الإثنين 11 أغسطس 2025
المحرر العام
محمد الباز

مذكرات ياسر برهامى.. كنت شاهدًا على جريمة الإخوان فى رابعة

ياسر برهامي
ياسر برهامي

- لم نتقبل فى أى مرحلة فكرة الصدام وتخريب البلاد بغرض إقامة نظام إسلامى

- اخترنا أبوالفتوح فى المرحلة الأولى من الانتخابات فرارًا من التمكين للجماعة إذا اخترنا مرسى المبايع للمرشد

- اعتصام رابعة أدى إلى ضرب الحركة الإسلامية بجراح غائرة حاولنا منعها بجهود كثيرة ومستمرة

- طلبنا من الإخوان تغيير الخطاب التكفيرى العنيف الذى صار مستعملًا فى معظم فعاليات الجماعة ومؤيديها

فى بدايات أبريل 2019 وردت إلى الداعية السلفى ياسر برهامى تساؤلات عديدة من بعض أبناء الدعوة السلفية بالإسكندرية، كلها كانت تدور حول قضية واحدة، هى: لماذا تغير موقف الدعوة السلفية من جماعة الإخوان المسلمين؟ 

التساؤلات كان مبعثها فى الغالب أن الدعوة السلفية اقتربت بقدر ما من جماعة الإخوان وتحديدًا بعد وصولها إلى الحكم، لكن الطرق تفرقت والسبل تباعدت، وحظيت الدعوة ورجالها بأكبر حملة إخوانية لتشويهها والحط من قدرها، واتهامها بأنها خانت ونافقت وكفرت بالله وخرجت عن طريق الله. 

جلس ياسر برهامى ليكتب حلقات بدأ نشرها على موقع «أنا السلفى» بداية من 7 أبريل 2019، أطلق عليها اسم «ذكريات» لكننا عندما نفتش بين سطورها، سنجدها ليست مجرد ذكريات عابرة، ولكنها مذكرات موثقة ومكتملة بالتواريخ والوقائع والأشخاص والآراء والأفكار... والمرارة أيضًا. 

كتب برهامى ما كتب ليدافع عن موقفه وموقف الدعوة السلفية، يشرح لماذا اختلفت الطرق وتفرقت السبل وتناقضت الاتجاهات؟، وقد توقفت أمام ما كتبه لأنه بالنسبة لنا جزء من تاريخ مرحلة لا نزال نحتاج إلى الكثير من الكتابات؛ لفض غموضها وريبتها وحقيقة مواقف الرجال فيها. 

تأخر ياسر برهامى فى توضيح هدفه من كتابة مذكراته، حتى جاءت الحلقة الثالثة التى نشرها فى 18 أبريل 2019، ويبدو أنه لم يفعل ذلك إلا بعد أن وصلت إلى آذانه همهمات من البعض يتساءل أصحابها عما يريده الشيخ ياسر مما يكتبه، وهل هناك من يقف وراء كتاباته؟ وتجددت الاتهامات مرة أخرى تتهمه فى دينه وتجرده من هويته الإسلامية. 

حدد برهامى أهدافه من كتابة مذكراته على النحو التالى. 

الهدف الأول: لا بد لأبناء الحركة الإسلامية- والسلفية بصفة خاصة- أن يتخلصوا من الضغط النفسى الذى يمثله الإعلام الإخوانى والقطبى والسرورى فى الاتهام بالخيانة والنفاق، بل والكفر أحيانًا فى كل موقف يتخذونه مخالفًا لهم، مما يؤثر سلبًا على مشاركتهم الحقيقية الجادة فى الإصلاح والدعوة إلى الله والتربية والمشاركة البناءة فى كل صور العمل الإسلامى، بما فى ذلك العمل السياسى الهادف، لتقليل الشر وتكثير الخير فى أزمنة الغربة والفتنة، ولئلا تكون كل محطة عبارة عن أزمة تحتاج إلى جهود مضاعفة لكى يعرف الناس طريقهم وعملهم.

يشرح برهامى دافعه لتحقيق هدفه الأول بأنه ورغم أن أبناء الدعوة السلفية تجاوزوا هذه العقبة- اتهامهم بالخيانة والنفاق- فإن قطاعات أخرى لا تزال تعانى الأزمة، خاصة مع سكوت كثير من المشايخ، وتأييد بعضهم بلا إدراك للحقيقة بعض رموز التيارات الإخوانية القطبية والسرورية، لمجرد أن أعلنوا الرغبة فى تطبيق الشريعة، ورفعوا شعارات «سنحيا كرامًا» وشعارات «العزة والاستعداد للاستشهاد والتضحية والجهاد» دون أن يكون لهذه الشعارات ظل على أرض الواقع. 

يمضى برهامى بنا وبأبناء الدعوة السلفية إلى ما هو أهم. 

يشرح حدود تأثير الأفاعى الناعم الذى تجيده جماعة الإخوان، يقول: أما أن يحسب اتجاه أو جماعة على أنها الممثلة الكبرى لجماعات الدعوة وجماعات السنة وأنهم رجال المرحلة، فهذا لا يزال يؤثر على قطاعات كبيرة لا تزال فى غيبوبة العاطفة وغشاوة التعتيم الإعلامى، وعليه فلا بد أن يعرف الجميع حقيقة الجماعة وبالوقائع التى يجب ألا تُنسى، لينفض الناس أيديهم من مدحهم وذمهم. 

ربما كان هذا سببًا منطقيًا لأن يجد برهامى نفسه فى مرمى السهام، يشير هو إلى ذلك: خرجت أبواق كثيرة تتكلم بنفس اللسان مهاجمة هذه الذكريات، لتظل العماية والخداع، مع سكوت مَن سكت، وتأييد مَن أيد. 

الهدف الثانى من كتابة برهامى مذكراته كما يقول هو: لا بد لأبناء الحركة الإسلامية أن يستفيدوا من التاريخ الصحيح، القديم والمعاصر غير المزور، فلا يزال غياب العقول عن الواقع فى تقدير القوة والضعف، والقدرة والعجز، والمصلحة والمفسدة، من أكبر أسباب القرارات الكارثية فى حياة الأمم والجماعات. 

يقصد برهامى بحديثه التاريخ الصادق، لأن التاريخ المزور- كما يرى- يستغله أهل الضلال والبدع فى تهييج العواطف أسوأ استغلال، ولذلك فيجب ألا يسكت مَن شهد الحقيقة عن الكلام، فيتكلم الكاذب أو الغائب أو الجاهل، فيستقر الزور على أنه الحقيقة. 

لا يكتفى برهامى بتبرير كتابته مذكراته بحمايته أبناء الدعوة السلفية وحرصه عليهم من الاختطاف من قبل الجماعة التى تحاصرهم باتهامات الخيانة والنفاق، ولكنه يدخل إلينا من مدخل شرعى، وهو ما يتضح مما قاله عن الهدف الثالث من وراء ما كتبه ونشره. 

الهدف الثالث هو مسألة مراعاة المصالح والمفاسد التى هى مسألة شرعية عظيمة الأهمية، وإن كره مَن كره وسخر منها من سخر، وانحرف من انحرف، حتى زعموا أن ما شرعه الله من مراعاة المصالح والمفاسد صنم يعبد من دون الله، لجهلهم بحقيقة العبادة، ومعنى المصلحة والمفسدة، بل وفى نفس الوقت الذى يتصور فيه البعض فعل الكفر والنطق به من غير إكراه أو خطأ، مصلحة معتبرة، للخلل الذى لديهم فى معرفة معنى المصالح والمفاسد وموازناتها. 

ويلخص برهامى الأمر لأتباع الدعوة السلفية- فغالب الظن أن هذه المذكرات لم تكتب إلا لهم بشكل خاص- فيقول: ليس المقصود أن نتحسر على ما جرى أو نتباكى على مفقود، أو نتسلى بذكر الحكايات والحكايات المضادة، وخاصة المكذوبة والمغلوطة، والتى يحكيها من لا يعلم، أو من يعلم لكنه لا يريد أن يعلم الناس. 

