استوديو مصر

تم إنشاء بنك مصر فى الربع الأول من القرن العشرين فى إطار جهود الرأسمالية الوطنية المصرية لإنشاء اقتصاد وطنى قادر على مواجهة هيمنة الاقتصاد الإنجليزى المحتل والمستنزف لموارد مصر الطبيعية، وكان على رأس تلك الجهود طلعت حرب وفتحى فرغلى وغيرهما من أولئك الرافضين لاستنزاف الأجانب موارد البلاد، وكان استودير مصر ضمن شركات بنك مصر، وظل استوديو مصر وعبر عقود طويلة عماد صناعة السينما المصرية، بما يمتلكه من آلات وأدوات وأيدٍ عاملة متخصصة فى هذه الصناعة، لذلك فهذا الصرح السينمائى المهم كان وما زال علامة من علامات الازدهار السينمائى المصرى، ورمزًا دالًا على كفاءة الأيدى المصرية العاملة، وقدرتها على مواجهة الهيمنة البريطانية زمن احتلالها مصر.
ترنحت صناعة السينما فى مصر فى الآونة الأخيرة، وتراجع إنتاج الأفلام السينمائية، وأغلق معظم دور السينما المقامة بالقاهرة والإسكندرية ومدن الأقاليم بسبب تسيد التليفزيون، ثم وسائل التواصل الاجتماعى، ولأسباب عديدة أخرى كالتوزيع وغيره، ولكن هذا ليس الموضوع الآن، فاستوديو مصر تراجع دوره فى إطار ذلك كله، وهو استوديو خرجت منه مئات الأفلام عبر عقود طويلة امتدت طوال القرن العشرين، ورغم ذلك فرمزية هذا الصرح السينمائى المهم لم تغب، فهو جزء من تاريخ السينما، ودليل باق على أن مصر تستطيع دائمًا، وقادرة على أن تنهض حتى فى أصعب الظروف، فإنشاء هذا المصنع السينمائى الكبير جاء بعد ذروة صراع المصريين مع المحتل البريطانى خلال ثورة ١٩١٩.
لذلك فمشروع تطوير ورفع كفاءة كامل أرض ومبانى استوديو مصر الواقع بالمريوطية بالهرم على مساحة من الأرض قدرها ٣٨٨٥٦٫٥ متر مربع، خبر يجب التعامل معه بجدية، ويجب الاهتمام به من كل المهتمين بالشأن السينمائى فى مصر، والعارفين لطبيعة الدور التاريخى للسينما المصرية فى ترسيخ قوة مصر الناعمة، وكذلك يجب الاهتمام بما سيحدث لاستوديو مصر من كل أولئك المهتمين بتاريخ مصر الحديث.
التطوير ورفع كفاءة هذا الاستوديو، جاءا من خلال طرح مزايدة علنية إعلانية بجريدة الأهرام، طرحتها الشركة القابضة للاستثمار فى المجالات الثقافية والسينمائية، وذلك بتاريخ ١٢/١٠/٢٠٢٥، ولمدة ٢٥ سنة كحق انتفاع لمن سيرسو عليه المزاد، وحق الانتفاع هذا لا يفهم من خلاله إلا أن الشركة القابضة إياها لا تتناول الأمر إلا من منظور استثمارى بحت وضيق الأفق، يستهدف در المكاسب والأرباح المالية فقط لهذه الشركة، دون النظر إلى الجوانب التاريخية وملابسات إنشاء هذا الاستوديو زمن الاحتلال الإنجليزى، إضافة إلى دوره التاريخى المهم فى صناعة السينما المصرية وتاريخها.
فاستوديو مصر يستحق مثلًا أن يقام على جزء من أرضه الكبيرة متحف، يحمل اسمه، ويضم جانبًا من متعلقاته: آلاته وأرشيفه وعشرات التفاصيل الأخرى التى يبقيها.
المتحف فى الذاكرة الجمعية للمصريين، ويستحق أن يتحول إلى مزار سياحى، لو تم التعامل معه بحرفة وذكاء، فثمة صور وديكورات قديمة، وثمة شرائط نادرة، ويمكن إقامة دار عرض صغيرة بداخله لطلاب وباحثى السينما، والأفكار كثيرة وممكنة.
والسؤال الآن: لماذا لا تشكل لجنة من المتخصصين فى الفن السينمائى وتاريخ السينما المصرية تبحث الأمر، وتقدم مقترحات محددة بشأن التطوير ورفع الكفاءة؟ ولماذا لا تكون هذه المقترحات ضمن كراسة الشروط الخاصة بالمزايدة؟ ولماذا يكون معنى التطوير ورفع الكفاءة منصبًا فقط على الربح والمال.. فقط ولا شىء غيرهما؟