900 يوم عمل .. 65 ز يارة و400 لقاء وحملة دبلوماسية محترفة قادت لأعلى تصويت لمرشح فى تاريخ المنظمة

كانت بداية هذه المعركة مع تشكيل اللجنة الوطنية لدراسة ترشح مصر لمنصب المدير العام لمنظمة «اليونسكو» وبحث فرص الفوز بالمنصب، مع تحديد المعايير لاختيار أفضل مرشح، حال الاستقرار على خوص السباق، وذلك مع قرب انتهاء ولاية المديرة الفرنسية أودرى أزولاى.
وانتهت أعمال اللجنة إلى ضرورة تقديم مرشح، للمرة الثالثة، واستقرت على اسم الدكتور خالد العنانى، وزير السياحة والآثار الأسبق، وجاء الإعلان الرسمى فى مؤتمر صحفى عقده الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، بتاريخ الخامس من أبريل 2023.
بعدها شكلت وزارة الخارجية حملة الترشيح، وترأسها الدبلوماسى وائل عبدالوهاب، الذى شغل منصب نائب المندوب الدائم لمصر لدى منظمة اليونسكو فى الفترة ما بين عامى ٢٠١٦ و٢٠٢١.
ومنذ اليوم الأول بدأت الحملة العمل، بالتنسيق مع كل مؤسسات الدولة المصرية ذات الصلة، مع متابعة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى كان حريصًا فى كل لقاء على الحديث مع ضيوفه من الزعماء على ضرورة دعم الترشيح المصرى والتأكيد على أحقية مصر، والعرب عمومًا، فى تولى هذا المنصب.
وكانت المهمة الأولى هى حشد الدعم العربى وراء المرشح المصرى، وذلك بعد أن تسبب غياب هذا الأمر، من بين عوامل أخرى، فى إخفاق السفيرة مشيرة خطاب حين ترشحت للمنصب.
وفى عام ٢٠١٧ نافست مشيرة خطاب فى «اليونسكو» لكنها لم تحصل رسميًا على دعم العرب، بعد أن رشحت قطر وزير ثقافتها حمد الكوارى، ولم يستطع العرب الاتفاق على مرشح واحد داخل الجامعة العربية، لأن الأمر يتطلب أغلبية، ومن ثم لم يكن هناك مرشح عربى رسمى.
ووقتها دعمت بعض الدول مشيرة خطاب، ودول أخرى اختارت أن تقف مع «الكوارى»، الذى أخفق أيضًا فى الفوز بالمنصب أمام المرشحة الفرنسية، رغم وصوله للجولة النهائية فى التصويت.

من هنا كان الهدف الأول الفوز بالترشيح العربى. وبعد جهود دبلوماسية مكثفة وجولات مكوكية ولقاءات متواصلة، استطاعت مصر أن تنتزع قرارًا من الجامعة العربية بأن يكون مرشحها، الدكتور خالد العنانى، هو المرشح العربى الوحيد لمنصب مدير عام اليونسكو، وذلك فى قرار على مستوى القمة فى مايو ٢٠٢٤.
أما المهمة الثانية فكانت كسب التأييد الإفريقى، وهى نقطة خسرها الوزير فاروق حسنى عندما ترشح للمنصب فى عام ٢٠٠٩، واستطاعت الدبلوماسية المصرية أيضًا أن تصل لهدفها، مدعومة بمساندة رئاسية متواصلة، وحصل «العنانى» على تأييد الاتحاد الإفريقى، فى فبراير ٢٠٢٤ ويوليو ٢٠٢٤ ويوليو ٢٠٢٥.
ومع هذا التأييد الإفريقى الرسمى أعلن الرئيس الجابونى، أوليجى إنجيما، سحب مرشح بلاده فى انتخابات «اليونسكو»، معلنًا دعم الجابون لـ«العنانى»، وذلك خلال لقاء جمعه مع الدكتور بدر عبدالعاطى، وزير الخارجية والهجرة، فى ديسمبر الماضى، تقديرًا للرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى كان قد استقبله فى القاهرة فى نوفمبر ٢٠٢٤.
وهذه المرة الأولى التى يكون فيها المرشح المصرى هو مرشح العرب وإفريقيا فى الوقت ذاته، فعندما ترشح فاروق حسنى كان مرشحًا باسم العرب فقط دون دعم إفريقى رسمى، وعندما نافست مشيرة خطاب كانت تنافس باسم مصر وإفريقيا دون دعم عربى رسمى.

