أنا إن قدّر الإله مماتى
بص! هو الموضوع فيه أبعاد سياسية وتفاصيل كتير مش موضوعنا دلوقتى، اللى يهمنى هنا إنى أكلمك عن حفلة اتعملت فى فندق الإنتركونتننتال ديسمبر ١٩٢١.
الحكاية إنه بعد ثورة ١٩١٩ ما بقاش فيه قضية فى مصر مهمة أكتر من موضوع الاستقلال، وطبعًا بريطانيا كانت متبتة فى إنها تفضل بـ أكبر قدر ممكن من النفوذ، واتعملت لجنة ملنر وقالت وصايا وفشلت، فـ اضطر الإنجليز إنهم يوافقوا على إجراء مفاوضات مع المصريين على حدود وشكل الاستقلال.
مارس ١٩٢١، عدلى باشا يكن هـ يشكل الحكومة المصرية بـ رياسته، ويكن دا مش اسمه، دى كلمة تركية معناها ابن الأخت، لـ إن جد عدلى باشا هو ابن أخت محمد على باشا (ما كلهم باشوات) المهم إن حكومة عدلى دى كانت مهمتها الرئيسية هى المفاوضات مع بريطانيا العظمى.
سافر عدلى وكان قصاده فى تلك المفاوضات كيرزون وزير خارجية إنجلترا، واتسمت عدلى - كيرزون، وكان كل طرف له تصور أو مطالب أو حد أدنى من الوضع الذى يمكن قبوله، يكن باشا طارح إنهاء الحماية البريطانية على مصر بشكل مطلق، واعترافهم باستقلالنا وسيادتها التامة على أرضنا وبلادنا، مع موافقة على إبقاء قوات بريطانية فى مناطق محدودة ممكن الاتفاق عليها لـ حماية قناة السويس.
كيرزون طبعًا كان مجهز معاهدة تتضمن حق بريطانيا فى الاحتفاظ بـ قوات فى مصر بـ لا قيود تُذكر، لـ ضمان المصالح الإمبراطورية، مع اعتراف مصر لـ بريطانيا بـ حق التدخل لـ حماية الرعايا الأجانب والأقليات (بـ البلدى حرية التدخل فى الشئون الداخلية)، وكمان الإشراف البريطانى على السياسة الخارجية المصرية، يعنى من الآخر هـ نستقل بس من غير ما نستقل.
فشلت المفاوضات طبعًا، ويوم ٨ ديسمبر ١٩٢١ عدلى يكن قدم استقالته لـ السلطان فؤاد (ما هو كان لسه سلطان مش ملك) رفضًا لـ مطالب (على الأدق تحكمات) الإنجليز، فـ بقى فيه تأييد شعبى كبير لـ الراجل اللى ما رضيش دراع مصر يتلوى وتقبل بـ حلول جزئية، وتعبيرًا من النخبة السياسية والثقافية والأدبية عن مؤازرتها لـ رئيس الحكومة المستقيل عملوا له حفل التكريم اللى بـ أكلمك عنه فى الكونتننتال، وهات يا خطب وقصايد وطنية.
إيه اللى فكرنا بـ الحفلة دى؟
إنه أخونا فى الله حافظ إبراهيم ألقى قصيدة تقدر تعتبرها تدشين لـ مرحلة الاستقلال التام أو الموت الزؤام، بعد ما كان الشعرا (ومنهم حافظ نفسه) بـ يكتبوا قصايد تخاطب الإنجليز بـ اعتبارهم ولاة الأمر! القصيدة اللى ألقاها حافظ يوم الكونتننتال سماها «مصر» وقال فى مطلعها:
وقف الخلق ينظرون جميعًا كيف أبنى قواعد المجد وحدى
وبناة الأهرام فى سالف الدهر كفونى الكلام عند التحدى
القصيدة اتنشرت وانتشرت وراجت جدًا، ثم فييييين بعد الحكاية دى بـ ٢٩ سنة، وبعد ما حافظ إبراهيم نفسه اتوفى بـ ١٩ سنة، الإذاعة هـ تيجى سنة ١٩٥٠ تطلب من أم كلثوم إنها تغنى أغنية وطنية، وتختار من تشاء من الشعراء والملحنين علشان يشاركوها صناعة الغنوة.
طيب! من حيث الألحان فـ إحنا دخلنا الخمسينات، ومفيش غير السنباطى لها، بس الكلام نختار له مين؟ لأ، ما نختارش حد، هى فاكرة كويس قصيدة حافظ إبراهيم، وحافظ منها بيت من ساعة ما اتنشرت، البيت هـ نقوله فى الآخر.
بس يا سيدى، سجلتها، واتذاعت فى العام المذكور، ثم إنه فى يوم ٢٣ يوليو ١٩٥٢، ولـ عدة أيام بعدها، ما كانش حد لسه عمل أغنيات لـ «الحركة» اللى بقت بعدين «الثورة»، فـ كانت الإذاعة كل شوية تطلع بـ صوت أم كلثوم:
أنا إن قدر الإله مماتى
لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى.







