الموهوبة.. نور عبدالمجيد: أحب شخصياتى جدًا لدرجة قراءتها.. والكتابة هدية كبيرة من الله

- أى كتابة مزيج من الواقع والخيال وأدوات الكاتب وحياته.. ولا يوجد قاموس معين
- داخل كل إنسان خير وشر.. وهذا الإيمان هو ما يجعل الرؤية مختلفة
- «ملك مندور» أكثر شخصية «عذبتنى أوى» فى «صولو» لأنى شعرت بأننى لم أنصفها
عندما تلتقى نور عبدالمجيد تشعر وكأن هناك هالة من الخفة والحنية والنعومة والمشاعر الرقيقة تجتاحك، ولأن طاقة الناس لا تكذب، ففى حالة نور، تؤكد على ما تم تقديمها به لأول مرة، عندما خرج إلى النور ديوانها الأول «وعادت سندريلا حافية القدمين» عام 2006، حين كتب فاروق جويدة أنها صادقة فيها كل ألوان الطيف، وبالتالى فهى حرة وتغنى على طريقتها.
لتبدأ بعد ذلك نور مشوارها الإبداعى والأدبى الغزير، وتترك مهنتها الأساسية الصحافة، لتلتحق بعالم الرواية، وتلمع فيه، وتظهر موهبتها وتتألق على مدار السنين، من الرواية الأولى «الحرمان الكبير» عام 2008، والتى كانت تطرح أسئلة وجودية عن السعادة وأين توجد؟ وهل يمكن أن تشتريها الثروة؟ وهل هى وهم كبير؟
ويبدو أن نور عبدالمجيد تحترف هذه اللعبة، لتستمر تساؤلاتها على طول الطريق، ففى «نساء ولكن» عام 2009، تساءلت عن التحولات التى تمر بها المرأة لتصبح أكثر رحمة وصفحًا وعطاء.
وفى عام 2010، طرحت أسئلة أخرى عن ماهية الفراق والبعد والنسيان فى «رغم الفراق»، ثم فى عام 2011، كان السؤال حول رأى الطب والعلم والدين فى الضرر الذى تتعرض له امرأة من زوجها.
وما مصير الحب وأعوام الزواج والأبناء فى «أريد رجلًا»، وهى الرواية التى تم تقديمها فى عمل درامى من جزءين عام 2015، والذى حقق نجاحًا كبيرًا من جانب النقاد والجمهور، وفى عام 2012، كنا على موعد مع الحكاية الأولى، لكن من جانب البطلة فى «أنا شهيرة»، لتتساءل نور ما خطية عمر المرأة التى يخونها الرجل؟ وكيف يغير الحب كل شىء؟
وفى العام التالى، تستكمل نور الحكاية الثانية، ولكن هذه المرة من جانب البطل فى «أنا الخائن»، لتتساءل كيف تبدأ النهاية وكيف تولد فى صمت؟، ليخرج لنا مسلسل درامى جديد من موسمين عام 2017، يحقق أيضًا نجاحًا كبيرًا.
وفى عام 2014، تواصل نور أسئلتها فى «أحلام ممنوعة» عما يعيد المرأة للحب فى حالة الخذلان؟ هل يفعل الزمن ذلك؟، ثم تأخذنا نور عام 2016 إلى «لاسكالا»، فى تساؤلات عن الذات والهوية فى ظل التحولات الحياتية التى يواجهها الإنسان فى رحلته لتحقيق طموحاته.
وفى عام 2017، تستكمل نور مسار التحولات، ففى «ذكريات محرمة» تتساءل:
هل من الممكن أن تتحول غلطة صغيرة لكارثة كبيرة تعصف بسعادتك أنت وكل من حولك؟ هل لا بد أن تكافئ الحياة من يبذلون أنفسهم من أجل الآخرين فعلًا؟
وفى «أنت منى» عام 2019، تواصل أسئلتها الصعبة: هل نضعف أمام النهاية أم تجبرنا النهايات على الاستسلام؟
أما فى 2021، تسأل فى «صولو»: ماذا يبقى بعد الاحتفالات بعد أن يصفق لك الناس؟، وفى العام نفسه، فى «أنين الدمى» تتجدد الأسئلة حول كيف يحارب الضعفاء فى اللحظات والمواقف التى يكونون فيها وحدهم.
وفى عام 2022، فى رواية «كان» تتساءل نور هل الحرية والسلام مقتصران على شعوب معينة؟ وهل تترك الأوطان بحثًا عنهما؟
«حرف» حاورت الروائية الكبيرة نور عبدالمجيد، والتى عملت كصحفية، قبل احترافها العمل الأدبى، فى مجلة «مدى» السعودية وكمساعد لرئيس تحرير مجلة «روتانا»، وكتبت أيضًا زاوية ثابتة فى مجلة «كل الناس»، بعد أن درست الآداب والتربية وعلم النفس.

