الإثنين 17 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

صراع الوجود.. 45 كاتبًا يكشفون «سر الصنعة»

حرف

- فائزون بجوائز نوبل وبوليتزر يكشفون أسرارهم وقصتهم مع الكتابة

- كُتّاب من خلفيات وتخصصات وتجارب متنوعة يوضحون دوافع الكتابة

- روبرت بينسكى: شعرت بالقصص بنقاء.. كانت كلها كوجود داخلى حقيقية

- باتريشيا تشيرشلاند: بعد المدرسة كنت أتوقف كثيرًا عند مكتب الصحيفة لأستنشق رائحة حبر الطابعة

- لويز جلوك: حياتى لم تكن تبدو حياتى الحقيقية إلا عندما بدأت الكتابة

- كارل فيليبس: أكتب لأضع حاجزًا مؤقتًا بينى وبين ما لا يُطاق

- آن أدلمان: الكتابة تجربة صاخبة مليئة بالحيوية.. لمسة فريدة تحت اليد ولحن يمتزج بأفكار المرء 

لماذا نكتب؟ هل الكتابة ضرورة نفسية؟ ما الأهداف والدوافع الحميمة والغامضة وغير المتوقعة للكُتّاب وراء صقل مهاراتهم؟ هل فعل الكتابة مصدر فرح أم رهبة؟ وهل يأتى بسهولة أم بصعوبة لدرجة أننا نترقب الصفحة التالية أو نخشى أن تقتلنا؟

ولأن لكل كاتب فهمه الشخصى لمهنته وحرفته، يستكشف 45 كاتبًا ناجحًا فى مجالات متنوعة- الشعر، والعلوم، والفنون الأدائية والبصرية، والتحليل النفسى، والصحافة، والأدب، وغيرها- دوافعهم للكتابة، وصقل مهاراتهم.

وذلك فى مساهمات مرتبة، يرصدها كتاب «دافع الكتابة: 45 كاتبًا يتحدثون عن دوافع وأسرار حرفتهم»، وهو من تأليف إيلين بينسكى ومايكل سليفين.

المؤلفة الأولى هى مؤلفة كتاب «الهدايا المميتة» (2017)، الذى وصفه أحد المراجعين بأنه «كتاب يُقرأ إلى جانب كتاب فرويد (أوراق فى التقنية)». وقد أثرت سنوات خبرتها كمعلمة لغة إنجليزية فى المرحلة الإعدادية كتاباتها حول التحليل النفسى وعملها السريرى.

ويستمد الكاتب الثانى من خبرته كمحلل نفسى وصحفى لإيجاد رؤى جديدة حول أفكار التحليل النفسى. وقد شارك مؤخرًا فى تحرير كتاب «صدمة العنصرية: دروس من اللقاء العلاجى» (2023)، الذى وصف بأنه «نهج إنسانى لمشكلة الاضطهاد العنصرى».

الكتاب يقع فى 182 صفحة، وهو صادر بنهاية شهر يوليو الماضى، عن دار «روتليدج» البريطانية متعددة الجنسيات، ويأتى فى المرتبة الرابعة للكتب الأكثر مبيعًا فى مجال النظرية الأدبية.

تفسيرات محتملة

فى مقدمة الكتاب يتأمل إيلين بينسكى ومايكل سليفين فى أسباب دافعية الناس للإبداع؛ وتحديدًا، لماذا يكتبون. وبإجابتهما عن هذا السؤال يشيران إلى أن إلهام الكاتب غامض، وأن شغفه جذّاب، وأن قصصه مؤثرة تتجاوز المنطق، بينما الدوافع لا واعية. 

يحدد بينسكى وسليفين ثلاثة أنواع من الدوافع، بتعريف عام، حدداها كتفسيرات محتملة لدوافع الكتابة: النماذج والمرشدون، والدوافع والصدمات، والأدلة والتجارب. تشكل هذه الدوافع الثلاثة إطارًا للأقسام الثلاثة للكتاب.

فى الجزء الأول من الكتاب رتب الكاتبان اثنتى عشرة مقالة لكتّاب من خلفيات متنوعة: ستيفن جرينبلات، روبرت بينسكى، جين ليفى، جوزيف ليو كورنر، جوش ريتر، نيكول سيلى، باتريشيا تشيرشلاند، جرانت شريف، بيفرلى جيه. ستاوت، ناتاشا تريثوى، جوليوس دبليو. هوبسون الابن، وأورلاندو باترسون. 