وبهذا الدعم أصبح مرشحنا يحتفظ بكتلة تصويتية جيدة «٢٠ صوتًا»، إذ يضم المجلس التنفيذى من الدول العربية بجانب مصر: السعودية، والإمارات، وقطر، وسلطنة عمان، والكويت، والأردن، والعراق، وجيبوتى، ومن الأفارقة: أنجولا، وبوتسوانا، والكونغو، وكوت ديفوار، والجابون، وليبيريا، وموريشيوس، وموزمبيق، ونيجيريا، وبوركينا فاسو، وتنزانيا، وجنوب إفريقيا.
وبعدها كان التحرك فى أوروبا، وقد لعب الدكتور خالد العنانى دورًا كبيرًا، بشخصيته وعلاقته، خصوصًا فى فرنسا، فى الإجماع الأوروبى عليه، بالتوازى مع الجهد الكبير الذى قامت به سفاراتنا داخل القارة الأوروبية على مدار الفترة الأخيرة.
ونتيجة لذلك دعمت جميع الدول الأوروبية الأعضاء فى المجلس التنفيذى، وعددها ١٥ دولة، مرشح مصر والعرب وإفريقيا، وتكرر نفس الأمر فى دول أمريكا اللاتينية، بفضل زيارات أجراها «العنانى» لأكثر من ٦٥ دولة، ولقاءات أجراها مع أكثر من ٤٠٠ شخص فى هذه الدول.
وخلال هذه اللقاءات قدم رؤيته لـ«اليونسكو» واستطاع إقناع الكثيرين بها، خصوصًا مع لباقته، ولغته الرفيعة، إنجليزية وفرنسية، وإلمامه الكامل بدور ورسالة المنظمة، خاصة فى ظل التحديات التى تواجهها مع قرب الانسحاب الأمريكى منها، وما يمثله ذلك من أزمة تمويلية كبيرة، لكون واشنطن تقدم حصة رئيسية من التمويل.
واستطاع «العنانى»، يومًا بعد يوم، أن يثبت تفوقه على منافسيه، وكان أمامه، فى البداية، منافسان: المكسيكية جابرييلا راموس، معاونة المدير العام المكلّفة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية فى اليونسكو، والكونغولى فيرمان إدوار ماتوكو، المدير العام المعاون المعنى بالأولويّة لإفريقيا والعلاقات الخارجية.
وأمام ذلك قررت المرشحة المكسيكية الانسحاب، وهو ما عزز فرص «العنانى» وباتت المنافسة شبه محسومة لصالحه، وهو ما تحقق فى انتخابات المجلس التنفيذى بالفعل، إذ حصد ٥٥ صوتًا من إجمالى ٥٧ صوتًا مع امتناع الولايات المتحدة عن التصويت.
ومن المقرر تأكيد ترشيح «العنانى» فى تصويت المؤتمر العام لـ«اليونسكو» خلال نوفمبر المقبل، وتبلغ مدة الولاية الرسمية للمنصب ٤ سنوات، ويجوز بعدها الترشح لولاية ثانية أخيرة، ومن المتفق عليه أن المؤتمر العام لا يخالف الاسم الذى يختاره المجلس التنفيذى لمنصب المدير العام.
وفى أول تصريحات له عقب الفوز الكبير، قال «العنانى»: «أشعر بامتنان عميق تجاه هذه اللحظة، لما تحمله من مسئولية وفرصة لتحقيق الأمل»، مضيفًا: «بينما ننتظر تصويت المؤتمر العام الشهر المقبل، أؤكد التزامى بالاستماع لكل الآراء ومواصلة العمل المأمول منّا، وإذا تم تأكيد تعيينى، فسأحمل هذه الثقة الجماعية كبوصلة توجّه مسيرتى للعمل بنزاهة، وبناء جسور التفاهم بين أقاليم العالم المختلفة، وتحقيق رؤية (اليونسكو من أجل الشعوب) لتكون رؤية تمثل الجميع».
الجنود المجهولون
وائل عبدالوهاب

ترأس حملة الترشيح المصرى لمنصب مدير عام اليونسكو، وهو دبلوماسى محترف يتمتع بخبرة واسعة فى المجال الدبلوماسى الثنائى ومتعدد الأطراف، ويقود إدارة شئون اليونسكو بوزارة الخارجية المصرية، وشغل منصب نائب المندوب الدائم لمصر لدى منظمة اليونسكو من عام ٢٠١٦ إلى عام ٢٠٢١.
أحمد الحمامى

تولى منصب منسق الحملة، وهو دبلوماسى متخصص يعمل فى إدارة الشئون متعددة الأطراف بوزارة الخارجية، ويتمتع بخبرة مهنية تجمع بين الدبلوماسية المصرية والعمل فى القطاع الخاص.
مارى سليمان

شغلت منصب مستشارة حملة الترشيح، وتعمل حاليًا ضمن إدارة الشئون متعددة الأطراف بوزارة الخارجية.
ميران طه

دبلوماسية وخبيرة فى الشئون الاقتصادية، وتتمتع بخبرة تمتد إلى المجالات الدبلوماسية والاقتصادية والتنمية الدولية.
ريم عاكف

مستشارة فى مجال الاتصال والبحث، ومتخصصة فى الدبلوماسية والسياسات الإقليمية وموضوعات الشرق الأوسط.
ندى خطاب

مستشارة فى مجال الاتصال والبحث، ومتخصصة فى علم المصريات والتراث الثقافى.
آية أبوالعينين

باحثة متخصصة فى موضوعات الاستدامة، والتنمية الحضرية، والأثر الاجتماعى.