الأربعاء 08 أكتوبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

وهم النجاح.. القضاء يرفض الدعوى ضد مؤلفى وناشر كتاب «الخاسر المحظوظ»

مؤلفا الكتاب
مؤلفا الكتاب

رفض قاضى المحكمة الجزئية الأمريكية للمنطقة الوسطى من فلوريدا/ ستيفن ميريداى، دعوى التشهير التى رفعها الرئيس الأمريكى ترامب/ ضد دار نشر «بنجوين رندوم هاوس» وصحيفة «نيويورك تايمز»، ومؤلفى كتاب «الخاسر المحظوظ: كيف بدد دونالد ترامب ثروة والده وخلق وهم النجاح».

وكتب القاضى تعليقات على الدعوى المكونة من 85 صفحة: «الشكوى هى بيان موجز وواضح ومباشر لادعاءات واقعية كافية لإنشاء مطالبة معقولة ظاهريا بالتعويض، وكافية للسماح بصياغة رد مدروس.. وكما يعلم كل محام (أو يفترض أنه يعلم)، فإن الشكوى ليست منبرًا عامًا للسب والقذف، وليست منصة محمية للغضب ضد الخصم».

منح ميريداى محامى ترامب مهلة ٢٨ يومًا لإعادة رفع الدعوى، فى الوقت الذى طالب فيه الرئيس الأمريكى بتعويضات قدرها ١٥ مليار دولار، من الناشر والصحيفة ومؤلفى الكتاب، وأيضًا من صحفيى «التايمز» بيتر بيكر ومايكل س. شميدت.

صدر كتاب «الخاسر المحظوظ» فى ١٧ سبتمبر ٢٠٢٤، الذى كتبه الصحفيان الاستقصائيان فى نيويورك تايمز، روس بويتنر وسوزان كريج، عن دار نشر «بنجوين برس»، فى ٥٢٨ صفحة.

ويأتى الكتاب حاليًا فى المركز الأول للكتب الأكثر مبيعًا، فى السير الذاتية لرجال الأعمال والصناعيين، وفى الفساد السياسى وسوء السلوك، وفى كتب نيويورك تايمز، ومن الكتب البارزة فى واشنطن بوست، وأفضل كتاب أعمال فى فاينانشال تايمز لهذا العام.

روس بويتنر وسوزان كريج ركزت تقاريرهما منذ عام ٢٠١٦ على الشئون المالية الشخصية لترامب، بما فى ذلك مقالات متعمقة كشفت عن الثروة التى ورثها ترامب من والده، وسجل فشل الأعمال المخفى فى عشرين عامًا من الإقرارات الضريبية لترامب. 

وقد منحت مقالتهما عن ميراث ترامب جائزة بوليتزر عام ٢٠١٩. انضم بويتنر إلى صحيفة نيويورك تايمز كمراسل استقصائى عام ٢٠٠٦. وكان من المرشحين النهائيين لجائزة بوليتزر فى عام ٢٠١٢. عمل سابقًا فى فرق التحقيقات فى صحيفة ديلى نيوز فى نيويورك وصحيفة نيويورك نيوزداى. 

غطت كريج سابقًا وول ستريت، وشغلت منصب رئيس مكتب ألبانى لصحيفة التايمز. قبل انضمامها إلى صحيفة التايمز فى عام ٢٠١٠، كانت كريج مراسلة فى صحيفة وول ستريت جورنال، وصحيفة ذا جلوب آند ميل.

يشكك الكتاب فى مزاعم ترامب بأنه استغل «قرضًا صغيرًا» من والده لإنشاء إمبراطورية تجارية ضخمة؛ وقد كتب أحد نقاد «كيركس ريفيوز» عنه: «صحافيان استقصائيان يقلبان قصة ترامب الأصلية رأسًا على عقب».

فى الدعوى، أشار محامو ترامب إلى «كتاب خبيث، تشهيرى، ومهين كتبه مراسلان من صحيفة نيويورك تايمز، وثلاث مقالات كاذبة، تشهيرية، ومهينة، جميعها من تأليف المدعى عليهم بعناية، بسوء نية، مصممة لإلحاق أقصى ضرر بالرئيس ترامب».

ردت صحيفة التايمز على الدعوى ببيان جاء فيه: «هذه الدعوى لا أساس لها. إنها تفتقر إلى أى مطالبات قانونية مشروعة، بل هى محاولة لقمع وتثبيط الصحافة المستقلة».

فى بيان صحفى، قالت منظمة «بن أمريكا» الأدبية غير الربحية: «هذه الدعوى الأخيرة ملفتة للنظر فى نفاقها، وتواصل هدفها الأوسع المتمثل فى خلق مناخ من الخوف والانتقام، مع ادعاء دعم حرية التعبير.. هذا النوع من التقاضى المسلح لا يهدد الصحافة المستقلة فحسب، بل يقوض أيضًا أسس التعديل الأول فى الدستور».

يتساءل مراسلا نيويورك تايمز الاستقصائيان فى الكتاب: كيف يمكن، أن يفلس مالك كازينو؟ فى حالة دونالد ترامب، يعد ذلك جزءًا من نمط طويل من الإنفاق المفرط، والغرق فى الديون، ثم العودة إلى الواجهة، كل ذلك فى ظل نشر أكاذيب لا تنتهى.

إحدى هذه الأكاذيب، حسب رواية المؤلفين، تظهر منذ البداية: لطالما قال ترامب إن والده «منحنى قرضًا صغيرًا جدًا عام ١٩٧٥». لكن هذا المبلغ الزهيد المفترض، كما يكشفان، يتألف من «ملايين الدولارات من قروض غير مسددة، وصناديق اتئمانية، وفوائد مدفوعة على قروض لم تكن موجودة إلا على الورق».

