الأحد 06 يوليو 2025
المحرر العام
محمد الباز

خلف خطوط الثورة المجهولة.. شهادة منير فخرى عبدالنور على الحدود السائلة بين 25 يناير- 30 يونيو

منير فخرى
منير فخرى

لم يكن السياسى الكبير منير فخرى عبدالنور مجرد شاهد جلست إليه لما يقترب من ثلاث ساعات لأسجل ما رآه وسمعه من وعن أحداث جرت خلال السنوات التى أعقبت وقائع يناير 2011، بل كان مشاركًا وفاعلًا أساسيًا فى كثير مما مر بمصر وما جرى عليها. 

يمتلك منير كثيرًا من الأخبار والأسرار التى جعلته قادرًا على تكوين صورة دقيقة وصحيحة لفترة من أهم وأخطر الفترات التى عاشتها مصر فى قلق وتوتر واضطراب. 

تبدلت أدوار منير فخرى عبدالنور ما بين المسئول التنفيذى فى الحكومة والمسئول السياسى الذى يعمل فى صفوف المعارضة الساخنة. 

عُيّن وزيرًا للسياحة فى حكومة أحمد شفيق فى فبراير 2011، وبقى فى منصبه فى حكومتى عصام شرف وكمال الجنزورى. 

وعندما خرج من الوزارة شارك فى تشكيل جبهة الإنقاذ التى كانت رأس الحربة فى مواجهة جماعة الإخوان، 

وبعد 30 يونيو عُيّن وزيرًا للتجارة والصناعة فى حكومة حازم الببلاوى، وبقى فى حكومة إبراهيم محلب خلال الفترة من 16 يوليو وحتى سبتمبر 2015. 

وهو قبل ذلك وبعده وخلاله خبير سياسى وبرلمانى ومثقف كبير على اتصال دائمًا بما يحدث فى مصر فى المجال العام وفى كواليس الأحداث التى لا تغادر الغرف المغلقة. 

لقد سجلت شهادات لسياسيين كثيرين، لكن تظل هذه الشهادة هى الأكثر ثراء، تجلى فيها صاحبها، فتحدث كما لم يتحدث لا من قبل ولا من بعد. 

محمد الباز مع منير فخرى عبدالنور

اخترت أن أبدأ معه من اللحظة الساخنة والأكثر درامية. 

قلت له: أريد توثيق شهادتك على ٣٠ يونيو من الأحداث التى سبقتها، لأنك كنت فى قلب الحراك السياسى الذى بدأ من ٢٥ يناير ٢٠١١، ودعنى أبدأ من يوم ٢٢ فبراير ٢٠١١ عندما دعاك الفريق أحمد شفيق، رئيس الوزراء، لتكون معه وزيرًا للسياحة، ما الذى جعلك تقبل هذا المنصب وأنت ترى أمامك حالة سيولة سياسية، وكصاحب خبرة سياسية من المفروض أن تتردد وتقول: ليس مناسبًا أن أشارك، ما الذى دفعك لقبول المنصب؟ 

قال: اسمح لى أن أعود إلى الوراء ثمانية أيام، وتحديدًا فى يوم ١٤ فبراير ٢٠١١، فيومها تلقيت مكالمة تليفونية من الفريق أحمد شفيق، ولم تكن تربطنى به أى علاقة سابقة، اللهم إلا إعجابى بأدائه كوزير طيران مدنى، وبإنجازاته فى تحديث المطارات المصرية سواء فى القاهرة أو فى الغردقة وشرم الشيخ، وكنت أراه رجلًا ودودًا مبتسمًا مؤدبًا جدًا. 

يضيف منير: قال لى الفريق شفيق أحب أن تتعاون معنا فى الحكومة، فقلت له: فى أى مجال؟ قال: فى السياحة، فقلت له: أنا أرى أن الظروف ليست مناسبة، فأنت ترى الشارع وما يحدث فيه، فقال: تعال لنتحدث وبعدها قرر ما تريد. 

ذهب منير إلى مقر مجلس الوزراء، فوجد أن الفريق شفيق فى اجتماع، وبعد ٢٠ دقيقة قرر أن يدخل عليه مكتبه، فوجده يجلس مع الوزيرة فايزة أبوالنجا والشاعر الكبير فاروق جويدة. 

 اللواء محمد إبراهيم يوسف والدكتور جودة عبدالخالق تصديا للجماعة بكل قوة

يقول: ألقيت التحية، فوجدت الفريق شفيق يقول لى مباشرة: أريدك أن تعمل معنا فى الوزارة وزيرًا للسياحة؟ فقلت له: أى وزارة يا سيادة الفريق؟ فقال: هذه الوزارة، فنظرت إليه وقلت: لا تؤاخذنى يا فندم ألا تقرأ المشهد؟ المظاهرات لا تزال فى الشارع، وهذه المظاهرات قامت ضد الحزب الوطنى، وأداء وزارتك هو نفس أداء حكومة الحزب الوطنى السابقة. 

قال منير لشفيق: أنت فى حاجة إلى تشكيل وزارة من جميع أطراف الخريطة السياسية المصرية، حكومة وحدة وطنية لتحقيق آمال هذا الشارع الثائر.

سأله شفيق: يعنى إيه؟ 

رد منير: هو إيه اللى يعنى إيه؟ سعادتك لا بد أن تفتح البرجل. 

سأله شفيق ثانية: يعنى نجيب مين؟ 

رد منير: يمكن أن تستعين بالدكتور يحيى الجمل، بالدكتور محمد أبوالغار وزيرًا للتعليم العالى، فقد قاد حراك الجامعات بحركة ٩ مارس، بالدكتور محمد غنيم وزيرًا للصحة، بالدكتور جودة عبدالخالق وزيرًا للتموين، وهو كتب كثيرًا فى الدعم وتوصيله إلى مستحقيه. 

منير فخرى أبوالنور

ويضيف منير: وعندما ذكرت اسم جودة شهقوا، وقلت له: لكن أنا أرجو أن تعفينى، أنا أقول الحقيقة، والوزيرة فايزة أبوالنجا تعرف أننى أقول الحقيقة. ورأيت أنها تعاطفت مع ما قلته، واتصلت أمامى بالدكتور محمد غنيم وعرضت عليه وزارة الصحة، لكن الرجل اعتذر. 

قلت له: يبدو أنهم اقتنعوا بما قلت وبدأوا فى تنفيذه على الفور؟ 

قال: أنا طلبت منه أن يعفينى من المنصب، وقلت كلامى فى وجود الشاعر فاروق جويدة والوزيرة فايزة أبوالنجا، وهم شهود أحياء، وكان فاروق موجودًا لأن الفريق شفيق كان يعرض عليه وزارة الثقافة بعد أن استقال منها الدكتور جابر عصفور، وأذكر أننا خرجنا سويًا من مكتب الفريق شفيق. 

على سلم مجلس الوزراء سأل منير، فاروق جويدة: ما رأيك فيما قلت؟ 

رد فاروق: عندك حق تمامًا فى كل ما قلته. 

فعلّق منير: لا يوجد لدى أدنى شك فى أن لدى حقًا، وأرى أنه من الواجب أن كلًا منا لا بد أن يسهم فى الإصلاح وتحقيق أمان الشارع، لكن يجب أن يكون هذا فى إطار مقبول، إطار يلبى احتياجات الشارع الحقيقية. 

بعد أسبوع تواصلت الوزيرة فايزة أبوالنجا مع منير، وقالت له: ليس لديك أى عذر، فنحن نعمل بما قلته الآن، رؤيتك دخلت حيز التنفيذ بالفعل. 

سألت منير: ما الذى حدث على الأرض؟، ما الذى فعلوه لتقول الوزيرة إنهم نفذوا رؤيتك؟ 

قال: كلموا يحيى الجمل وجودة عبدالخالق، وتحدثنا مع أربعة أو خمسة أسماء أنا ذكرتهم، بمن فيهم وزير التعليم، وقلت للوزيرة أنا فى هذه الحالة موافق مبدئيًا، لكن قبل أن أعطيك الموافقة النهائية لا بد أن أحصل على موافقة حزب الوفد لأنى سكرتير عام الحزب، وفى اليوم التالى قابلت الدكتور السيد البدوى، رئيس الحزب، فقال لى: لا بد أن تقبل، ولا بد أن تقول لهم إنك تشارك بصفتك سكرتير عام حزب الوفد. 

 كنت وراء اقتراح اختيار كمال الجنزورى رئيسًا للوزراء خلفًا للدكتور عصام شرف

استوقفت منير عند هذه النقطة، وسألته عن سبب إصرار السيد البدوى أن يدخل الحكومة بوصفه سكرتير عام حزب الوفد. 

قال: لأن وقتها حدث بعض اللغط من شباب الحزب، وقال بعضهم إننا لا يجب أن نشارك فى الحكومة، لأننا تعودنا منذ عودة الحزب إلى العمل السياسى فى ١٩٨٤ أننا فى المعارضة، ولم يكن الشباب فى الغالب قادرين على استيعاب التغيير الذى جرى، كانوا يتعاملون على أنهم شاركوا الشباب فى الثورة، ولا بد أن نبقى فى المعارضة، وفات عليهم أن الدور جاء على الحزب ليشارك فى الحكومة ويبدأ العمل التنفيذى.

لم يستمر منير فخرى عبدالنور فى وزارة أحمد شفيق إلا أيامًا قليلة، ففى ٣ مارس ٢٠١١ تقدمت الحكومة باستقالتها، ورشح الميدان الدكتور عصام شرف ليتولى الوزارة. 

تواصل شرف مع منير، وطلب منه أن يكمل ما بدأه مع الفريق شفيق، فوافق على الفور. 

