حكاية صحفية مجهولة
عدو نفسه.. كيف خرج محمد على سليمان من جنة شادية إلى الأبد؟

- شخصية «سليمان» الصدامية منفلتة التصريحات غطتعلى أنغامه العبقرية
- المطربة الراحلة استدعت الأمن لإخراجه بالقوة من استوديوهات الإذاعة
- حاول تأليب الصحافة على «مطربة يا حبيبتى يا مصر» بدعوى تشويه أغنيته
كان يمكن أن يكون اسم الموسيقار محمد على سليمان أكبر، وإنتاجه أثقل وأبقى وأعظم، لولا وجود شخص واحد فى حياته، كان بمثابة العدو، أثقل كاهله بشلال مشكلات ألقاها فى طريق نجاحه، وشغله بنتوءات نفسية شوه بها تجربته الموسيقية، وأضاع جل وقته فى «معاركة» طواحين الهواء، وكان الأولى به أن يتركه يستغل هذا الوقت المهدر فى ترسيخ بصمته الفنية والإنسانية خلال حياة قصيرة ولو طالت.

هذا العدو كان هو نفسه محمد على سليمان للأسف، فالرجل لم يترك لنا فرصة أن نتذكر أعماله القيمة فى سياق منعزل عن أخبار خناقاته، وصار الاسم الذى أبدع نغمات راسخة فى الوجدان، ملازمًا لأحاديث نميمة لا تنتهى، صنعها هو بنفسه فى أغلب الأحوال أو فرضت عليه نتيجة سوء تصرفه مع موهبته الكبيرة، وللأسف أيضًا امتلك الموسيقار الكبير إصرارًا لا يكل على زيادة بهارات النميمة العائلية بتعمده فرض مشاكله الخاصة مع أخيه عماد عبدالحليم وبنته أنغام على طاولة «الرغى» القومى، عبر سنوات طويلة امتدت حتى قبل أيام لتتحول الذائقة العامة للناس من الإشفاق عليه من جحود الابنة فى الماضى، كما صوره هو، إلى الضجر من تصريحاته غير المسئولة والمنفلتة والمخالفة أحيانًا للمنطق، والتى كان آخرها تصريحه العجيب الذى يشكو فيه من أن أنغام لم تتصل به بعد عودتها من رحلة علاج طويلة، ليفتح الرجل بهذا التصريح الأعين على كثير مما انغلق فى العلاقة بينه وبين ابنته فى سنوات سابقة.

وللحقيقة لم أكن أريد مجاراة السياق العام الرافض لتصريح الرجل، وتحميله مسئولية هذا التفسخ الذى عانت وتعانى منه «عائلة أل سليمان» حتى الآن، لكن نظرة تأملية لرحلة هذا الفنان الكبير تكتشف أنه أساء التصرف كثيرًا مع موهبته، بل إنه أحيانًا فرّط فى هدايا إلهية كانت ستضيف كثيرًا لرصيده الفنى، كانت أكبر تلك الهدايا هى شادية التى يفتخر بالتلحين لها فى كل حواراته، بيد أنه لم يذكر حكاية مجهولة أنهت العلاقة مع الفنانة الكبيرة التى آمنت به وبموهبته، نشرتها بعض الصحف على استحياء حينها، وفائدة تلك الحكاية أنها من الممكن أن تفسر اللغز الذى جعل اسم محمد على سليمان بطلًا فى صفحات النميمة الاجتماعية والحوادث طوال تلك السنوات أكبر بكثير من وجوده داخل صفحات الموسيقى والغناء، رغم عدم الخلاف على موهبته الفذة.

