الأربعاء 24 سبتمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

فوكسيا دنلوب: «الطعام كدواء» فكرة جوهرية فى المطبخ الصينى حتى اليوم

فوكسيا دنلوب
فوكسيا دنلوب

فى تسعينيات القرن الماضى، انتقلت للعيش فى تشنجدو، عاصمة سيتشوان، وانتهى بها الأمر بتلقى دورة تدريبية فى مجال الطهى الاحترافى فى معهد سيتشوان العالى للطبخ. ومنذ ذلك الحين، وعلى مدى العقود الثلاثة الماضية، واصلت استكشافها للطعام السيتشوانى والمطبخ الصينى بشكل عام.

ألفت سبعة كتب نالت استحسان النقاد عن الطعام الصينى، منها طعام سيتشوان «2019»، أرض السمك والأرز: وصفات من قلب المطبخ الصينى «2016»، كل حبة أرز: طبخ منزلى صينى بسيط «2012»، زعانف القرش وفلفل سيتشوان: مذكرات حلوة وحامضة عن الأكل فى الصين «2008»، كتاب الطبخ الصينى الثورى: وصفات من مقاطعة هونان «2006» وطبخ سيتشوان «2001». ترجمت أربعة من كتبها إلى الصينية، بما فى ذلك «زعانف القرش» و«فلفل سيتشوان» وكلاهما صادر عن دار نشر شنغهاى للترجمة.

فوكسيا دنلوب طاهية وكاتبة متخصصة فى المطبخ الصينى، نشأت فى أكسفورد بالمملكة المتحدة، ودرست فى كلية ماجدالين، وجامعة كامبريدج، وجامعة سيتشوان. ومدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية فى لندن.

فى الحوار التالى لحرف، تتحدث المؤلفة عن كواليس إعداد كتابها «دعوة إلى وليمة: قصة الطعام الصينى».

■ فى البداية.. رغم كثرة كتبك عن المطبخ الصينى، ما الذى ألهمك أكثر للكتابة عن قصة الطعام الصينى؟

- أتناول الطعام الصينى وأفكر فيه منذ نحو ٣٠ عامًا، ورغم أن كتب الطبخ الخاصة بى تتضمن معلومات ثقافية غنية، فإننى كنت مستعدة للتعمق فى معنى الطعام الصينى أكثر مما يسمح به كتاب وصفات. أردت النظر إلى الموضوع من زوايا متعددة: تاريخية، وثقافية، وتقنية، وجمالية، وعاطفية، وبالطبع حسية. لذا، هذا الكتاب لا يتناول كيفية إعداد الطعام الصينى، بقدر ما يتناول كيفية تناوله.

■ ما المصادر التى اعتمدت عليها فى إعداد الكتاب؟

- كان مصدرى الرئيسى دفاترى، التى دوّنت فيها تجاربى وأفكارى وانطباعاتى منذ تسعينيات القرن الماضى «لدىّ الآن أكثر من ١٦٠ دفترًا». قرأت أيضًا العديد من المؤلفات الثانوية حول الطعام الصينى، بما فى ذلك الأعمال الأكاديمية الرائعة لـ هـ. ت. هوانج، وفرانسواز سابان، وديفيد كنيشتجيس، ورويل ستيركس، وغيرهم. كما قرأت بعض الأعمال الرئيسية المكتوبة باللغة الصينية الأصلية، مثل فصل «جذور الأذواق» فى «حوليات الربيع والخريف»، الذى يعود تاريخه إلى القرن الثالث قبل الميلاد، ولا يزال من أفضل أوصاف فنون الطهى الصينية، وكتاب الطبخ الذى كتبه الشاعر والخبير فى الطهى يوان مى فى القرن الثامن عشر. ولكن، بالطبع، كان مصدرى الرئيسى للمعلومات هو محادثاتى ومغامراتى مع الناس فى الصين، الذين علمونى كل ما أعرفه تقريًبا، والذى دونته فى دفاترى.