سألت منير: أفهم أنك وافقت فى المرة الأولى بعد أن استجابوا لرؤيتك، لكن فى المرة الثانية وافقت على الفور، رغم علمك أن ترشيح الدكتور عصام شرف تم فى ميدان التحرير الذى كان يسيطر عليه الإخوان.. ألم يكن ذلك سببًا لجعلك تتحفظ ولو قليلًا أو حتى تفكر فى الاستمرار؟ 

قال: بصراحة لم تكن الصورة بهذا الوضوح أمامى وقتها، ثم إن الوزارة التى شكلها الدكتور عصام لم تتغير كثيرًا، الدكتور جودة استمر، ويحيى الجمل استمر، وكنا قد بدأنا بعض الإصلاحات بالفعل. 

استمرت وزارة عصام شرف من مارس إلى نوفمبر ٢٠١١، سألت منير عن تقييمه أداء هذه الوزارة؟ 

قال: ظروف العمل فى هذه الوزارة كانت صعبة جدًا، لعدة أسباب، منها المجلس العسكرى، وكان المشير طنطاوى «مخضوض»، وأنا أقصد هذه الكلمة تحديدًا، فقد كان الشارع غير متوقع بالمرة، فمثلًا عندما تم تعيين محافظ قبطى لقنا، وكان هذا عاديًا لأنه كان هناك محافظ قبطى دائمًا، اعترض الشارع بقوة، وكان السؤال الذى نطرحه على أنفسنا كل يوم هو: ما الذى يجب علينا أن نفعله ليعود الشارع إلى الهدوء؟. 

تشكلت مجموعة داخل مجلس الوزراء، أطلقوا عليها «مجموعة الأزمات»، شارك فيها عدد من الوزراء، وكان منير من بينهم، وعندما كانت تحدث أزمة فى الشارع كان المجلس العسكرى يستدعى هذه المجموعة للنقاش والوصول إلى حل. 

سمعت أحد نواب الإخوان يقول لزميله: سيبوهم كلها كام يوم وهنتصرف معاهم بطريقتنا

سألته: ما الذى جرى فى أزمة تعيين المحافظ القبطى فى قنا.. كيف تعاملتم معها؟ 

قال: فى اجتماع مجموعة الأزمات بخصوص هذه القضية ساهمت فى المناقشة، وقلت إن ما يجرى تحدٍ لسلطة الدولة، ولو خضعت الدولة فإننا أمام طوفان سيجرف كل شىء، ولا بد من التدخل الحاسم والحازم، وأذكر أن المشير طنطاوى رد علىّ وقال: أنت صعيدى وتعرف كمية السلاح الموجودة هناك، أنت تطالب بأن يتدخل الجيش، وأنا أقول لك: لو فعلنا ستكون هناك مذبحة، فلو أنت مستعد لتحمل مسئولية هذه المذبحة، فأنا غير مستعد. 

اتفق معى عبدالنور عندما قلت له: كانت هناك أحداث كثيرة عبثية تحدث فى الشارع المصرى. 

لم يتركنى أستكمل، وتحدث قائلًا: عبثية جدًا.. أحداث لم يكن أحد يتوقعها، ولم نكن نعرف من يحركها، يعنى كنا نفهم أن أحداث قنا تحركها جماعات دينية معنية، لكن هناك أحداثًا كانت لغزًا بالفعل، والظروف كانت معقدة.. الشارع ملتهب، وشباب الثورة ملتهب، وطرف يريد استغلال ما يحدث لإشعال النار أكثر، وكانت مواجهة كل ذلك صعبة ومؤلمة. 

قلت للوزير السابق: كنت وزيرًا للسياحة فى فترة السيولة السياسية والانفلات الأمنى، كيف تعاملت على الأرض مع وضع فى النهاية لا يشجع على السياحة، بل ربما يقضى عليها تمامًا؟ 

كان رد منير مفاجئًا، قال: ستتعجب إذا قلت لك إن حدث الثورة نفسه كان مشجعًا على السياحة، فثورة الشباب ألهمت العالم، وعدد السياح الذين جاءوا فقط ليزوروا ميدان التحرير كان كبيرًا جدًا، وتخيل أن عدد السياح الذين جاءوا مصر فى هذه الظروف بلغ أكثر من ١٠ ملايين سائح فى ٢٠١١، وإذا قال لى أحدهم إن هذا العدد كان أقل بـ٤٠ بالمائة من عدد سياح ٢٠١٠، سأقول لاحظوا أننا نتحدث عن بلد فيه ثورة، والطبيعى ألا يأتيه سياح من الأساس، وستتعجب أيضًا أننا وضعنا إعلانات فى مطار القاهرة تشيد بالثورة، كنا نقول للقادمين: أهلًا بكم.. تعالوا شاركونا، وقد بذلنا مجهودًا كبيرًا داخل الوزارة، وكانت معنا مجموعة مبدعة وملهمة من المساعدين. 

سألت الوزير السابق عن الإخوان وكيف تعاملوا مع الوزارة، قلت له: كانت الجماعة خلال الشهور التى تلت الثورة قد بدأت فى فرض نفوذها وسيطرتها، ووصلت إلى البرلمان، كيف تعاملت معهم؟ 

قال: شعرنا بهم فى الحقيقة عندما دخلوا البرلمان مع نهايات الحكومة، بدأوا يستعرضون عضلاتهم من خلال استجواب الوزراء، واستدعونى بالفعل مرتين فى لجنة الإعلام والسياحة فى مجلس الشعب، وكان التعامل بقدر كبير من قلة الاحترام، وسمعت أحدهم يقول لزميله النائب: يا سيدى سيبوهم كلها كام يوم وهنتصرف معاهم بطريقتنا. 

قلت: كيف كنت تستقبل هذا التعامل.. المفروض أنك شخصية عامة قبل دخول الوزارة، وكان قادة الجماعة يعرفونك جيدًا؟ 

قال: الحقيقة أنا مارست العمل الشعبى، خضت انتخابات، وكنت معارضًا، وكنت متعودًا على مثل هذا التعامل، وكنت أعرف كيف أكسب من أمامى بكلمة لطيفة أو بالإقناع أو بالحوار الموضوعى، وأنا كوزير سياحة تعاملت معهم فى ملف الحج فى عامى ٢٠١١ و٢٠١٢، ونجحنا فى تخفيف الأسعار، وغيرنا نظام الفيزا التى كان يتم تداولها بين الشركات وبعضها على حساب الحجاج، وأعتقد أن هذا جعلهم يتعاملون معى بمرونة بعض الشىء. 

عدت بعبدالنور إلى النقطة الأساسية، فلم أرد أن أفلتها من بين أيدينا. 

قلت له: هذه المرونة فى النهاية لا تنفى أنك اقتربت منهم، وأدركت أن هناك ما يخططون له، وما يعملون من أجله، لقد توقفت عند ما سمعته أنت من أحدهم: سيبوهم كلها كام يوم وهنتصرف معاهم، ما الذى رصدته فى سلوك الجماعة عندما اقتربت أكثر بعيدًا عن ملف الحج؟ 

قال: بدأت أشعر بهم أكثر فى وزارة الدكتور الجنزورى، وبدأ بعضهم يتحدث معى مباشرة دون إخفاء، وقال لى أحدهم: خلاص بقى.. نخلص من الوزارة دى ونشكل الحكومة مع بعض، كانوا يتحدثون معى على أمل أن أكون معهم، والحقيقة الذى وقف ضد رغبة الإخوان فى تشكيل الحكومة من داخل الجماعة كان الدكتور سعد الكتاتنى، رئيس مجلس الشعب وقتها، وذلك لأسباب لا أعرفها، لأنهم كانوا يستطيعون إسقاط الجنزورى لو قرروا ذلك، فقد كانت معهم أغلبية المجلس. 

سألته: هل لديك تفسير لرفض الكتاتنى إسقاط حكومة الجنزورى. 

فقال: أعتقد أن الكتاتنى رأى أنه ليس لدى الجماعة خطة، وقد يكون رأى أن الوقت لم يكن مناسبًا أيضًا، كان السبب فيما أعتقد أيضًا تكتيكيًا وليس سياسيًا، فلم يكن يشغلهم هل الدكتور الجنزورى ينفع أو لا ينفع، كانوا يفكرون فى الوقت المناسب لتولى الحكومة والسيطرة على المشهد. 

تواصل المشير طنطاوى مع عمرو موسى وطلب منه تشكيل حكومة لكن الإخوان اعترضوا

قلت: لو سألتك عن رأيك أنت فى عودة الدكتور كمال الجنزورى وقتها إلى المشهد السياسى، هل كنت تؤيد هذه العودة؟ 

وكانت المفاجأة، فمنير فخرى عبدالنور لم يكن مؤيدًا لعودة الجنزورى إلى المشهد السياسى، بل كان هو أحد من ساهموا فى العودة. 

سألته: كيف جرى هذا؟ 

فبدأ يحكى: عندما استقالت حكومة الدكتور عصام شرف كنا يوم ٢٤ نوفمبر ٢٠١١، ظللنا نعمل مدة فى تسيير الأعمال دون أن يكون معنا رئيس وزراء، تواصل المشير طنطاوى مع عمرو موسى وطلب منه تشكيل حكومة، لكن فى اليوم التالى مباشرة تواصل معه الفريق سامى عنان وقال له: معلش فوت المرة دى، وعرفت وقتها أن الإخوان هم الذين اعترضوا على عمرو موسى وبشدة، وكان عمرو موسى بين الاتصالين قد تواصل مع الوزيرة فايزة أبوالنجا وطلب منها أن يلتقيا ليبدآ معًا فى النقاش والتشاور لتشكيل الحكومة الجديدة. 