يرتبط مقال كل كاتب، بطريقة ما، بالنماذج والمرشدين الذين ساهموا فى تشكيل كتاباته. إنهم يفكرون فى أولئك الذين ألهموهم: الأب، الأم، الجدة اللاجئة الروسية، الصديق، المعلم، الغريب فى الشارع، المعالج، القط ماكس الذى لا يتوقف عن اللعب والمسامحة، المؤلف أو الرسام أو الموسيقى المحبوب، وحتى لاعب كرة السلة الملهم الذى يلعب برشاقة وشجاعة.

فعل ثقة

يبدأ الجزء الأول بالكاتب ستيفن جرينبلات، الذى يقول: «لماذا أكتب؟ لأننى لا أعرف ما أفكر فيه إلا عندما أجلس وأدوّن أفكارى. وهذا ليس صحيحا تمامًا، فإنها لا تكتمل فى ذهنى وأدوّنها؛ بل إنها تأتى إلى ذهنى وتتشكل فقط عندما أجلس للكتابة. 

ويضيف: «يدهشنى من يعرفون مسبقًا ما سيكتبونه، ويضعون مخططات يتبعونها بترتيب دقيق، ويضعون علامة على كل بند عند الانتهاء من تدوينه. الكتابة بالنسبة لى هى فعل ثقة، ثقة فى دائرة كهربائية ستبدأ بالعمل بين عقلى ويدى، بحيث تكوّن أصابعى، عند نقرها على لوحة المفاتيح، جملًا مفهومة. 

ترتبط هذه العملية بالنسبة لى بشىء مشابه فى تجربتى فى القراءة: أثق بأننى سألاحظ شيئًا يستحق الملاحظة، وأننى مؤهل بشكل خاص لاختياره، حتى وإن لم أكن أعرف مسبقًا ما قد يكون».

ستيفن جرينبلات، مؤرخ أدبى ومؤلف أمريكى. عمل أستاذًا للإنسانيات بجامعة جون كوجان التابعة لجامعة هارفارد منذ عام ٢٠٠٠. عمل أيضًا محررًا عامًا لكتاب نورتون شكسبير ومحررًا عامًا ومساهمًا فى مقتطفات نورتون من الأدب الإنجليزى.

ثم يتحدث الكاتب روبرت بينسكى، فيقول: «أعتقد أننى أتذكر اللحظة التى أصبحت فيها كاتبًا. فى التاسعة من عمرى قرأت كتبًا أليس مرارًا وتكرارًا. بطريقة ما، كنت أقرأها طوال الوقت، ليس مع الكتب المطبوعة أمامى، بل مع قصص أليس التى تشكّل تيارًا خافتًا ولكنه مستمر، طوال اليوم، وربما فى أحلامى، فى تيار انتباهى. 

القراءة قادرة على فعل ذلك. شعرت بالقصص بنقاء، بريئة من أى فرق بين كتاب وفيلم، بين فيلم وخيال، بين لعب دور رعاة البقر والاستماع إلى حلقة من برنامج توم ميكس عن رعاة البقر على الراديو. كانت كلها قصة، وكوجود داخلى، كانت كلها حقيقية».

روبرت بينسكى هو شاعر أمريكى وكاتب مقالات وناقد أدبى ومترجم. عمل من عام ١٩٩٧ وحتى عام ٢٠٠٠ كمستشار مكتبة الكونجرس فى أمور الشعر. ألّف تسعة عشر كتابًا، معظمها مجموعات من شعره. تشمل أعماله المنشورة أيضًا ترجمات نقدية وجحيم دانتى أليجييرى ودفاتر الملاحظات المنفصلة التى كتبها تشيسلاف ميلوش.

رائحة الحبر

تروى الكاتبة باتريشيا تشيرشلاند ذكرياتها، فتقول: «غادر والدى المزرعة وهو فى الثانية عشرة من عمره ليبدأ العمل كـ(عامل طباعة) فى صحيفة (ذا بروكس بوليتن) فى بلدة صغيرة فى ألبرتا. لم يكن التعليم متاحًا. فى طفولته، أصيب بنوبة شلل أطفال أضعفت إحدى ساقيه، فأصبح يعرج ويعجز عن الجرى. ونتيجة لذلك لم يكن مناسبًا للوظائف التى كانت تحتمل فى السابق، كرعى الماشية أو قطع الأشجار أو الانضمام إلى الجيش. كان يقول، فى عبارة مبتذلة، إن (حبر الطباعة يجرى فى عروقه). 