ثم ينهى تبريره لكتابة ما نشره بقوله: أما مفسدة هذه الدراسة لبعض الناس فيسب ويشتم، ويلعن ويكفر ويطعن، فهى مفسدة معلومة من قبل، لم تتوقف مع السكوت، ولن تتغير مع الكلام، لأن منبعها سلوك وخلق صاحبها، وحال قلبه ولسانه، فلا يصح أن نترك المصلحة المتأكدة لدفع مثل هذا اللوم والذم من أهل الفساد، والذى هو تحصيل حاصل. 

الآن يمكننا أن نستعرض معًا مذكرات ياسر برهامى التى نشرها فى أبريل ومايو ٢٠١٩ على موقع «أنا السلفى» ثم قام بحذفها بعد ذلك لأسباب أعتقد أنها تخصه، وكنت قد احتفظت بها، لكننى فوجئت أنه أعاد نشرها مرة أخرى مجمعة فى كتيب صغير، يمكنكم أن تجدوا نصه على موقع «أنا السلفى».. أما هنا فنحن نتوقف أمام محطات مهمة ودالة فى هذه المذكرات. 

يبدأ برهامى مذكراته باعتراف صريح وواضح لا يقبل لبسًا ولا تأويلًا: 

يقول: بالفعل تغير موقفنا من الإخوان بعد أن شهدنا ما لم نكن قد شهدناه، وعلمنا ما لم نكن نعلمه من قبل، رغم أننا كنا فى اختلاف شديد منذ الانفصال بيننا وبينهم فى العام ١٩٧٩، حين تأسست المدرسة السلفية التى اختارت اسم «الدعوة السلفية» من أجل تحقيق الشمول والتعبير عن مساحة أوسع من تفكيرنا الإصلاحى الذى لم يقبل فى أى مرحلة من مراحله فكرة الصدام وتخريب البلاد بغرض إقامة نظام إسلامى، كما تصور البعض فخربوا ودمروا أنفسهم مع مجتمعاتهم، أو دمروا أنفسهم وحدهم، كما هو مُشاهد فى البلدان حولنا. 

كانت الدعوة السلفية- كما يؤكد برهامى- تصف جماعة الإخوان بأنها «خير فيه دخن»، وذلك بخلاف جماعة التكفير أو «التوقف والتبين»، التى كانت الدعوة تتعامل معها باعتبارها جماعات بدعة وضلالة، لكن تغير توصيفها لجماعة الإخوان بعد أن شهدت الآثار الفظيعة لسيطرة الاتجاه القطبى النابع من التنظيم الخاص القديم عليها. 

يقول برهامى: كنا نظن أن قطبية بعض الإخوان تختلف كثيرًا عن قطبية عبدالمجيد الشاذلى صاحب فكر «التوقف والتبين» ومؤلف كتاب «حد الإسلام» الذى بث فيه هذا الفكر المنحرف، فضلًا عن قطبية «شكرى مصطفى» التى لفظها الإخوان أنفسهم عند ظهورها داخل السجون، إلا أننا لم نكن نعلم أن الفريق القطبى الذى تربى على يد «سيد قطب» وخالف «الهضيبى» بعد موت «قطب» فى موقفه من جماعة «شكرى» وكان يرى عدم التبرؤ منهم، وأن شكرى رجل خير وإن أخطأ التعبير، وتولى «الهضيبى» الرد على ذلك وأصدر كتاب «دعاة لا قضاة»- أو أُلف بإشرافه- والذى مثل تيارًا معتدلًا فى قضية التكفير داخل الجماعة فى السبعينيات وما بعدها. 

ويستدرك برهامى: وكانت بداية التغير الشديد نحو فكر التكفير المستتر هو تولى «مصطفى مشهور» مسئولية المرشد العام الذى اهتم أشد الاهتمام بـ«الأُسر» الإخوانية التى تشربت الفكر الذى يمثل التنظيم الخاص الذى كان أحد أبرز أعضائه مصطفى مشهور نفسه. 

حققت المجموعة التى سيطرت على الجماعة فى انتخاباتها الداخلية عام ٢٠٠٥ أغلبية فى مجلس شورى الإخوان وفى مكتب الإرشاد، وظنت الدعوة السلفية وقتها أنها سوف تحد من التوجه «الليبرو إسلامى» الذى تبنته الجماعة عبر مدة طويلة، وبلغ مبلغًا لا يقبل، ولم يكن ظن الدعوة فى محله، فقد ظل التوجه المعلن الذى يخاطب الغرب على نفس الطريقة «الليبرو إسلامية» بل أشد، فى حين كان البناء الداخلى يبنى على الفكر القطبى القائم على الحكم بـ«جاهلية المجتمع»، وهو المصطلح الذى تفاوتت درجات فهمه، بين التكفير لكل أفراده كما فعل شكرى مصطفى، وبين اعتبار المجتمعات المسلمة- المسماة عندهم بالجاهلية- دار كفر، ينقسم فيها الناس إلى ثلاث طبقات: مسلمون بلا شبهة، كفار بلا شبهة، طبقة متميعة كبيرة لا نشغل أنفسنا بالحكم عليها كما فعل محمد قطب، وإن لم يصرح بلفظ التوقف والتبين، الذى هو حقيقة هذا الكلام كما فعل عبدالمجيد الشاذلى وتلميذه أسعد البيك فى سيناء، مما أدى إلى نشر الفكر المنحرف فى هذه المنطقة الحدودية الحساسة، وكان ما علمناه بعد ذلك أن عبدالمجيد الشاذلى وشكرى مصطفى كليهما من الأسرة الخاصة «أى المجموعة التربوية الخاصة» لسيد قطب. 

سيد قطب

خلال خمس سنوات من سيطرة هذا الفريق على مكتب الإرشاد ومجلس الشورى وبحلول العام ٢٠٠٠- كما يذهب برهامى- تمكن من طرد كل مَن لا يدين لفكرهم ممن تربى فى الجماعة الإسلامية فى السبعينيات، وانضم للجماعة عند انقسام ١٩٧٩، ممن كان لديهم بعض الانضباط فى قضايا التكفير تأثرًا بالمنهج السلفى الذى كانت تدرسه الجماعة الإسلامية فى أعوام ٧٦، و٧٧ و٨٧، إلى تاريخ الانفصال، ومنهم عبدالمنعم أبوالفتوح وإبراهيم الزعفرانى وحامد الفراوى وخالد داود. 

يستغل برهامى ذكره لعبدالمنعم أبوالفتوح فى سياق حديثه عن الإخوان، فيقفز قفزة مهمة، يفسر خلالها لماذا اختارت الدعوة السلفية عبدالمنعم أبوالفتوح لتؤيده فى الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة فى ٢٠١٢. 

يقول برهامى: اخترنا أبوالفتوح فى المرحلة الأولى من الانتخابات فرارًا من التمكين للجماعة إذا اخترنا مرسى المبايع للمرشد، ولا ترى الجماعة حل هذه البيعة حتى لو صار أحد أفرادها رئيسًا للجمهورية. 

واجه برهامى خيرت الشاطر بهذه المشكلة، طرحها عليه فى جلسة التعارف على البرنامج الانتخابى لمرشحى الرئاسة. 

قال له: هناك تعارض خطير لا بد من حله قبل أن نقبل بتأييد فرد من الجماعة فى الرئاسة، لأننا لا نريد ولا نقبل بيعة المرشد. 

لم يرد خيرت بل تطوع عبدالرحمن البر بالكلام. 

إبراهيم الزعفرانى

قال لبرهامى: لا يوجد تعارض فى الأمر، وأنها مثل أن الدكتور بديع عضو نقابة البيطريين تحت رئاسة فرد آخر وهو المرشد فلا تعارض. 

