دعوة إلى وليمة.. رحلة إلى عالم الطعام الصينى

- كتاب لكل من يرغب فى معرفة كيف يأكل 1.4 مليار شخص فى العالم
- الطعام.. الطريقة التى تعبّر بها الصين عن نفسها منذ العصور القديمة وحتى الآن
- الطعام الصينى يتميز بالتقطيع الدقيق وموازنة النكهات بعناية وغالبًا ما تكون الخضروات محور الوجبة واللحوم نادرة
- مهما كانت الأطباق لذيذة وباهظة الثمن فإن هدفها الأساسى هو مرافقة الحبوب الأساسية
- قد لا يبدو فول الصويا ذا قيمة كبيرة ولكنه أساس جميع المأكولات الصينية والحساء جزء من كل وجبة
- السؤال بالنسبة للطاهى الصينى ليس «هل هذا صالح للأكل؟».. بل «كيف أجعله صالحًا للأكل»
رغم كونه واحدًا من أقدم وأكثر المطابخ تنوعًا فى العالم، حيث يمتد تاريخه لأكثر من 5 آلاف عام، إلا أن المطبخ الصينى يتميز بأنه أحد أكثر تقاليد الطهى رواجًا، لكن أقلها فهمًا فى الوقت ذاته. وعندما بدأ العمال الصينيون الأوائل بالاستقرار خارج بلدهم ظهرت المطاعم وانتشرت.
وفى كتابها «دعوة إلى وليمة: قصة الطعام الصينى»، تستكشف الطاهية والكاتبة الحائزة على جوائز، فوكسيا دنلوب، تاريخ وفلسفة وتقنيات ثقافة الطهى الصينية، من خلال بحث ميدانى أجرته على مدى ثلاثة عقود.
تبدأ الرواية بحديثها عن أول لقاءاتها مع ما يسمى «الطعام الصينى» خلال نشأتها فى إنجلترا. حيث كان هذا الطعام مختلفًا تمامًا عن أى شىء واجهته عندما وصلت إلى الصين.
الكتاب صدر فى نوفمبر 2023، عن دار نشر «دبليو دبليو نورتون أند كومبانى» الأمريكية، فى 480 صفحة، وتأتى أهميته فى أنه يدعو القراء للانضمام فى رحلة لا تنسى إلى عالم الطعام الصينى، حيث يطهى ويؤكل ويتأمل فى موطنه.
حيث يقدم منظورًا فريدًا عن تناول الطعام، فالشخص الذواق هو شخص يدرك أهمية التوازن وضبط النفس، ويضع فى اعتباره الطبيعة المحدودة لموارد الأرض وأهمية الحفاظ على الصحة من خلال نظام غذائى متوازن، شخص، بعبارة أخرى، يسعى إلى الفضيلة الصينية التقليدية المتمثلة فى «التناغم».
وصل الكتاب إلى نهائيات جائزة IACP للكتابة الأدبية أو التاريخية عن الطعام لعام 2024، كما اختارته مجلة «نيوزويك» كأفضل كتاب غير روائى لصيف 2024، وأيضًا فى قائمة «الكتب التى نحبها» للإذاعة الوطنية العامة الأمريكية، وصنف كأفضل كتاب طعام من مجلة Food & «Wine، ومن «فاينانشال تايمز»، وكأحد أفضل عشرة كتب عن الطعام من مؤسسة سميثسونيان لعام 2023.

جبل ضخم
تقول «دنلوب» عن دور الطعام الصينى فى الثقافة الصينية: «عندما يتعلق الأمر بالطعام الصينى، أرى نفسى بشكل متزايد كحشرة صغيرة تتسلق جبلًا ضخمًا من الإبداع البشرى. إنه أمر متناقض، لأن الصين الحديثة قد تبدو متشابهة من نواحٍ عديدة. فى جميع أنحاء البلاد، المبانى الحديثة المتشابهة، والعلامات التجارية نفسها، والملابس نفسها... حتى بعد دمار الثورة الثقافية، عاد الطعام الصينى إلى الظهور فى مشهد متألق من الألوان. فى جميع أنحاء البلاد، فى مطاعم صغيرة عادية فى مبانٍ خرسانية، بخطوط جميلة فى إطارات، يستمتع الناس بأطعمة لذيذة ومميزة محليًا بشكل لافت. وعلى مستوى عميق، هذه هى الطريقة التى تعبر بها الصين عن نفسها، منذ العصور القديمة وحتى الآن، ومن الآن وحتى الأبد».