فى الواقع، كان يعرف مهنة الطباعة جيدًا، بدءًا من كيفية إصلاح آلة الطباعة الخطية المتقلبة التى كانت تذيب الرصاص وتخرّمه، وصولًا إلى كيفية الكتابة بأسلوب شيّق عن مد خط هاتف فوق جبال موناشى. 

لقد رأيت خبرته عندما افتتح صحيفة قرية فى وادى أوكاناجان فى كولومبيا البريطانية. بعد المدرسة كنت أتوقف فى كثير من الأحيان عند مكتب صحيفة «أوليفر نيوز» لأستنشق رائحة حبر الطابعة، أو أتنصت على رجل الشرطة المحلى وهو يعدد أماكن الاحتجاز بعد المشاجرات فى حانة البيرة».

باتريشيا تشيرشلاند هى فيلسوفة تحليلية من أصل كندى أمريكى، اشتهرت بمساهماتها فى فلسفة علم الأعصاب والعقل. بروفيسورة شرفية ورئيسة قسم الفلسفة فى جامعة كاليفورنيا، سان ديجيو، حيث درّست منذ عام ١٩٨٤. عملت أيضًا كأستاذ مساعد فى معهد سولك للدراسات البيولوجية منذ عام ١٩٨٩.

يشير الكاتب جرانت شريف إلى المسودات، فيقول: «هذه الجملة- التى تقرأها الآن- لم تكن بداية هذا المقال. بدأت المسودات السابقة على نحو مختلف: سرد تاريخى، قراءة متأنية لمقطع أدبى، قصة مقتطعة من عناوين رئيسية. كلها جربت ثم تركت. لم أجد أيًا منها مناسبًا تمامًا».

جرانت شريف حاصل على درجة الدكتوراه فى الأدب الأمريكى من جامعة جونز هوبكنز. يكتب عن العرق والدين والثقافة فى الولايات المتحدة، وهو بصدد إنهاء كتاب عن العلمانية والتنوع الدينى وصعود الرواية الأمريكية.

مايكل سليفين

مصادر مختلفة

يكشف الكاتب أورلاندو باترسون عن المصادر المختلفة التى استمد منها إبداعه، فيقول: «ينبع دافعى للكتابة، ودوافعى، وإلهامى الأولى، من مصادر مختلفة. كان دافعى هو الرغبة فى فهم قتامة بيئتى الاجتماعية المبكرة، وواقعية ماضىّ كعبد وحشى. 

نشأت فى واحدة من أكثر مناطق جامايكا الاستعمارية كآبة وفقرًا. كانت ماى بن بلدة تجارية فى وسط الجزيرة القاحل، محاطة بمزارع قصب السكر، حيث كان قاطعو قصب رثّو الثياب حفاة الأقدام، لا يزالون يكدحون كما فعل أسلافهم لقرون تحت وطأة الاستغلال البشع لمالكى العبيد البريطانيين. أما أولئك الذين فروا من الحقول القاسية، فقد عملوا من الفجر حتى الغسق على أراضٍ حصوية صغيرة ميئوس من شفائها، يخدشون منها رءوس البطاطا والفاصوليا الذابلة فى حياة بالكاد تكفيهم لقمة عيشهم».

أورلاندو باترسون هو أستاذ ومفكر عام وعالم اجتماع جامايكى، ولد فى ٥ يونيو ١٩٤٠.

فى الجزء الثانى من الكتاب يواصل المؤلفان البحث فى أسباب الكتابة من خلال ستة عشر مقالًا لكتّاب من خلفيات متنوعة: لويس ميناند، لويز جلوك، نازيلا فتحى، بيج بويرز، سيجريد نونيز، مارلين مارتن، جين ماكجارى، نانسى جيه. تشودورو، توماس أوجدن، فوريست هامر، كارل فيليبس، وارن بولاند، جوشوا براجر، فيليب شولتز، مايكل سليفين، وريتا دوف. 

يرتبط مقال كل كاتب موضوعيًا بالدوافع والصدمات التى شكلت كتابته. يتأملون فيما يوجد فى الداخل: الدوافع، والصراعات، والمواهب، والآمال والمخاوف.