رد برهامى على هذا التسطيح للأمر بقوله: الفارق كبير... لأن رئاسة الجمهورية تختلف قطعًا. 

وجد خيرت أن برهامى وضع عبدالرحمن البر فى حرج، فقرر أن يتدخل معترفًا بالتعارض بين أن يكون مرسى رئيسًا وفى الوقت نفسه تكون فى عنقه بيعة للمرشد، وأنهم لم يبحثوا هذه المسألة من قبل وأنهم سوف يبحثونها. 

يقول برهامى: اقترحت على الشاطر أحد حلين: إما أن يرد المرشد للمرشح الرئاسى بيعته، وهو ما اختاروه شكليًا لا حقيقة للأسف، وإما أن يكفر المرشح عن يمينه، لأن البيعة الخاصة أقصاها أن تكون بمنزلة اليمين، يكفى فى التحلل منها كفارة اليمين، فرفض ذلك أشد الرفض، لأنه كفيل بهدم الجماعة تمامًا، لكسر أقوى رابطة عندهم جعلوها بمنزلة البيعة السياسية كبيعة الخلافة، مَن نقضها فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه. 

عندما جلس برهامى مع فريق أبوالفتوح للتعرف على برنامجه الانتخابى، فوجئ بأن أحدهم يخبره بأن القيادة الحالية للإخوان- ٢٠١٢- تستبطن تكفير المجتمع والجهاد ضده. 

أشرف ثابت

يقول برهامى: أنكرنا ذلك على حد علمنا فى ذلك الوقت، وقلنا: هل هذا من أجل أنكم طردتم من الجماعة تقولون ذلك؟ فأكدوا ما طرحه الرجل وأنها الحقيقة، ولم نقتنع بذلك من داخلنا، إلى أن وقعت الوقائع وتبينت الحقائق، وظهر الخطاب التكفيرى العنيف الذى يرش بالدم من يرش مرسى بالماء، وأن قتلانا فى الجنة وقتلاهم فى النار، وأضعاف ذلك.

كان برهامى مهتمًا فى توثيقه لمذكراته بالحفاظ على عقيدة أتباع الدعوة السلفية، حريصًا على إقناعهم بأنهم ما اختلفوا مع الإخوان إلا من أجل الحق. 

يأخذنا من العام ٢٠١٢ إلى العام ٢٠١٣، يقول: بعد مظاهرات ٣٠ يونيو وخروج الملايين فى أنحاء الجمهورية لرفض حكم الإخوان، وكنا قد صغنا بيانًا فى الدعوة السلفية نطالب فيه الرئيس بقبول الانتخابات الرئاسية المبكرة لتلافى الحرب الأهلية واستجابة لرغبة الملايين التى خرجت، عُدت إلى المنزل بعد الواحدة ليلًا فوجدت الأخ الذى كان قد أخبرنا بأن القيادة الحالية للإخوان تستبطن تكفير المجتمع والجهاد ضده منتظرًا على محطة الأتوبيس، وطلب منى الجلوس فى هذا الوقت المتأخر من الليل. 

فى هذه الجلسة دار بين برهامى وهذا الأخ حوار قصير وسريع على النحو التالى: 

الأخ: الإخوان أقرب إليكم من كل أحد، فلا تتركوهم وقِفوا بجانبهم. 

برهامى: ألم تقل لى منذ سنة تقريبًا إن القيادة الحالية للإخوان تستبطن تكفير المجتمع والجهاد ضده؟

الأخ: للأسف هذه هى الحقيقة، ولكنهم أيضًا أقرب إليكم من غيرهم. 

برهامى: لا... بل عامة الناس ومنهم الجيش والشرطة أقرب إلينا ممن يكفر المجتمع ويرى القتال ضده. 

انتهى الحوار بعد أن أعلن برهامى أن الدعوة السلفية لن تغير موقفها بعد أن تبينت لها مواقف الجماعة الحقيقة. 

لكن من أين عرف السلفيون حقيقة الإخوان وحقيقة مواقفهم؟ 

للإجابة عن هذا السؤال، يقودنا برهامى إلى الاحتكاك الأول بين الدعوة السلفية وجماعة الإخوان، وهو الاحتكاك الذى بدأ فى عهد عمر التلمسانى التى تولى قيادة الجماعة فى العام ١٩٧٤. 

سليم العوا

يقول برهامى عن هذا الاحتكاك: كان تعاملنا مع الجماعة ابتداءً من عهد التلمسانى، الذى شهد سنوات من الاندماج بين مجموعة من الشباب سلفى المنهج أقنعهم أحد الأساتذة- الذى ظنوه من أنصار السنة وكان فى حقيقة أمره من الإخوان- بأن الاندماج مع الإخوان خير للدعوة والدين، واشترطوا المحافظة على «السلفية» ووافق لهم الإخوان على ذلك. 

لم يكن ياسر برهامى مع الذين اندمجوا مع الإخوان- كما قال- ولذلك لم يكن فى حاجة لنقض بيعة معها، وهى البيعة التى مثلت أزمة نفسية هائلة لدى كل شباب الجماعة، لأنهم حملوها على المعنى السياسى للبيعة التى من خلعها خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلى أن وجد هؤلاء الشباب الحل فى كفارة اليمين كما أفتاهم بذلك بعض العلماء السلفيين لما رأوا عدم الالتزام بشرط المحافظة على المنهج السلفى، فخرجوا من الجماعة، وتكونت منهم ومن غيرهم- الذين لم يدخلوا الإخوان- المدرسة السلفية سنة ١٩٧٩، كاتجاه منفصل عن الإخوان بعد أن كانت مدرسة الجماعة الإسلامية التى كانت لا تزال تحت عباءة الإخوان سرًا، لكن وقع الانفصال علنًا سنة ٧٩ بعد أحداث كلية الطب. 

لا بد لنا أن نعود إلى أحداث كلية الطب التى يشير إليها ياسر برهامى فى مذكراته دون أن يفصلها رغم أهميتها فى توثيق الاختلاف الذى جرى بين جماعة الإخوان والدعوة السلفية. 

كان السلفيون قد قاموا بدعوة عمر التلمسانى لإلقاء محاضرة فى إطار النشاط الطلابى بمدرج كلية الطب بجامعة الإسكندرية، إلا أن بعض قيادات الإخوان أنكروا عليهم دعوته باعتباره لا يمثل الإخوان. 

شكرى مصطفى

خطط الإخوان لمنع هذا اللقاء، ومنعوا خروج الطلاب للمشاركة فيه، فحدث صدام لم يكن السلفيون على استعداد له، بينما كان الإخوان بعد خروجهم من السجون فى كامل لياقتهم، فبدا السلفيون مرتبكين فى مواجهة الإخوان، بعد أن اعتدوا عليهم وآذوهم إيذاءً بالغًا، ثم التقى السلفيون واتفقوا على العمل بطريقة مرتبة، ونشأ بينهم ما يشبه الاتحاد من أجل الدعوة، وخرجت إلى النور مدرسة «الدعوة السلفية» والتى كان أول مسئول عنها هو محمد عبدالفتاح أبوإدريس. 

فى هذه الفترة لم يكن النزاع بين الإخوان والسلفيين- كما يروى برهامى- فى مسائل التكفير، بل اقتصر على بعض المسائل العقدية: كضرورة التزام منهج السلف فى الصفات، وتوحيد الألوهية وما يتعلق بقضايا القبور والغلو فى الصالحين، وكذلك مسائل القدر، والموقف من الشيعة، والتى كانت من أبرز الخلافات فى المسائل العقدية عندما قامت ثورة «الخمينى فى إيران»، فقد حدث تسارع أهوج وتأييد أعمى من الإخوان لهذه الثورة الشيعية إلى حد اعتبار الخمينى إمامًا للمسلمين. 

