الأربعاء 24 سبتمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

نتمنى عودته

حرف

خُطوة جاءت متأخرة، بل متأخرة جدًا، ولكنها والحمد لله جاءت أخيرًا ألا وهى مبادرة المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية لعقد مؤتمر يسعى لإيجاد سياسة وطنية لتطوير المسرح المدرسى.

فمنذ عقود ممتدة تعود إلى القرن الماضى، تم إلغاء النشاط المسرحى من المدارس بسبب هيمنة أفكار تيارات الإسلام السياسى على أنشطة المدارس فى المراحل التعليمية المختلفة، وهى أفكار تُجرّم فى عمومها الإبداع بكل تلاوينه كالرسم والموسيقى وفنون التمثيل المسرحى والرقص الإيقاعى، وقد أدى ذلك إلى إلغاء كل الأنشطة الإبداعية من المدارس وعلى رأسها النشاط المسرحى. 

وأذكر أنه فى واحدة من سنوات ذبول ذلك المسرح واحتضاره بسبب ذلك الدور التخريبى لهذه التيارات، أننى دُعيت للمشاكة فى تحكيم أعمال مسرحية مدرسية، ببعض مناطق القاهرة التعليمية، إضافة إلى جملة من المحافظات الحدودية كمطروح والعريش، وكذا أسوان والوادى الجديد، وقد هالنى أن بعض الأعمال المسرحية المقدمة من تلاميذ المدارس كانت تخلو من الأدوار النسائية، وإن وُجدت فإن من يقوم بها كانوا من الذكور، وهذا الأمر الصادم بدا لى وكأننا نعود إلى الخلف بخطوات واسعة، ونقوم بمحو منجزات هائلة كانت قد تمت فى المجال المسرحى، حيث كافحت النساء المصريات حتى وقفن على خشبة المسرح، بعد كفاح لمواجهة العادات والتقاليد المجتمعية المحافظة منذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، فقد كانت الأدوار النسائية تقوم بها نسوة شاميات وافدات، أو يهوديات مصريات، وعلنا لا ننسى الفنانة القديرة سناء جميل، وموقف أُسرتها المُقاطع لها بسبب إصرارها على الاشتغال بفن التمثيل.

بالفعل خطوة محمودة من المركز القومى للمسرح لأن غياب المسرح المدرسى على مدى عقود مرت، إنما هو خلل تربوى وخلل تعليمى تثقيفى، وجريمة ترتكب بحق الأجيال الناشئة بمدارسنا بمختلف مراحلها التعليمية، فالمسرح يلعب أولًا وقبل كل شىء دورًا أخلاقيًا عبر إمكاناته الجمالية الهائلة ابتداءً من الكلمة المنطوقة والمعبر عنها من خلال الأداء الجسدى الإنسانى بكل أشكاله، ناهيك عن جملة من العناصر الجمالية الأخرى المشكّلة من الملابس والديكور والإضاءة، كما أنه يعد اللبنة الأولى لاكتشاف الموهب الكامنة لدى الصغار والذين سيخرج منهم فى النهاية نجوم المستقبل، ثم هو فى النهاية طاقة استنارة لا يمكن تجاهلها، ثم إنه نافذة واسعة تطل على منجز إنسانى هائل ممتد منذ زمن مصر القديمة، وأثينا المتفلسفة، والغريب أن مدارس القاهرة العريقة، والعديد من مدارس الأقاليم القديمة، كانت بها مسارح ممتازة صُممت ضمن التصميم الأساسى لهذه المدارس وقت إنشائها، وأذكر أننى عندما كنت طالبة بالثانوى، وقبله تلميذة بالمرحلة الإعدادية، كانت حفلات نهاية السنة تقام على مسرح مدرسة النقراشى المخصصة للذكور، وكان مسرحًا كبيرًا ومجهزًا وملائمًا لكل العروض. 

أتمنى أن يكون المؤتمر، الذى عُقد بالمجس الأعلى للثقافة خلال يومى ٣٠، ٣١ أغسطس المنصرم فاتحة خير على طريق الاهتمام بالمسرح المدرسى، وأن يكون قد نجح فى وضع الخطوط العريضة لسياسة وطنية لتطوير هذا المسرح المدرسى، فمن خلال ما يقدم من إبداعاته يمكن تكريس تعزيز الهوية الوطنية لمصر، وتجذير الشعور بالانتماء لها، وتنمية كل ما هو إيجابى داخل المجتمع، ناهيك عن غرس قيم الإنسانية النبيلة فى نفوس الأجيال الناشئة.