آن أدلمان

توضيح السبب

يتأمل الكاتب لويس ميناند فى دوافع كتابته، فيقول: «أؤمن بأن لكل شىء سببًا، وأن هدف الكتابة غير الروائية، وهو نوع الكتابة الذى أمارسه، هو توضيح السبب».

لويس ميناند هو ناقد وكاتب مقالات وأستاذ جامعى أمريكى، كتب الكتاب الحائز على جائزة بوليتزر «النادى الميتافيزيقى»، الذى يتناول التاريخ الفكرى والثقافى لأمريكا فى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.

تصف الكاتبة لويز جلوك رغبتها فى الكتابة، فتقول: «يبدو لى أننى رغبت فى الكتابة طوال حياتى. شدة هذا الإصرار، رغم استحالة تصديقه، توحى بدقة عاطفية أكثر منها حرفية. أعتقد أن حياتى لم تكن تبدو حياتى الحقيقية إلا عندما بدأت الكتابة».

لويز جلوك، هى شاعرة وكاتبة أمريكية، فازت بجائزة نوبل للآداب لعام ٢٠٢٠.

مسألة بقاء

تحكى الكاتبة بيج بويرز عن كيف بدأت كتابة أولى قصائدها، فتقول: «كتبت أولى قصائدى فى السيارة باستخدام حاسب محمول بدائى عام ١٩٩٥، وهو العام الذى التحق فيه ابننا الأصغر بالمدرسة الداخلية. 

دفعت للكتابة (حرفيًا ومجازيًا) خلال رحلات نهاية الأسبوع إلى نيو هامبشاير، حيث كنا أنا وزوجى نقيم فى فندق ونقضى بعض الوقت مع ابننا، أحيانًا بمفردنا، وأحيانًا مع أصدقائه، أو أثناء تناول الوجبات أو الأنشطة المدرسية. 

كان خريفنا الأول كأبوين سابقين لأوانهما، حيث كنا نسرع لزيارته فى نهاية كل أسبوع، مسألة بقاء، بقائنا نحن، وليس بقاءه».

بيج بويرز شاعرة ومحررة، ومحاضرة فى قسم اللغة الإنجليزية بكلية سكيدمور وأستاذة مساعدة فى جامعة كولومبيا، هى المحررة التنفيذية لمجلة «سالماجوندى»، ولها عدة مجموعات شعرية مثل «خبز قاسٍ» (٢٠٠٢)، و«عسل مع تبغ» (٢٠٠٧)، و«لنسيان البندقية» (٢٠١٤). 

تقول الكاتبة جين ماكجارى عن حبسة الكاتب: «فى حياتى الكتابية الممتدة لما يقارب نصف قرن، لم أختبر قط حالة (حبسة الكاتب) بصورتها التقليدية: يجلس الكاتب أمام صفحة بيضاء، وتبقى الصفحة بيضاء. 

ولكن، خلال مسيرتى فى كتابة ونشر عشرة كتب روائية، واجهت أمرًا غريبًا للغاية: حالة من التعثر الغامض والمتوقع، ليس قبل الكتابة، بل بعد رؤية ما كتبته. وفى سياق تحليل مطول، توصلت إلى تحديد سببها، وأدركت أيضًا مدى قوة هذه الحالة».

جين ماكجارى حصلت على بكالوريوس الآداب من جامعة هارفارد وماجستير الآداب من جامعة جونز هوبكنز، وتخرجت فى معهد بالتيمور واشنطن للتحليل النفسى، ونشرت روايات ومجموعات قصصية. حازت روايتها «فتاة سيئة وغبية»، الصادرة عام ٢٠٠٦، على جائزة جامعة ميشيجان للرواية. أنجزت مؤخرًا مجموعة قصصية جديدة ومذكرات بعنوان «نفسها والآخرون».

لويز جلوك

روابط الأفكار

تسرد الكاتبة نانسى ج. تشودورو ما تقوم به عندما تكتب وتقرأ، فتقول: «كقارئة، وفى مجال التحليل النفسى والعلوم الاجتماعية، أُحبّ السرديات: الحالات السريرية، ودراسات المقابلات، والدراسات الإثنوغرافية. لكن ككاتبة، أنا منظّرة. أجد روابط بين الأفكار والظواهر الملاحظة فى العالم الاجتماعى والثقافى والنفسى اليومى».