كانت هناك أيضًا خلافات بين الإخوان والسلفيين فى مسائل مثل سفر المرأة دون محرم، والرسم والتماثيل، والتعامل مع فقه الخلاف، لكنها كانت فى النهاية اختلافات هامشية. 

مأمون الهضيبى

اللافت للانتباه بالفعل أن قضية العنف والتكفير كانت محسومة بين الإخوان والسلفيين، يقول برهامى: كان من ضمن ما يدرسه طلاب المدرسة السلفية كتاب «دعاة لا قضاة» للهضيبى تأليفًا أو إقرارًا، وكان من ضمن التوافق الرد على جماعة التكفير والهجرة خاصة عند قتلها الشيخ الذهبى، رحمه الله، وقد كان هذا فى مرحلة ما قبل الانفصال، وقد خرجت مسيرة باسم «الجماعة الإسلامية» من المعسكر الصيفى سنة ١٩٧٧ من استاد الجامعة إلى شارع سعد زغلول وميدان محطة الرمل لاستنكار جريمة قتل الشيخ الذهبى، والطواف فى وسائل المواصلات لتوضيح براءتنا من هذه الجماعة وهذه الجريمة لعموم الناس. 

ويضيف برهامى: شاركنا جميعًا- السلفيون والإخوان- داخل «الجماعة الإسلامية» فى هذه الفعاليات، وكنت واحدًا ممن شاركوا فى المسيرة، وفى الطواف فى وسائل المواصلات، للبراءة من فكر جماعة التكفير وفعلتها الشنيعة. 

ولمزيد من توثيق موقف الدعوة السلفية من التكفير، يقول برهامى: كذلك كان موقفنا واحدًا من جماعة «التوقف والتبين» التى كان يقودها عبدالمجيد الشاذلى، ولم أكن وقتها أعرف أنه من جماعة «سيد قطب» ومدرسته، بل كان السائد لدينا فى أسرتى- وقد كان والدى واحدًا من جماعة الإخوان وكذلك عمى رحمهما الله لكن دون بيعة- هو تبرئة سيد قطب من هذه الأفكار، وقراءة كل كتبه فى إطار هذه التبرئة، خاصة أن الألفاظ لم تكن صريحة فيما قرأناه. 

عبدالمجيد الشاذلى

ويضيف ياسر: علمت من عمى الدكتور برهامى- رحمه الله- أنه وقع الخلاف فى المعتقل عامى ٦٦ و٦٧ بين معظم الجماعة وبين جماعة سيد قطب ومن كانوا معه، وعندما حكيت له فى الأحداث الأخيرة طريقة الإخوان فى التخوين والحكم بالنفاق والتلويح بالتكفير على من خالفهم- وأنا على رأسهم- وكذلك محاولات ضرب الاستقرار والاقتصاد مثل: «عطل عربيتك» «والمنع من الأضحية» و«وقع الشبكة» أى الاتصال المستمر بالهواتف دون هدف إلا تعطيل الشبكة «واتفسح بجنيه» أى الاستمرار فى ركوب المترو طوال اليوم بنفس التذكرة بجنيه واحد، لإحداث السخط بين الشعب على الزحام وعدم توافر المواصلات، وتشغيل كل الأجهزة الكهربائية فى المنازل لتعطيل الكهرباء بزيادة الحمولة فى الصيف، و«لم الفكة» و«لم الدولار» لرفع سعره وإسقاط الاقتصاد، وكذلك محاولات تفجير أبراج الكهرباء، لما حكيت لعمى عن هذه الأمور قال: إن هؤلاء يشبهون جماعة قطب التى كانت معنا فى المعتقل. 

ويكشف ياسر برهامى عن الكذبة الكبرى التى روجتها جماعة الإخوان عن نفسها، عندما يقول: كان المستقر عندنا- إلى أن حدثت الأحداث- أن الخلاف فى المسائل الفكرية، ليس منها «قضية التكفير والعنف»، بل كان يقال لنا إن كل القضايا التى نسبت إلى الإخوان فى ٤٨ و٥٤ و٦٥ ملفقة ومكذوبة من قبل النظام، ولم يكن لدينا أى اطلاع على مدونات تاريخية من داخل الجماعة كالتى صدرت بعد ذلك مثل «الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ» للأستاذ محمود عبدالحليم، و«حقيقة التنظيم الخاص» للأستاذ محمود الصباغ، وتقديم مصطفى مشهور عضو التنظيم الخاص، ولذا كان تعاملنا العملى هو إمكانية التنسيق مع الجماعة والتعامل معها بالقدر المشترك. 

على هذه الخلفية التى لم تكن أبدًا على بصيرة، بدأت الدعوة السلفية فى محاولات التنسيق فى انتخابات مجلس الشعب الأولى فى آخر ٢٠١١، يقول برهامى: قمنا بزيارة لحزب «الحرية والعدالة» لمحاولة وضع ضوابط لعدم التنافس المذموم، ومحاولة ترك بعض الدوائر لمن نراه مطلوبًا وجوده فى مجلس الشعب من الإخوان أو السلفيين، فكان جواب الدكتور محمد مرسى- رئيس الحزب وقتها: it is too late، لقد جئتم متأخرين جدًا، لقد نسقنا مع كل الأحزاب والقوى الليبرالية المتحالفة معنا، ولا نستطيع أن نعدكم بشىء. 

عبدالمنعم أبو الفتوح

فى هذا الاجتماع طرح ياسر برهامى اسم المهندس عبدالمنعم الشحات، وتحدث عن أهمية وجوده فى مجلس الشعب لمصلحة الجميع، فكان رد الإخوان بالموافقة وأنهم سينتخبونه، وهو ما لم يحدث.

يقول برهامى: وهذا للأسف ما حدث عكسه تمامًا، بل تحالفوا على إسقاطه، بل تم التزوير بالطرق الخفية التى لم نكن نعلمها لإفشاله فى انتخابات الإعادة. 

لدى برهامى ما هو أكثر، ولنستمع إليه وهو يكشف سرًا جديدًا. 

يقول: قلت للدكتور مرسى يومها: لا أقلّ من الاتفاق على ميثاق أخلاقى أثناء الانتخابات، نلتزم به جميعًا، كان من أبرز بنوده الإجماع على أن التزوير محرم شرعًا، وجريمة لا تجوز بحال ولا تأويل، كذلك تجنب التشويه للطرف المخالف وسرعة التواصل فى حالة أى نزاع لإيقافه، لكن للأسف الشديد وجدنا نقضًا لهذا الميثاق الأخلاقى الذى نشرته جريدتا «الفتح والحرية والعدالة» التزامًا من الطرفين بذلك، وللأسف أيضًا كانت اللجنة المشكلة من «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح» موجهة بالتوجه الذى لم نكن نعلمه للمسئول عنها الدكتور محمد يسرى الذى كان على ارتباط وثيق بالسروريين- أتباع رفاعى سرور- ولم نكن نعلم ذلك- إلى التسوية بين الظالم والمظلوم فى مخالفة الميثاق، وكان هذا- بلا شك- مما زاد الفجوة بين الاتجاهين. 

ما جرى فى الانتخابات البرلمانية كان كاشفًا، وما جرى فى مجلس الشعب كان كاشفًا أكثر. 

عصام دربالة

يرسم لنا برهامى صورة ما جرى بقوله: عندما حاول الإخوان استغلال أكثريتهم فى السيطرة على كل اللجان دون مشاركة مع أحد غيرهم فى جميع وظائف اللجان، تواصل بعض النواب مع الأطراف المعارضة لتحقيق المشاركة لجميع القوى السياسية دون المغالبة- كما هو الشعار المرفوع نطبقه حقيقة للمصلحة الراجحة- وأننا لا نريد الإقصاء والاستئثار اللذين يضران بنا وبالبلاد كلها، إضافة إلى عدم قدرة الحركة الإسلامية على الانفراد بالعمل، ولا مواجهة الجميع فى مرحلة شديدة الحساسية من تاريخ البلاد تحتاج إلى التعاون الصادق للخروج بالبلاد من عنق الزجاجة، ولكن للأسف كان الشعور الزائف بالانتصار والتمكين ووهم السيطرة لدى قيادات «الإخوان» ذات التوجه الصدامى فى الحقيقى الذين تربوا عليه هو المحرك لهم فيما صنعوا، وما أن علموا بهذا التواصل إذا بهم يتواصلون فورًا مع المهندس أشرف ثابت للتنسيق الذى سبق أن رفضوه.