شادية فى السبعينيات عمدت إلى مد يد العون الفنى لكل الشباب الذين خرجوا خلال تلك الفترة، سواءً ملحنين أو كتابًا، مثل خالد الأمير وجمال سلامة وعمار الشريعى وانضم إليهم محمد على سليمان، وطبقًا لحكايته هو شخصيًا فقد بحثت هى عنه وطلبت أن تراه بعدما استمعت إلى ألحانه لأخيه عماد عبدالحليم، ربيب العندليب والنجم الصاعد بسرعة الصاروخ، حيث لحن له حينها أغانى مسلسل «الضباب» فطلبت مقابلته وكان حينها عازفًا فى الفرقة الماسية، وبالفعل ذهب إليها حاملًا أغنية من تأليف شاعر شاب سكندرى وقتها هو محمد زكى الملاح وزميله السابق فى إذاعة الإسكندرية، وبالفعل استقبلت شادية إنتاج الشابين باحتفاء كبير وخرجت أغنية «أصالحك بإيه» وسجلتها فى الأستديو يوم ٢٣ فبراير ١٩٧٨ وحققت صدى واسعًا، خاصة عندما غنتها فى حفل عيد الربيع الذى أحيته فى مارس ١٩٨٠، وزاد حماس المطربة الكبيرة لمحمد على سليمان وغنت له أغنيتين فى نفس الفترة، الأولى «بحبك» من كلمات عبدالوهاب محمد ١٩٧٨، وأغنية «رسالة حب» عن عودة مدينة العريش لحضن مصر، وعاش الملحن الشاب فترة ازدهار فنى وبدا أنه ركب قطار شادية الجامح ولن يوقف صعوده أحد، لكن الذى حدث بعد ذلك أن قطيعة تامة فرضتها شادية مع الملحن بعد أن كانت شديدة الحماس لموهبته قبلها، والمفارقة أن عمار الشريعى بدأ تقريبًا رحلة صعوده الإعجازية من نفس النقطة الزمنية التى بدأ فيها سليمان رحلته فى عالم شادية، حيث غنت فى نفس العام لعمار أغنية «أقوى من الزمان» من كلمات مصطفى الضمرانى، ونجحت أيضًا نجاحًا كبيرًا، انطلق بعدها عمار مستفيدًا وممتنًا لدعم شادية غير المحدود لينطلق منه إلى قمة موسيقية تربع عليها منفردًا فترة كبيرة من الزمن.

لكن يبدو أن محمد على سليمان لم يكن على نفس المستوى من الذكاء الاجتماعى الذى تحلى به عمار، فوصل سريعًا إلى نقطة صدامية أودت بمشروعه مع شادية فى الأغنية الرابعة، لتقف العلاقة مع الفنانة الكبيرة عند تلك النقطة ويتفرغ بعدها لسنوات فى خلافات لم تنته مع أخيه الأصغر عماد عبدالحليم ثم ابنته الموهوبة أنغام، وكان السبب المشترك دائمًا للخلافات مع الاثنين إحساسه الدائم بالاستحقاق لكل إنجاز أو نجاح لأى منهما دون أن يدرى أن الرغبة العارمة فى فرض السيطرة الإنسانية والفنية على أخيه وابنته ستؤدى إلى نهاية درامية للأول بالموت مكتئبًا مدمنًا، وقطيعة شبه كاملة مع الثانية.

نرجع لقصة الأغنية الرابعة التى لم يذكرها أبدًا الموسيقار الكبير فى حكايته المتكررة عن علاقته بشادية، القصة باختصار كشفتها جريدة «الرأى العام» الكويتية فى عددها الصادر يوم ٢٨ أبريل ١٩٨١ بتحقيق كبير عنوانه «شادية وحكايتها مع الملحنين الشباب» وطبقًا للتحقيق أن سليمان كان يعيش فى تلك الأيام نشوة النجاح الكبير الذى حققته أغنياته الثلاث مع شادية وكان يكرر دائمًا أنها صاحبة الفضل عليه ويتمنى أن تغنى له بإستمرار، لأن ذلك ختم جودة لإنتاجه الموسيقى يضعه طبقًا لوصفه حينها فى مصاف العمالقة الذين يتسابقون للتلحين لها مثل بليغ والموجى والطويل.. وجاءت الفرصة للمرة الرابعة على طبق من ذهب وهذه المرة عبر حفل كبير كانت ستحييه شادية أول أبريل ١٩٨١ ورأت أن تشدو بأغنية جديدة فى ذلك الحفل بجوار أغنيته الخالدة «ياحبيبتى يا مصر» وبالفعل كلفت كلًا من كمال الطويل وسيد مكاوى والشريعى ومحمد على سليمان واستبعدت الموجى لأنه، على حد وصفها، حباله طويلة وخارج لتوه من فترة نقاهة ولن يسعفها، ثم بعد ذلك استبعدت سيد مكاوى لخلاف على أغنية سابقة لم يعجبها تصرف الشيخ سيد، حيث باع الأغنية لمطربة أخرى بعد أن كانت شادية بالفعل سمعتها منه وأخذتها وبدأت فى البروفات وكان مبرره حينها أنها لم تدفع ثمنها وكان هو فى حاجة للمال ولم يستطع الانتظار حتى تغنيها، كما كانت معتادة فى تعاملاتها المادية مع الملحنين، وبشكل أو بآخر استبعدت عمار والطويل أيضًا، ليقع اللحن المنشود من نصيب الملحن الشاب المحظوظ محمد على سليمان الذى أعطاها أغنية «مالكش فى الطيب» من كلمات مؤلف شاب أخر اسمه عبدالرحمن سيد الأهل، وكان سليمان قد سجلها سابقًا بصوته على العود وأخذت شادية بالفعل الشريط بحسن نية تمامًا، وذهبت به لضيق الوقت وقرب الحفل لتعطيه إلى قائد فرقتها الموسيقية حينها «حمادة النادى» الذى قام بإعداد التوزيع الموسيقى لها وأجرت شادية البروفات المكثفة لتلتزم بتقديم أغنية جديدة فى الحفل، كما وعدت الناس، وفى أثناء اندماجها فى البروفات النهائية قبل الحفل بساعات وجدت سليمان يقتحم عليها معهد الموسيقى العربية مكان البروفات طالبًا منها بحدة شديدة عدم غناء لحنه، لأنه رأى أنها أضافت الكثير عليه وحذفت بعض الجمل الموسيقية دون أن تستأذنه.