مرت الأيام على منير وبقية الوزراء فى تسيير الأعمال، يلتقون فى مقر مجلس الوزراء أو فى هيئة الاستثمار، فى انتظار اختيار رئيس وزراء، ليمضى كل منهم إلى طريقه، من سيستمر يستمر، ومن سيخرج يستأنف عمله وحياته الخاصة. 

فى أحد الأيام كان الوزراء موجودين فى المجلس، وقطع نقاشهم اتصال تليفونى تلقاه الدكتور حازم الببلاوى، خرج ليرد على التليفون، واستمر لما يقرب من ١٥ دقيقة، وأثناء ذلك قال منير للموجودين معه: طيب يا جماعة ما يعرضوا الوزارة على الجنزورى، الشارع سيقبله بسبب سوء علاقته مع مبارك، وتجربته السابقة تقول إنه سيملأ مكانه ويتعامل مع الظرف غير المستقر الذى نمر به، وقبل أن يعلّق أحد على اقتراح منير قرر أن يتصرف. 

الفريق أول عبدالفتاح السيسى يلقى بيان ٣ يوليو

يقول: كلمت الفريق سامى عنان، وقلت له: ما تعرضوا الوزارة على الجنزورى، فسألنى: وهل يقبل؟ قلت له: أعتقد أنه سيقبل؟ فسألنى: وهل سيقبله الشارع؟ قلت: أعتقد أن الشارع سيقبله لأن علاقته بمبارك لم تكن جيدة، وبالفعل عرضوا عليه الوزارة وقبل تشكيل الحكومة بالفعل، واستمر عملى معه كوزير للسياحة. 

تسرب الإخوان للحكومة بدأ مع حكومة الدكتور عصام شرف فقد دخلها الدكتور هشام قنديل كوزير للرى

سألت عبدالنور عن موقف الإخوان من حكومة الجنزورى، فلقد كان شاهدًا على احتكاكات كثيرة جرت بين الجماعة والحكومة، قلت له: كيف تعاملتم مع الجماعة وقد أصبحت بالفعل مسيطرة على البرلمان بشكل كامل؟ 

قال: الاحتكاك كان مع البرلمان كبيرًا، لكن لا بد أن أشير إلى أن تسرب الإخوان للحكومة بدأ مع حكومة الدكتور عصام شرف، فقد دخلها الدكتور هشام قنديل كوزير للرى، ودخل معه فى تعديل يوليو ٢٠١١ وزير زراعة كانت له ميول إخوانية أيضًا، وأذكر أن سامى سعد زغلول قال لى إنه بعد حلف هشام ووزير الزراعة اليمين، دخل الفريق عنان على المشير طنطاوى وهو منزعج، لأن الحكومة أصبح فيها اثنان وزراء من الملتحين، وأقول هذا الكلام لأن هناك من يقول إنه كانت هناك اتفاقيات ومواءمات بين المجلس العسكرى والإخوان. 

آثار حادث الكنيسة البطرسية الإرهابى

قلت له: أنت تنكر أنه كانت هناك أى اتفاقات أو مواءمات. 

قال بسرعة خاطفة: قطعًا.. وأنا أقول ما رأيته وسمعته ولا أنقل عن أحد. 

لوّح الجنزورى بحكم حل البرلمان فقررت الجماعة أن تقطع عليه الطريق وبدأ الكتاتنى المعركة من على شاشة قناة الجزيرة

عدنا إلى حديثنا الأساسى عن الاحتكاك بين الإخوان وحكومة الجنزورى، ويستأنف منير كلامه، يقول: الاحتكاك الأكبر كان مع وزير الداخلية، كان عندهم حساب ويريدون تصفيته مع الوزارة كلها، وكان عندهم احتكاك مع وزير التموين الشيوعى، وكانت المواجهة معه قوية وصعبة وعنيفة، وأشهد أن اللواء محمد إبراهيم يوسف والدكتور جودة عبدالخالق تصديا للجماعة بكل قوة وجرأة وبكل أمانة أيضًا. 

كانت هناك مواجهة أكبر بين الجماعة ممثلة فى الكتاتنى، رئيس مجلس الشعب، والدكتور كمال الجنزورى، رئيس مجلس الوزراء. 

لوّح الجنزورى بحكم حل البرلمان، فقررت الجماعة أن تقطع عليه الطريق، وبدأ الكتاتنى المعركة من على شاشة قناة الجزيرة، عندما هدد وتوعد الحكومة ورئيسها. 

أخذت منير فخرى عبدالنور إلى هذه المواجهة. 

فقال لى: فى هذا اليوم أنا كنت فى المجلس، ولم يحضر الدكتور الجنزورى، وفوجئت برسالة من الدكتور الكتاتنى يطلب منى أن أخبر رئيس الوزراء بضرورة الذهاب إلى المجلس لأن الهجوم عليه عنيف ولا بد أن يرد، وأرسلت للدكتور الجنزورى، وبالفعل ذهب ليجد هجومًا عنيفًا، وفجأة لوّح رئيس الوزراء بيديه بلا مبالاة، وكأنه يريد أن يقول: متزودهاش قوى.. ده المجلس بتاعكم ممكن يتحل فى ثانية، وأعتقد أنه فعل ذلك كجزء من المناورة السياسية فى المواجهة. 

قلت له: هل الجماعة لم تتعامل مع الأمر على أنها مناورة، أخذت المسألة على محمل الجد؟ 

قال: تقريبًا هذا ما حدث، ولم يتقبلوا التهديد لأنهم كانوا يشعرون بالقوة، وأعتقد أنهم من هذه اللحظة تحركوا لإسقاط الحكومة، لكنهم لم يقدروا على ذلك بسبب وجود المجلس العسكرى. 

قلت للوزير السابق: أنت عملت مع ثلاثة رؤساء وزراء فى فترة وجيرة، سأستبعد الفريق شفيق لأنك عملت معه لأيام، لكن لو طلبت منك مقارنة بين أداء الجنزورى وعصام شرف.. ماذا تقول؟ 

قال: الفارق كبير جدًا.. أولًا الظروف كانت مختلفة، الشارع كان أكثر هدوءًا مع الجنزورى، على عكس ما جرى مع عصام شرف، كانت هناك أزمة وثيقة السلمى وجمعة قندهار، لكن لا أستطيع إغفال أهمية شخصية الجنزورى، فقد كان أقوى وأوضح فى مواجهاته وقراراته، المسألة كانت صعبة جدًا على الدكتور شرف، لا أشك فى ذلك أبدًا، لم أرَ فيه الشخصية التى يمكن أن تصمد فى الفترة من أغسطس إلى نوفمبر ٢٠١١، فالشارع كان ملتهبًا، ولا أحد قادرًا على أن يلجمه، ولم يكن المجلس العسكرى يتدخل كثيرًا، لأنه تقريبًا كان يريد أن يتخلص من المسئولية ويعود إلى عمله، كان المشير طنطاوى متعجلًا جدًا فى إجراء الانتخابات سواء البرلمانية أو الرئاسية، وأى تعطيل كان يرى أنه عائق أمام تحقيق هدفه، كان يريد أن يلقى بالكرة الملتهبة فى حجر من سيتحمل المسئولية من بعده. 

استوقفت منير وقلت له: المشير قال لأحد الأصدقاء من الإعلاميين حرفيًا إنه يشعر بأنه يمسك بكرة نار فى يده. 

عماد أبوغازى قال لهشام قنديل: إنت إخوان وكان يتهمه بأنه كان يفتح تليفونه أثناء اجتماعات مجلس الوزراء ليسمعه آخرون

وافق على التوصيف، وقال: كانت كرة نار بالفعل، فعندما كنا نجهز للانتخابات البرلمانية، ظهرت فكرة منح المصريين فى الخارج حق التصويت، فتعطلت الانتخابات، فغضب المشير جدًا، وقال: يا جماعة أنتم تعطلوننا بهذه الصورة، كان يريد أن يرمى بكرة اللهب التى يحملها فى حجر أى حد، ولم يكن شرف سندًا للمجلس العسكرى، كان أداؤه ضعيفًا. 

يدلل منير على ضعف أداء شرف، فيقول: على سبيل المثال الحادث المؤسف الذى جرى أمام ماسبيرو فى ٧ أكتوبر ٢٠١١، جاءتنى مكالمة تليفونية مساء هذا اليوم تستدعينى إلى مجلس الوزراء، ولما وصلت وجدت رئيس الوزراء عصام شرف وعماد أبوغازى، وزير الثقافة، وكان معهما فيما أعتقد أسامة هيكل، وزير الإعلام، ووجدت الدكتور أبوغازى يقول لى إن زوجته السفيرة ليلى بهاء الدين سمعت مذيعة تدعو الناس فى التليفزيون للخروج لمواجهة من يهاجمون الجيش، كان الوضع مربكًا بشكل كبير، وصل عددنا إلى ٧ وزراء تقريبًا، واقترح الدكتور شرف أن يلقى بيانًا، وبدأ أسامة هيكل فى كتابة مسودة للبيان، فقلت له: الأفضل أن تتحدث مباشرة دون بيان مكتوب، حتى يكون كلامك من القلب، انتقلنا إلى مبنى التليفزيون حوالى الساعة ١٢ مساء، وألقى شرف كلمته فى ظروف مؤلمة ومشهد مربك ومرتبك. 

كان عبدالنور صريحًا معى صراحة مطلقة، قلت له: هل تقصد أن عصام شرف لم يكن على قدر الحدث، ولم يتصرف بما يتناسب مع ما جرى؟ 

قال: الحقيقة أننا جميعًا لم نكن على قدر ما جرى، فقد كان الحدث جللًا.

