الخميس 31 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

سماسرة الجثث.. البحث عن القضية الفلسطينية تحت جلد الخيانة الإخوانية

افتتاحية العدد الثالث
افتتاحية العدد الثالث والثمانين

- القضية الفلسطينية بالنسبة للإخوان ليست إلا وسيلة، بضاعة يتاجرون فيها ويحاولون أن يحققوا من خلالها أكبر ربح

- الواقع – الذى أصبح عليه ألف دليل الآن – أن جماعة الإخوان الإرهابية ليست مشغولة بالقضية الفلسطينية

بعد ساعات من أحداث مذبحة الاتحادية فى ٥ ديسمبر ٢٠١٢ والتى راح ضحيتها ثمانية من الشباب كان من بينهم الصديق الحسينى أبوضيف، أصدرت جماعة الإخوان بيانًا قالت فيه إن كل القتلى ينتمون إلى الجماعة. 

كان مبرر مكتب الإرشاد فى ذلك أنهم ماتوا، فليس معقولًا أن يكونوا هم المعتدون، بل هم من تم الاعتداء عليهم. 

وفى مشهد درامى هزلى وهزيل وقف مرشد الجماعة محمد بديع فى مؤتمر صحفى باكيًا على من سقطوا ممن أسماهم شهداء الإخوان المسلمين فى معركة قصر الاتحادية.

بديع استبق التحقيقات وأعلن أن ثمانية شهداء سقطوا، وأنهم جميعًا من جماعة الإخوان. 

أراد المرشد أن يصور الأمر وكأن جماعته هى التى تم الاعتداء عليها، هى التى قُتلت وعُذبت، وأنهم ليسوا إلا متظاهرين سلميين ذهبوا إلى قصر الاتحادية ليناصروا محمد مرسى، لكن معارضى الرئيس المسلحين هم الذين اعتدوا وقتلوا.

دخلت دموع الإخوان ومرشدهم الأكبر على الكثيرين من أبناء الشعب الطيب، لكننا ولأن مصابنا كان حاضرًا فمن بين من قتلوا فى المذبحة كان زميلنا الحسينى أبوضيف فقد عرفنا أن الإخوان يكذبون- لم نكن فى حاجة إلى دليل على كذبهم.. فهم دائمًا ما يكذبون. 

قالوا عبر تصريحات كاذبة إن الحسينى أبوضيف إخوانى، وإنه كان يعمل فى شبكة رصد الإخوانية، وإنه كان فى صفوف الإخوان يصور القتلة، ولو أتعب الإخوان أنفسهم ودخلوا فقط على صفحة الحسينى أبوضيف على الـ«فيسبوك» أو على «إكس»، لأدركوا أنه لم يكن يومًا إخوانيًا، بل كان طوال الوقت مناهضًا لمشروعهم الفكرى والسياسى.

كان السؤال هو: لماذا فعل الإخوان ذلك؟

لقد أرادوا أن يثبتوا براءتهم بكل السبل، أرادوا أن يقولوا إنهم لم يحملوا سلاحًا فى الاتحادية، ولم يقتلوا أحدًا، والدليل أن كل القتلى منهم، وكل المصابين منهم، لكن ولأنه لا شىء فوق هذا التراب لا يرى، ولا شىء يرى إلا ويذكر، ولا شىء يذكر إلا ويخلد، فقد بدأت الحقائق تتكشف عن خيبة وخديعة الإخوان، لتُظهر الجماعة وأعضاءها مجرد لصوص يسرقون كل شىء، ولا يتورعون أن يفعلوا ذلك مع الشهداء الذين دفعوا دماءهم لتحرير أوطانهم.

فى المؤتمر الصحفى الذى عقده محمد بديع للإعلان عن شهدائه، كان منظمو المؤتمر قد وضعوا مجموعة من الصور خلفه، لكن وبعد أن انتهى المؤتمر بدأت الفضيحة، إحدى الصور كانت لأحمد فيصل، رأى الصورة وليد اللبودى صديق فيصل، مؤكد أنه غضب، لكن المؤكد أكثر أنه سخر من هذه الجماعة التى تريد أن تسرق منه صديقه. 

أحمد فيصل الذى وقفت صورته خلف مرشد الإخوان كواحد من شهداء الجماعة، لم يكن قد لقى وجه ربه بعد، كان لا يزال مصابًا، بعد أن تلقى رصاصة فى عنقه وتم نقله إلى العناية المركزة بمستشفى عين شمس التخصصى، وكانت حالته تتحسن بالفعل وقت أن كان بديع يعلن عن شهادته كإخوانى.

وليد صديق أحمد قال باختصار تعليقًا على المهزلة التى كان الإخوان المسلمون ينصبونها «أحمد حى مش ميت.. وكمان مش إخوان». 