تستكشف المؤلفة المطبخ الصينى على مدى ثلاثة عقود، وتقول إنها لم تصل بعد إلى نهاية رحلتها. حيث ترى أن معظم الغربيين، خاصة فى موطنها بريطانيا، يعتقدون أن الطعام الصينى يأتى فى عبوات من المطعم المحلى، لكنها تؤكد وجود صلة ضئيلة بين ذلك والمطبخ الحقيقى.
تقدم العديد من المطاعم الصينية فى الغرب قائمتى طعام: قائمة طعام معدلة ومبسطة تناسب الأذواق الغربية، وأخرى مصممة خصيصًا للزبائن الصينيين «تقترح طلب الطعام من القائمة الثانية».
وتشير إلى أن الصورة النمطية الغربية عن الطعام الصينى، المالح والزيتى وغير الصحى، تستند إلى المطاعم الصينية الرخيصة فى الغرب، التى تطورت لتلبية الأذواق الغربية، ولا تشبه الطعام الصينى الحقيقى إلا قليلًا.
وتوضح الكاتبة أن الطعام الصينى الأصيل يتميز بالتقطيع الدقيق وموازنة النكهات بعناية، باستخدام مكونات عالية الجودة مع مراعاة الخصائص الطبية. تشكيلة التوابل واسعة، وقد يتطلب تعلمها مدى الحياة. قطع اللحم الكبيرة نادرة، وغالبًا ما تكون الخضروات محور الوجبة، وليست مجرد طبق جانبى.
وهنا تبرز «دنلوب» الأهمية الثقافية للأرز وفول الصويا والملفوف، معترفة بالتوترات السياسية بين الصين والغرب، لكنها تعتقد أن الطعام «يتيح إمكانية بناء نوع مختلف من العلاقات ونافذة بديلة على الثقافة الصينية».

تقاليد متنوعة
تناقش المؤلفة فى كل فصل طبقًا أو أسلوبًا يظهر ثراء المطبخ الصينى، بدءًا من تنوع مكوناته ووصولًا إلى العلاقة الوثيقة بين الطعام والدواء. فعلى سبيل المثال، لطالما أُشيد بالكونجى «طبق عصيدة الأرز الآسيوى التقليدى»، المحضر ببساطة بغلى الأرز فى كمية كبيرة من الماء، فى الصين كعلاجٍ شافٍ لمعظم الأمراض الأساسية.
وتستشهد بادعاء الشاعر لو يو، من سلالة سونج، الذى كتبه قبل نحو ألف عام، بأن تناول الكونجى هو مفتاح الخلود. تتبع الكاتبة تطور المطبخ الصينى عبر السلالات والتميز الإقليمى، وكذلك عبر الشتات فى الغرب، معترفة بأن الصين قارة شاسعة، بتقاليد إقليمية متنوعة. إذا سافرت، مثلًا، من شانشى شمالًا، قرب سور الصين العظيم، إلى شيشوانجبانا جنوب يونان، فأنت فى عالم آخر من حيث فن الطهو.
فى الشمال، تجد الشوفان والدخن، والقمح والمعكرونة، ولحم الضأن والماعز، أما فى الجنوب، فتجد نفسك فى منطقة غابات مطيرة استوائية، حيث يتناول الناس تشكيلة مذهلة من الأطعمة، والتى غالبًا ما تتشابه مع تقاليد الطهى فى لاوس وميانمار وفيتنام. وينطبق الأمر نفسه على العديد من المناطق الأخرى فى الصين. فالصين تتمتع بتنوع بيولوجى استثنائى، فهناك غابات سيبيريا فى الشمال، وغابات مطيرة استوائية فى الجنوب، وهضبة التبت، ومناظر جيانجنان المائية، ومراعى الشمال، وكل هذه التضاريس المتنوعة تنتج مكونات متنوعة.