حاول الإخوان إيجاد بديل عن المؤسسة الرسمية المسئولة عن حماية الرئيس

لم يكن هذا هو الخلاف الوحيد بين الإخوان والسلفيين، فبعد وصول الإخوان إلى الحكم جرت فى النهر مياه كثيرة. 

يتحدث برهامى فى مذكراته عن محاولة الإخوان إيجاد بديل عن المؤسسة الرسمية المسئولة عن حماية الرئيس، يحكى لنا ما جرى: 

اتصل بى مرة ليلًا الأستاذ «عصام دربالة» أيام مظاهرات المعارضين للرئاسة أمام قصر الاتحادية واعتصامهم هناك، وقال: إن لدينا معلومات عن اقتحام القصر الجمهورى خلال ساعات، وإنه يلزم حضور جميع الإخوة الليلة أو غدًا على الأكثر حتى نكون جميعًا أمام القصر لكى نحمى الرئيس، مع ضرورة توفير مكان بديل له لتأمينه، وأنه يلزم أن تصل الأعداد حول القصر إلى مليون شخص لردع أى محاولة للاقتحام، وطلب حضورنا بقوة- كأبناء الدعوة والحزب- فورًا وخلال ساعات. 

فوزى السعيد

تعجب ياسر برهامى من هذه الطريقة فى التفكير، وفى توصيل المعلومة- لو وجدت ولو صحت- إذ كيف يتولى عصام دربالة- وهو أحد أعضاء الجماعة الإسلامية- التنسيق والطلب. 

رد برهامى على طلب دربالة بقوله: هناك جهات مسئولة عن تأمين الرئيس، حتى لو حدث تقصير، فالقوات الرسمية كافية، وهى المسئولة عن حماية الرئيس والقصر الجمهورى، ثم إن الرئاسة لم تطلب منا ذلك، وأنا فى الحقيقة أستبعد صحة المعلومة التى ذكرتها، ولا أستطيع أن أطلب من الإخوة التحرك بهذه السرعة فى هذا الوقت من الليل وبهذه الأعداد لمجرد احتمال لا ندرى مدى صحته، ولا ندرى عواقب هذا الأمر. 

تواصل ياسر برهامى مع إخوانه فى مجلس إدارة الدعوة السلفية، واتفقوا جميعًا على صحة الموقف الذى أبلغ به عصام دربالة. 

يعلق برهامى على ما جرى بعد ذلك بقوله: لكن للأسف كانت الفكرة قد بدأت فى التبلور، بل وكانت نقطة البداية فى فكرة «اعتصام رابعة» مع سطحية الحسابات وسطحية الإعدادات وسذاجة الموازنات وخلل الخطاب الدال على الانحراف العقدى والمنهجى الذى لم يستجيبوا لإصلاحه بأى درجة من الدرجات، بل تبرأوا منه ونسبوه لغيرهم. 

فى محاولته لإقناع أبناء «الدعوة السلفية» بمنطقية وضرورة الخلاف مع الإخوان والبعد عنهم، حشد ياسر برهامى فى مذكراته وقائع كثيرة يدلل بها على صحة موقفه. 

من بين هذه الوقائع كان لقاء مجلس إدارة «الدعوة السلفية» مع وفد من قيادات مكتب الإرشاد فى مقر إدارة الدعوة بالإسكندرية فى حى سيدى جابر منطقة كليوباترا، يوم ١٦ يونيو ٢٠١٣، فقد كان هذا اللقاء علامة مهمة للغاية ونقطة بارزة مثلت ضرورة اتخاذهم موقفًا مختلفًا عن مواقف الجماعة. 

يقول برهامى: كانت الأمور على الأرض تتطور كل يوم من سيئ إلى أسوأ، بعد أن حققت تحركات حركة «تمرد» تفاعلًا كبيرًا فى الشارع المصرى لمسناه بأنفسنا، وتفاقمت المشاكل، بما ضاعف السخط الشعبى على الجماعة والرئاسة التابعة لها. 

حضر وفد قيادات الإخوان وكانوا: محمود عزت ومحمود حسين ومحمود غزلان وإبراهيم حسين، وحضر من الدعوة السلفية ياسر برهامى ومحمد عبدالفتاح أبوإدريس وعدد من الأعضاء، وبدأ إبراهيم حسين كلامه بالقول: لقد أتيناكم بمن يتخذون القرار داخل مكتب الإرشاد، فقولوا لهم ما تشاءون. 

تحدث محمود عزت فقال: نحن لم نحضر هنا من أجل ٣٠/٦ ولا غيرها، ولا التطورات السياسية، ولكن حضرنا من أجل تأكيد الأخوة فى الله. 

يقول برهامى: كانت البداية صادمة لنا، لأن هذا الأمر ليس قطعًا مقصود الزيارة، فكان جوابنا: نحن أيضًا نحرص على الأخوة فى الله، ولكن الوضع السياسى فى البلاد يحتاج إلى مراجعة ومناقشة ومناصحة، وكنت قد أعددت ورقة بتكليف من مجلس الإدارة ومراجعته لها، تتضمن النقاط الأساسية التى لا بد من مراعاتها لتجنب الزلزال المتوقع فى ٣٠ يونيو. 

يستكمل برهامى ما جرى: مع هذه البداية التى رأيناها لا تعبر عن حقيقة الزيارة، إلا أننا أصررنا على طرح ورقة العمل التى تضمنت عناصرها الآتى: 

أولًا: ضرورة تغيير الخطاب التكفيرى العنيف الذى صار مستعملًا فى معظم فعاليات الجماعة ومؤيديها، واللقاءات الإعلامية لقياداتها وممثليها، وأن هذا الخطاب يؤدى إلى السقوط أضعاف عدم السقوط. 

رد محمود عزت على هذه النقطة بقوله: هذا الخطاب ليس خطابنا، فمحمد عبدالمقصود سلفى مثلكم.. كلموه أنتم، وعاصم عبدالماجد من الجماعة الإسلامية وليس من الإخوان، وصفوت حجازى ليس من الإخوان وإنما هو تبع مجلس أمناء الثورة. 

سأل برهامى، عزت: ومحمد البلتاجى؟ 

محمد عبدالمقصود

فرد عزت: البلتاجى غير ملتزم ولا يسمع الكلام. 

يعلّق برهامى على ما قاله عزت بقوله: كان هذا الجواب صادمًا لنا، لأننا نعلم أن منصات الإخوان والقنوات التى يديرونها هم الذين يتحكمون فيها تمامًا، لا يتكلم أحد إلا بما يريدون، ولو أرادوا منع ذلك لمنعوه. 

ثانيًا: ضرورة تغيير الحكومة لعدم قدرتها وقدرة رئيس الوزراء على إدارة الأزمة. 

ثالثًا: عدم الاستئثار بالسلطة، وعدم تعيين أى محافظ فى الحركة القادمة من الإخوان، لتلافى السخط الشعبى. 

ما حدث كان عكس ذلك، ففى آخر ذلك اليوم كانت قد صدرت حركة المحافظين وأعلنت، وكان جميع المحافظين الجدد من الإخوان، وكأنهم لا يدركون بالمرة مدى السخط الشعبى- بل ومن كل مؤسسات الدولة- على هذا الأسلوب. 