نانسى تشودورو ولدت فى ٢٠ يناير ١٩٤٤ فى مدينة نيويورك، وهى عالمة اجتماع وأستاذة جامعية أمريكية. تعرّف نفسها على أنها عالمة اجتماع تحليلية إنسانية ونفسية، ومحللة نفسية نسوية.

يرى الكاتب توماس أوجدن أن فن التحليل النفسى وفن الأبوة لا ينفصلان عن فن الكتابة. بمعنى آخر، تعلم الكتابة جزء لا يتجزأ من السعى ليكون أبًا أفضل مما كان عليه والده، ومحللًا نفسيًا أفضل مما كان عليه سابقوه.

ويضيف: «أعتبر هذه الأمور الثلاثة- أن أصبح كاتبًا وأبًا ومحللًا نفسيًا أفضل- مسئوليات مترابطة. لقد كان والدى أبًا أفضل لى مما كان عليه والده، وأصبحت أبًا أفضل منه، جزءًا أساسيًا من التقدم البشرى».

توماس أوجدن ولد فى ٤ ديسمبر ١٩٤٦، وهو محلل نفسى وكاتب أمريكى، كتب فى التحليل النفسى وفى الكتابة الخيالية، يعيش ويعمل فى سان فرانسيسكو، كاليفورنيا.

حاجز مؤقت

يفسّر الكاتب كارل فيليبس الدافع وراء ممارسته حرفة الكتابة، فيقول: «لماذا تكتب؟» سؤال طرح علىّ مرارا خلال ثلاثين عامًا من عملى كشاعر ناشر، وطوال تلك الفترة تقريبًا كنت أقول إننى أكتب لأضع حاجزًا مؤقتًا بينى وبين ما لا يُطاق، وأعنى بذلك ما يبدو أنه لا يُطاق؛ إنه محتمل، لكننى لست مستعدًا- لست مجهزًا عاطفيًا ونفسيًا بما يكفى- لتحمله».

كارل فيليبس من مواليد ٢٣ يوليو ١٩٥٩، وهو شاعر أمريكى، وأستاذ اللغة الإنجليزية فى جامعة واشنطن فى سانت لويس. فى عام ٢٠٢٣، منح جائزة بوليتزر للشعر عن ديوانه «ثم الحرب: وقصائد مختارة، ٢٠٠٧-٢٠٢٠».

يروى الكاتب جوشوا براجر قصة بداية علاقته بالكتابة، فيقول: «عندما كنت طفلًا صغيرًا نقشت كلمات على جانب خزانة كتب والدى الخشبية: (أبى يكرهنى). كانت هذه أول كلمات أتذكر كتابتها، وتمنيت أن تجد طريقها، لتدفعنى إلى تأكيد الحب، أو على الأقل إلى محاسبة النفس. لكن كتاباتى لم تكتشف، وبحلول الوقت الذى غادرت فيه نيوجيرسى بعد عقد من الزمان تقريبًا لقضاء سنة فاصلة فى القدس، كنت أكتب لنفسى فقط، أسجل، من فوق سريرى المزدوج فى مسكن حجرى متعفن، حياتى فى الثامنة عشرة».

جوشوا براجر صحفى ومؤلف. يُعرف بكتاباته عن الأسرار التاريخية والمعالم الثقافية، وآخر كتبه هو «عائلة رو: قصة أمريكية»، وقد رشح لجائزة بوليتزر للكتابات غير الروائية لعام ٢٠٢٢. ومن كتبه السابقة كتابا «الصدى الأخضر» و«مئة عام» اللذان نالا استحسان النقاد.

سؤال مشابه

يقول الكاتب فيليب شولتز: «كل دافع إبداعى قوى يولّد رد فعل تحذيرًا قويًا بنفس القدر، وكلما كان موضوعنا أكثر حميمية وصعوبة، كان رد الفعل أكبر وأكثر اضطرابًا. هل هذا هو سبب خوفى الشديد من الاعتراف فى عملى بالأضرار والتجاوزات التى قد أسببها، وما قد ينكشف حتى فى نجاحاتى؟

هذا هو بالتأكيد سبب مطالبتى لنفسى ببعض الوعى بالعملية التى أنخرط فيها تمامًا، وسبب استجوابى لنفسى فى كل خطوة من خطوات الرحلة الإبداعية. 

