السبت 12 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

الاستهانة بالدولة.. جريمة جديدة بتوقيع خالد أبوالليل

حرف

- هل هتف ضد الجيش؟ ولماذا بارك وصف مواجهة عبدالناصر للإخوان بالمذابح؟

- ولماذا صمت عن اتهام صلاح نصر بالجاسوسية لصالح الأمريكان؟ وكيف يرى سيد قطب؟ 

- المادة العلمية قادته إلى تمجيد جماعة الإخوان وجعل سرديتها هى الأعلى فى كتابة التاريخ الشعبى لفترة حكم جمال عبدالناصر

كان يمكن لخالد أبوالليل نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب أن يتجاوز ببساطة شديدة الجريمة الكاملة التى يمثلها كتابه «التاريخ الشعبى لمصر فى فترة الحكم الناصرى.. رؤية جديدة من وجهة نظر المهمشين» الصادر فى العام ٢٠١٥ فى ٨٠٠ صفحة من القطع الكبير. 

كان يمكنه أن يركن لتبريرات كثيرة منها مثلًا أنه كباحث فى التاريخ الشعبى لم يفعل أكثر من تسجيله لما قاله المبحوثون الذين جلس إليهم، وأن ذلك واقع موجود على ألسنة الناس لا يمكن تجاهله أو التقليل من شأنه أو التعالى عليه أو إنكاره، لكنه يظل فى باب الحكايات والمرويات التى لا تمثل التاريخ الحقيقى لمصر. 

كان يمكنه أن يقول إن المواطنين البسطاء شركاء فى كتابة تاريخ بلدهم، ففيها يعيشون، وبأحداثها يتفاعلون، بعضهم يكون طرفًا فى حدث ما، وبعضهم استمع إلى ما جرى من مصادر فاعلة، وهؤلاء يمكن اعتبارهم مصادر معتبرة فى صياغة التاريخ المهجور المسكوت عنه. 

وكان يمكنه أن يبرر غلبة السردية الإخوانية على روايات الناس لما جرى فى مصر من أحداث، بأن هذه الجماعة الإرهابية استطاعت وعبر عقود ممارسة أكبر عملية غسيل مخ للمصريين، وسربت إليهم ما أرادت زرعه فى عقولهم، وعندما يرددون ما عرفوه عبر منصات الجماعة المختلفة، فهم معذورون فى ذلك تمامًا، لأن الدولة غابت لعقود عن كتابة روايتها والترويج لها.. فالناس مغلوبون على أمرهم فيما يتعلق بأكاذيب الجماعة وما تردده متطابقًا مع هواها ومصالحها وما تسعى إلى تحقيقه. 

لكن يبدو أن خالد أبوالليل مقتنع تمامًا بما فعل، والدليل على ذلك أنه لم يكتف فى كتابه بتسجيل رواية المواطنين للتاريخ الشعبى فى عصر عبدالناصر، وهى الرواية المتأثرة بالسردية الإخوانية، ولكنه فى مواضع كثيرة من كتابه تبنى هذه السردية ودافع عنها وقدم ما يؤكدها من مصادر ومراجع. 

الجريمة الأكبر التى وقع فيها خالد أبوالليل أنه أفسح المساحة الكبرى من كتابه للروايات الشعبية التى تنال ممن نعتبرهم رموزًا للدولة. 

رموز الحكم فى مصر لا يمكن أن نتعامل معهم كملائكة، فلهم أخطاؤهم وسقطاتهم وعثراتهم، ولكن لا يمكن أن نستسلم للرواية الشعبية التى تتعامل مع هؤلاء الرموز على أنهم خونة وجواسيس، ففى هذا مساس بالدولة واستهانة بها، خاصة إذا جاء ما يقولون عشوائيًا غير منضبط ولا يوجد دليل عليه، ولكن مجرد حكايات وقصص يتداولها الناس فى جلساتهم يسلون بها وقتهم ويقتلون فراغهم الطويل. 

لم يوثق خالد ما قاله المبحوثون عن جمال عبدالناصر فقط، ولكنه منحهم فرصة شيطنته، وهى الشيطنة التى تمت لصالح جماعة الإخوان، فالجماعة هى الخصم الأول لعبدالناصر، وأى انتقاص منه ومن دوره وتجربته وتاريخه يصب بالضرورة فى صالح الجماعة التى عاشت على المظلومية وخدعت بها الناس، فربحت بها تعاطفهم لعقود طويلة، حتى بدا للجميع كذب الجماعة وتدليسها. 