هل تكفى هذه الفضيحة؟

بالطبع لا فهناك فضيحة أكبر وأعم، وقد تكون رأيتها على شاشات الفضائيات، مفجرها غلبه القهر فقرر أن يتحدث حتى لو تعرض للإيذاء بعد ذلك.

الشهيد هذه المرة اسمه محمد السنوسى قتل فى أحداث الاتحادية، طبقًا لشهادة أحد أصدقائه لم تكن له أى علاقة بالمظاهرات، كان عائدًا من عمله، مر من أمام قصر الاتحادية فوجد تساقط المصابين والقتلى فأراد أن يساعد الإسعاف فأصابته رصاصة أودت بحياته.

كان شقيقه سامح ينتظر أمام المشرحة حتى يحمل جثمان أخيه إلى قبره، عله يستريح بعد أن أرهقته الحياة، لكنه فوجئ - كما روى القصة لأكثر من قناة فضائية- بشخص ملتح يطلب منه أن يحجز جثمان شقيقه ليخرج فى مسيرة شهداء الإخوان من أمام الأزهر الشريف، ولكنه رفض لأن الإخوان هم من قتلوه.

والد محمد السنوسى قال جملة بليغة وموجزة: لو وافقت على عرض الإخوان هبقى ببيع ابنى.

بعد الإعلان النهائى عن أسماء ضحايا مذبحة الاتحادية، أصر الإخوان على أن كل القتلى من الجماعة، وهو ما يعنى أنهم لم يكونوا المعتدين، فليس معقولًا أن يكونوا هم من بدأوا بالاعتداء ويكون القتلى منهم. 

لم تكن الجماعة صادقة كعادتها، وكان العبث البادى أمامنا أننا أمام جماعة تريد أن تسرق الجثث بعد أن سرقت الوطن. 

فى ١٦ ديسمبر ٢٠١٢- بعد وفاة الحسينى أبوضيف بـ٤ أيام- كان صلاح عبدالمقصود -وزير الإعلام الإخوانى- موجودًا فى نقابة الصحفيين مستغلًا مؤتمرًا صحفيًا عقده زملاء وأصدقاء الحسينى لفضح ما تعرض له على يد عصابات الإخوان أمام قصر الاتحادية، وهناك قال إن الحسينى من الإخوان وإنه كان يصور البلطجية الذين ضربوا أعضاء الجماعة وقتلوهم. 

أبدى صلاح عبدالمقصود جهلًا فاضحًا بالمناضل الذى تعمد أن يزوره قبل وفاته فى مستشفى الزهراء الجامعى، قال إنه مصور صحفى، رغم أن الحسينى كان محققًا صحفيًا من الطراز الأول والتصوير بالنسبة له لم يكن إلا هواية، لكن صلاح عبدالمقصود الذى لم أضبطه بمقال كاتبًا أو قارئًا لم يهتم بالحصول على معلومات دقيقة، فقد كانت تكفيه المعلومات التى يناصر بها جماعته.

أهل وزملاء الحسينى أبوضيف ردوا له التحية بأحسن منها. 

أصدروا بيانًا كانوا فيه واضحين ومحددين، فهم يتهمون جماعة الإخوان وميليشياتها بأنها من قتلت ابنهم، قالوا دون إخفاء إنهم يرفضون زيارة الوزير الذى ينتمى إلى جماعة تقتل القتيل وتريد أن تمشى فى جنازته.

الآن تتكرر المشاهد.. وتتكرر البيانات. 

تقف جماعة حماس صاحبة الفكر الإخوانى وراء كل ما يحدث فى غزة من قتل وتخريب وتشريد، لكنها تلقى باللوم على الآخرين، ولنكن أكثر تحديدًا، إنها تلقى باللوم على مصر. 

كانت حماس هى من بدأت الحرب العبثية بعملية ٧ أكتوبر، وهى العملية التى تعيش غزة آثارها حتى الآن، عشرات الآلاف من الشهداء، ومئات الآلاف من المصابين.. الجوع ينهش أجساد الجميع.. والمستقبل غامض لا أحد يستطيع أن يعرف ما الذى يمكن أن يحدث فى اليوم التالى. 

وكانت حماس هى من خدعت الجميع، واعتبرت ما يحدث نصرًا لها وانتصارًا للقضية، دون أن تقول لنا عن أى نصر تتحدث، والقتلى فى كل مكان، ومن ينجون من الموت ينتظرون دورهم.. أو على الأقل يقفون تحت قسوة التهديد بالتهجير والطرد من بيوتهم. 

وكانت حماس هى من أفسدت كثيرًا من جولات التفاوض حول إنهاء الوضع الكارثى فى غزة، لم تختلف فى شىء عن إسرائيل التى تعنتت وأرادت أن يصل القتل إلى منتهاه، فالجميع يرقصون فى سيرك القتل العام. 

