السبت 02 أغسطس 2025
المحرر العام
محمد الباز

ملف خالد أبوالليل لا يزال مفتوحًا.. جثة «الكتاب الكارثى» فى انتظار مَن يقوم بتغسيلها وتكفينها ودفنها

حرف

- أبوالليل دافع عن نفسه فى 2016 فى اتهامه بالتسبب فى وفاة طالبة.. فلماذا يصمت الآن؟ 

- المفارقة أن أبوالليل حصل على جائزة الدولة التشجيعية على هذا الكتاب نفسه وهو ما يحتج به ويحتج به كذلك المدافعون عنه

فى يناير من العام 2016 توالت أحداث هذه الواقعة. 

مساء يوم 14 يناير أصدر اتحاد طلاب جامعة القاهرة بيانًا بشأن وفاة طالبة كلية الآداب، جاء فيه: لقد تابعنا أمس بمزيد من الحزن وفاة ميادة الطالبة بكلية الآداب، وذلك نتيجة تعنت المراقب داخل قاعة الامتحان، الذى قام بسحب ورقة الإجابة منها، مما أدى إلى إصابتها بهبوط حاد فى الدورة الدموية نتج عنه وفاة الطالبة، ولذا يتقدم اتحاد طلاب جامعة القاهرة بخالص العزاء لأسرة الطالبة وجموع الطلاب سائلين الله لها الرحمة والمغفرة. 

وأضاف البيان: كما نؤكد أننا لن نسمح بأن يتم المساس أو إهانة أى طالب داخل الجامعة، ولن نتهاون مع مرتكب هذا الأمر. 

اجتمع اتحاد الطلاب مع رئيس الجامعة وتم الاتفاق على الآتى: 

أولًا: فتح تحقيق عاجل لمعرفة ملابسات الواقعة فى حضور ممثلى الطلاب، وإصدار تقرير نهائى فى الجامعة بمحاسبة المقصرين. 

ثانيًا: تخصيص مبلغ مالى من الجامعة لعمل «صدقة جارية» باسم الطالبة. 

ثالثًا: تشكيل لجنة الخدمات الطبية من مجلس اتحاد الجامعة برئاسة رئيس اتحاد كلية الطب البشرى وعضوية رؤساء اتحادات كليات القطاع الطبى بالجامعة للرقابة على الخدمات الطبية بالكليات ومستشفيات الجامعة. 

رابعًا: تم الاتفاق على أنه لا يحق لأى مراقب فى أى لجنة امتحان سحب الورقة من الطالب إلا فى حالة التلبس بالغش، وإذا خالف المراقب ذلك يعاقب. 

خامسًا: نهيب بالطلاب فى حالة ارتكاب المراقب أى تجاوزات يتم عمل شكوى وتقديمها لاتحاد الكلية. 

سادسًا: العمل على صياغة مدونة السلوك داخل قاعات الامتحانات وإعلانها بكل الكليات. 

وختم اتحاد الطلاب البيان بهاشتاج #حقك_مش_هيضيع. 

التقطت الصحف والمواقع العربية بيان اتحاد الطلاب، وكان العنوان الذى صور الواقعة هو: جدل فى مصر بعد مقتل طالبة بسبب «رنة هاتفها». 

وفى التفاصيل أنه تسببت رنة هاتف محمول لطالبة فى وفاتها، بعد أن قام أحد المراقبين بسحب ورقة إجابتها، ما أدى إلى انهيارها وإصابتها بأزمة قلبية، دون أن يتمكن الأطباء من إسعافها. 

وطبقًا للتقارير الصحفية فإن الحادثة أثارت ردود فعل غاضبة من طلاب جامعة القاهرة ضد المراقب، لما وصفوه من تعنت فى التعامل مع الواقعة المتكررة كثيرًا فى الامتحانات، كما وجهوا الاتهام بالتقصير لإدارة الجامعة التى لم تقم بالإجراءات المناسبة لإسعاف الطالبة، فيما بررت إدارة الجامعة تصرف المراقب بمحاولته منع الغش. 

زميلات الطالبة المتوفاة، واسمها ميادة محمد، تحدثن عن زميلتهن، وقلن إنها كانت متفوقة فى دراستها الجامعية، لكن تعنت المراقب ضدها أدى إلى انهيارها تمامًا، ومع إصراره على سحب ورقة الإجابة الخاصة بها، أصيبت بأزمة قلبية لعدم تلقيها أى محاولة للإسعافات الأولية. 