يمكننا أن نضع أيدينا على بعض من ذلك بين سطور كتاب خالد التى تصل إلى ٨٠٠ صفحة. 

فى الصفحة ٢٢٥ يسأل الباحث أحد المبحوثين: عمل إيه جمال عبدالناصر فى البلد؟ 

ويجيب المبحوث: خرب البلد.. عمل حراسات فى العائلات الكبيرة، وعمل أعمال وحشة، هو عرف إنه فيه رب موجود إلا من بعد ما الإسرائيليين إدته فوق نافوخه، والله العظيم أنا كنت واخد الأكل أنا وعمى مراد ورحنا أبوزعبل نديهم الأكل بصينا لقينا الطيارات، والدنيا مقلوبة، واليهود عمالة بتدب، والله الظباط اللى جوه السجن قالوا: الحمد لله، يا رب اليهود تخش، وإحنا جوه السجن، ده إحنا شفنا أيام ما يعلم بيها إلا ربنا، أيام وحشة، الله يخرب بيته، الله يفجره. 

ويستسلم أبوالليل لرواية مبحوث عن خلاف عبدالناصر مع الإخوان، فيفسح له صفحات كتابه ليقول فى صفحتى ٢٥٧- ٢٥٨: عبدالناصر غدر بالإخوان المسلمين، وكانت أول مذبحة يعملها ضدهم سنة ١٩٥٤، والمذبحة التانية اللى اتقتل فيها سيد قطب، اللى تولى زعامة الإخوان بعد حسن الهضيبى سنة ١٩٦٦، بعدها بشهور قليلة قامت النكسة الكبرى بسبب هذا الرجل اللى هو مألف كتاب «فى ظلال القرآن». 

وفى صفحة ٢٦٣ نقرأ على لسان خالد: ولعل الحادثة التى لا تزال عالقة بأذهان الكثيرين ممن حاورناهم، هى حادثة إعدام الشيخ سيد قطب، هذا بالرغم من التباس الأمر على الكثيرين منهم، من خلال خلطهم بينه وبين الشيخ حسن البنا، فكثير منهم ذكر اسم حسن البنا على أن عبدالناصر قام بإعدامه، وهم يعنون به سيد قطب. 

وبصرف النظر عن أن ما يقوله خالد يشرخ صلاحية المبحوثين وأهليتهم فى الحديث، لكنه يسجل ما قاله أحد الذين خلطوا الأسماء ببعضها، فلا يعرفون الفارق بين حسن البنا وسيد قطب، بل لا يعرفون التاريخ الحقيقى للجماعة. 

يقول المبحوث: حسن البنا اللى أنا شفته، كان زى الشعراوى كده والناس الأفاضل دى، راجل دين بس، همه قالوا له: يلا نطير الرقاب الكبيرة دى، فكانت دى حاجة وحشية من عبدالناصر، إنه أعدم الراجل ده، لأنه كان مالوش دعوة بالسياسة، ولا كانى ولا مانى، بس همه ناس ليهم أغراض كده إنهم يخلصوا منه، وخلصوا منه. 

كنت أنتظر أن يفصل خالد التاريخ الحقيقى لسيد قطب، يقول للناس فى كتابه ما الذى فعله، وكيف قاد مؤامرة متكاملة الأركان لتخريب البلد واغتيال رموزها وهدم منشآتها وتهديم مؤسساتها ليسطو على الحكم، كيف كان مجرمًا إرهابيًا.. لكنه لم يفعل ذلك، وأعتقد أننا فى حاجة لمعرفة رأى خالد أبوالليل فى سيد قطب وما يمثله فى المجال العام المصرى سياسيًا وفكريًا. 

وفى صفحة ٤٠٥ يقول خالد: وهناك من يقرن صلاح نصر بالخيانة الوطنية والجاسوسية، لأنه قَبِل أن يتقاضى من أمريكا مبلغًا ماليًا فى سبيل تحقيق بعض مطالبهم المهددة للأمن القومى المصرى. 

ولنا أن نتخيل مَن هو مصدر خالد فى هذا الكلام. 

المصدر كان الحاج أبوهشام الذى قال: صلاح نصر تقاضى قبل النكسة بيومين، مبلغ مالى من أمريكا، بدليل إن فيه عربية جيب حربية عدت الحدود المصرية الإسرائيلية بكامل مخططات الحرب، ودى مشهورة ومعروفة. 