وكانت حماس هى من تحكمت فى المساعدات التى دخلت إلى القطاع، سرقتها وحرمت منها الشعب المسكين الذى يستحق المساعدة والدعم. 

لا يشغل قادة حماس أن يموت الملايين من أبناء الشعب الفلسطينى، قالوا ذلك صراحة، قالها خالد مشعل، فالأوطان بالنسبة لهم تدفع بأبنائها لآلة القتل ولا يهم من يموت، المهم أن يبقى الوطن، وعندما تسألهم عن أى وطن يتحدثون، وأى بقاء يقصدون؟ لا يجيبون، لكن الإجابة واضحة، فهم يتحدثون عن بقائهم هم. 

سماسرة جثث، لا يختلف ما فعلته الجماعة هنا فى مصر.. وما تفعله حماس فى غزة. 

يرتكبون الجرائم، ثم يعلقونها فى رقبة الآخرين، وفى كل مرة لا يجدون أمامهم سوى مصر وحدها ليلقوا عليها باللوم. 

خلال الشهور الأخيرة أقامت حماس ومن يدعمونها مأتمًا وعويلًا على الحصار الذى تعيشه غزة، على المجاعة التى تأكل أكباد أهلها، استغلوا ذلك وشنوا أكبر حملة تحريض على مصر، استغلت فيها قنوات فضائية وجماعات إرهابية ومجموعات عابثة أرادت أن تدفع بهم للوصول إلى معبر رفح لنشر الفوضى فى مصر، ووصل بهم الحال إلى دفع ذئابهم المنفردة لمحاصرة سفارات مصر فى الخارج، فى خروج مشين على كل الأعراف والتقاليد. 

كل ذلك بحجة أن مصر هى من تغلق المعبر.. وهو باطل كامل. 

وبحجة أن مصر تمنع دخول المساعدات.. وهو إفك متكامل. 

وبحجة أن مصر تساعد إسرائيل فيما تفعله.. وهو تضليل مستحكم. 

وعندما أسفرت ضغوط مصر ودول أخرى عن فتح المعبر من الجانب الذى تسيطر عليه إسرائيل، ودخلت المساعدات، قامت قيامة حماس ومن يسيرون على طريقها، وعادوا ليهاجموا مصر مرة أخرى، والحجة أن هذه المرة أن دخول المساعدات سينهى القضية، ويدعم إسرائيل فيما تقوم به ضد الشعب الفلسطينى. 

ما يحدث لا يدعونا إلى تأمل الفعل، ولكن يجعلنا ننصرف إلى الأفكار التى تحرك الجماعة الإرهابية تجاه القضية الفلسطينية. 

فالواقع- والذى أصبح عليه ألف دليل الآن- أن جماعة الإخوان الإرهابية ليست مشغولة بالقضية الفلسطينية، وقد تكون هى وإسرائيل سواء فى مسألة عدم الرغبة فى أن تكون هناك دولة فلسطينية مستقلة، فهى لا تريد لهذا الصراع أن ينتهى، إنها تتمنى أن يظل الوضع قائمًا على ما هو عليه، جولات من المعارك، يروح ضحيتها آلاف الشهداء الذين ثبت أنه لا قيمة لهم عندهم، أن يجوع الشعب الفلسطينى فليس له اعتبار لديهم، فبقاء الصراع معناه بقاؤهم، وهم يريدون بقاءهم حتى لو تحول العالم من حولهم إلى ساحات خربة. 

القضية الفلسطينية بالنسبة للإخوان منذ حرب ١٩٤٨ ليست إلا وسيلة، بضاعة يتاجرون فيها، يحاولون أن يحققوا من خلالها أكبر ربح، بصرف النظر عن الضحايا، ودون الالتفات إلى الثمن الفادح الذى يدفعه الفلسطينيون.. بل حتى دون الاهتمام بحل القضية بالشكل القانونى والإنسانى. 

تذكرون شعار الإخوان الذى رددوه لعقود طويلة «ع القدس رايحين.. شهداء بالملايين»، فماذا فعلوا عندما وصلوا إلى السلطة فى مصر؟ بل ماذا فعلوا حتى قبل أن يصلوا إلى السلطة؟ 

لقد أرسلت الجماعة برسائل طمأنة إلى تل أبيب عبر وسطاء بأنهم عندما يصلون إلى السلطة فلن يقتربوا من معاهدة السلام، بل ودعا قيادى إخوانى عبر تصريحات فضائية اليهود الذين خرجوا من مصر إلى العودة مرة أخرى. 