أسقط فى يد شادية وكل من فى الاستوديو هذا الأسلوب العنيف الذى تعامل به الموسيقى الشاب دون أى مراعاة لمكانة المطربة الكبيرة التى احتضنته وعرفت الناس عليه، ومع ذلك فقد تعاملت بهدوء وحاولت أن تمتص غضبه، موضحة له أن ما فعلته هو ما تفعله مع كبار الملحنين عندما تحاول أن تضيف لمسات تناسب مساحات صوتها بما تملكه من خبرة كبيرة فى عالم الغناء، كما أنها بحثت عنه كثيرًا أثناء البروفات الأولية لتطلعه على التعديلات ولم يكن حاضرًا، وما فعلته أمر معروف ومقدر من الجميع، وانتظرت شادية أن يتفهم الملحن الشاب ويعطيها قدرها، إلا أنه لم يتقبل مبررات المطربة الكبيرة وغالى فى ردة فعله، وبدأ صوته يرتفع بشكل عنيف فى وجه شادية المشدوهة، ما أغضب أعضاء الفرقة الذين لم يتمالكوا أعصابهم ورموه خارج معهد الموسيقى «والتعبير الأخير للجريدة ناقلة الواقعة».

الأمر لم يتوقف عند هذا الموقف المؤسف الذى اضطر شادية إلى إنهاء البروفات على أمل العودة فى اليوم التالى إلى مبنى الإذاعة لتسجيل الأغنية قبل غنائها فى الحفل، لأن الوقت أصبح ضيقًا للغاية وهى فى موقف لا تحسد عليه، وبالفعل ذهبت للتسجيل لتجد المفاجأة أن محمد على سليمان قد سبقها إلى هناك طالبًا عدم تسجيل الأغنية ووجدت شادية نفسها فى مواجهة لا تتمناها وغير معتادة عليها وهى الفنانة الرقيقة التى اعتاد منها الجميع الدعم والوجه البشوش، لكنها اضطرت أن تخالف طبيعتها وتستدعى الأمن حتى يُخرج سليمان خارج مبنى الإذاعة ليتسنى لها تسجيل الأغنية الأزمة «مالكش فى الطيب»، وتم التسجيل بالفعل وانتهى الموضوع، لكنه لم ينته للأسف عند الموسيقى الشاب الذى استمر فى الإجهاز على علاقته بشادية وقام بالاتصال بكل من يعرف من رجال الصحافة ليحثهم على كتابة أخبار تقول إنه يتبرأ من هذا اللحن، وإن شادية شوهته وغيرت فيه، لكن الصحفيين لم يتجاوبوا مع ما قاله سليمان لمعرفتهم الوثيقة بشادية وعلاقتها الطيبة بالصحافة، ووجد سليمان نفسه أمام أمر واقع وغنت شادية أغنيته فى حفل الأول من أبريل الذى أقامته هيئة البترول، ونجحت الأغنية نجاحًا ضخمًا على الرغم من قلة الدعاية للحفل، لكن هذا النجاح الكبير للأغنية لم يلغ حقيقة أن الموسيقى الشاب خرج من جنة شادية حينها للأبد ولم يعد إليها أبدًا، بعكس رفاقه فى عالم شادية عمار الشريعى وجمال سلامة اللذين استثمرا صوتها العذب وسطوتها على قلوب الملايين فى الصعود لمستوى أكبر من النجاح والشهرة كان سليمان سينال أضعافه لو تحلى بقليل من الحكمة والذكاء الجتماعى فى التعامل مع قيمة كبيرة وموهبة ربانية اسمها شادية.