قبل ساعات من دخول ميادة محمد إلى لجنة الامتحانات كتبت على صفحتها على «فيسبوك»: «لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمين.. يا رب استرها من بكره»... وبعد ساعات كانت على موعد مع قدرها الذى حولها من طالبة تؤدى الامتحان إلى جثة هامدة. 

لم يكن المراقب الذى اتهمه الطلاب وحمّلوه مسئولية وفاة زميلتهم مراقبًا عاديًا، بل كان رئيس لجنة الامتحانات بكلية الآداب. 

وكان رئيس لجنة الامتحانات هو نفسه الدكتور خالد أبوالليل الذى تم انتدابه مؤخرًا نائبًا لرئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب. 

كان خالد أبوالليل شجاعًا فى هذه الواقعة، لم يصمت، ولم يتجاهل اتهامه بأنه يقف وراء إصابة الطالبة بأزمة قلبية، مما أدى إلى وفاتها، لم يتنكر لما جرى، أو يهاجم الطلاب، ولكنه أصدر بيانًا كاملًا متكاملًا، روى فيه ما جرى بالتفاصيل. 

الحادثة وقعت فى لجنة الامتحان بقسم اللغات الشرقية بكلية الآداب، ويقول خالد عنها فى بيانه: كنت حريصًا خلال اليومين الماضيين على الالتزام بالصمت، وعدم القيام بالرد على ما يتم تداوله بخصوص هذا الأمر، احترامًا لجلال المصاب، ولروح الفقيدة، ومقدرًا شعور كل من أصابه حزن، وأنا أول هؤلاء، واحترامًا لحرمة الموت. 

ويضيف أبوالليل: ما تم تداوله غير صحيح، وبعيد كل البعد عن الحقيقة، ففى تمام الساعة ٩.٤٠ من صباح الثلاثاء الموافق ١٢ يناير ٢٠١٦، قمت بالمرور على لجنة الامتحان، بوصفى رئيسًا للجنة، وقمت بسؤال إحدى الطالبات عن تليفونها المحمول فوجدته مغلقًا، وكان الحوار على النحو التالى: هاستأذنك فى الموبايل بتاعك، بهدوء شديد أخرجت الطالبة هاتفها، ولما وجدته مغلقًا، قلت لها: شكرًا، ثم قمت بتنبيه كل الطلاب بضرورة غلق المحمول، ونظرًا إلى أن الطالبة ميادة قامت بلمس حقيبتها التى كانت بجوارها مفتوحة، قمت بتكرار تحذير «اللى معاه موبايل لو سمحتم يقفله». 

يستكمل أبوالليل تفاصيل ما جرى، يقول: وبعدها بحوالى ٣٠ ثانية، توجهت إلى ميادة، وطلبت منها تليفونها المحمول، فأخرجته ووجدته مفتوحًا، ثم سألتها إذا كان معها تليفون آخر، فأخرجت لى بهدوء شديد تليفونًا آخر مفتوحًا، ورغم أن تعليمات الجامعة تنص على القيام بإخراج الطالبة من اللجنة، وعمل محضر غش فى مثل هذه الحالات، فإننى اكتفيت بالطلب من ميادة أن تنتقل إلى الأمام بجوار دكتور اللجنة. 

ويضيف أبوالليل: لقد قمت بمخالفة القانون رحمةً بالطالبة، واكتفيت بمجرد نقلها من مكانها، ولقد كان نص الحوار كالتالى: هاستأذنك فى تليفونك، فأخرجت الأول مفتوحًا ومضيئًا، وقلت لها: هل معاك تليفون تانى؟، وبدون أن تتكلم قامت بإعطائه لى مفتوحًا أيضًا، أخذت ورقتها وقلت لها: اتفضلى لو سمحتى اطلعى قدام عند الدكتور، وقد استجابت الطالبة فى هدوء شديد لما طلبته منها، خاصة أنها أدركت أننى لم أقم بعمل محضر غش لها، ولم ترد ولم يدر بيننا أى حديث، ومن جانبى كان حديثى معها فى منتهى الهدوء، لدرجة أن زميلاتها اللاتى يجاورنها، ربما لم يسمعن حديثى معها، حرصًا منى على ألا يحدث أى توتر أو بلبلة لبقية الزملاء. 