سألته: هل كانت قدرة الجنزورى على المواجهة وإدارة الأمور أكبر؟ 

قال: الجنزورى كان رئيس وزارة قويًا، الاجتماعات معه كانت لا تزيد على ساعتين، الموضوع يُطرح للنقاش، يأخذ القرار، انتهى الأمر، لكن فى مرحلة سابقة كان الموضوع يأخذ وقتًا أطول. 

كان منير فخرى عبدالنور موجودًا فى الحكومة التى باشرت الانتخابات البرلمانية ٢٠١١ والرئاسية ٢٠١٢، ولأن هناك حتى الآن ما يقال ويتردد حول ما جرى فى الانتخابات الرئاسية ومن الفائز الحقيقى فيها. 

قلت له: كانت هناك تجاوزات فى الانتخابات الرئاسية فى العام ٢٠١٢، وتحدث البعض عن تزوير وتأثير فى إرادة الناخبين، وتطرق الحديث إلى البطاقات المطبوعة فى المطابع الأميرية، وأنت توليت أمر وزارة الصناعة والتجارة بعد ٣٠ يونيو، والمطابع الأميرية بحكم منصبك، هل حققت فى هذا الموضوع؟ 

قال: أستطيع أن أقول جازمًا إنه حدث تزوير، وطبعت بطاقات زيادة ووزعت واستخدمت فى صناديق الانتخابات، ومن داخل المطابع الأميرية كان هناك تعاون فى التزوير لصالح مرشح الجماعة، وهو ما توصل له الجهاز الأمنى الذى قام بالتحقيق. 

سألته: أنا أسألك عما قمت به وأنت وزير، هل قمت بتحقيق خاص؟ 

قال: كنت أعرف النتيجة، ولا بد أنك تعرف أنه لم يكن سيتغير شىء. 

قلت: أعرف.. لكننى أسعى معك إلى توثيق ما جرى، فهذا تاريخنا ونريد أن نعرف ما حدث فيه، وأنت تقول إن هناك تزويرًا حدث، وهو ما أكده الجهاز الأمنى أيضًا. 

قال منير: يمكننى أن أقول لك ما هو أكثر، فقد منعت الجماعة بعدة طرق بعض المواطنين فى الصعيد، ومن المنيا تحديدًا، من الإدلاء بأصواتهم، منعوهم من الخروج من بيوتهم وحالوا بينهم وبين الوصول إلى صناديق الانتحابات، وكان أغلب الممنوعين بالطبع من الأقباط. 

أخذت عبدالنور بعيدًا عن مسئوليته الوزارية مؤقتًا، قلت له: بوصفك مواطنًا مصريًا لك نشاط سياسى من خلال موقعك الحزبى، كيف كنت ترى اقتراب الإخوان من السلطة؟ 

قال: كنت قلقًا جدًا، وذلك لأسباب محددة، وأعتقد أن هناك كثيرين كانوا يشعرون بالقلق. 

السبب الأول أنهم لم تكن لديهم خبرة فى الحكم أو فى الإدارة العامة، لأن الخبرة تكتسب بالممارسة العملية، فلا أستطيع أن آتى بأحد وأقول له احكم، قد يكون أستاذ جامعة وعالمًا عظيمًا، لكن ليست لديه خبرة كافية. 

السبب الثانى أنه كانت عندهم حسابات مع أطراف عديدة، وكنت قلقًا من أنهم يمكن أن يقوموا بتصفية حساباتهم. 

السبب الثالث أنهم يقحمون الدين فى السياسة، وهو الإقحام الذى يقضى على الدين والسياسة معًا، عندما يحدث هذا التزاوج حتمًا يخسر الطرفان. 

السبب الرابع أنهم لا يؤمنون بالوطن، وقال كبيرهم: طز فى مصر. 

وأضاف منير: كل هذا جعل القلق يسيطر على الجميع، وكنت منهم، بصرف النظر عن الاحتفاء الظاهر بنجاحهم فى الانتخابات. 

توقفت عند ما قاله عن الاحتفاء الظاهر بنجاح الإخوان فى الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية بعد ذلك، وسألته: كيف يرى هو ذلك؟.. كيف يفسره؟ 

قال: طبعًا من صوتوا لهم كانوا سعداء بهم دون شك، ومن الطبيعى عندما تصوت لأحد وينجح تسعد بذلك، لكن الأغلبية العظمى كانت فى منتهى القلق. 

ويحكى منير ما جرى معه هو ويقول: قبل إعلان النتيجة كنت جالسًا فى بيتنا بمفردى، كانت زوجتى مسافرة فى رحلة علاج فى الخارج، وكان لى صديق عزيز فى الخارج هو عمر مهنى، كلمنى ليطمئن على الأحوال، وهو يحدثنى جاءتنى مكالمة على البيت من المستشار حاتم بجاتو، الذى كان عضوًا فى اللجنة العليا للانتخابات، ووجدته يشكرنى على تعاون الحكومة مع لجنة الانتخابات، سألته: هل انتهى الفرز؟ قال: انتهينا والنتيجة جاهزة، سألته: هل النتيجة كويسة؟ كنت أريد أن أعرف، قال لى: النتيجة تمام، فقلت له: يعنى النتيجة هتعجبنى أنا؟ قال لى: آه.. هتعجبك، وكان يعرف النتيجة التى ستعجبنى لكنه لم يقل اسم الفائز، لكنى أيقنت أن الفريق شفيق هو من فاز، لأنه يعرف أن هذا ما سيعجبنى. 

يستكمل منير حكايته: كان عمر مهنى لا يزال على الخط، سألنى: المستشار بجاتو قالك إيه؟ قلت له: قال إن النتيجة هتعجبنى، فقال: طب مبروك، وفى اليوم التالى ذهبت إلى مجلس الوزراء وحكيت للدكتور الجنزورى ما جرى فى المكالمة مع المستشار بجاتو، فوجدت رئيس الوزراء يقول لى: ما أنا قلت لك الحكاية واضحة. 

قلت لمنير: حدث العكس ونجح مرسى على غير ما توقعت من كلام المستشار بجاتو، وأصبح محمد مرسى هو الرئيس، وهنا أريد أن أسألك سؤالًا على مستويين.. 

المستوى الأول هو مستوى المواطن منير فخرى عبدالنور، المصرى المسيحى الذى وجد أن الحكم أصبح دينيًا، وهناك مسيحيون كثيرون قرروا أن يرحلوا عن مصر. 

والمستوى الثانى هو مستوى الوزير فى حكومة ظلت تعمل مع محمد مرسى ما يقرب من شهر.. كيف تعاملت الحكومة مع محمد مرسى خلال هذه الفترة؟ 

عن المستوى الأول قال منير: سمعت بالطبع أن هناك مسيحيين قرروا أن يتركوا البلد بسبب وصول الإخوان إلى الحكم، وكنت أرى أن فيه شيئًا من المبالغة، وكان تعبيرًا عن قلق ورفض، كما كنت أنا أيضًا قلقًا ورافضًا، رغم أنه كانت لى علاقة شخصية مع محمد مرسى عندما تزاملنا كأعضاء فى البرلمان فى ٢٠٠٠ عندما قاد مجموعة الإخوان التى كان يسميها الدكتور فتحى سرور «مجموعة الـ١٧»، ثم بعد ذلك فى برلمان ٢٠٠٥، وكنت أنا رئيس الهيئة البرلمانية لحزب الوفد، وكانت بيننا علاقات بحكم أننا نعمل فى صفوف المعارضة. 

قلت له: بحكم معرفتك به.. كيف استقبلت ترشيح الإخوان له لمنصب الرئيس؟ 

قال: تعجبت جدًا، لأنى كنت أعرف أداءه البرلمانى، ورغم أنه كان جيدًا، إلا أن ذلك لا يؤهله ليكون رئيس جمهورية، لم يكن مرسى على مقاس رئيس، والأيام أثبتت ذلك، ثم إنه لم يكن مرفوضًا من المسيحيين فقط، أذكر أن الدكتور عزازى على عزازى وبمجرد إعلان فوز مرسى تقدم باستقالته من منصبه كمحافظ للشرقية، وقال: لا يمكن أن أتعاون مع ناس أختلف معهم سياسيًا، وكان هذا نوعًا من الرفض الكبير لحكم الإخوان. 

ويقول منير فى المستوى الثانى من تعامل الحكومة مع مرسى كرئيس: فى أول أربعاء من شهر يوليو، وهو موعد اجتماع مجلس الوزراء، ذهبنا إلى الاتحادية للقاء رئيس الجمهورية، واصطففنا صفًا واحدًا، وعندما رآنى أخذنى بالحضن، وهو ما أحرجنى أمام الزملاء، فهذا يخالف البروتوكول، وأثناء الجلسة كان يقول كل شوية الأستاذ منير عارف، والأستاذ منير قال، والأستاذ منير عمل. 

سألته عن انطباعه عن مرسى فى أول اجتماع معه كرئيس. 

قال: كان أداؤه جيدًا، ذكر أرقامًا، ووصف الوضع الاقتصادى والاجتماعى بشكل سليم، وأبدى عدد من الوزراء إعجابهم بما قاله، كنا يوم الأربعاء ٤ يوليو، لكنى فوجئت أنه فى ٦ يوليو أصدر قرارًا بدعوة مجلس الشعب للانعقاد، وكانت هذه أول مخالفة دستورية يقع فيها، لأن المحكمة الدستورية العليا كانت قد حكمت بعدم دستورية طريقة انتخاب المجلس، وقامت بحله. 

