الإثنين 30 يونيو 2025
المحرر العام
محمد الباز

عن الأدب الإفريقى والعربى

حرف

ربما لا يثير مصطلح جملة من الأسئلة المنطقية، أكثر من مصطلح الأدب الإفريقى، فالأدب عادة يكتسب هويته من اللغة المكتوب بها، فيقال الأدب الألمانى أو الأدب الصينى، أو الأدب الفرنسى.. إلخ، ولكن هل هناك لغة واحدة محددة فى إفريقيا ينسب لها الأدب، حتى يقال الأدب الإفريقى؟

إفريقيا متنوعة اللغات، وهذه اللغات قليل منها له أبجدية وله قواعد نحوية محددة، كما أن معظم اللغات الإفريقية هى لغات شفاهية بالأصل وتختلف من منطقة إلى أخرى، حتى داخل البلد الواحد أحيانًا، وما تم التعامل معه باعتباره أدبًا إفريقيًا إنما جاء معظمه أثناء أو بعد المرحلة الكولونيالية، وإجادة الأفارقة للغات الأوروبية كالإنجليزية والفرنسية، ولقد تم التعبير عن عوالم وهموم وقضايا شديدة المحلية بهذه اللغات الأوروبية، وظلت العلاقة بين الأدب العربى والأدب الإفريقى علاقة ملتبسة يتناقض من خلالها التاريخ مع الجغرافيا، فرغم أن كثيرًا من البلدان العربية يقع فى إفريقيا إلا أن الأدب المكتوب فى هذه البلدان جاء باللغة العربية، وهو فى كثير من الأحيان ارتسم بملامح أورومتوسطية، ويتضمن عناصر ثقافية تنتمى إلى الضفة الأخرى من البحر المتوسط.

والعرب منذ دخولهم مصر والشمال الإفريقى لم يتعاملوا مع القارة الإفريقية باعتبارها أحد روافد الثقافة العربية، وجانبًا من جوانب تشكل الهوية العربية، كما أن الثقافة العربية لم تعترف بإفريقيا ثقافيًا إلا ضمن مشاريع سياسية برجماتية على الأغلب، والمطلع على كتابات التنوير والحداثة العربية منذ القرن التاسع عشر سوف يتوصل إلى حقيقة مفادها التجاهل شبه الكامل لما يسمى بالثقافة الإفريقية عمومًا، والأدب الإفريقى خصوصًا.

لقد ظلت تجارة الرقيق والحيوانات البرية والحاصلات الإفريقية النادرة والذهب هى الخيط اللاضم بين العرب وإفريقيا بالأساس خلال عدة قرون، كما ظلت الثقافة الشعبية الإفريقية هى الأكثر حضورًا فى الثقافة العربية بفعل حركة التجارة هذه.

وقد ظلت النزعة العنصرية العرقية لدى العرب هى المعيار الحاكم فى التعامل مع الثقافة الإفريقية، كما ظلت إفريقيا بالنسبة للعرب تعنى العبيد، ففى تونس وحتى اليوم يطلق على الفول السودانى فستق العبيد، وفى مصر كان يطلق على المكنسة ذات العصا البوص الطويلة والمنتهية بليف النخل الخشن «رأس العبد»، وهى مكنسة كانت تستخدم لتنظيف الجدران والأسقف العالية داخل البيوت حتى وقت قريب، أما مواطنو الجنوب المصرى من أبناء النوبة، فالمصطلح الشعبى السائد لهم عند أهل الشمال هو «الجماعة البرابرة»، وهناك تجليات كثيرة فى الموروث الثقافى تعبر عن الرؤية العنصرية بالثقافة العربية تجاه إفريقيا.

والثقافة العربية عمومًا لم تتعرف على الأدب الإفريقى، إلا عندما احتفت به أوروبا كنوع من أنواع الشعور بالذنب، بعد أن نكلت استعماريًا بإفريقيا ونهبتها نهبًا منظمًا لم يرحم الزرع والضرع والبشر، فهذه الثقافة العربية لم تعرف ليوبولد سنجور ولا تشينو آشيبى وغيرهما من الأدباء الأفارقة إلا من خلال أوروبا، بل إن الطيب صالح السودانى صاحب موسم الهجرة إلى الشمال لم يتم الاحتفاء به عربيًا إلا بعد تكريمه ككاتب «إفريقى فى أوروبا».

حتى الآن، لم نقرأ عملًا مترجمًا لكاتب من إثيوبيا أو الجابون أو بوركينا فاسو مثلًا، وبالتأكيد هناك كُتّاب فى معظم البلدان الإفريقية، الذين يجب أن نقرأهم وندخل إلى عوالمهم إذا أردنا أن نعرف إفريقيا ونؤثر فيها، وأتساءل لماذا لا يقوم المركز القومى للترجمة بتخصيص سلسلة محددة تكون مهمتها نقل الأدب الإفريقى إلى اللغة العربية؟