■ فى البداية.. كيف تنجح رواياتك فى كشف تعقيدات النفس البشرية.. هل هذا إلهام أم معايشة؟
- لا يوجد قاموس معين.. وأى كتابة تكون مزيجًا من الواقع والخيال، ومن الأدوات الأدبية للكاتب بجانب حياته وخبراته، وقدرته التى يتميز بها عن الآخرين.
وأنا شخصيًا دراستى لعلم النفس لا أتذكر منها شيئًا، لكن من المؤكد بدون شك أن أى دراسة أو قراءة، حتى إذا قمت بنسيانها، لكنها تترك بك أثرًا أو بصمة أو فكرة أو ملمحًا.. وهذه هى الأشياء التى تشكل الإنسان، وهناك عبارة تقول إن ما نتعلمه هو ما يبقى بعد أن ننسى كل ما تعلمناه.
الحمد لله أن الناس تشعر بأنى أحاول التعمق داخل الإنسان، فأنا دائمًا مؤمنة أن داخل كل إنسان خير وشر، ولا يوجد أحد شرير بشكل مطلق أو خير بشكل مطلق، وهذا الإيمان هو ما يجعل رؤيتك مختلفة، ولدى هذا الاعتقاد طوال حياتى، فالله خلقنا بهذه الطبيعة: مجموعة من المشاعر والانفعالات والمبادئ التى قد تتغير.
ولذا أحاول أن أنظر أكثر إلى ذلك من خلال الشخصية، فأنا أحب شخصياتى، أحبها لدرجة أن أصل إلى حد أن أفهم كيف تفكر، فعندما تستطيع فهم الشخصية، يصبح كل شىء مقروءًا بالنسبة لك.

■ ما أكثر شخصيات رواياتك التى تحبينها بشكل شخصى؟
- كل الشخصيات أحبها، فكل واحدة منها بها جزء منى ومن روحى، بعد أن عايشتها شهورًا طويلة، فكل عمل أكتبه تصل فيه مدة الكتابة إلى سنة تقريبًا، وهذه العشرة الطويلة تجعل كل شخصية تترك بصمة، لكن أكثر شخصية «عذبتنى أوى» هى شخصية «ملك مندور» فى رواية «صولو»، لأنى شعرت بأننى لم أنصفها، لكن كانت هناك عوامل أخرى، من يقرأ الرواية سيفهم أنها كانت تقف فى مفترق طرق.

■ تركز رواياتك على المرأة.. فى رأيك ما أكبر مشكلة أو أزمة تعانى منها؟
- المرأة والرجل والإنسان بشكل عام منذ بدء الخليقة وحتى قيام الساعة لا بد أن يواجه مشكلات وأزمات، وكل فترة لها مشاكلها وأزماتها المختلفة، لكن ما أستطيع أن أقوله إن المرأة حاليًا أصبحت بالوعى الكافى والقدرة لتتعامل مع أى مشكلة وتقوم بحلها، فلا توجد مشكلة أكبر من الثانية، والمشكلة عندما تكون موجودة نرى أنها أكبر مشكلة على الأرض.

■ تحولت من العمل بالصحافة إلى كتابة الشعر.. كيف حدث ذلك؟
- أتحدث عن الشعر قليلًا جدًا لسبب بسيط أننى لست شاعرة، الشعر فن من أرقى الفنون، والتى لا أعتقد أنى استطعت الوصول لها، الكتاب الأول كان مجموعة من الخواطر والمقالات التى كنت أكتبها فى مجلة «مدى» بشكل شهرى وفى «روتانا» بشكل أسبوعى، وعندما تم جمعها فى كتاب، وهو الأمر الذى كان مشورة من الصديق العزيز رحمة الله أستاذ عصام الغازى، مدير مجلة اليقظة، كنت أرى أن هذا شىء غريب، ففى ذلك الزمن كلمة كتاب كانت شيئًا كبيرًا، ولذا استغرق الأمر ليالى طويلة للتفكير فى وضع اسمى على كتاب، فالأمر ليس فقط حلمًا، ولكن ليس من الضرورى أن يجرؤ أى فرد أن يقوم بإصدار كتاب إلا إذا كان فعلًا يستحق.

