُكْرًا لا تُفِيقُ

بِغَيْرِ عُيُونِهَا أَسْرٌ وَمَنْفًى

قُبَالَ عُيُونِهَا الحُرُّ الطَّلِيقُ

وَتَغْزِلُ كُلَّ أَلْوَانِ المَنَايَا

وَحِينَ تُطِلّ

يُحْيِيكَ الشَّهِيقُ

تَسِيرُ وَتَحْتَكَ الأَنْهَارُ لَكِنْ

تُسَائِلُهَا:

مَتَى يَبْتَلُّ رِيقُ؟