رابعًا: يجب أن يعرفوا أن من يتظاهرون ضد الإخوان ليسوا جميعًا يحاربون الإسلام، بل أكثر الناس لهم مطالب عادلة، وهذه حقوقهم على من تحمل المسئولية. 

وكان جواب محمود عزت على هذه المطلب أو النصيحة: إنهم يحاربون الإسلام. 

قال له برهامى: لا شك أن هناك من يكره الإسلام، وهناك فى الخارج والداخل من يحاربون الإسلام، ولكن ليس كل من خرج يطالب بمطالب حياتية يحارب الإسلام. 

وبمرارة يعلّق برهامى على ما قاله عزت يقول: كانت نقطة اختلاف خطيرة استمرت فيما بعد ذلك فى اعتصام رابعة، وما بعدها، ونالنا من ذلك الخطاب وهذه الطريقة الشريحة الأكبر من التهم بالنفاق- بل والكفر- من البعض، وأما وصفنا بالخيانة فوصف استقر فى نفوس عامة أتباعهم بسبب هذا الخطاب، وهذه الطريقة من التفكير، وكذلك من يقول: إنهم لا تقبل لهم توبة إلا بالحضور لمنصة رابعة، وإعلان التوبة من هناك. 

خامسًا: العداوة مع جميع أجهزة الدولة والقوى الموجودة فى المجتمع لا يمكن أن تحقق نجاحًا، فالنزاع والعداوة صارت مع جهاز القضاء والشرطة والأجهزة السيادية ورجال المال والأعمال والدولة العميقة والقوى السياسية المخالفة. 

يلفت برهامى الانتباه إلى أنه لم يكن قد ظهر بالنسبة لهم- كدعوة سلفية- النزاع مع القوات المسلحة، يقول: كنا نعتمد على ما قاله محمد مرسى فى لقاء سابق من أن العلاقة مع القوات المسلحة ممتازة وفوق الممتازة. 

كان جواب وفد الإخوان على ذلك: نحن نتوكل على الله وننتظر المدد من السماء. 

فرد برهامى: والتوكل على الله لا ينافى الأخذ بالأسباب، ولا يمكن أن نتمكن من قيادة بلد نعادى كل من فيه. 

سادسًا: ضرورة حل مشكلة النائب العام للتفاهم مع الهيئات القضائية. 

ينقل لنا برهامى ما جرى بعد هذا اللقاء. 

يقول: للأسف كانت كل هذه النصائح لا تلقى آذانًا صاغية، وانتهى اللقاء على بقاء الأخوة فى الله، إلا أننا لن نشارك فى أى فعاليات جماهيرية مع أو ضد الإخوان، وفى الأسبوع التالى لهذا الاجتماع تمت الدعوة لمليونية فى «رابعة العدوية»، وبدأ الاعتصام المأساوى الذى أدى إلى ضرب الحركة الإسلامية بجراح غائرة حاولنا منعها بجهود كثيرة ومستمرة، ولكن سبق القدر من الله بهذه الجراح.

ينتقل بنا ياسر برهامى إلى ما جرى على هوامش اعتصام رابعة الإرهابى الذى كانت له مقدمات منطقية، جعلت الوصول إلى المواجهة مع الجماعة ضرورة وطنية ودينية أيضًا. 

يثبت برهامى أن قضية سفك الدماء كانت خطرًا ماثلًا أمام أبناء الدعوة السلفية فى كل مراحلهم، وزاد حذرهم من هذا الخطر بعد أحداث يناير ٢٠١١. 

يقول: كان حكمنا على المجتمع بأن الأصل فى أهله الإسلام، وأن غير المسلمين فيه معاهدون أو مستأمنون، يلزمنا ألا نباشر أو نأمر أو نبيح أو نتسبب أو نرضى بسفك دماء معصومة، بخلاف توجهات أخرى منتسبة إلى العمل الإسلامى، ترى كفر الناس أصلًا، أو ترى المجتمع جاهليًا، أكثر أفراده لا يحكم عليهم بكفر ولا إسلام، بل فى الطبقة المتميعة التى لا يشغلون أنفسهم بالحكم عليها، مع وجود طبقة كافرة محاربة للدين، ولهذا لا يرون حرمة لدماء هؤلاء وأموالهم. 

وجد برهامى أن هناك من بين التيارات الإسلامية من يرون أن الثورات لا بد أن تراق الدماء لتشعلها، بينما رأت الدعوة السلفية أن زوال السموات والأرض أهون على الله من سفك دم امرئ مسلم. 

يقول: كان سعينا من البداية فى درء فتنة سفك الدماء من خلال الاستفزاز للقتل ثم المطالبة بالقصاص، فندخل جميعًا فى الدائرة المفرغة التى لا تنتهى إلا بخراب البلاد وتدميرها وتحدث الفوضى، وهو ما كان يراه البعض هدفًا لكى يعيد بناءها من جديد- على نظيف- كما كانوا يزعمون، دون أن يلتفتوا إلى أن هذا بالموازين الشرعية لا يجوز، لأن مفسدة الصبر على الفساد أقل من مفسدة الفوضى وتخريب البلاد، التى إذا انهارت بقيت عقودًا من الزمان وربما قرونًا حتى تبنى، وربما لا تبنى أصلًا، بل انقسمت وضاعت، وصارت حديثًا من التاريخ. 

ما الذى فعلته الدعوة السلفية لتحقيق ذلك؟ 

يقول برهامى: سعينا منذ البداية فى حل مشكلة من سقطوا فى بداية المظاهرات من خلال الحل الشرعى بدفع الدية، خاصة أن القاتل مجهول العين، ولا يمكن مع هذا الجهل القصاص، وقد أجهضت هذه المحاولات بعد أن أوهم المغرضون أولياء القتلى بأن قبول الدية بيع لدم ابنهم أو ابنتهم لا يجوز، وأن من قبل الدية فهو مضيع لحق الشهداء، عميل للسلطة القائمة أو الكافرة على حد توصيفهم. 

محمود حسين

حدث أيضًا أن حاولت الدعوة السلفية منع سفك الدماء فى أحداث محمد محمود. 

يقول برهامى: حاولنا الفصل بين الأطراف المتنازعة، وبذل كل جهد فى محاولة إنهاء الاعتصام ومنع تفاقم الأمر، وكانت مبادرتنا بعد ذلك قبل إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية ٢٠١٢ بعد أن بدأ الإخوان النزول فى الشوارع مهددين بأنه إذا لم يتم إعلان فوز مرسى فلن يمر الأمر بسلام، ولاحت فى الأفق مخاطر سفك الدماء بكثافة، وكان موقفنا الرافض للمشاركة فى المظاهرات التى دعت إليها «تمرد» والمطالبة بالتغيير بالطرق السلمية والتواصلات السياسية. 

يصل بنا ياسر برهامى إلى ما يسميه «مأساة رابعة» التى يعتبرها علامة فارقة بين الدعوة السلفية وبين اتجاهات كثيرة منتسبة إلى العمل الإسلامى. 

يقول برهامى: رغم جهودنا التى بذلناها لمنع تكوين الاعتصام ابتداء لما نعلم من آثاره السلبية على البلاد كلها وعلى الحركة الإسلامية خصوصًا، ثم فى محاولات الفض السلمى دون إراقة الدماء، رغم ذلك فإن التهم لا تزال تنهمر علينا بأن الدماء فى رقابنا، وأن أيدينا ملوثة بدماء الشهداء، وأننا قتلة مشاركون فى القتل، وكذلك تهم الخيانة والنفاق والكفر، حسب درجات الانحراف عند من يلقيها. 