قرر منير فخرى أن يكون هناك رد فعل واضح، تواصل مع عدد من الوزراء، وقرروا تقديم استقالاتهم، وتحمست الوزيرة فايزة أبوالنجا، والدكتور فتحى البرادعى، وزير الإسكان، والدكتور محمد سالم، وزير الاتصالات، ووزير التنمية المحلية المستشار محمد أحمد عطية، وذهبوا للدكتور الجنزورى، الذى تواصل مع المشير، وقال له: الوزراء قرروا تقديم استقالاتهم، فقال له: طمئنهم.. لقد تدخلنا، والمجلس سيجتمع لمدة ساعة واحدة، وسيتم حله مرة أخرى، وقال لهم الجنزورى: اهدوا يا جماعة لو سمحتم.. وتراجعنا. 

قلت لمنير: فى الفترة من ٣٠ يونيو وحتى ٢ أغسطس عندما تشكلت حكومة هشام قنديل، هل جرت اتصالات بينك وبين محمد مرسى؟ 

قال: أذكر أن السفير محمد رفاعة الطهطاوى، الذى أصبح رئيسًا لديوان رئيس الجمهورية، دعانى على العشاء، وكانت تربطنى به علاقة أستطيع أن أقول إنها عائلية، فهو حفيد رفاعة الطهطاوى وسوهاجى ووالدى جذوره سوهاجية، وذهبت إليه فى منزله بالمعادى، ووجدت عنده السفيرة الأمريكية «آن باترسون» وزوجها، ويومها قال لى أمام السفيرة: الرئيس يريد تعيين ثلاثة نواب للرئيس، امرأة وشاب وقبطى، قلت له: أعرف ذلك، فوجدت السفيرة الأمريكية تقول لى: ستكون أنت نائب الرئيس القبطى، قلت لها دون تفكير: لا. 

سألته: لماذا رفضت؟ 

قال: لأن الكلام كان من السفيرة الأمريكية، وكان هذا هو منتهى الفجر، وقد قلت لها أنا لست وزيرًا قبطيًا، أنا وزير مصرى، ثم إن هذا الأمر ليس فى خطتى من الأساس، فطلبت أن أفكر، فقلت لها: حاضر.. حتى أتخلص من الموقف. 

يحكى منير ما جرى بعد ذلك: يوم الأربعاء الأخير من شهر يوليو تواصل معى الدكتور الجنزورى، وأخبرنى بأننا مطلوبان للاجتماع فى قصر الاتحادية، وحتى هذا الوقت لم يكن مرسى قد أعلن عن اسم رئيس الحكومة، ولم نكن نعرف هل سنستمر أم سنرحل، ولم يكن القرار عندنا واضحًا، كانت العملية تقريبًا شبه مجمدة، وكان العاملون فى الوزارات لديهم يقين أننا سنرحل، فكانوا مكبرين دماغهم، وطلب منى الدكتور الجنزورى أن أتحدث فى الاجتماع وأقول إننا لن نستمر بهذه الطريقة، لأننا غير قادرين على العمل أو اتخاذ قرارات، وأعتقد أن الدكتور الجنزورى كان يريد أن يستمر، وكان ذلك فيما أعتقد من منطلق وطنى، كان يرى أنه لا بد أن يسند البلد بغض النظر عن كون الرئيس «إخوان أو مش إخوان». 

دخل الوزراء قصر الاتحادية، وفى بداية الاجتماع، طلب منير الكلمة. 

قال له مرسى: عايزين تمشوا زى ما مشى عزازى. 

فرد منير: لا يا أفندم.. نحن نريد فقط أن نعرف «راسنا من رجلنا»، لا بد أن تختار رئيس وزارة وتشكل حكومة، حتى يسير العمل، نحن الآن حكومة تسيير أعمال ولا ننجز شيئًا، ليست لدينا سلطة، وبعدها بيومين سافر إلى إثيوبيا وأخذ معه الدكتور هشام قنديل وزير الرى. 

فايزة أبو النجا

يقول منير: يبدو أنه فى هذه الزيارة أعجب بهشام قنديل، وعندما عاد سماه رئيسًا للوزراء، وأذكر أننى يومها كنت موجودًا فى مكتبى بوزارة السياحة ودخل علىّ أحد المساعدين، وقال لى: هشام قنديل أصبح رئيسًا للوزراء، فقلت له: إيه.. بتقول إيه؟!. 

يضيف منير: كنت أعرف الدكتور هشام بحكم الزمالة فى مجلس الوزراء، وكان أداؤه طيبًا، واتجاهاته الإسلامية واضحة، لم يكن يخفيها، وأذكر أن الدكتور عماد أبوغازى، وزير الثقافة، واجهه مرة وقال له: إنت إخوان مسلمين، وكان يتهمه بأنه كان يفتح تليفونه أثناء اجتماعات مجلس الوزراء ليسمعه آخرون خارج المجلس. 

سألت منير: هل عرضوا عليك الاستمرار فى حكومة هشام قنديل؟ 

قال: أول مكالمة عملها هشام قنديل كانت لى، وطلب منى الاستمرار فرفضت، فقال لى: مطلوب من سعادتك أن تكلم الرئيس، فقلت له: أرجوك اعفينى، ولما سألنى عن السبب، قلت له: أنا تعبان، والعملية مرهقة بالفعل، فأصر وقال: لكن نحن نريدك معنا، فقلت له: من فضلك لا تضغط علىّ، وفى اليوم التالى كلمنى وذهبت إليه، وقال لى: أنا مكلف من رئيس الجمهورية أن أقنعك بقبول المنصب، لكنى رفضت، فقال: أنتم كلكم ترفضون، وزير التموين الدكتور جودة عبدالخالق سبق ورفض، وأنا مكلف، والكلام ليس منى ولكن من الدكتور مرسى، نحن نريدك معنا ونعول عليك، قلت له: أرجوك اعفينى، وسأقول لك: أنا مش تعبان ولا حاجة، لكن أنا لن أستطيع أن أعمل معكم، أنا مختلف معكم وسنختلف من أول جلسة، فلا داعى لذلك، وأنا لن أختفى من الساحة السياسية، سأكون فى الناحية الثانية، ويمكن أن نأخذ وندى مع بعض. 

كاترين آشتون

سألت منير: هل استشرت أحدًا فى رفضك الاستمرار مع حكومة الإخوان، أم أن الموقف كان مبدئيًا؟ 

قال: لم يكن لدىّ استعداد لأن أواصل العمل معهم، كنت أعرف أن الحكومة ستتغير، وكنت أقول لمن حولى إننى سأرفض الاستمرار، لأننى لم أكن أبحث عن وظيفة، أنا أريد أن أخدم مع فريق يكون متعاونًا ومتسقًا ومتناغمًا، لكن أن أعمل مع ناس ويمكن أن نختلف، فلم يكن لدىّ استعداد، كنت حاسمًا أمرى، ولم أستشر أحدًا. 

قلت له: ألم تفكر بطريقة الدكتور الجنزورى، وهو أن تسند البلد بصرف النظر عن توجه الرئيس؟ 

قال: الدكتور الجنزورى كلمنى مرتين، وطلب منى أن أستمر، فقلت له: لا أستطيع. 

طلب هشام قنديل من منير فخرى عبدالنور ترشيح اسم ليكون وزيرًا للسياحة خلفًا له، فقال له: سأرشح لك اسمين ويمكن أن تختاروا منهما، واستقروا على هشام زعزوع، وفوجئت أن هشام يطلب منى أن أكلمه، كان يخشى أن يكلمه هو فيرفض، وبالفعل كلمت زعزوع، وقلت له: أنا رشحتك للوزارة، ويمكن أن تفكر وترد علىّ غدًا، فوجدته يقول لى: لا لن أفكر.. أنا موافق، أبلغ منير هشام قنديل بموافقة زعزوع، فقال له: على بركة الله. 

يقول منير: فى خطابه يوم ٢٦ يونيو ٢٠١٣، قال مرسى إنه لم يتعاون معهم أحد، وإنهم عرضوا على فلان وفلان أن يعملوا معهم ورفضوا، وذكر اسمى، ونقل الموقف بأمانة، وقد رفضت لأننى كنت أراهن أن هذه مرحلة انتقالية، كانوا يطلبون منا أن نستمر، وهم يخططون لأخونة كل شىء، وما رأيناه فى الـ١٢ شهرًا أكد ذلك، فقد كان هدفهم هو السيطرة التامة على مفاصل الدولة المصرية بشكل كامل. 

قلت بعد حضور قتلة السادات احتفال أكتوبر: ما جرى لن يمر على الشعب المصرى ولا على الجيش بسهولة

خرج منير فخرى عبدالنور من الوزارة، أصبح حرًا طليقًا، ودع مقاعد المسئولين إلى مقاعد المواطنين الذين يشاهدون ما يجرى على الأرض ويتفاعلون معه، وبعد ما يقرب من شهر ارتكبت جماعة الإخوان جرمها الأكبر، احتفلت بذكرى انتصار أكتوبر فى استاد القاهرة، وكان لافتًا أنها دعت إلى الاحتفال قتلة الرئيس السادات، ويومها علق عبدالنور بقوله: ما جرى لن يمر على الشعب المصرى ولا على الجيش بسهولة.

سألته عن هذا التصريح.. وما الذى دفعه إليه، فأخذنى إلى واقعة سابقة رأى أنها مهمة ودالة. 

قال: فى يوم ٢٨ يوليو ٢٠١٢ أى قبل خروجى من الوزارة بنحو ٦ أيام، كان شقيق المشير طنطاوى قد توفى وذهبت لتقديم العزاء فى مسجد آل رشدان، وهناك وجدت قيادات الجماعة يتحركون وكأنهم أصحاب العزاء، وعندما خرجت من العزاء قابلت اللواء محمد العصار، وكانت تجمعنى به مودة، ودار بيننا حوار: 

منير: جرى إيه يا سيادة اللواء.. هنقعد نتفرج كتير كده ولا إيه؟ 

العصار: لا لا لا.. متغلطش، قلتم الجيش يطلع من السياسة، طلعنا من السياسة، الشارع طالب بالديمقراطية، سنقبل الديمقراطية ونحترم قواعدها، وبعدين إنت قلقان ليه، انظر إلى دول أوروبا الشرقية التى أجرت انتخابات بعد انهيار النظام الشيوعى، فى أول انتخابات الحزب الذى نجح فشل فى حل المشكلات المتراكمة عبر السنين، وفى الانتخابات التالية سقط، وهذا يمكن أن يحدث عندنا. 