معايير مزدوجة
تقول دنلوب: «فى هذه الأيام عندما يضع الشيف الدنماركى، رينيه ريدزيبى، النمل أو فطيرة الرنة على قائمة الطعام فى مطعمه، فهو عبقرى فى فن الطهى وسيأتى الناس من جميع أنحاء العالم لتذوقها. عندما يطبخ اللندنى فيرجوس هندرسون، أو جوش نيلاند فى سيدنى، عاصفة من كرشة البقر أو معدة السمك، فإنهما فنانان رائدان لديهما جحافل من المعجبين فى جميع أنحاء العالم.
ومع ذلك، إذا صنع طاهٍ صينى العجائب بلسان البط أو وجه الأيل، فهو فلاح يائس أو بربرى قاسٍ. بينما يأكل السادة الإنجليز «الطرائد»، يأكل الصينيون دائمًا «الحيوانات البرية».
حتى عندما يتعلق الأمر بالأكل المدمر للبيئة، فإن مجال اللعب غير متكافئ، لأن الصينيين يجتذبون المزيد من الازدراء لتناولهم الزعانف مما يفعله اليابانيون للحيتان أو التونة ذات الزعانف الزرقاء أو الطهاة البريطانيون لتقديمهم الثعابين.
وليس من المستغرب أن تثير مثل هذه المعايير المزدوجة انزعاج وغضب الناس من أصل صينى، وأن يرغب آكلو زعانف أسماك القرش فى وضع أصابعهم فى آذانهم لحجب أصوات المواعظ الأخلاقية الغربية.
تشرح المؤلفة ما يميز الطعام الصينى أساسًا، فتقول: تتكون الوجبة الصينية عادة من «فان» أو «حبوب أساسية، يمكن أن تكون أرزًا أو نودلز أو أى مكون كربوهيدرات»، وعادة ما تكون أرزًا، بالإضافة إلى «كاى»، أو «سونج» فى الكانتونية الصينية، التى تعنى أطباقًا، أى «كل شىء آخر».
الحرف الصينى «كاى» يعنى «طبقًا» وحرفيًا «خضروات»، وهو مشتق من رمز «العشب» فوق رمز «القطف» أو «الجمع»، والذى هو فى حد ذاته رسم تخطيطى ليد على نبتة.
ومع ذلك، مهما كانت الأطباق لذيذة وباهظة الثمن، فإن هدفها الأساسى هو مرافقة الحبوب الأساسية، أو كما يقول الناس، «إسقاط الأرز» (شيا فان).. لا توجد وجبة صينية مثالية دون «فان».
تصف الكاتبة كيف تحول غالبية السكان الصينيين فى القرن التاسع من الدخن «نوع من الحبوب الكاملة الغنية بالعناصر الغذائية، وينتمى إلى الفصيلة النجيلية، ويزرع فى المناطق الجافة حول العالم» إلى الأرز، وهو طعامهم الأساسى الحالى، بعد أن فقدوا زراعة الدخن فى شمال البلاد لصالح البدو.
كان الدخن هو الذى حكم الصين القديمة، حيث زرع ما يقرب من مئة نوع منه فى شمال الصين بحلول القرن السادس الميلادى، وقدم مع الدخن طبق الجينج، وهو يخنة غنية بالمكونات المقطعة ومكثفة بالنشا.
تطلق «دنلوب» على الجينج اسم «الطبق الصينى الأصلى، طبق أور»، وهو أول طبق يقدم فى ولائم سلالة هان منذ حوالى ألفى عام.