ورغم أن خالد يتدارك ما قاله الحاج أبوهشام بكلام آخر قاله الحاج أبورجب، الذى اعترض: لا.. لا.. لا.. الكلام ده كله غلط.. ده كله غلط، إلا أن الأثر فى النهاية حدث، وأصبحت هناك رواية لم يقدم صاحبها دليلًا عليها تتهم صلاح نصر رئيس المخابرات العامة المصرية بالخيانة العظمى والتعاون مع الأمريكان ضد مصالح الأمن القومى المصرى. 

كان يمكن أن يعود خالد إلى تاريخ صلاح نصر، ليعرف أن جماعة الإخوان مارست ضده أكبر عملية تشويه فى التاريخ، وقد تكون للرجل أخطاؤه، فهو ليس ملاكًا، بل كان يمارس عملًا سياسيًا مخابراتيًا، لكن ما لم نعرفه ولا يعرفه أحد عن صلاح نصر أنه كان جاسوسًا يحصل على أموال من الأمريكان مقابل بيعه لأسرار بلده، لكن أبوالليل صمت عن ذلك كما صمت عن أشياء كثيرة غيرها فى كتابه. 

لقد بذل خالد أبوالليل ومجموعة البحث التى كانت معه مجهودًا ضخمًا فى تسجيل شهادات المبحوثين. 

وبذل هو نفسه جهدًا كبيرًا فى الاستعانة بمصادر ومراجع وشهادات ومذكرات من عاصروا هذه الفترة. 

لكن الفيصل فى البحث العلمى هو النتيجة وليس التفاصيل. 

وأغلب الظن عندى أن المادة العلمية غلبت خالد أبوالليل، وقادته إلى تمجيد جماعة الإخوان وجعل سرديتها هى الأعلى فى كتابة التاريخ الشعبى لفترة حكم جمال عبدالناصر. 

تغلب المادة العلمية الباحث إذا كان غير متمكن من أدواته، وهو ما نستبعده فى حالة خالد، فكثيرون يشهدون له بالكفاءة العلمية والقدرة البحثية. 

وفى هذه الحالة لا يكون أمامنا إلا تفسير واحد، وهو أن هذه النتيجة النهائية للبحث كانت موافقة لهواه، أو ربما للهدف الذى أجرى من أجله البحث. 

لقد مارس خالد خدعة علمية يمكن أن تنطلى على كثيرين، لكننى توقفت عندها قليلًا. 

ففى مقدمة كتابه قال بالنص: الشكر إلى الأساتذة الذين ناقشوا هذا البحث فى مراحل متعددة ومتباينة الأستاذ عبدالحميد حواس، والأستاذ حلمى شعراوى، والدكتور أحمد زايد، والدكتور أحمد مرسى، فقد أفدت من ملاحظاتهم وتقييماتهم. 

حاول خالد مصادرة آراء الناقدين لكتابه والمعترضين على ما يمكن أن يكون فيه من خلال وضع قائمة من الأساتذة الذين لا شك فى معارضتهم للجماعة الإرهابية ولكل ما تمثله. 

لكننى عندما راجعت ما جرى ومن خلال مصادر مؤكدة، عرفت أن دور هؤلاء الأساتذة كان مجرد تزكية خالد للحصول على منحة مؤسسة «فورد» الأمريكية، لينفق على بحثه، فالمؤسسة لا تمنح دعمها لأى باحث عابر، بل لا بد من حصوله على تزكيات من أساتذته، وفى الغالب هذا ما جرى، بعيدًا عن محتوى البحث أو ما جاء فيه. 

الأساتذة الذين منحوا خالد التزكية، لم يتابعوا عمله بعد ذلك فى مراحل البحث سواء فى الجمع الميدانى للشهادات أو التدوين أو التوثيق أو كتابة التقرير النهائى، وقد يكون صدرهم فى بداية كتابه بحثًا عن مصداقية كان يعرف أنه سيحتاج إليها، فهو يمكنه أن يحتج بهم إذا تطلب الأمر ذلك. 

ما يجعلنى أميل إلى أن خالد حكمه هواه فى تغليب سردية الإخوان، هو ما عثرت عليه ويمكن أن نعتبره جزءًا من تاريخه، وأعتقد أنه سيكون فى حاجة إلى تفسيره، أو على الأقل تبرير ما فعله وقاله وكتبه. 