لكن فى نفس الوقت، بالتأكيد كانت فكرة رائعة وتدغدغ النفس، وهو ما دفعنى إلى اللجوء إلى الأستاذ فاروق جويدة، والذى تعرفت عليه خلال فترة عملى فى مجلة مدى وفى روتانا، وتركت المقالات والخواطر بين يديه، ليقرأها ويمنحنى رأيه، فى كونها صالحة للنشر أم لا.
وبالفعل مشكورًا قام بقراءتها، لكن استغرق ذلك وقتًا طويلًا، لدرجة دفعتى للتفكير بينى وبين نفسى أنه مادام الرد قد تأخر، فهذا معناه أنه يرى أن هذا الشىء لا يستحق نشره.
وذلك حتى فترة الصيف، وعندما عاد من المصيف، ذهبت له فى مكتبه فى الأهرام، وأتذكر جيدًا أن الملف كان بجانبه على المكتب، فقلت له إن القضية ليس بها حرج، فقام بوضع يده على الورق وقال: «الكلام ده حلو أوى»، وعرض أن يكتب كلمة على الغلاف الخلفى.
وعندما حدث ذلك، وتم وضع اسم شاعر كبير مثل فاروق جويدة على الكتاب، تخيل الناس أن الكتاب لا بد أن يكون كتاب شعر، وهى بالطبع تهمة لم أنفيها لأنها شرف، ويا ليتنى شاعرة، فالشعر بحوره كبيرة، لكن كتابى كان خواطر بالدرجة الأولى.
حتى إن فاروق جويدة نفسه كتب على الغلاف الخلفى أن هذه الخواطر هى مجموعة من المشاعر وسباحة ممتعة فى مشاعر امرأة، وإنها ليست لها أوزان لكنها تأخذك كأنها شعر.
لكن أنا شخصيًا لا أعرف ماذا أطلق عليها، وأرى اليوم أنها صعبة، ففكرة أنك تقوم باختزال خبرة أو قصة أو مجموعة من المشاعر فى سطور قليلة، عملية صعبة جدًا، تحتاج إلى جهد كبير وأشياء كثيرة، لا أعرف كيف كنت أقوم بها.

■ وكيف جاءت فكرة كتابة روايتك الأولى «الحرمان الكبير»؟
- طوال عمرى منذ أن كنت طفلة صغيرة وأنا أريد أن أكتب «حدوتة»، هذا هو حلمى من الصغر، لكن كنت دائمًا ما أشعر «مين إنتى عشان تعلمى كده؟»، وعندما أخذت قرار ترك عملى، لأنى شعرت بأن هذه ليست أرضى ولا ملعبى، كان هناك شىء داخلى يقول «أنا عايزة أكتب»، ولم أكن أستطيع ذلك، وسط الصخب غير الطبيعى والمسئوليات واللقاءات مع العمل فى الصحافة، فهى لا توجد بها الخصوصية والتوحد الذى تشعر به فى الكتابة.
■ مَن هم أكثر الروائيين أو الكتّاب الذين كانوا ملهمين لك فى بداياتك؟
- من الكتّاب الذين أحبهم «باولو كويلو» ودانيال ستيل، وبالتأكيد الكبار مثل نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس.. وكل من أستطيع أن أقرأ وأنتهى من رواية له أعتبره كاتبًا رائعًا وجميلًا، وكل مَن يكتب ما يستحق أن يُقرأ.

■ هل هناك كتاب أو رواية أثرت بك بشكل شخصى؟
- كل رواية لا بد أن تترك أثرًا، وإلا فالقراءة ليس لها أى معنى، وصعب أن أستحضر اسم رواية معينة، لكن لفترة رواية باولو كويلو «الخيميائى»، كانت بها جملة فى النهاية «فضلت دايمًا ترن فى ودنى»، أن الإنسان دائمًا يمكن أن يغير مصير أيامه بقرار واحد.
■ ما أهم اقتباس أو جملة تحبينها أو تتذكرينها من رواياتك؟
- أحب جدًا هذا الاقتباس «كل أطفال الأرض مرضى بعُقد آبائهم وجنون جيرانهم وخطايا أوطانهم».. من رواية «أنين الدمى»، لأنه يتحدث عن الأطفال وكيف نؤثر عليهم ونخلق جيلًا بأفعالنا وتصرفاتنا ونقوم بتشكيله، لكن بالطبع كل رواية تكون بها اقتباسات كثيرة يهتم بها الناس ويتذكرونها.
■ ترفضين وصفك بكاتبة الرومانسية أو الكاتبة النسوية.. كيف تصنفين نفسك كروائية؟
- هذا التصنيف عفا عليه الزمن، ولا يوجد شىء اسمه «كتابة نسوية»، ودائمًا ما أقول إن هناك إنسانًا قادرًا على الكتابة وإنسانًا غير قادر عليها، وهذا لا ينتقص من شأن أحد أو العكس، لأن هذا إلى حد كبير يكون عطية من الله سبحانه وتعالى، ولذا لا أؤمن بهذه التصنيفات، وبالنسبة للرومانسية فهى موجودة فى كل رواية، لا توجد رواية تتحدث عن الحروب العالمية حتى، إلا وتتخللها قصة حب، لكن دائمًا عندما تكتب امرأة فيتخيلون وهذا من الذكورية أن المرأة لا اهتمام لها سوى قصص الحب، وأصنف نفسى كروائية عادية تحاول أن تكتب لمن يحب أن يقرأ لها.
■ هل لديكِ طقوس خاصة فى الكتابة؟
- ليست لدى طقوس خاصة فى الكتابة، لكن دائمًا ما أكتب فى الصباح، بعد أن أشرب قهوتى وأجلس على مكتبى، وأقول: «يا رب رزق من عندك»، فقد أكتب وقد لا أكتب، لكن هذا هو الروتين اليومى.