ولهذا السبب أيضًا أطلب من طلابى، قبل قراءة أعمالهم فى الفصل، تقديم مقدمات أو عبارات يكررون فيها النقد الذى سمعوه فى الأسبوع السابق، ويشرحون كيفية تطبيقه، ثم يطرحون سؤالًا يشير بشكل أفضل إلى القضية التى شغلتهم أكثر أثناء الكتابة. 

غالبًا ما يكون هذا السؤال هو الجزء الأكثر تحديًا، وما أسمعه غالبًا هو تصريحات عامة: هل هناك راوٍ شخصى حاضر، أو ما إذا كان المزاج أو النبرة التى كانوا يبحثون عنها واضحة. 

نادرًا ما يطرح الطلاب السؤال الذى يجده الكثير من الكتّاب الأكثر إلحاحًا وإزعاجًا: من قد يتأذى أو يسىء إليه ما يكتبونه؟ عبّرت جوان ديديون عن هذا الخوف على نحو أفضل فى مقدمة كتابها (الانحناء نحو بيت لحم): (الكتّاب دائمًا ما يخونون شخصًا ما). 

فى مرحلة ما، يجب على كل كاتب أن يواجه سؤالًا مشابهًا: هل نستحق الرضا عن التسبب بالألم للآخرين، خاصة لمن نحب؟».

فيليب شولتز من مواليد ١٩٤٥ فى نيويورك، وهو شاعر أمريكى. حازت مجموعته الشعرية «الفشل» على جائزة بوليتزر للشعر عام ٢٠٠٨. شولتز أيضًا مؤسس ومدير «استوديو الكُتّاب»، وهى مدرسة خاصة لكتابة القصص والشعر، مقرها مدينة نيويورك.

ترى الكاتبة ريتا دوف أن فكرة الدافع وراء عملية الكتابة تحمل فى طياتها إيحاء بأن المرء مجبر على وضع غير مرغوب فيه، كالماشية التى تساق إلى المسلخ، مع التلميح إلى وجود قوى خارجة عن سيطرته تعمل خلف الكواليس، تمامًا كما تعجز أوراق الشجر التى تعصف بها الرياح أو الثلوج المتراكمة عن توجيه مسارها أو التأثير على مصيرها. 

وتعلّق: «لكن بالنسبة لى، هذا أبعد ما يكون عن الحقيقة: أتوق إلى أن أكون فى حالة فرار دائم، أتعثر على درب مجهول لأكتشف أين سيلقى بى».

ريتا دوف هى شاعرة وكاتبة مقالات أمريكية. شغلت منصب ملكة الشعراء ومستشارة مكتبة الكونجرس فى أمور الشعر بين عامى ١٩٩٣ و١٩٩٥. وكانت أول أمريكية من أصل إفريقى تعين فى هذا المنصب منذ تأسيسه بموجب قانون أصدره الكونجرس عام ١٩٨٦.

الأدلة والتجارب

فى الجزء الثالث من الكتاب يستكمل الكاتبان البحث فى أسباب الكتابة من خلال ستة عشر مقالًا لكتّاب من خلفيات وتخصصات وتجارب متنوعة: إيلين بينسكى، آدم فيليبس، روان ريكاردو فيليبس، رايتشل ديلون، آن أدلمان، ها جين، كيرى مالاويستا، جودى ل. كانترويتز، ديفيد ليت، بيل جريفيث، بيتر سليفين، روبرت جاى ليفتون، روبرت بويرز، لويد شوارتز، بيجى تاى، وهارولد فارموس. 

يرتبط كل مقال موضوعيًا بالأدلة والتجارب التى شكلت كتاباتهم. إنهم يتأملون فى عالمهم ومجتمعهم ووطنهم، وكذلك فى الأعمال الفنية، وتجربتهم للواقع، وجمهورهم، والحرب والسلام، والخسارة، والانتخابات والطبيعة.

يحلل الكاتب آدم فيليبس السبب الذى يدفعه لممارسة الكتابة، فيقول: «عندما نكتب عن التحليل النفسى، ما الذى نتخيل أننا نكتب عنه؟ من جهة، نجد أدلة نظرية وتقنيات التحليل النفسى مكتوبة بلغة مألوفة وسهلة الفهم، ومن جهة أخرى، نجد ملخصات سريرية حية، مثيرة للعواطف، وغامضة، أو نجد مقترحات نظرية مبتكرة تبدو وكأنها تتطلب مفردات جديدة، وأسلوبًا أقل قابلية للتنبؤ. تسعى جهود توحيد النظرية والتطبيق إلى استيعاب هذا النطاق بأكمله، بهدف زعزعة بعض الإجماع المفترض أحيانًا».