وتبالغ فى وصف وعاء الأرز البسيط، فتقول:
«يلتقط ضوء ما بعد الظهيرة البارد البخار المتصاعد من الوعاء الأزرق والأبيض فى تجعيدات باهتة. يتميز الأرز بتوهج قمرى، يكاد يكون شفافًا. حباته مميزة، لكن حوافها ضبابية، وتلتصق ببعضها البعض فى كتل رقيقة... ربما لا يكون من المستغرب أن يشكو الغربيون، كما يفعلون، من أن الطعام الصينى مالح أو دهنى جدًا: سيكون كذلك إذا تناولت أطباقًا حارة أو مالحة أو زيتية بمفردها أو مع الأرز المقلى بدلًا من العادى. معظم أطباق جنوب الصين مصممة للمشاركة وتناولها مع الأرز العادى؛ فهى التوابل والملح والزيت والنكهة اللذيذة. إنها تضفى نكهة مميزة على الأرز، وليست كطبق مستقل».

إبداع الطاهى
تتناول المؤلفة التطور المشترك للزراعة والطهى وصولًا إلى إبداع الطاهى الصينى: «السؤال، بالنسبة للطاهى الصينى ليس «هل هذا صالح للأكل؟»، بل «كيف أجعله صالحا للأكل؟».
تضيف: يتناول الصينيون أنواعًا مختلفة من الفاصوليا، لكن لا شىء يضاهى أهمية فول الصويا. تضفى البقوليات نكهات غنية ولذيذة، تشبه اللحم، ستحدث تغييرًا جذريًا ليس فقط فى النظام الغذائى الصينى، بل فى نهاية المطاف فى النظام الغذائى اليابانى والكورى أيضًا.
وتشير: قد لا يبدو فول الصويا ذا قيمة كبيرة، ولكنه أساس جميع المأكولات الصينية. سواء كانت صلصة الصويا- التوابل الصينية الأساسية الموجودة فى مطابخ العالم- أو التوفو، بديل اللحوم الغنى بالبروتين، فإنه فى مطبخ الصينيين لا غنى عنه، فهو يلعب دورًا كبيرًا فى الخلفية كطعام منزلى يومى.
وأكدت: من الأطباق المهمة الأخرى هى الحساء، وهو أهم بكثير فى ثقافة الطعام الصينية منه فى الغرب، وهو جزء من كل وجبة تقريبًا، رسمية كانت أم غير رسمية. أفضل أنواع الحساء الصينى غالبًا ما تكون مرقًا شفافًا مصنوعًا من لحوم أو دواجن ممتازة. قد تبدو هذه الحساءات عادية للعين الغربية، لكنها غنية بجميع نكهات المكونات، ويمكن أن تكون لذيذة ومنعشة للغاية.

دور بسيط
تشير الكاتبة إلى الدور البسيط الذى يلعبه اللحم فى النظام الغذائى الصينى التقليدى، وهو يعتبر أحد الأسباب التى جعلت الصينيين، فى عصر ما قبل الأسمدة الكيميائية، قادرين على إعالة هذا العدد الكبير من السكان مع محدودية الأراضى الصالحة للزراعة. حيث إن نهج المزج والمطابقة، واللعب بالتكامل والتباين، كان محوريًا فى المطبخ الصينى لأكثر من ألفى عام. فكان يتم دمج المكونات ويتم تقطيع شريحة اللحم التى تكفى شخصًا غربيًا واحدًا، إلى شرائح، وتقلى مع خضار مكمل وتشاركها عائلة. حتى كمية ضئيلة من اللحم أو الدهن أو المرق، يمكن استخدامها لإضافة نكهة إلى مقلاة مليئة بالخضروات.