برهامي

يروى برهامى ما جرى وكان طرفًا مباشرًا فيه، يقول: 

جاءنى فى يوم الثلاثاء ٢٢ رمضان ١٤٣٤ هجرية، أثناء الاعتكاف فى مسجد الخلفاء الراشدين وأثناء اعتصام رابعة الذى كان يفتى المتحدثون على منصته الحاضرين فيه بأنه أفضل من الاعتكاف فى المسجد الحرام- أحد الزملاء الأطباء ممن كان معنا فى الكلية، فتحدث معى عن أنهم- أى الإخوان- أدركوا أنه من الصعب جدًا عودة الدكتور مرسى وعودة الدستور، وأنهم يبحثون عن حل سياسى للأزمة، فإن كان لا يزال لكم تواصلات فساهموا فى ذلك. 

أهالى رابعة اشتكوا من من عدم إمكانية الاستمرار فى حياتهم اليومية وصعوبة الحركة والانتقال

تحدث برهامى كثيرًا مع صديقه فى قضية «المصالح والمفاسد» وأن سلوك الإخوان هذه المرة ليس كسلوكهم طيلة عدة عقود من الزمان منذ خرجوا من سجون عبدالناصر، وحين تواجدوا فى المشهد السياسى، فقد سجن المرشد الحالى الدكتور بديع قبل ذلك ولم يقرروا الدخول فى معركة صفرية، وسجن المهندس خيرت الشاطر ولم يدخلوا فى معركة صفرية، والدكتور مرسى نفسه كان مسجونًا أثناء قيام الثورة فى يناير ٢٠١١، فما الذى قلب موازينهم هذه المرة حتى قرروا الدخول فى معركة صفرية يخرجون منها خاسرين- عند كل العقلاء- خاصة أن المسئولين قد عرضوا قبل ذلك حلولًا لعدم الوصول إلى هذه الأزمة، وخطر الفض بالقوة.

تحدث برهامى مع صديقه أيضًا عن الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة فى مراعاة المصالح والمفاسد، وموازنات القدرة والعجز، وبدأ بينهما حوار مطول ودال. 

الصديق: لِمَ لا تأتى لتقول هاتين الكلمتين على منصة رابعة؟ 

برهامى: أتريد أن أُقتل؟ إن كثيرًا أو أكثر من فى الاعتصام يكفروننى أو يحكمون علىّ بالنفاق والخيانة. 

الصديق: الحقيقة أن الأكثر يرونك كذلك. 

برهامى: إذا كنت تريد أن أقول هاتين الكلمتين فابدأ بتغيير الخطاب المستعمل على المنصة بدلًا من التكفير والتخوين، كلم الناس أن المسألة اجتهادية وأن المخالف- أعنى نحن- مجتهد مخطئ، وعندما يستقر فى نفوس الناس ذلك أحضر أنا هناك لأدافع عن وجهة نظرى، وأقنعهم بأن اجتهادى هو الصواب وليس الخطأ، لكن مع استعمال العاطفة المؤججة بكلام أمثال عاصم عبدالماجد ومحمد عبدالمقصود وفوزى السعيد، فلا يمكن أن يسمع كلامى أحد. 

الصديق: وهل تظن أننا لو أمرنا الناس بالانصراف سينصرفون؟ لن ينصرفوا أبدًا لمجرد الطلب. 

برهامى: إن السبب فى ذلك هو طريقة الخطاب المستعمل أيضًا، فإذا غيرتم الخطاب تغيرت المواقف، ولكن على أى حال ما هو الحل السياسى الذى تراه؟ 

الصديق: مبادرة الدكتور سليم العوا، لقد طرح مبادرة للخروج من الأزمة بأن يخرج الدكتور مرسى ويعلن تفويضه لشخصية يتفق عليها لصلاحيات رئيس الدولة إلى أن تتم انتخابات رئاسية جديدة وفقًا للدستور الذى تم إيقاف العمل به. 

برهامى: هذا المطلب فى ظل بقاء الدستور معناه أنك تطلب من الناس أن يسلموا أنفسهم لأعواد المشانق أو السجن، فإن من يعطى التفويض فى ظل الدستور يمكنه إلغاءه فى أى لحظة بمجرد أن يتمكن، هل تتصور أن يقبل الطرف الآخر- بعدما تمكن واستقر له الأمر- أن تعيده إلى نقطة البداية، وأن يكون تحت رحمة تفويض يمكن إلغاؤه فى أى لحظة؟ 

الصديق: فماذا ترى من حل؟ 

برهامى: لو تم الاتفاق على شخصية يتم منح التفويض لها يكون ذلك مقترنًا بإعلان الاستقالة من الدكتور مرسى، فلا يصبح رئيسًا بعد التفويض، فلا يمكنه إلغاءه، فتعطى للطرف الآخر احتمالية التفكير فى الأمر. 

الصديق: أعطنى فرصة حتى نسأل مكتب الإرشاد هل يوافقون على هذا التعديل أم لا؟ 

يعلّق برهامى على ما حدث بعد هذا الحوار يقول: ما زلت إلى يومنا هذا أتعجب من التوقف عن قبول هذا الاقتراح، وأن الأمر كان عندهم يعد لترتيب آخر، فهل كان متصورًا فى مبادرة كهذه أن تكون مقبولة دون هذا التفكير البديهى؟ أم أنهم يتصورون أن الطرف الآخر سيقبل بهذه الشروط التى يشترطها من هو فى موقف الضعف لا فى موقف القوة؟ 

ويضيف: وما زلت أقول فى نفسى إلى يومنا هذا إذا كان هذا ما وصلوا إليه أثناء اعتصام رابعة من عدم إمكانية عودة مرسى والوضع السابق على ٣٠ يونيو، فلماذا المكابرة إلى يومنا هذا والإصرار على التفكير الوهمى والخيالى الذى كانوا يقسمون عليه من منصة رابعة، ويجعلون المتحدثين يقصون على الناس المنامات المؤكدة للعودة، ووجود جبريل بينهم فى الاعتصام، وصلاة النبى، صلى الله عليه وسلم، خلف مرسى، والحلف بالطلاق بالثلاثة- بل بالألف- أن الدكتور مرسى راجع القصر، بل وتحديد موعد لذلك، إلى غير ذلك من الترهات التى كان المتحدثون يخدعون بها الجموع، أو خدعوا بها أنفسهم أولًا، بل وصل الأمر إلى ادّعاء أن من يشك فى ذلك يشك فى الله، فمتى كانت المنامات دليلًا شرعيًا تهمل من أجله أدلة الشريعة وأحوال الواقع؟

فى اليوم التالى مباشرة لهذا اللقاء تلقت الدعوة السلفية دعوة لمقابلة القيادة السياسية، فوجد فيها برهامى فرصة لعرض تصوره للحل السياسى، وازن بين مواصلة الاعتكاف فى العشر الأواخر من رمضان وبين الخروج لهذا اللقاء، فقرر الخروج لأنه كما رأى أن إصلاح ذات البين ومنع سفك الدماء أولى بلا شك من الاعتكاف. 

اصطحب ياسر برهامى معه المهندس جلال مرة والمهندس أشرف ثابت والدكتور بسام الزرقا، وتم اللقاء، يقول برهامى: استعرضنا الوضع السياسى والمجتمعى، ونقلت القيادة السياسية شكوى سكان منطقة رابعة من الاعتصام وما يتعرضون له من عدم إمكانية الاستمرار فى حياتهم اليومية، وصعوبة الحركة والانتقال، وذكروا أن هذه الآلاف تمارس حياتها اليومية من الطعام والشراب وقضاء الحاجة فى الميدان. 

أحد أعضاء الدعوة أكد أنه مرّ من هناك ووجد من يعترضون الناس بتشنج لمطالعة بطاقاتهم، وأنهم فى قلق شديد وتوتر واضح، كما أن الشرطة تراقب بطاقات الناس الذين يعيشون فى شدة بالمنطقة.

عرض برهامى على القيادة السياسية ثلاثة سيناريوهات للحل. 

الأول: الفض باستعمال القوة الخشنة وإطلاق النار.