منير: يا فندم هذا إذا جرت انتخابات ثانية، أعتقد أنه لن تكون هناك انتخابات أخرى فى مصر فى وجودهم. 

العصار: اهدأ، ودع الأمور تسير إلى الأمام. 

سألت منير عن انطباعه عن كلام اللواء العصار معه. 

قال: أعتقد أن اللواء العصار كان صادقًا معى فيما قاله، لم يكن يناور، لأن القوات المسلحة كانت لديها هذه القناعة، وقد اقتنعت بصدقه، لكنى لم أقتنع بحسن تقديره السياسى، لكن فى تقديرى أن موقف القوات المسلحة تغير بعد الاحتفال بانتصار أكتوبر، وهو يوم النصر بالنسبة للقوات المسلحة، وكانت مفاجأة مذهلة عندما رأينا بين المحتفلين الإرهابيين قتلة الرئيس السادات، وهو مشهد كان بالنسبة لى «أكثر من عبثى»، وكان دليلًا على الفرق الكبير فى الثقافة، وفى التوجه، وفى الفكر، وفى الأهداف، وفى الوطنية، فأنا يمكن أن أختلف مع الرئيس السادات، ويمكن أن أنتقده، لكنه فى النهاية رمز، ولا بد أن أحترم هذا الرمز. 

أكبر أخطاء الإخوان كان إقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود وهو دستوريًا محصن

اعتبر منير أن ما حدث فى ٦ أكتوبر لم يكن مجرد كيد سياسى كما رأى البعض، بل كان بداية لتصفية حسابات تقوم بها الجماعة، وكان خطأ كبيرًا توالت بعده الأخطاء الكبرى التى أدت إلى خروج الناس على الجماعة والقيام بثورة ٣٠ يونيو. 

سألت منير عن الأخطاء الكبيرة التى يراها فى تجربة الإخوان. 

قال: هناك أكثر من خطأ فى الحقيقة، لكنى سأتوقف عند خطأين كبيرين. 

الأول كان إقالة النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود، وهو دستوريًا محصن، لكنهم أقالوه بطريقة ملتوية، وجاءوا بنائب عام ملاكى، حتى يعمل فى توجيه التهم يمينًا ويسارًا ضد كل من يعارض الإخوان أو يقف ضدهم. 

والخطأ الثانى كان الإعلان الدستورى الذى قام بمقتضاه مرسى بتحصين كل قراراته، وهو القرار الذى صدر مؤرخًا بيوم ٢١ نوفمبر، وأعلن فى اليوم التالى ٢٢ نوفمبر ٢٠١٢، وبعد ساعتين فقط ودون اتفاق أو تجهيز أو حتى اتصالات، اتجهت قيادات القوى المدنية المختلفة من يمينها إلى أقصى يسارها إلى حزب الوفد للتعبير عن موقفهم من الإعلان الدستورى. 

يتذكر منير ما جرى: يومها كنت معزومًا على العشاء خارج القاهرة، وجدت رسائل تأتينى على الموبايل بشكل متسارع ومتتالٍ، وتواصل معى موظف فى الحزب، وقال لى: تعالَ فورًا.. القيادات المدنية كلها موجودة فى الحزب، ولا يوجد أى قيادى من الوفد، وصلت فوجدت حمدين صباحى ومحمد البرادعى وسامح عاشور، وقيادات من كل الأحزاب، والجميع يرفض الإعلان الدستورى، وتم الاتفاق يومها على إنشاء «جبهة الإنقاذ»، وتقرر عقد اجتماع يوم ٢٤ نوفمبر ٢٠١٢ عند الدكتور محمد أبوالغار فى مقر الحزب المصرى الديمقراطى، وهناك وضعنا النقاط فوق الحروف، وبدأنا نجتمع يوميًا، وقررنا أولًا مقاطعة محمد مرسى مقاطعة شاملة، والخروج بمظاهرات كل يوم جمعة. 

ولأننا رأينا ذلك فى الشارع وتابعناه إعلاميًا، فقد سألت منير عن الكواليس، عن رد الفعل على ما جرى من تأسيس جبهة الإنقاذ ومقاطعة مرسى والدعوة إلى مظاهرات؟ 

قال: دعا محمد مرسى إلى حوار مع القوى الوطنية، والغريب أن هذه الدعوة تمت أثناء حصار المحكمة الدستورية وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، والأغرب أن حازم صلاح أبوإسماعيل وأنصاره ذهبوا لحصار المدينة احتجاجًا على دعوة مرسى للحوار معنا، فأصدرنا بيانًا رفضنا فيه الحوار، وأعلنا أننا لن نتحرك إلا بعد إلغاء الإعلان الدستورى، وظهرت وقتها أصوات تطالب بانتخابات رئاسية مبكرة. 

قلت لمنير: أحداث الاتحادية كانت أعنف، بدأت فى ٤ ديسمبر ٢٠١٢، قتل فيها الإخوان الشباب، هل شاركتم فيها كجبهة إنقاذ؟ 

قال: كنا نحن المنظمين لها، يوم ٣ ديسمبر كان الفريق أول عبدالفتاح السيسى مجتمعًا مع وزير الداخلية وقيادات الوزارة، وأعلنوا أن الجيش والشرطة يمثلان أساس الأمن فى مصر، وأنهما لن يعترضا حركة الشارع المصرى، ولن يواجهاه ما دام أن التعبير عن الرأى بسلمية، فكانت هذه إشارة بالنسبة لنا، أو هكذا فهمنا الأمر بأن الشرطة لن تمنع أى مظاهرات تلتزم بالقواعد، وفى ٤ ديسمبر وصلنا إلى أبواب الاتحادية التى كانت مفتوحة، وكان يمكن أن ندخل، لكننا عرفنا أن الأوامر صدرت للجماعة أن تضرب وتستخدم الرصاص، فانسحبنا يومها، لكن بعض الشباب قرروا الاعتصام ونصبوا الخيام، وفى اليوم التالى ٥ ديسمبر حرقت الجماعة الخيام وضربت المعتصمين، فخرجت المظاهرات من كل مكان، وأعتقد أن هذا اليوم كان بروفة مبكرة لـ٣٠ يونيو. 

تعرض منير فخرى لمضايقات شخصية بسبب موقفه، وهى المضايقات التى بدأت فى يناير ٢٠١٣. 

يحكى لى: فى أول يناير تواصل معى أحد الصحفيين، وقال لى: هناك بلاغ مقدم ضدك فى النيابة بتهمة إهدار المال العام، وكان البلاغ المقدم يتحدث عن التصرف فى كبائن المنتزه أثناء عملى كوزير للسياحة، رغم أننى لا أملك كابينة ولا وزعت كبائن ولم يطلب منى أحد أن أمنحه كابينة من الأساس، على العكس عندما كان ينتهى عقد تأجير كابينة كنت أجدده بعشرة أضعاف القيمة الإيجارية، وتواصلت معى بعدها إعلامية، وقالت لى إن النائب العام قال لها إن ما فعله منير عبدالنور جريمة لا تغتفر. 

بعد أيام تلقى منير عبدالنور اتصالًا من النيابة فى الإسكندرية من أحد المحققين، ودار هذا الحوار: 

المحقق: يا ريت حضرتك تشرفنا فى نيابة الإسكندرية. 

منير: بكل سرور.. إمتى وفين؟

المحقق: مش هناخد من وقتك كتير. 

منير: حضرتك بتستدعينى كشاهد أم كمتهم؟ 

المحقق: أرجوك لا تحرجنى. 

منير: طيب.. هل آتى بمفردى أم أصطحب محاميًا. 

المحقق: يا ريت يبقى معاك محامى. 

ويحكى منير: ذهبت إلى الإسكندرية فى اليوم التالى، وقبل أن أتجه إلى النيابة مشيت على الكورنيش، فوجدت من ٢٠٠ إلى ٢٥٠ من أعضاء النقابات المختلفة جاءوا للتضامن معى، ذهبنا إلى النيابة واستقبلنى المحامى العام الأول، وتم التحقيق معى لمدة ١٢ ساعة، وحظى أن من حققوا معى كانوا من رجال النيابة الذين يحترمون القواعد القانونية ويرفضون التدخل فى عملهم، وتم الإفراج عنى من سراى النيابة دون كفالة. 

قلت لمنير: أنت تعتبر هذه المضايقات شخصية، لكنها كانت فى صلب المواجهة، فقد وقفت أمامهم وكان لا بد من الانتقام منك، لكن هل يمكن أن نعود إلى رد فعل جبهة الإنقاذ على فض الإخوان اعتصام الاتحادية بالقوة، ما الذى فعلتم وقتها؟ 

قال: لم نفعل شيئًا محددًا، لكن المواجهة أصبحت واضحة، حاولت القوات المسلحة أن توفق بيننا وبين محمد مرسى، ودعتنا إلى غداء لكن تم إلغاء الدعوة بعد أن اعترضت الجماعة، وتوالت الأحداث، ٤ ديسمبر المظاهرات، ٥ ديسمبر فض الاعتصام وحرق الخيام، نهاية ديسمبر دعوة مرسى للحوار، أوائل يناير رفض الجبهة للحوار مع مرسى، فى فبراير محاولة الجيش التدخل لتقريب وجهات النظر، واستجبنا لدعوة الجيش، كان هناك خلاف فى البداية، لكن توافقنا على أن أذهب أنا وعمرو موسى، فغضبت الجماعة إذ كيف نقبل دعوة الجيش ونرفض دعوة الرئيس؟ 

سألت: وهل تعرف لماذا ألغت القوات المسلحة دعوتها للقوى السياسية؟ 

قال: فى الحقيقة لا أعرف السبب. 