بما فى ذلك قرض بقيمة ١٥ مليون دولار «حوالى ٩٠ مليون دولار بأسعار اليوم» اضطر والد ترامب إلى شطبها، عندما تخلف ابنه عن سداد أقساط الرهن العقارى - وهو شطب يرى المؤلفان أن تفاصيله «قد ترقى إلى مستوى الاحتيال الضريبى». 

يضيف الكاتبان أن الصورة التى تظهر لن تفاجئ متابعى ترامب المخضرمين: عبقرى الأعمال الذى يعلن عن نفسه، ما كان ليصل إلى هذا الحد لولا أموال والده «كان ابنه المفضل بمثابة ثقب أسود لأموال فريد ترامب»، والتى تبددت تمامًا. 

انقلب هذا الاتجاه مع الثروة التى جمعها ترامب من برنامجه التليفزيونى «المتدرب»، وهى ثروة تبدو الآن معرضة لخطر التبخر، بسبب مزيج من المعيشة المترفة والأحكام القانونية الوشيكة، بما فى ذلك تدقيق مصلحة الضرائب، الذى قد يؤدى إلى فاتورة بقيمة ١٠٠ مليون دولار.

بفحص الإقرارات الضريبية والوثائق الموثقة بدقة، يصور المؤلفون إمبراطورية تجارية مبنية على الوعود والطموحات، بدلًا من الواقع. ويخلصون إلى أن ترامب «كان من الأفضل له أن يراهن على سوق الأسهم بدلا من نفسه».

وجاءت كلمة ناشر الكتاب كالتالى: بعد وقت قصير من إعلانه عن حملته الرئاسية الأولى، صرح ترامب لجمهور التليفزيون الوطنى بأن الحياة «لم تكن سهلة بالنسبة لى. لم تكن سهلة بالنسبة لى». بناء على سرد لعقود، نسج قصة خيالية عن كيفية استثماره قرضًا صغيرًا من والده فى بناء إمبراطورية تجارية وعقارية بمليارات الدولارات. 

جادل ترامب بأن هذا الإنجاز جعله مؤهلًا بشكل فريد لقيادة البلاد. إلا أن شيئا من ذلك لم يكن صحيحًا. بصفته الخليفة المختار لوالده الثرى، حصل ترامب على ما يعادل اليوم أكثر من ٥٠٠ مليون دولار من أموال العائلة. كما حصل على ربح مفاجئ ثان بفضل مارك بورنيت، المنتج التليفزيونى الثورى الذى صنع من ترامب نجمًا. 

فى الحقيقة، تم ضمان إمبراطورية ترامب، وفى بعض الأحيان إنقاذها، بما يعادل أكثر من مليار دولار جاءت فى طريقه، دون أى من الخبرة التجارية التى ادعى أنها كذلك.

بالاعتماد على أكثر من عشرين عامًا من المعلومات الضريبية السرية لترامب، بما فى ذلك الإقرارات الضريبية التى حاول إخفاءها، إلى جانب السجلات التجارية والمقابلات مع المطلعين على ترامب، يتتبع مراسلا نيويورك تايمز الاستقصائيان روس بويتنر وسوزان كريج، صعود ترامب المالى وسقوطه، وصعوده وسقوطه مرة أخرى. 

تحفة فى السرد القصصى، «الخاسر المحظوظ» هو بحث دقيق امتد لقرابة قرن، حافل بأخبار من برج ترامب، ومنتجع مار إيه لاجو، وأتلانتيك سيتى، وموقع تصوير برنامج «المتدرب». 

هنا، ولأول مرة، تقدم المحاسبة الحقيقية الحاسمة لترامب وأمواله - ما كان يملكه، وما خسره، وما تبقى له - وتكشف أسطورة ترامب، الملياردير العصامى.

وكتبت صحيفة واشنطن بوست: هذا كتاب شيق للغاية، ملىء بحكايات مذهلة.. يظهر الخاسر المحظوظ بتفاصيل موثقة بدقة كيف أنه «حتى عندما بدا ترامب فى أفضل حالاته، كان يفشل»، متكبدًا خسائر فادحة فى أعماله الأساسية. 

يثبت المؤلفان أنه لولا دعم والده، لما كان ترامب شيئا يذكر. كما يطرح الكتاب سؤالًا أعمق حول فلسفة «تظاهر بالنجاح حتى تنجح» السائدة فى أمريكا الحديثة. فى عالم يمزج بين «مظاهر الثروة والخبرة والكفاءة»، حيث تعتبر «الشهرة، بمعزل عن أى موهبة أو مهارة أخرى قابلة للتسويق»، «مهنة عالية الأجر»، هل يهم حقًا إن لم تنجح أبدا؟ 

العمود الفقرى للكتاب هو الأرقام. ولأن بويتنر وكريج يمتلكان هذا الكم الهائل من الوثائق، فهما قادران على إثبات، بتفصيل لا يقبل الجدل، حقيقة ترامب فى ظل هذه الضجة.. الأمر المحزن فى قراءة بويتنر ويتمثل عمل كريج فى إدراك عدد التمريرات التى حصل عليها ترامب على مر السنين، ومدى كونه من صنع وسائل الإعلام، والتى كما كتب المؤلفان، «نادرًا ما أعادت النظر فى ادعاءاته، وأضفت مصداقية على كل ما قاله».