وأوضحت: حتى وقت قريب، كان معظم الصينيين يأكلون كميات كبيرة من اللحوم فقط فى المهرجانات. فى سياق المطبخ الصينى يمتد اللحم إلى أبعد من ذلك، ولكن عند طهيه مع مجموعة متنوعة من الخضروات اللذيذة، لا يشعر المرء أبدًا بالضيق. ومن الأسباب الأخرى أن كثيرًا من الصينيين نباتيون، وما زالوا كذلك. وقد ساهمت ندرة الموارد اللازمة لتربية أنواع مختلفة من الماشية، والفلسفة التى تسهم فى ترسيخ اعتقاد ثقافى بعدم التباهى، والفلسفات الدينية التى تحرّم أكل اللحوم، فى هذه الممارسة. وقد تكيف المطبخ الصينى مع هذه التغيرات، مقدمًا بدائل شبيهة باللحوم.
لكن هذا ليس ما يأكله معظم الصينيين فى الواقع. منذ ثمانينيات القرن الماضى أدى التوسع الحضرى السريع وارتفاع الدخل، إلى تزايد أعداد الصينيين الذين يتبنون الأنظمة الغذائية الغربية التى تهيمن عليها اللحوم والأطعمة المصنعة.

إغراء الغريب
تفسر «دنلوب» حالة الولع بالأطعمة الغامضة التى تعتبر متأصلة فى التاريخ الصينى، وتضع هذا الشغف فى سياق «ثقافة كان ينظر فيها إلى تناول الطعام بمغامرة على أنه طريقة ممتعة لعيش العالم وتجربته».
وتقول: «يتحدث الناس عن الطعام طوال الوقت، كمتعة عظيمة، ليس فقط النكهة والرائحة، بل أيضًا الملمس، والتفاعل الحسى مع طعامك. إذا تحدثت مع الصينيين عن الطعام ستجدهم دائمًا يصفون شعوره، وكذلك مذاقه. هناك متعة فى الانزلاق والقرمشة، وما أعتبره تناقضات فى الملمس، شىء طرى وزلق، ثم مقاوم أو مقرمش قليلًا فى النهاية. وهناك أيضًا أطعمة (عامل الالتصاق)، أشياء معقدة بعض الشىء، عليك فصل العظام والجلد والغضاريف. هناك نوع من المتعة غير المقيدة فى الجانب المادى للأكل، وهو أمر ممتع للغاية».
وتظهر لنا المؤلفة عمق المطبخ الصينى من خلال ثلاثين طبقًا متنوعًا للغاية. بعضها سيكون مألوفًا، حيث يحظى بشعبية فى العديد من المطاعم فى الغرب: الأرز المطهو على البخار، وتوفو المابو «طبق يتكون من التوفو الناعم فى صلصة حارة وزيتية وغنية بالنكهة، وعادة ما تحتوى على لحم مفروم ومعجون الفول العريض المخمر (دوبانجيانج) وفلفل سيتشوان، وباو شياو لونج شنغهاى (نوع شهير من الزلابية الصينية المطهوة على البخار، تعرف بحشوتها اللذيذة التى تتضمن مرقًا جيلاتينيًا ذائبًا ليصبح حساء غنيًا داخل غلاف رقيق جدًا، أو زلابية الحساء».
لكن البعض الآخر، مثل لب البوميلو «الجزء اللحمى الموجود داخل فاكهة البوملى، وهى ثمرة حمضيات كبيرة ذات قشرة سميكة، تشبه الجريب فروت» المطهو ببطء مع بيض الروبيان، غير معروف إلى حد كبير خارج الصين.
بعضها الآخر، مثل مخلب الدب، سيبدو منفرًا. مثل زعنفة القرش، فإن مخلب الدب هو أحد الأطباق الصينية الشهية التى تزعج دعاة الحفاظ على البيئة وعلماء الأوبئة على حد سواء.

تقنيات الطهى
تأخذنا «دنلوب» إلى أهم جوانب الطبخ، تطبيق الحرارة على البروتين وطهى الحبوب. وكما كتبت، نادرًا ما يشوى الطعام الصينى، وهى حقيقة قد تفاجئنا، نظرًا للعروض الرائعة للبط المشوى أو لحم الخنزير «تشا سيو» فى أماكن مثل الحى الصينى بلندن.