قلت له: كثيرون خرجوا وقالوا إن السيد وزير الدفاع عندما عرض الفكرة على محمد مرسى وافق مبدئيًا، لكن مكتب الإرشاد رفض، فاعتذر مرسى عن عدم الحضور. 

قال منير: عن نفسى لا أعرف ما جرى.. وإلى الآن لو سألتنى، سأقول لك: معرفش. 

أخذت منير فخرى عبدالنور إلى منصة جبهة الإنقاذ، التى كانت الجماعة تناصبها العداء، وتصفها طول الوقت بأنها جبهة الخراب. 

سألته: كيف كان يتم العمل والتنسيق بينكم فى جبهة الإنقاذ، فقد كانت مكونة من أطياف سياسية مختلفة؟ 

فبدأ منير يحكى: أعطانا حزب المصريين الأحرار مكتبًا فى الزمالك، وكنا نجتمع على الأقل ٣ مرات فى الأسبوع، وكنا متحمسين جدًا، والمناقشات بيننا كانت ثرية جدًا، كانت هناك اختلافات بالطبع، لكننا كنا نصل إلى توافق فى النهاية، لأن الهدف كان واحدًا، وكان معظمنا على ثقة أن النصر قريب، وأننا سنتمكن من القضاء على هذا النظام، وتغييره فى أسرع وقت، وأنا كنت أقول لهم دائمًا إن هذا النظام لن يستمر أكثر من سنة أو سنة ونصف السنة. 

قلت له: عرفت أنك كنت تراهن أصدقاءك على ذلك. 

نفى منير عبدالنور أن يكون حزب النور شارك فى تأسيس جبهة الإنقاذ أو شارك فى أعمالها

قال: بالفعل.. راهنت صديقى السفير نبيل العربى، رئيس جامعة الدول العربية السابق على ذلك، قلت له إن شاء الله هنصيف مع بعض فى يوليو ٢٠١٣ والإخوان خارج السلطة، فقال لى: إنت بتحلم، قلت له: يا أخى سيبنى أحلم، وراهنته، قلت له: رهان على ١٠ جنيهات بشرط أن توقع لى عليها، وبالفعل أخذت منه الـ١٠ جنيهات وبروزتها ووضعتها فى منزلى. 

نفى منير عبدالنور أن يكون حزب النور شارك فى تأسيس جبهة الإنقاذ، أو شارك فى أعمالها، أشار فقط إلى أنه كان هناك نواب برلمان ينتمون لحزب النور، لكن الحزب كحزب لم يكن موجودًا، ولم يعارضنى عندما قلت له إنه أصبح أمينًا لجبهة الإنقاذ بعد محمد البرادعى وعمرو موسى لأنه كانت هناك مشاحنات كثيرة بسببهما. 

فى ٧ أبريل ٢٠١٣ تم الاعتداء على الكاتدرائية الكبرى بالعباسية، وكانت هذه أول مرة تتعرض لمثل هذا الاعتداء السافر والهمجى. 

قلت: كيف تعاملت مع حادث الاعتداء على الكاتدرائية؟ 

قال: أصدرنا بيانًا واضحًا من الجبهة، ووجهنا الاتهام بالمسئولية عما حدث لمحمد مرسى بشكل واضح، لأننا دخلنا إلى أحداث طائفية مفتعلة، وبدأ الإعلام العالمى يسأل ويهتم، لكن بعد أيام ظهرت حركة تمرد، كان ذلك فى ٢٦ أبريل ٢٠١٣، فدخلت المواجهة فى طريق جديد، واللافت بالنسبة لى أن حركة تمرد استخدمت ما أعلناه نحن فى البداية وهو المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة. 

على ذكر تمرد الذى اقتحم حوارنا فجأة، سألت منير عن استقبال أعضاء الجبهة وهم شيوخ السياسة وكبار القوى المدنية عن تفاعلهم مع شباب كان هناك من يرى أنهم بلا خبرة لكنهم يملكون الرغبة الحماسية فى التغيير. 

قال: تعاملنا بجدية مع حركة تمرد من أول دقيقة، الشيوخ لهم دور كنا نقوم به، والشباب كان دورهم فى الشارع بشكل أساسى، وسأتحدث عن نفسى، أنا تعاملت معهم مباشرة، وجمعت لهم فلوس كنوع من الدعم اللوجستى، وكنت أتحدث فى التليفزيون مع أحد المذيعين، وسألنى: بتمولوا المظاهرات منين؟ قلت له: بنلم فلوس ولو عايز تدينى فلوس أهلًا وسهلًا، وبعد المداخلة مباشرة تواصل معى الأستاذ وحيد حامد، وقال لى أنا سمعتك وأرجوك مُر علىّ غدًا الساعة ١٢ ظهرًا، ولما ذهبت إليه وجدته يقدم لى ١٠ آلاف جنيه لتمويل المظاهرات وحركة تمرد. 

رسالة الأوروبيين والأمريكان لنا كانت: يجب أن تتعاونوا مع الإخوان و أن تجدوا حلًا وسطًا لخلافاتكم

سألته: واجهتم الإخوان الذين كانوا مدعومين من الخارج، وأنتم فى جبهة الإنقاذ كانت لكم علاقات خارجية، هل تعرضتم لضغوط من الخارج لتنهوا معارضتكم لمرسى؟ 

قال: الضغوط من الخارج لم تتوقف، بدأت من مجموعة أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكى، وكان على رأسهم السيناتور «جون ماكين»، وكانت رسالتهم واضحة جدًا: يجب أن تتعاونوا مع الإخوان، وجاءنى «جيمس موران» سفير الاتحاد الأوربى فى البيت، وسفير إسبانى كانت له صفة فى الاتحاد الأوروبى أيضًا، وجاءنى سفير آخر اسمه ديليون، وكانت رسالتهم واحدة وهى: يجب أن تتعاونوا.. يجب أن تتصالحوا.. يجب أن تجدوا حلًا وسطًا لخلافاتكم. 

سألته عن كاثرين آشتون وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبى، لأنها كانت قد اجتمعت مع أعضاء جبهة الإنقاذ. 

أخذ منى طرف الحوار وقال: فعلًا اجتمعت معنا يوم ٢٥ يونيو ٢٠١٣، وكان معى نبيل العربى ومحمد العرابى وزيرا الخارجية السابقان، وكانت رسالتها لنا: لن نسمح بسقوط نظام منتخب انتخابًا ديمقراطيًا، وقلت لها: ونحن لن نتعاون مع هذا النظام لأنه يفتقد إلى الوطنية بشكل كامل. 

ومن وزيرة خارجية إلى الاتحاد الأوروبى إلى السفيرة الأمريكية مار جريت سكوبى التى قابلتها فى نفس الليلة وسألته عن توقعاته لـ٣٠ يونيو، وكان اللقاء بينهما فى حفل بفندق شيراتون القاهرة شارك فيه عدد من وزراء خارجية دول أوروبا الشرقية، الذين كانوا فى القاهرة وقتها. 

قال منير لسكوبى: ٣٠ يونيو أخبارها كلها تمام؟ 

فسألته: يعنى إيه تمام.. يعنى متوقع يكون فى المظاهرات كام؟ 

قال لها: المظاهرات ستكون جبارة. 

قالت: يعنى إيه جبارة.. هل لديكم تقدير بالأرقام؟ 

قال: على الأقل سيخرج أكثر من ١٠ ملايين فى شوارع مصر. 

نظرت إليه وقالت وهى تغادر: إنت بتحلم. 

وعندما قامت الثورة وأصبح منير وزيرًا للصناعة والتجارة، وفى واحدة من زياراته إلى الولايات المتحدة، قابل سكوبى، فقال لها: فاكرة حلمى؟ أهو تحقق، فسكتت ولم ترد عليه.

إلى جانب الضغوط كانت هناك محاولات للاحتواء، يحكى منير: قبل أيام من ٣٠ يونيو وتحديدًا يوم ١٠ يونيو تواصل معى هشام زعزوع، وقال لى وزير الإسكان طارق وفيق- وكان من قيادات الجماعة- يريد أن يقابلك عند السفير قاسم المصرى فى الزمالك، قبلت الدعوة، ودار الحوار: 

وفيق: يا أستاذ منير لماذا لا نجلس جميعًا ونتفق؟ 

منير: نتفق على إيه؟ الاختلافات كبيرة جدًا. 

وفيق: يمكن أن نتحدث فى هذه الاختلافات. 

منير: للأسف.. أعتقد أنه فات الأوان. 

وفيق: هل يمكن أن تتحدث مع أعضاء جبهة الإنقاذ ثم نجلس مرة أخرى. 

منير: لك عندى أن أعرض عليهم الأمر فى الاجتماع القادم، والقرار لهم. 

فى الاجتماع عرض منير ما طرحه عليه طارق وفيق، فقال جميع الأعضاء كما قال: فات الأوان، ولما تواصل معه وزير الإسكان الإخوانى بعد أيام وقال له: أرجوك أجلوا مظاهرات ٣٠ يونيو، يمكننا أن نتفاهم، سوف ننفذ كل ما تريدون، والرئيس مرسى سيتنازل، وكل ما تريدونه منه سيقوم بتنفيذه، قال له منير: لا توجد قوة فى العالم الآن يمكنها أن تتحكم فى ٣٠ يونيو.. القطار انطلق ولا يمكن لأحد أن يوقفه لا نحن ولا أنتم. 

