الإثنين 06 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

البلادة الثقافية

حرف

رغم تزايد الأنشطة الثقافية وتعددها وتنوعها، فإن هناك حالة من الركود الثقافى العام، فمعظم هذه الأنشطة ذات طابع أدائى شکلانی کمی وليس كيفيًا، فثمة معارض فن تشكيلى هنا وهناك، وثمة ندوات أدبية تعقد وتتعدد حتى على مستوى اليوم الواحد والتوقيت، وكل هذا يعد فعاليات من قبل الدولة ومؤسساتها الثقافية، أو من مبادرات المجتمع المدنى وتشكيلاته، ولكن ما يطفو على السطح يظل هو المتدنى والضعيف إبداعيًا بصفة عامة.

الجديد والمتميز والفارق غائب عن حياتنا الثقافية منذ سنوات بعيدة، وقلما يوجد ما يمكن الإشارة إليه، أو التوقف أمامه، واعتباره علامة فارقة، هناك ما يلمع ويتلألأ حينًا، لكنه سرعان ما يخبو ويختفى.

ربما حالة الركود هذه، والمستمرة منذ عقود مضت، تعود إلى غياب الأسئلة وعدم تجددها، وتعوُّد الركون إلى إجابات قديمة سادت ولم يتم تجاوزها، لذلك فالبلادة الثقافية باتت ظاهرة عامة واضحة فى العمل الثقافى وطرائق أدائه بشكل عام، سواء على المستوى الأدبى، أو مستوى الفن التشكيلى وحتى فنون الموسيقى والغناء، فهناك محاكاة القديم وتقليده أو النسج على منواله بطرائق تبدو حديثة ولكنها قديمة فى جوهرها، وليس هناك جديد قادر على إحداث نقلات كيفية يعتد بها.

تتجدد الثقافة فى العالم المعاصر دومًا، وثمة تجارب جديدة مدهشة فيها، وثمة إضافات تلحظ ويتم التوقف أمامها، ولعل ذلك يحدث بالأساس لأن هذا التجدد يتأتى من حالة تساؤل دائمة لا تنقطع وتجديد نوعى لأسئلة قديمة جاءت على ضوئها إجابات ثقافية تناسب سياقات تاريخية بعينها، وبذلك يمكن الوصول إلى إجابات ثقافية مختلفة ومتجاوزة القديم.

تجديد الأسئلة يعمل على تجنب العديد من الإجابات الخاطئة، ويدفع بها بعيدًا عن الركود والتكرار الممل. 

ثقافتنا الراهنة باتت لا تطرح الأسئلة ولا تسعى لاجتهاد عبرها يتجاوز المألوف والمُعاد الذى يدور داخل دوائره القديمة، وهى ثقافة فى مجملها لا تستهدف تجديد الأفكار والخروج من إسار القديم منها.

هل المشكلة فى غياب العقل النقدى وهى مشكلة منهجية تتعلق بالتعليم فى المقام الأول؟، هل المشكلة فى غياب حوار ثقافى ووجود تشابكات فكرية على مستوى الجنس الإبداعى الواحد؟ هل المشكلة فى تسليع الثقافة وسيادة ثقافة السوق؟ وهل مساحات التعبير الثقافى هى المسئولة عن غياب الأسئلة وتجددها؟ وهل ثمة ما يستحق من طرح العديد من التساؤلات حول هذه الظاهرة المهيمنة على ثقافتنا وتحويلها إلى ثقافة بليدة؟