فى ٢٨ أغسطس على جروب «بإيدينا» على الفيسبوك كتب مصطفى حمد، نقلًا عن الدكتور خالد أبوالليل، ما نصه: على المجلس العسكرى أن يعى أن الشعب المصرى الذى استطاع أن يسقط نظامًا عمره ثلاثون عامًا، لن تقف فى مواجهته أية قوة، وبالتالى سيتسامح الشعب مع أى تقاعس قد حدث من المجلس السابق، وعليه من الآن أن يعمل لصالح مصر فقط، وليس لمصالحه الشخصية، أو مصالح فئات معينة، م الآخر كفاية لعب وعك، والتفتوا لصالح البلد فقط. 

وفى ٢ فبراير كتب بهاء القصاص على جروب مشكلات طلاب كلية الآداب جامعة القاهرة- اتحاد الطلاب ما نصه: اليوم.. الدكتور عزالدين أبوستيت نائب رئيس الجامعة عميد كلية الزراعة سابقًا، والدكتور وائل الدجوى عميد كلية الهندسة سابقًا وحاليًا، والدكتور خالد أبوالليل بقسم اللغة العربية بكليتنا، والعديد من دكاترة كلية الهندسة، كل دول شاركوا معانا واتكلموا ونادوا: يسقط حكم العسكر، مش ده اللى عجبنى، لأن ده كان لازم يحصل من زمان، اللى عاجبنى إن لأول مرة إدارة الجامعة تقف معانا على سلالم القبة، ده مش بس كده، ده كل الطلاب الممثلين للتيارات السياسية المختلفة هتفوا ضد العسكر. 

أعتقد أن خالد يعرف أن هذا الهتاف تحديدًا كان صناعة إخوانية، أرادت به الجماعة محاصرة الجيش لإخراجه من المعادلة السياسية تمامًا، وأن من رددوا ذلك إما كانوا ينفذون أجندة الجماعة، أو كانوا مخدوعين بما تقوله، وأنا أربأ بالدكتور خالد أن يكون من المخدوعين. 

وفى ٢ يونيو ٢٠١٢ كتبت حفيظة أحمد على صفحتها: هذه العبارة دونها صديقى المصرى العروبى الدكتور خالد أبوالليل على صفحته وهى «نكسة ٢ يونيو ٢٠١٢ فى القضاء المصرى، لا تقل عن نكسة يونيو العسكرية عام ١٩٦٧»، صدقت يا صديقى وأرجو أن نخرج منها بسلام. 

أما النكسة التى يقصدها خالد فقد كانت حكم المستشار أحمد رفعت ببراءة مساعدى حبيب العادلى فى قضية قتل المتظاهرين، وبراءة مبارك من تهمة الفساد المالى وبراءة نجليه من التهم المنسوبة إليهما. 

كان نفس المستشار قد حكم على مبارك وحبيب العادلى بالسجن المؤبد، لكن خالد اعتبر الحكم نكسة، وفى استدعاء لا مبرر له، قرن هذه النكسة كما يراها بنكسة يونيو ١٩٦٧ التى وصفها بالعسكرية، ودعك من تعليقه على حكم للقضاء بهذه الصورة، لكن يبدو أن ذهنيته كانت مسكونة برواية الإخوان والانهزاميين عما جرى فى ٦٧ ومعايرة الجيش المصرى بها. 

ولا أعرف ما الذى يمكن أن يقوله الدكتور خالد أبوالليل فى الشهادة التى استمعت إليها من باحث اشتبك معه خالد فى السيمنار العلمى لقسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة القاهرة وتحامل عليه وهاجمه بعنف، للدرجة التى جعلت الدكتور شمس الدين الحجاجى يتدخل ليهدئ من هجومه وتحامله، لأنه رأى أن ما يقوله ليس موضوعيًا بالمرة. 

هذا الباحث الذى حصل على الدكتوراه من كلية الآداب يعمل صحفيًا، ونشر عدة مقالات ضد جماعة الإخوان فى جريدته، كما أشرف على عدة حملات صحفية ضد الجماعة الإرهابية، ولم يكن لديه تفسير لهجوم الدكتور خالد عليه فى سيمنار كلية الآداب إلا أنه إن لم يكن إخوانيًا، فهو على الأقل يتبنى رواية الإخوان ورؤيتهم. 

عن نفسى لا أتبنى رواية الباحث- فهو وحده المسئول عنها- الذى أعتقد أن الدكتور خالد أبوالليل يعرفه جيدًا، ويذكر الواقعة التى جمعت بينهما، لكننى أسأله الآن عن تفسير ما جرى.. هذا إذا كان لديه تفسير بالطبع.