الأحد 02 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

الجبتانا

الجبتانا
الجبتانا

من سمنود فى دلتا مصر طلع الكاهن مانيتون السمنودى، وعاش فى المملكة البطلمية أوائل القرن التالت قبل الميلاد. كان كاهن الإله رع فى عين شمس، وتدرج فى المناصب الكهنوتية، كما إنه كان مؤرخ وكاتب.

من أهم ما ينسب لـ مانيتون، كتاب اسمه: «الجبتانا: أسفار التكوين المصرية»، وينسب إليه أيضًا أنه كتبه بناء على تكليف من الملك بطليموس الثانى.

الكتاب يُعتبر ميثولوجيا «أساطير» وتكوين دينى وفلسفة دينية وعقائدية مصرية قديمة، ماهوش يعنى كتاب تاريخى موثق لـ الأحداث بـ الشكل اللى نعرفه عن التاريخ والتأريخ، خصوصًا بـ المفهوم الحديث. بس برضه هو بـ يسرد نشأة الحياة والحضارة فى مصر على الأرض مش بس الأساطير الدينية.

حسب النسخة المتداولة بين أيدينا حديثًا، الكتاب بـ يتناول قصة انبثاق الآلهة وظهورها فى مصر، وبداية تجمع السلالة المصرية حول وادى النيل، وظهور الحضارة المصرية «استنبات الحبوب، الزراعة، استئناس الحيوان»، وتفاصيل عن قصة إيزيس وأوزوريس، ونشأة المدن «زى (عين شمس) ومنف»، وتطور المجتمعات من التوحش إلى التحضر، وصولًا لـ توحيد البلد كلها على يد الملك مينا نارمر. 

مش بس كدا، دا كمان بـ يتضمن مفاهيم دينية شبيهة بـ حاجات ظهرت بعدين فى الأديان السماوية زى الجنة والنار والملائكة والأنبياء والوحى.

لما تيجى تدور على ظروف تأليف الكتاب هـ تقابلك مشاكل، زى فكرة التكليف الإلهى،لـ،ه بـ يتقال إن مانيتون السمنودى دونه بتكليف من الإله «رع» شخصيًا بعد رؤيا صعد خلالها إلى السماء! وأكيد بـ النسبة لنا دا كلام بلح، لكن مش دى المشكلة الوحيدة، يجوز الراجل شاف حلم ولا حاجة.

المشكلة الأكبر فى تقديرى هى الذاكرة الشفوية، لـ إنه بعد حرق مكتبة الإسكندرية، بـ يقولوا إن نصوص «الجبتانا» فضلت محفوظة شفويًا لـ فترة طويلة من الزمن، ومتوارثة عبر أجيال عديدة من الكهنة والرهبان، ودا كان بـ اللغة القبطية، رغم أنه اتكتب بت اليونانية، وهو دا اللى بـ يفسر عدم وجود مخطوطات أصلية كاملة باقية منه.

أومال إيه قصة النسخة المتداولة حاليًا؟

اللى حصل إنه هـ ييجى الأستاذ على على الألفى، موجه فى التربية والتعليم، ويبدأ يهتم بـ الكتاب المحفوظ شفويًا، ويدون نصوصه بداية من دخولنا النصف التانى من القرن العشرين. الألفى سجل نصوص الكتاب عن الراهب القبطى أبيب النقادى،اللى كان حافظ «الجبتانا» عن ظهر قلب «حاجة كدا زى المرويات الشفهية الإسلامية» وكان النقادى عارف «سندها» عبر سلسلة من ٥٥ جيل! الألفى انتهى من الصورة الأخيرة للكتاب فى نوفمبر ١٩٨٨. رغم كدا ما صدرتش الطبعة الأولى «أو الطبعات المبكرة» غير فى العقد الأول من القرن الحادى والعشرين، وتحديدًا صدر عن دار «روافد» فى طبعتين سنة ٢٠٠٩ وسنة ٢٠١١، ثم اتكرر نشره فى سنوات لاحقة.

اختلف استقبال الجمهور لـ الكتاب، وبقى من الكتب المثيرة لـ الجدل. فيه ناس كتير تحمست له، وأعرف أكتر من حد اشتروا منه عشرات النسخ ووزعوها على الناس مجانا، لـ إنهم شافوا فيه نص مصرى أصيل، ووثيقة ثمينة لـ استكشاف جذور الهوية المصرية القديمة وفلسفتها الدينية.

لكن فيه ناس شافوا إنه «إيه الهبل دا؟» وإنه ما ينفعش نتعامل معاه، وإن كان ولا بد يبقى بـ حذر، بـ اعتباره أقرب لـ الخرافات من كونه تاريخ موثق لـ الأحداث، خصوصًا إن عملية تجميعه والاعتماد على الرواية الشفوية بـ تطرح تساؤلات حوالين مدى أصالة النصوص ودقتها التاريخية.

عن نفسى بـ أشوفه كتاب مهم، لـ إن التأريخ والدقة مش هم بس أسباب الاهتمام بـ الكتابات، إنما نص زى دا عاش كل القرون دى، حتى لو ما وصلش زى ما هو، ضرورى نتعرف عليه ويبقى مادة خام لـ شغل فى التاريخ، يعنى إقرا واهتم، ومش ضرورى تصدق.