وعندما أصبح محمد مرسى رئيسًا خاطب شيمون بيريز بصديقى العزيز، دون أن يدلنا على أى صداقة جمعت بينهما، ولم يحدثنا عن المعزة التى توثقت فى علاقتهما. 

لم يتجه أحد من الملايين التى كانت تتحدث عنها الجماعة إلى القدس كما وعدت وتعهدت وهددت الجماعة، لأن الملايين الوحيدة التى كانت تعرفها هى ملايين التبرعات التى كانت تجمعها من خلال لجان الإغاثة التى كانت تشرف عليها، وهى ملايين تم نهب بعضها، وتم توجيه بعضها الآخر لتمويل أنشطة الجماعة الإرهابية. 

لم يكن غريبًا، وهذه هى الأرضية التى تتحرك عليها الجماعة، أن يخرج خليل الحية رئيس حركة حماس وعبر كلمة مسجلة ليقول إن ما يحاك ضد الشعب الفلسطينى من محاولات تهجير عبر مصر أو البحر هو مخطط مفضوح لتصفية القضية الفلسطينية. 

الحية وبذهنية إخوانية تحترف التحريض دعا الجماهير إلى التعبير عن غضبهم بكل الوسائل، لا سيما فى الدول المجاورة لفلسطين، عبر الزحف الشعبى باتجاه فلسطين ومحاصرة السفارات وتفعيل المقاطعة الاقتصادية. 

ولأن الهدف دائمًا مصر، فقد تقيأ علينا الحية ما نعتبره جزءًا من المؤامرة الكبرى علينا، قال: إن تحويل معبر رفح إلى معبر موت هو تنفيذ مباشر لمخطط تهجير شعبنا بعد أن كان شريان حياة. 

وفى بجاحة مغلفة بالجهل دعا الحية مصر إلى اتخاذ موقف واضح بفتح المعبر وكسر الحصار. 

لم يكتف الحية، الذى لا نشك الآن أن له من اسمه نصيبًا، بذلك، بل واصل تحريضه المباشر عندما قال: أشقاؤنا فى مصر الكنانة، نخاطبكم بمكانة مصر السياسية والاجتماعية فى أمتنا وفى الساحة الدولية، وندرك أنكم تتألمون لألم أهلكم وإخوانكم فى غزة، يا أهل مصر، يا قادة مصر، يا جيش مصر وعشائرها وقبائلها وعلماءها وأزهرها وكنائسها ونخبها، أيموت إخوانكم فى غزة من الجوع وهم على حدودكم وعلى مقربة منكم؟ إن الاحتلال قد حول معبر رفح معبرًا للموت والقتل والتجويع لتنفيذ مخططه فى تهجير شعبنا بعد أن كان شريان حياة لشعبنا، لذا نتطلع بكل ثقة لمصر العظيمة أن تقول كلمتها الفاصلة. 

لقد عبّر كثيرون عن رفضهم لما قاله الحية، وشعرت بأن هناك من فاجأته كلماته، لكننى لم أعتبر فيما قاله أى مفاجأة، فهذا هو الخطاب الطبيعى الذى تتبناه الجماعة الإرهابية فيما يخص القضية، وفيما يخص مصر ودورها فيها. 

إن الحية يدعو الشعوب إلى التحرك، وهو مقصده ومقصد الجماعة، يريدون أن تعم الفوضى، فالفوضى هى الفكرة الأساسية المحركة للجماعة فيما يربطها بمصر والدول العربية، لا يستطيعون أن يعيشوا إلا فى ظلالها، ولذلك يحرضون عليها، لا يريدون أن يجدوا وطنًا مستقلًا أو هادئًا. 

إننا لن نُخدع بما يقوله الحية، ولا ما يروج له الإخوان.. فهم لا يريدون حلًا للقضية، يرغبون فى أن تظل المقتلة قائمة حتى يحققوا ما يريدون هم، لا ما يريده الشعب الفلسطينى، فهم لا يرونه ولا يشعرون به، يتاجرون به فقط، وهو ما يجعلهم دائمًا يعيشون فى مذلة وتشرد. 

لقد قدمت مصر- ولا تزال تقدم- كل ما تقدر عليه، فى ظل ظروف صعبة، ولا تنتظر من أحد شكرًا أو تقديرًا، تفعل ذلك لأن هذا هو دورها وقدرها.. ولذلك لن يشغلنا ما يقوله أمثال الحية، لأننا نعرف مقاصده الخبيثة. 

لقد خانت الجماعة القضية ولا تزال تخونها... ولأن الله لا يحب الخائنين فإنه لن ينصر الجماعة، لكنه حتمًا سينصر الشعب الفلسطينى وكل من يعملون من أجله بإخلاص.. ولذلك سينصر الله مصر إن لم يكن الآن فغدًا.. وإن لم يكن غدًا فبعد غدٍ.