لا يزال لدى خالد أبوالليل ما يقوله. 

يستكمل الواقعة بقوله: لعل من يعرفوننى خاصة الطلاب يعرف أن هذا هو أسلوبى فى التعامل مع الطلاب، سواء فى المحاضرات أو المراقبة، ثم حدث ما حدث من سقوط لها، وهى فى أثناء انتقالها، ثم طلبنا الطبيبة التى يوجد مقر عيادتها على بُعد ١٥ مترًا فقط من اللجنة، ثم عندما تطلبت الحالة الانتقال إلى المستشفى قمنا بالاتصال بسيارة الإسعاف، فجاءت السيارة من داخل الجامعة، بمجرد الاتصال بها، مما ينفى وجود أى شبهة إهمال أو تقصير. 

ويختتم الدكتور خالد أبوالليل بيانه بقوله: أقول هذا والله وحده يشهد، أننى لم أزد أو أنقص حرفًا واحدًا، فهى الحقيقة التى حدثت والتى يمكن الاستشهاد بزملائها وزميلاتها، ممن كانوا معها بالمكان نفسه، وأقول هذا أيضًا وأنا مقدر تمامًا لكل حالات الحزن التى يعيشها زملاؤها وأعيشها وتعيشها الكلية والجامعة، وتعيشها أسرة الفقيدة، واستأذنت رئيس الجامعة فى أن يفتح التحقيق بخصوص هذا الشأن فى أسرع وقت ممكن، لتوضيح ملابسات الأمر أمام الجميع، خاصة بعد تداول أخبار مغلوطة. 

لم أستدعِ هذه الواقعة من الأرشيف بالطبع لتقليب المواجع على الدكتور خالد أبوالليل، وكل ما أتمناه أن يكون قد تخلص من الأذى الذى لحق به، وبالطالبة التى ماتت فى موقف يمكن أن يتكرر كثيرًا، فلا يمكن أن أدين أبوالليل، فأى أستاذ جامعة يعرف أن كلا منّا يمكن أن يتعرض لهذا الموقف. 

كما أننى لم أهتم كثيرًا بالبحث عن نتائج التحقيق ولا ما جرى فيه، فقد ماتت الفتاة، وواصل الدكتور خالد مشواره الأكاديمى، وعليه فلا يوجد ما يدعو إلى تقليب المياه التى تعكرت، ولا شىء يمكن أن يعيد إليها صفوها. 

لكننى توقفت أمام سلوك أبوالليل، فى المبادرة بالرد والتفنيد ومحاولة تأكيد براءته مما أحاط به من اتهامات، وما أصابته الأخبار التى وصفها بأنها كانت مغلوطة من قلق أتخيله كان عاصفًا، فالاتهام بالتسبب فى وفاة طالبة ليس هينًا. 

وتساءلت: لماذا يلتزم كل هذا الصمت فى مواجهة اتهام أعتقد أنه أخطر من اتهامه بالتسبب فى وفاة طالبة صغيرة، لأن تبنيه لسردية الإخوان فى كتابه الكارثى «التاريخ الشعبى لمصر فى فترة الحكم الناصرى» هو بالفعل اتهام يجب أن يتصدى لتفنيده وتبرئة نفسه منه بكل ما يملك من ملكات علمية وقدرات نفسية. 

ربما يعتقد خالد أبوالليل أنه مستهدف، وأن هناك من يريد أن يقطع عليه الطريق نحو الصعود الوظيفى، وهو اعتقاد أتخيل أنه لا بد أن يراجع نفسه فيه، وألا تأخذه العزة بالإثم فى ارتكابه جريمة وطنية، تجلب لصاحبها العار وتظل تطارده حتى الموت. 

لقد أفردت على صفحات «حرف» مساحة كبيرة لمناقشة الكتاب الكارثى، من واجبى ليس المهنى فقط ولكن الوطنى أيضًا، فمواجهة الإخوان والتصدى لكل من يروج لأفكارهم فريضة وطنية، التخلى عنها خيانة للوطن ومعصية لله، ولسنا نحن من نخون وطننا أو نعصى ربنا. 

