مكتبتي..
كلمتى للمغفلين
من أهم الإثباتات عندى على إنه «أهم من الشغل ظبط الشغل» هو كتابات محمد جلال كشك.
مش هـ أتعرض هنا لـ سيرة ومسيرة الراجل، وتحولاته السياسية والفكرية، مش دا موضوعى (وإن كان يستحق) بس هـ أركز على النقطة اللى تهمنى واللى ذكرتها فوق، من خلال كتابين «كلمتى للمغفلين» و«ثورة يوليو الأمريكية».
الكتابين دول صدروا فى التمانينات، بـ فاصل زمنى قصير، عدة سنوات قليلة، والمفروض إنه الأول رد على كتاب هيكل «قصة السويس» والتانى رد على «ملفات السويس».
من ساعة ما صدروا الكتابين، اتصنفوا فورًا من قبل مثقفين كتير كتير (مش عايز أقول الأغلبية الكاسحة منهم) إنه «كتاب رصيف»، وأنا كنت شايف دا جدًا لـ عقود طويلة، فـ خلينا الأول نتكلم عن «كتاب الرصيف» عمومًا.
هو فئة من الكتب لا يهتم مؤلفها كثيرًا بـ التدقيق أو المنهج أو أصالة ما يطرحه، إنما يهتم بـ إنه تكون الصياغة شعبوية من حيث الإثارة والعناوين وصك التعبيرات وطريقة السرد وما إلى ذلك: عناوين سخنة، جمل زاعقة، أجواء ملتهبة إلخ إلخ، وتتفاوت درجة مصداقية الكاتب إذ إن الأجواء دى لا تعنى إنه بـ الضرورة كذاب أو ملفق أو مخطوف ذهنيًا (وإن كان كتير منها كدا) لكن فيه منه ما هو على الأقل معقول.
عن نفسى مش بـ أشوف تأليف «كتاب رصيف» مشين فى حد ذاته، دى طريقة صياغة وتأليف، مكتوبة لـ ناس ما عندهاش قدرة على القراءة غير هذه النوعيات، فـ وارد (بـ أقول وارد مش أكيد) يفتح لهم قراءة كتاب من هذا النوع باب لـ كتب أكثر جدية فى موضوع ما، الأمر بـ يعتمد على المصداقية اللى قلنا بـ إنها بـ تتفاوت.
إنما، مهما يكن، يظل كتاب الرصيف قليل القيمة غير صامد على البقاء حتى إلى ما بعد موسم طرحه، مهما كان توزيعه عالى، لـ إن الإضافة اللى بـ يحققها لـ المكتبة عمومًا تكاد تكون منعدمة، فـ الزمن بـ يدشتها، وتذهب لـ مصيرها المنطقى فى طى النسيان.
نرجع لـ جلال كشك اللى اتصنف كتابيه بـ اعتبارهم كتب رصيف، ثم إنى بـ أعيد قرايتهم مؤخرًا فى إطار مشروع بـ أعمله، فـ اكتشفت إنه الراجل أضر كثيرًا كثيرًا بـ عمله وجهده، دون داعى واضح بـ النسبة لى.
عنوان كل كتاب، شكل الغلاف، دار النشر، طريقة التوزيع، التيمة العامة لـ صياغة الجمل وفلسفتها، وحاجات كتير عملها خلت من الصعب التعامل مع المؤلفين بـ اعتبارهم أعمال رصينة وجادة، فى حين كل هذا لا يتناسب مطلقًا مع المحتوى اللى فى الكتابين.
يعنى هو لو استغل الجهد اللى بذله (وكان كبير ودءوب) فى جمع المعلومات، واشتغل بـ نفس آليات التحليل الموجودة فعلًا فى الكتاب، وصاغ جمل تعتمد على منطق (هو بـ الفعل يمتلكه) فى الوصول من المعطيات لـ النتايج، كان الكتابين دول (بـ ما فيهم فعلًا) بقوا من العُمد فى المكتبة المصرية، لكنه فضل صياغتهم بـ طريقة «كتاب الرصيف» لـ سبب لا يعلمه إلا الله.
اللى غايظنى يا صديقى القارئ إنه اختياره هذا مش ناتج من قلة حيلة أو ضعف إمكانيات أو فقر أدوات، أو ما إلى ذلك، بـ العكس، تبدو لى قدرات الراجل كبيرة فعلًا، لغته سليمة (لما يعوز) كتابته رشيقة (لما يحب) أفكاره متسقة (سواء اتفقت معاها أو اختلفت) يبقى ليه يا معلم يبقى عندك جوهرة فـ تقدمها لى ملفوفة فى ورقة جرنان؟
على أى حال، ربنا يرحم الجميع، وأظن إنه إعادة قراية الكتابين دول مع تنحية الصياغة المزعجة شىء مهم من وجهة نظرى، وكمان إيه؟ بـ الظبط، الأهم من الشغل ظبط الشغل.