لكن هذه، كما توضح المؤلفة، هى الاستثناء، حيث ينتجها محمصون متخصصون بأفران مصممة خصيصًا. «فى معظم أنحاء الصين، يطهى الخبز على البخار أو الشواية، وتسلق المكرونة، وتطهى الأطباق اليومية من اللحوم والخضروات على الموقد».
تقول: «عندما دعوت أصدقاء صينيين يزورون أوروبا لأول مرة إلى منزلى لتناول وجبة مشوية إنجليزية يوم الأحد، وجدوها غريبة ومثيرة».
وهنا تعيدنا الكاتبة إلى أصول البروتين الحيوانى المطبوخ ودور النيران المكشوفة، حيث تتتبع دور اللحوم المشوية فى الممارسات الروحية المبكرة، وتصف كيف تطورت تقنيات الطهى بعيدًا عن الطهى بالنار. قبل ألفى عام، اعتاد الطهاة تقطيع الطعام إلى قطع صغيرة لتناوله باستخدام عيدان تناول الطعام، الشوك.
وأضافت: إذا دخلت أى مطعم صينى اليوم ستجد أطباقًا مقلية حيث يقطع الطعام إلى شرائح، أو مكعبات صغيرة أو شرائح. هذه عادة بدأت تتشكل منذ ألفى عام، خلال عهد أسرة هان، واستمرت منذ ذلك الحين. لأنه من الواضح أنه عند استخدام عيدان تناول الطعام يجب تقطيع الطعام إلى قطع صغيرة قابلة للالتصاق، أو يجب أن يكون طريًا جدًا ليسهل تقطيعه. هذا تناقض حقيقى: إذا أعطيت شريحة لحم خنزير لطاهٍ إنجليزى فقد يقليها فى مقلاة ويقدمها مع بعض البطاطس. إذا قدمته لطاهٍ صينى فسيقطعه إلى شرائح صغيرة، ويتبله، ثم يقليه مع خضار. إنه لأمر مختلف تمامًا من حيث الجمالية وطريقة الأكل، فلا سكاكين على المائدة فى الصين».
ففى الولائم الصينية كل ما تحتاجه هو زوج من عيدان تناول الطعام، وملعقة، ووعاء، وطبق. وهناك لمسة رقيقة ومداعبة فى عيدان تناول الطعام، فهى بمثابة امتداد لليد، وتضفى تفاعلًا حميمًا للغاية مع الطعام.
وعن تحدى القلى بالنار العالية تقول «دنلوب»: «لحظة غفلة قد تحدث الفرق بين النجاح والفشل... القلى السريع، كأى عمل خطى، يجب أن ينجز بإتقان من المرة الأولى: بمجرد وضع الطعام فى المقلاة أو الحبر على الورق، لا عودة، ولا فرصة ثانية».
نجوم جدد
تشير المؤلفة إلى أن وسائل التواصل الاجتماعى خلقت نجومًا جددًا فى مجال الطهى فى الصين، مثل لى زيكى وديانكسين شياوج. ويوجد طاهى البط المشوى الشهير فى بكين، دا دونج. ومن المثير للاهتمام أنه عندما أجريت مقابلة مع مؤسس مطعم «تشيرمان» الشهير فى هونج كونج، دانى ييب، قال إن مهنة الطهى أصبحت أكثر جاذبية للشباب الطموح، ويرجع ذلك جزئيًا إلى قدرتهم الآن على التواصل مباشرة مع الجمهور وكسب متابعين على وسائل التواصل الاجتماعى.
أما بالنسبة لبرامج الطبخ التليفزيونية، فهناك الكثير منها، خاصة منذ نجاح المسلسل الوثائقى «لقمة من الصين»، الذى بدأ عرضه فى عام ٢٠١٢. وهناك أيضًا كميات هائلة من كتب الوصفات، التى يبدو أنها تصبح أكثر فخامة وجمالًا كل عام.
اقرأ أيضًا:
فوكسيا دنلوب: «الطعام كدواء» فكرة جوهرية فى المطبخ الصينى حتى اليوم