منحت لخالد أبوالليل -الذى لم أكن أعرفه قبل تعيينه نائبًا لرئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب- فرصة لأن يتخلص من عبء ما فعله، فما جرى فى كتابه يمكن أن يكون زلة باحث، كان يرصد ما جرى فى مصر فى الفترة التى جرت فيها الثورة، وأنه ربما كان يحاول أن يميل إلى الإخوان كما فعل غيره، ويمكنه أن يعترف ذلك بسهولة، ويتبرأ أمام الجميع من إثم ما فعله، لكنه يصر على أنه قدم عملًا علميًا بحتًا، فى محاولة لاستغفال الجميع، والادعاء بأنه يعرف ما لا يعرفه الآخرون. 

ما يمكننى قوله الآن إننى سأترك الملف مفتوحًا، فلا تزال فيه أوراق كثيرة، فالجريمة ليست مجرد كتاب أخطأ فيه كاتبه خطأ علميًا ووطنيًا، ولكنه يعكس الخوف على الأجيال القادمة ممن يتبنون وجهة نظر الإخوان فى تاريخنا ويدافعون عنها ويتمسكون بها. 

لقد تسرب هذا الكتاب إلى مطابع الهيئة العامة للكتاب فى العام ٢٠١٥، أى بعد طرد الإخوان من الحكم ومن الوجدان الشعبى المصرى بعامين، ولم يتوقف أحد عند ما جاء فيه، ولم يعترض أحد عليه، وقد تعجبت لأن المسئول عن الهيئة وقتها كان الكاتب الكبير ووزير الثقافة السابق حلمى النمنم، فلديه كتاب مهم اسمه «الإخوان والجيش» فند فيه كل الأكاذيب الذى تقيأها المبحوثون فى كتاب أبوالليل. 

وقد عرفت أن الكاتب الكبير حلمى النمنم سُئل عن هذا الكتاب، فقال إنه عندما تولى أمور الهيئة كان الكتاب فى المطبعة بالفعل، أى أنه ليس مسئولًا عنه، وأنا أصدقه تمامًا، فلو أنه اطلع على ما فيه ما كان سمح له أن يخرج من المطبعة من الأساس، ويمكن أن يراجعنى النمنم فى ذلك لو لم يكن حدث، فعندها سأطلب منه أن يقرأ الكتاب كاملًا ويقول لنا رأيه فيه. 

المفارقة أن أبوالليل حصل على جائزة الدولة التشجيعية على هذا الكتاب نفسه، وهو ما يحتج به ويحتج به كذلك المدافعون عنه، وقد تكون هذه فرصة أيضًا لنطالب بمراجعة قواعد فحص الأعمال ومراجعة من يفحصونها أيضًا فى جوائز الدولة، فحصول كتاب على جائزة من الدولة لا يمكن أن يكون حجة علينا، إذا ثبت أنه يخالف كل ما تعارفنا عليه من ثوابت الأمن القومى المصرى. 

الخطر الأكبر فيما جرى ليس فى مضمون الكتاب فقط، ولكن فيما حصل عليه الكتاب الكارثى، فمعنى أنه من مطبوعات الهيئة، ومعنى أنه حصل على جائزة رسمية، فسيعتبرها من لا ينتبه له أنه رأى الدولة المصرية فى تاريخها، وأن الدولة تتبنى وجهة نظر الإخوان، فهل يرضى عن ذلك من حاربوا الإخوان، ويحاولون الآن منع دخولهم إلى مدينتنا مرة أخرى؟ 

هل لدىّ شىء آخر أقوله؟ 

بالطبع لدىّ شىء أعتقد أنه لن يكون أخيرًا. 

فلابد من تشكيل لجنة محايدة لفحص كل الكتب التى صدرت عن الهيئة بعد العام ٢٠١٣، والتثبت من أنها خالية من أى شىء فيه خطر على الأمن القومى المصرى.. وذلك أضعف الإيمان. 

وقبل أن أمضى فإننى أهمس فى أذن كل من يهمه أمن هذا البلد الثقافى والسياسى أن يبادر بدفن جثة الكتاب الكارثى.. فقد كشفنا عن الجثة، والواجب على الجميع أن يقوموا بتغسيلها وتكفينها ودفنها... لأن إكرام الميت دفنه.. فافعلوا الصواب أثابكم الله.