قلت لمنير: القرار وقتها أصبح عند الناس، لا فى الجبهة ولا فى الحرية والعدالة ولا فى الجماعة ولا حتى فى الاتحادية. 

قال: بالفعل.. وأذكر أننى يوم ٢٩ يونيو دعيت لحوار على قناة الجزيرة، وكان لها استديو على النيل فى العجوزة، وتحدانى المذيع أن أحدًا لن يخرج، فقلت له: لا تضيع وقتك، لن يكون هناك شبر فى مصر بلا مظاهرات، المظاهرات ستمتد من الإسكندرية وحتى أسوان، هذه بلادى وأنا أعرفها جيدًا، وعندما خرجت من الحوار وجدت عصام العريان أمامى، نظر لى وقال: ستدفعون الثمن غاليًا، سألته: تقصد مين يا دكتور عصام؟ قال: حزب الوفد، فقلت: نحن مستعدون لدفع أى ثمن. 

وصلنا إلى يوم ٣٠ يونيو، ويصف منير عبدالنور ما حدث بأنه كان خارج أقصى توقعاته. 

لكننى اخترت أن أعرف منه تفاصيل ما جرى فى ٣٠ يوليو، وكيف تم استدعاء الدكتور محمد البرادعى ليحضر اجتماع القوى الوطنية فى الأمانة العامة لوزارة الدفاع فى ٣ يوليو، خاصة أن هناك من قالوا إنه حضر الاجتماع بالصدفة لأنه كان عليه الدور كأمين للجبهة. 

قال: فى الأسبوع الأخير قبل الثورة لم تجتمع جبهة الإنقاذ، لكنى كنت باستمرار مع الدكتور البرادعى، ووقتها شئنا أم أبينا كان البرادعى أيقونة، ولو سألتنى الآن عنه، سأقول لك إنه رجل نقى ومثالى لكن قطعًا هو رجل لا يصلح للعمل فى السياسة، وعليه فأنا أنفى أنه حضر الاجتماع بالصدفة، ولكن تم استدعاؤه بالاسم ليكون موجودًا. 

بعد الثورة عاد منير فخرى عبدالنور إلى الحكومة مرة أخرى. 

تشكلت الحكومة يوم ١٦ يوليو، وكان الهم الأساسى لها هو التعامل مع وضع الإخوان وما يقومون به. 

يقول منير: خلال هذه الفترة حدثت وساطات كثيرة من أطراف خارجية، لكنها لم تصل إلى شىء، حتى كان يوم ٢٤ يوليو ٢٠١٣ عندما وجدت السفير نبيل فهمى وزير الخارجية، يتواصل معى ويقول إن الدكتور البرادعى غاضب جدًا، لأنه كان لديه حل لمشكلة الإخوان والاعتصام، ويبدو أن اقتراحه لا يلقى القبول. 

كان الحل الذى يتبناه البرادعى هو الإفراج عن سعد الكتاتنى وأعضاء حزب الوسط الذى يرأسه أبوالعلا ماضى فى مقابل تخفيض عدد المعتصمين فى رابعة. 

يقول منير: بعد أيام كلمت البرادعى وكنا فى أيام العيد، سألته: زعلان ليه، فقال: لأن كان فيه اتفاق ومتنفذش، فقلت له: بذمتك ده اتفاق، يعنى إيه يخفضوا العدد، يعنى كانوا ١٠ آلاف يبقوا ٩٩٠٠، هذا ليس اتفاقًا، وبعدين البلد مخنوقة، وأين هيبة الدولة؟ إما أن تحكم الدولة وإما لا تحكم، وأنا رافض اقتراحك. 

سألت: كيف أخذت الحكومة قرار فض اعتصامى رابعة والنهضة؟ 

قال: بعد اجتماعات عديدة أخذ مجلس الوزراء قرارًا بتفويض السيد وزير الداخلية لاتخاذ الإجراءات اللازمة فى التوقيت الذى يراه مناسبًا بالتنسيق مع الجهات الأمنية الأخرى لفض الاعتصام فى رابعة والنهضة. 

قلت له: لكن كان هناك اتفاق على عدم الفض فى رمضان. 

قال: الحكومة رفضت تمامًا ذلك، وانتظرنا حتى انتهى رمضان، وانتهت أيام العيد أيضًا، وكنت أعرف أن هناك محاولات للفض السلمى، لكنها كانت تتم من خلال الداخلية ووزارة الدفاع، لم تتدخل فيها الحكومة، كنا نعرف تفاصيلها من وزير الدفاع قبل اجتماعات المجلس، فلم نكن كوزراء فاعلين، لم نكن لا مفاوضين ولا منفذين. 

ويتذكر منير ما جرى يوم الفض، يقول: يوم ١٤ أغسطس ٢٠١٣ نزلت بدرى من البيت، كلمنى الدكتور حازم الببلاوى، وقال لى: أنا فى المكتب تعالى، عاوزك جنبى، ذهبت وتابعنا من المجلس ما يجرى، اعتصام النهضة تم فضه سريعًا ودون أى تكلفة تقريبًا، وتخيلت أننا يمكن أن نكرر الموضوع فى رابعة، لكن الحقيقة أن اليوم كان قاسيًا جدًا، وكنا نتوقع رد الفعل. 

سألته: هل كنت تتوقع أن يكون الفعل بهذه الدرجة من الوحشية، وتحديدًا فيما جرى مع دور العبادة من حرق وتدمير؟ 

قال: كانت رسالتهم واضحة وتحديدًا فى مسألة حرق الكنائس، وهنا لا بد أن أذكر شيئًا للتاريخ، ففى اجتماع مجلس الوزراء اللاحق لهذه الأحداث، وجدت وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسى يدخل إلى القاعة متوجهًا ناحيتى مباشرة، وقال لى: أنا باعتذر لك، قلت له: على إيه؟ قال لى: على اللى حصل فى الكنايس، فقلت له: الكنايس بتاعتك والجوامع بتاعتى، وهذه مأساتنا كلنا. 

قلت له: كيف استقبلت هذا الاعتذار، رغم أنك كما قلت المأساة كانت مأساة الجميع؟ 

قال: شعرت بأن الكلام حقيقى جدًا، خارج من القلب، هناك كلام سياسى وهناك كلام إنسانى، وما قاله لى وقتها وزير الدفاع «كلام إنسانى حقيقى»، وعندما سافرنا سويًا إلى فرنسا بعد أن أصبح رئيسًا، وكنا موجودين على مائدة غداء عند الرئيس الفرنسى، حكيت لهم هذه الحكاية، لأننى أعتز بها جدًا. 

سألته قبل أن نغادر مساحة الحكومة فى تجربة الوزارة الثانية لمنير فخرى عبدالنور عن دعوات المصالحة مع الإخوان التى كانت تصل إلى مسامع الحكومة، كيف كنت تراها؟ 

قال: بصراحة وحتى أكون أمينًا، عندما دخلت الوزارة كانت فكرتى أن أعضاء الجماعة الذين حكمونا لمدة عام كانوا ضالين تمامًا، إنما يمكن أن يكون فيهم من هو صادق، ويمكن أن نكسب هؤلاء فى صفنا، لكن مع الأيام أيقنت أننى أحلم، فأى مصالحة؟ وفى أى شىء تتحدث معهم؟ وعلى أى شىء تتفق، وأنا فى وادٍ وهم فى وادٍ آخر تمامًا، وأصبحت على قناعة بأن كلًا منا فى طريق. 

طالت الرحلة وطالت الشهادة، وسألت منير قرب النهاية: ما الذى خرجت به من كل هذه الأحداث؟ 

قال: يمكننى أن أجمل ما رأيت فى الآتى:

الجيش لم يغير موقفه إلا عندما وجد أن مصر تقف على حافة الحرب الأهلية وقد كنا على شفا الحرب بالفعل

أولًا: ما أرجوه أن يستوضح الناس ما جرى، فهناك كلام كثير يقال بسوء نية، وهناك كلام أسمعه من ناس يرددونه بحسن نية، مثل أن الجيش كان يخطط لكل شىء، وأنه مَن أوصل الإخوان للحكم، وأنه هو الذى أفشلهم لتكون له السيطرة فى النهاية، وأنا أقول وبمنتهى الأمانة ليس دفاعًا عن أحد، أو تأييدًا لأحد إن هذا الكلام لا أصل له ولا ظل له من الأحداث، أنا صدّقت ما قاله لى اللواء العصار من أن الجيش قرر فعلًا أن ينسحب من الشأن السياسى، وأنه يحترم قواعد الديمقراطية، وأعرف أنه لم يغير موقفه إلا عندما وجد أن مصر تقف على حافة الحرب الأهلية، وقد كنا على شفا الحرب بالفعل، وما رأيناه يوم ٣٠ يونيو وما تلا فى ٣ يوليو من معارك، وما شاهدناه بعد فض الاعتصامات من هجمات إرهابية- يؤكد أننا كنا داخلين على حرب أهلية كاملة، ولولا تدخل الجيش الضرورى لضاع البلد تمامًا. 

ثانيًا: عندما يتحد المصريون لا توجد قدرة تستطيع أن تقف أمامهم، الغرب كان مجتمعًا ضدنا، ويضغط علينا، وكلهم كان يريدون بقاء الإخوان فى السلطة، لأنهم كانوا يرون أنهم الحل لمشكلة الشرق الأوسط، لكن عندما اتحدت القوى السياسية والقوى المدنية استطعنا أن ننتصر. 

ثالثًا: من يستعيد مشهد المصريين فى المظاهرات، يعرف أن الشعب المصرى أمله الكبير فى إقامة دولة مدنية حديثة عادلة وديمقراطية.