■ هل واجهت أى صعوبات فى أثناء إعداد الكتاب، وما هى؟

- تكمُن الصعوبة الرئيسية فى كيفية سرد جوانب موضوع شاسع وشيق فى كتاب واحد! أردت إيجاد هيكل واضح وسهل القراءة، مع التلميح فى الوقت نفسه إلى بعض تعقيدات الموضوع. استغرق الأمر بعض الوقت لإيجاد طريقة لسرد القصة: من خلال قائمة طعام من الأطباق الصينية.

■ ما أطباقك الصينية المفضلة؟

- هناك العديد منها! إليك بعضها: باذنجان بنكهة السمك، من سيتشوان، بروكلى صينى مقلى بالزنجبيل، طبق كانتونى، بط بكين «من بكين»، لحم سرطان البحر المشعر «الكابوريا» المقلى، من منطقة شنغهاى.

■ خلال دراستك وبحثك، ما أكثر ما أثار دهشتك فى تاريخ المطبخ الصينى؟

- أكثر ما أثار دهشتى هو ترسيخ بعض جوانب المطبخ الصينى منذ زمن بعيد، فى العصور القديمة: عادة تقطيع الطعام إلى قطع صغيرة وتناوله بالعيدان، استخدام البقوليات المخمرة كتوابل، الطهى بالبخار كطريقة، فكرة الطبخ كفن معقد ودقيق، فكرة الطعام كدواء. جميعها ترسخت فى العصر البرونزى «يمتد من ٣٣٠٠ قبل الميلاد إلى ١٢٠٠ قبل الميلاد» أو ما قبله، ولا تزال جوهرية فى المطبخ الصينى حتى اليوم. بالطبع، كان هناك أيضًا تغير وتطور مستمران على مر القرون، لكن هذه الاستمرارية لافتة للنظر.

■ ما أكثر الخرافات شيوعًا حول المطبخ الصينى؟

- فى الغرب، أكثرها شيوعًا هى أن الطعام الصينى غير صحى، وأنه يجب أن يكون رخيصًا، وأن الصينيين يأكلون بدافع المغامرة، لأنهم كانوا فقراء جًدا. كل هذه الأحكام المسبقة خاطئة تمامًا.

■ ما الذى يربط الطعام بالثقافة الصينية؟

- لطالما كان الطعام جوهر الثقافة الصينية: إذ لطالما تضمنت أهم الطقوس الاجتماعية والدينية تقديم قرابين صالحة للأكل. كما كان الطعام مصدرًا للراحة والبهجة. لا يرتبط الطعام بالثقافة الصينية فحسب، بل هو، إلى حد ما، جزء من الثقافة الصينية. يمكنك فهم الكثير عن الصين وثقافتها من خلال الطعام.

■ هل يمثل الطعام حقا قوة ناعمةً للصين؟

- أعتقد أنه من الصحيح القول إن الطعام، بالنسبة لمعظم الناس فى جميع أنحاء العالم، هو الشكل الأبرز والأكثر سهولة فى الوصول إلى الثقافة الصينية، وهو يحظى بشعبية هائلة. لطالما كان الطعام أحد أنجح الصادرات الثقافية الصينية. فى ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، يعد الطعام بلا شك جسرًا مفيدًا بين الصين والدول الغربية، نظرًا لسهولة التعامل معه سياسيًا.

■ ما الفكرة أو الرسالة الرئيسية التى تود إيصالها من خلال الكتاب؟

- كان هدفى الرئيسى هو إطلاع القراء على بعض تعقيدات ثقافة الطعام الصينى. يحب معظم الأجانب تناول الطعام الصينى، لكن فهمهم لتنوعه وتعقيده محدود للغاية. ولا يزال لدى الكثيرين صورة نمطية سلبية عن الطعام الصينى. أردت أن أُقدم للناس لمحة عن التاريخ الغنى، والتنوع الإقليمى، والتعقيد التقنى، وإمكانات الصحة، والعمق فى المطبخ الصينى. وفى ظل القلق السائد فى الغرب إزاء تنامى قوة الصين ونفوذها، أردت تسليط الضوء على بعض الجوانب الرائعة فى الثقافة الصينية.