آدم فيليبس من مواليد ١٩ سبتمبر ١٩٥٤، وهو معالج نفسى تحليلى وكاتب مقالات بريطانى. منذ عام ٢٠٠٣، تولى رئاسة تحرير ترجمات دار نشر بنجوين مودرن كلاسيكس الجديدة لأعمال سيجموند فرويد. وهو أيضًا مساهم منتظم فى مجلة لندن ريفيو أوف بوكس، ومساهم فى موقع EXPeditions الإلكترونى.

نشأة الشاعر

يعلّق الكاتب روان ريكاردو فيليبس على فكرة نشأة الشاعر، فيقول: «قصة نشأة الشاعر أقرب إلى الأسطورة. لكننى لا أشعر بالارتياح تجاه لقب (شاعر): فهو غالبًا ما يبدو لقبًا بعيدًا ومشرّفًا لا يعنى إلا ما هو مقصود به فى لحظة واحدة، فالشعراء يكونون شعراء عندما يكتبون الشعر، أما عندما لا يكتبونه، فهم ليسوا كذلك».

روان ريكاردو فيليبس شاعر ومحرر ومترجم أمريكى. وهو أستاذ للغة الإنجليزية فى جامعة ستونى بروك، ومحرر الشعر فى The New Republic، ومحرر سلسلة برينستون للشعر المعاصر فى مطبعة جامعة برينستون. وهو رئيس مجلس إدارة معهد نيويورك للعلوم الإنسانية.

تصف الكاتبة آن أدلمان إحساسها بتجربة الكتابة، فتقول: «فى متجر والدىّ للآلات الكاتبة كانت الكتابة تجربة جسدية، صاخبة، مليئة بالحيوية. ورق يتجعد، وبكرات تدور بهدوء، وعربات ترفع. أصابع تنقر على المفاتيح تضبط على نبضات المعدن الذى يصطدم بالأسطوانات، وصوت رنين نهاية الخط، وسحاب العربة مستعد لبدء التالى. لكل آلة إيقاعها الخاص، لمسة فريدة تحت اليد، لحن يمتزج بأفكار المرء ويتشكل كلمات على صفحة بيضاء».

آن أدلمان هى طبيبة ومحللة نفسية فى الجمعية الفرويدية المعاصرة، وعضو هيئة تدريس فى برنامج الكتابة فى الاتجاهات الجديدة. شاركت فى تأليف وتحرير كتابين، وكتبت عددًا من الفصول والمقالات المهنية. تستخدم الكتابة كأداة تعليمية وكوسيلة لمساعدة الآخرين على فهم تجربة العلاج النفسى من منظور مختلف.

روبرت بينسكى

مساحة لا متناهية

يروى الكاتب ها جين قصته مع الكتابة، فيقول: «كنت كاتبًا مبتدئًا، وكانت لدىّ شكوك كثيرة حول الكتابة ومستقبلى، الذى تخيّلته بتدريس الأدب الأمريكى فى جامعة صينية مع ترجمة بعض الكتب الأدبية من الإنجليزية. لكن حدسيًا شعرت بأن هذا الاحتمال قد يتغير. لم أكن متأكدًا مما إذا كنت سأتمكن من مغادرة الصين للتبادل الأكاديمى بمجرد عودتى. 

لقد رأيت أن جيلًا كاملًا من الباحثين والعلماء الصينيين المتعلمين فى الولايات المتحدة قد أضاعوا حياتهم، معزولين ومتحجرين فى الصين، لذلك خشيت أن أكرر حياتهم رغم عزمى على العودة. 

لاحقًا، وقعت مأساة تيانانمن ولم أعد أستطيع العودة إلى الصين بعد الآن. لكننى لم أتوقف أبدًا عن الكتابة لأنها شىء أستطيع فعله. فى أعماقى كان لدىّ نوع من الجوع الذى لا يمكن إلا للكتابة أن تشبعه، ومع ذلك لم يكن فعل الكتابة أكثر من طريقة لقضاء حياتى. لم أكن أعرف ماذا يمكننى أن أفعل لتخفيف هذا الجوع العميق.