■ كيف ترين عدم حصولك على جائزة؟
- ترشحت رواية «أحلام ممنوعة» لجائزة البوكر، وكان الدكتور جلال أمين ضمن أعضاء لجنة التحكيم، وأتذكر عندما تقابلنا قال لى إن أعضاء اللجنة انقسموا إلى فريقين، فريق كان يرى أنها يجب أن تفوز، بينما كانت لدى الفريق الآخر تحفظات معينة تُحترم، وفى النهاية كانت الغلبة للفريق الآخر.
لا أعرف التقدم للجوائز، فهناك كثير من الإجراءات بهذه العملية، وبالرغم من أننى لم أحصل على جائزة، لكن لدى جائزة مهمة جدًا، وأشعر بأن جائزتى أننى قادرة على الكتابة، وفى كل مرة أنتهى من كتاب أشعر بأننى حصلت على هدية كبيرة من ربنا، أكبر من أن أنظر لشىء آخر معها.
هذا لا يعنى أننى سأرفض إذا ترشح أحد أعمالى لجائزة وربحت، لن أقول ذلك، ولكن أشعر بالرضا الشديد ومشبعة، ولا أتخيل أنى ينقصنى أن يتم تأييدى بجائزة، «أنا راضية جدًا».
■ ما رأيك فى قوائم الروايات والكتب الأكثر مبيعًا؟
- الحقيقة حاليًا هذا المعيار أصبح ليس دقيقًا، فأحيانًا تجد كتّابًا يحققون مبيعات كبيرة جدًا، وعندما تقرأ الكتاب ستُفاجأ بأنه ليس بالقدر الذى تتخيله، فهذا المعيار هناك نوع من عدم الدقة به، لكن فى نفس الوقت إذا تحققت الجودة فى الكتاب مع تحقيق مبيعات كبيرة، هذا بالطبع اكتمال للنجاح.
■ ما أكثر المواقف التى تتذكرينها مع القراء؟
- كل قارئ حدث بينى وبينه لقاء أو مراسلة أو مخاطبة أو توجيه أو شكر أو تقدير أو نقد هى مواقف لا تُنسى، وهى أكثر شىء ينتظره الكاتب: أن يتفاعل مع قرائه.
■ لو لم تعملى فى الصحافة والكتابة الإبداعية.. ماذا كنت ستعملين؟
- أمور غيبية لا يعلمها إلا الله، لكن كنت سأعمل فى الكتابة.
■ هل هناك مشروعات جديدة لتحويل إحدى رواياتك لأعمال درامية.. وكيف يؤثر ذلك على الرواية؟
- نعم هناك دراسة لتحويل إحدى الروايات إلى عمل درامى، لكن لم نبدأ فى اتخاذ الخطوات الفعلية بعد، وأرى أن تحويل الروايات إلى أعمال درامية شىء مفيد جد، فالدراما لها جمهورها ونقوم باستقطاب هذا الجمهور إلى عالم القراءة، وهذا أهم استفادة من تحويل الأعمال الأدبية إلى درامية، أن تقومى بتكوين قراء جدد، ليس بالنسبة لك ككاتبة فقط، ولكن كإنسان فى المجتمع يبدأ فى القراءة، وهو ما نطمح إليه.
■ هل هناك مشروعات روائية تصدر قريبًا؟
- انتهيت بالفعل من الاتفاق مع إحدى دور النشر على إصدار رواية لتُعرض بمعرض القاهرة الدولى للكتاب، أتمنى أن تكون مختلفة.