وقال: هذا أسوأ الحلول، لما يتضمنه أولًا من سفك الدماء المعصومة شرعًا، وهذا الذى يحركنا أولًا، وثانيًا للآثار الخطيرة على المجتمع من وجود فئة كبيرة منه لا يمكن إهمالها ولا القضاء عليها، تعادى المجتمع نفسه وتكرس المظلومية، ثم تصل إلى تكفير المجتمع والدولة. 

وقال أيضًا: إننا نخشى أنه حتى بعد حل الأزمة الحالية تتفجر أزمات مماثلة بعد ٤٠ أو ٥٠ سنة من الآن بسبب هذه النوعيات لو دخلت السجون ووقع سفك للدماء. 

كان جواب القيادة السياسية: نحن معكم أن هذا هو أسوأ الحلول. 

السيناريو الثانى: استعمال القوة الناعمة فى إنهاء الاعتصام من الغازات المسيلة للدموع والهراوات. 

وقال برهامى: هذا أقل ضررًا بلا شك، ولكنه أيضًا يترتب عليه، ولا بد، إصابات من قتلى وجرحى بنسبة أقل، ولكن لا بد أن تكون له آثار سلبية على المجتمع فى الجملة. 

وكان رد القيادة السياسية: معكم على ذلك أيضًا. 

السيناريو الثالث: الحل السياسى. 

وقال برهامى: هذا أفضل الحلول وأقلها خسارة على البلاد والمجتمع. 

فكان رد القيادة السياسية الفورى: أيدينا معكم على الحل السياسى.. ولكن كيف يكون هذا الحل؟ 

تكلم وفد الدعوة السلفية، قالوا: هناك مبادرة عرضها الدكتور سليم العوا. 

وقبل أن يشرحوا فكرتهم فى هذه المبادرة بتعديلها وعدم قبولها كما هى، قاطعهم أحد المشاركين فى اللقاء من القيادة السياسية، بقوله: هناك خارطة طريق تم إعلانها وتم الاتفاق عليها، ومن أراد السير فيها فأهلًا وسهلًا، وإلا فغير مقبول أى شىء آخر. 

رأت الدعوة السلفية أن زوال السموات والأرض أهون على الله من سفك دم امرئ مسلم

قال برهامى: ما سنعرضه لا يتعارض مع خارطة الطريق ولا يمثل مسارًا آخر، بل يمثل حسن تطبيق لها بأقل قدر من الخسائر، ونحن لا نقصد مبادرة العوا كما هى، بل مع تعديل جوهرى أساسى لها، لأن خطاب التفويض من الدكتور مرسى الذى كان قد عرضه فى المبادرة لشخصية يتفق عليها الطرفان لا بد أن يتضمن استقالته، وهذا هو الفرق الجوهرى عن المبادرة، الاستقالة من منصب الرئيس، وبالتالى يصبح خاليًا، وتعقد انتخابات رئاسية مبكرة كما هو متفق عليه فى خارطة الطريق المعلن عنها. 

كانت إجابة القيادة السياسية مبشرة. 

قالوا: إننا لن نرفض ما عرضتم، ولن نقبله أيضًا، اعرضوا هذا الحل على القوى السياسية، فإن اتفقتم عليه فنحن موافقون على ما اتفقتم مسبقًا وبلا شروط. 

انصرف وفد الدعوة السلفية على وعد بالتواصل مرة أخرى مع القيادة السياسية، اتصلوا بالدكتور يونس مخيون، الذى تعذر حضوره هذا الاجتماع، وقالوا له أن يتصل بالأحزاب والقوى السياسية لعقد اجتماع للنظر فى مستقبل البلاد وحل الأزمة.

تواصل يونس مخيون بالفعل مع الدكتور السيد البدوى، رئيس حزب الوفد وقتها، واتفقا على دعوة الأحزاب والقوى السياسية فى اليوم التالى لبحث الأوضاع، وبالفعل تم الاجتماع وعرض مخيون ما جرى، وكانت المفاجأة أن أغلبية الحاضرين رفضوا ما تم الاتفاق عليه. 

قال الرافضون: الإخوان لن يتنازلوا ولن يستجيبوا إلا بالدم. 

ظلت المحاولات مستمرة طوال ساعات الاجتماع فى إقناع الرافضين بأن الدم أسوأ ما يكون على المجتمع والدولة، ولا يصح أن نحل أزمة وقتية ونصدر لأولادنا وأحفادنا بعد ٤٠ أو ٥٠ سنة أزمة أعنف منها، لكن لم يسفر الاجتماع عن شىء متفق عليه، ولكن تم الاتفاق على اجتماع آخر لمحاولة إقناع الرافضين. 

فى مساء اجتماع القوى السياسية الأول، وكما يقول برهامى: كان جون ماكين، رئيس الأغلبية الجمهورية فى مجلس النواب الأمريكى، فى زيارة التقى فيها قيادات من كل الاتجاهات، وفوجئت بتصريحات مخيبة للآمال بشكل عنيف، إذ أعلن أننا لا بد أن نسمى الأشياء بأسمائها، فكما نسمى البطة بطة، فلا بد أن نقول عن الانقلاب إنه انقلاب، وأن مصر مقبلة على حمامات دم قريبًا. 

يضيف برهامى فى مذكراته: ضقت جدًا فى هذه الأيام وأنا فى الاعتكاف، وقلت هو يغازل الإخوان، بل قطعًا يورطهم ويدفعهم إلى الحائط ليصطدموا به صدمة عنيفة- ربما محطمة- وهو يوهمهم بأن الأمريكان معهم، ودعوت الله فى اعتكافى بالستر وأن يجنب المسلمين والبلاد شرهم. 

فى صباح يوم الجمعة أرسل برهامى إلى صديقه الدكتور الذى طلب منه التدخل رسالة، طلب منه فيها سرعة الرد على الاقتراح بتعديل مبادرة الدكتور العوا بأن يقدم مرسى استقالته مع تفويض شخصية يتفق عليها جميع الأطراف فى صلاحياته. 

تعجبت للغيبوبة فى التفكير والسذاجة فى وزن الأمور وتأكدت فى نفسى أن الأمريكان والغرب قد أوهموهم بالتأييد

وفى صلاة الجمعة فى اليوم التالى جاء طبيب آخر صديق الطبيب الذى أرسل إليه برهامى الرسالة، وطلب منه الجلوس معه بعد الصلاة، وكانت المفاجأة أنه طلب منه تغيير موقف الدعوة السلفية ليتوافق مع الإخوان والذهاب إلى رابعة، لأن هذا كفيل بتغيير الموازين. 

يقول برهامى: تعجبت للغيبوبة فى التفكير، والسذاجة فى وزن الأمور، وتأكدت فى نفسى أن الأمريكان والغرب قد أوهموهم بالتأييد، فيحتاجون التأييد الشعبى لحسم الأمر فى ظنهم، وعجبًا فكروا، وعجبًا وثقوا فى عدو لدود. 

رفض برهامى ما قاله رسول الإخوان، وقال له: أنا فى انتظار رد على مبادرة للحل السياسى من قبل الإخوان.

لم يعلّق الرسول الإخوانى على ما طلبه برهامى، اكتفى بأن تركه وانصرف. 

بعد عصر الجمعة، وصلت لبرهامى رسالة على الواتس من صديقه الطبيب الأول يقول له فيها: الكل هنا مجمعون على عودة الرئيس وعودة الدستور وعودة البرلمان، ونحن فى انتظارك هنا على منصة رابعة لتعلن تصحيح اجتهادك، ونحن نحملك على الأعناق. 

توقف ياسر برهامى عند هذا القدر من مذكراته، ووعد أتباعه بأنه سيقص عليهم ما جرى بعد ذلك، لكنه وحتى اليوم، ورغم مرور كل هذه السنوات، لم يف بوعده، فهل يفعلها؟ أعتقد أنه لا بد أن يفعل ذلك لوجه الله ووجه مصر ووجه التاريخ أيضًا.