لاحظت أن الكثيرين من بين المنفيين والمهاجرين الصينيين فى أمريكا الشمالية قد اعتنقوا المسيحية أو البوذية. كنت أعجب بهم لإيمانهم العميق، لكننى لم أشعر قط بالحاجة إلى ذلك. لطالما تساءلت عن السبب.

مع فهمى لحاجاتهم النفسية للتحول الدينى، ما زلت مندهشًا من أننى لم أكن يومًا متحمسًا لذلك، مع أننى كنت أمتلك بالطبع توقًا دينيًا. لطالما تساءلت: لماذا أختلف عن أولئك المنفيين والمهاجرين الذين اعتنقوا دينًا؟ لماذا لا أنضم إلى كنيسة أو معبد أو دورة قرآنية؟ 

تدريجيًا، أدركت السبب، كنت أكتب، وبنيت تدريجيًا منظومة قيم جديدة فى إطارى المرجعى الداخلى، ألا وهى الأدب أو الفن الأدبى. فى الأدب، وجدت مشهدًا أو مجرة أوسع وأكثر ديمومة من بلد أو دولة. فى عالم الأدب، ثمة نجوم تتفوق بسهولة على معظم السياسيين والشخصيات التاريخية.

هذه المساحة إلهية ولا متناهية، تشبه الدين فى مداه وعمقه. لذلك، حافظت الكتابة على استقرارى، جسديًا وعقليًا وروحيًا. لحسن الحظ، دخلت بالصدفة فضاء الأدب حيث أجد نفسى. وهذا يفسر عدم رغبتى الشديدة فى اعتناق دين.

أستطيع أن أكرّس نفسى للسعى وراء الفن الأدبى، الذى يتجاوز أيضًا قيود الوطنية والأيديولوجيات. بمعنى آخر، لم أكتب فقط لإشباع جوع داخلى، بل أيضًا للمساعدة فى الحفاظ على سلامتى العقلية وجعل وجودى ذا معنى. هذا هو البعد الروحى والوجودى الذى لم أكن أدركه فى بداية ممارستى الكتابة».

ها جين من مواليد ٢١ فبراير ١٩٥٦، شاعر وروائى أمريكى من أصل صينى، حائز على عدة جوائز، حصل على درجة البكالوريوس فى الدراسات الإنجليزية. ثم درجة الماجستير فى الأدب الأنجلو أمريكى من جامعة شاندونج ثم الدكتوراه من الولايات المتحدة.

يدرّس حاليًا فى جامعة بوسطن، ماساتشوستس. سبق له التدريس فى جامعة إيمورى فى أتلانتا، جورجيا. حصل على زمالة مارى إلين فون دير هايدن للرواية فى الأكاديمية الأمريكية فى برلين، ألمانيا، فى خريف عام ٢٠٠٨. وعيّن عضوا فى الأكاديمية الأمريكية للفنون والآداب عام ٢٠١٤.

باتريشيا تشيرشلاند

الإحساس بالذات

يقول الكاتب روبرت جاى ليفتون عن دافعه للكتابة: «نكتب لأن إحساسنا بالذات يفرض علينا الكتابة. لكن ما يدفعنا إلى ذلك ليس واضحًا تمامًا، لذلك نؤلف قصصًا عنه».

روبرت جاى ليفتون طبيب نفسى ومؤلف أمريكى، اشتهر بدراساته للأسباب والآثار النفسية للحروب والعنف السياسى، وبنظريته فى إصلاح الفكر. وكان من أوائل المؤيدين لتقنيات التاريخ النفسى.

يوضح الكاتب هارولد فارموس دافعه للكتابة، فيقول: «كان بعض زملائى من العلماء والأطباء كتّابًا بالمعنى التقليدى- مثل سى. بى. سنو أو سومرست موم- وكتب كثيرون مذكراتهم عن مسيرتهم المهنية الحافلة. 

لكن لم يلتفت كثيرًا إلى الكتابة التى تبدو عادية، والتى تعدّ إلزامية لأى باحث يرغب فى إخبار زملائه والجمهور بالاكتشافات، سواء المحققة أو المتوقعة. هدفى هنا هو توضيح سبب قيامنا بذلك، ومتعه التى لا تقدّر حق قدرها».

هارولد فارموس هو عالم أمريكى حائز على جائزة نوبل فى الطب سنة ١٩٨٩، يشغل حاليًا منصب أستاذ الطب فى جامعة لويس توماس بكلية طب وايل كورنيل، وزميل أول فى مركز نيويورك للجينوم.