الإثنين 29 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

خصلة من جدايلها.. العشق الممنوع بين التابعى وأم كلثوم

حرف

- العشق لم يتحول إلى علاقة خاصة ولم يصل إلى محطة الزواج السرى بينهما

- قال لها: إذا لم يكن فى استطاعتى أن أحظى بحبك فعلى الأقل أن أحظى بكرامتى كاملة

- لم تنكر هدى التابعى أن تكون هناك قصة حب جمعت بين أم كلثوم وبين زوجها محمد التابعى

- مصطفى أمين: لم أرَ فى حياتى أم كلثوم تحافظ على مواعيد حفلة كما تحافظ على مواعيد حفلات التابعى

- التابعى: كانت الأطباق المفضلة عند «أم كلثوم» هى البط على الطريقة الدمياطية والأوز بالملوخية

- الضحك فى أثناء الاستماع لأم كلثوم لا يتفق مع أصول الفن الرفيع

- التابعى: أم كلثوم كانت توز ع نكاتها علينا بالعدل والقسطاس

- قال عنها: سر عظمة أم كلثوم ليس فى صوتها فهذه هبة من الله وإنما فى شخصيتها القوية فى أن الفتاة الساذجة الريفية تستطيع أن تجالس الوزراء وتحدثهم أحاديث الوزراء

- رغم علاقتهما إلا أنه وقف منها موقفًا حادًا وحاسمًا بسبب محمد عبدالوهاب

- مشهد فيلم «الست» لا يليق أبدًا لا بأمير الصحافة ولا بـ«كوكب الشرق» السيدة أم كلثوم

لم يكن شيخ حارتنا الصحفية محمد التابعى هو هذا المحرر الذى يقف أمام باب غرفة أم كلثوم ليحصل منها على خبر أو تصريح. 

ولم يكن هو الصحفى الذى توالت عليه السنون دون أن تكون لديه جريدته الخاصة حتى العام 1944 كما ذكر فيلم «الست»، حتى تأتى السيدة أم كلثوم لتمنحه مالًا ليؤسس به مجلة. 

ولم يكن هو أيضًا الذى يمكن أن يقع فى مغالطة كبرى بأن يقول للست إنها ستكون أول سيدة تكتب مقالات رأى فى الصحافة المصرية. 

من فعل ذلك لم يعرف التابعى، وأنى له أن يعرفه؟ 

ومن أجرى بينهما هذا الحوار لا يمكن أن يكون قرأ القصة الطويلة التى ربطت بين مؤسس الصحافة المصرية الحديثة وسيدة الغناء العربى. 

لقد بدأ التابعى رحلته فى عالم الكتابة والصحافة فى بداية عشرينيات القرن العشرين، وهى تقريبًا الفترة التى بدأت فيها أم كلثوم الغناء. 

كان محمد التابعى ممن بشروا بأم كلثوم، كتب عنها فى مجلة «روزاليوسف» التى صدرت فى العام 1925، وأفسح لها فى العام 1937 صفحات مجلته «آخر ساعة» التى أصدرها فى العام 1936 لتنشر مذكراتها، وانفرد بها المحرر محمد على حماد على حلقات.

يقول صبرى أبوالمجد فى كتابه الموسوعى «محمد التابعى» الذى صدر فى العام 1986: بدأ الأستاذ محمد على حماد كتابة قصة أم كلثوم بعنوان «من ذكريات لا مذكرات أم كلثوم، وكانت بداية تلك الذكريات فى العدد 178». 

لم تترك المجلة، منذ صدورها، حفلًا لأم كلثوم إلا وتابعته، ولم تترك فيلمًا لها إلا وتناولته بالتغطية والنقد، فقد كانت حاضرة على خريطة صحافة محمد التابعى وعلى تضاريس حياته نفسها. 

وربما كان غريبًا أن يغفل محفوظ عبدالرحمن فى مسلسله «أم كلثوم» هذه العلاقة، فى الوقت الذى أسهب فى سرد تفاصيل علاقتها بمصطفى أمين، ما كان سببًا فى كشف صحفى مهم عن العلاقة الخاصة جدًا التى ربطت بين التابعى والست. 

صباح الإثنين ٢٨ أغسطس ٢٠٠٢ ظهرت مجلة «آخر ساعة» تحمل تقريرًا صحفيًا صاخبًا ومفاجئًا، كتبه رئيس تحرير المجلة الكاتب الصحفى الكبير محمود صلاح. 

كان مصدر التقرير هو السيدة هدى التابعى زوجة محمد التابعى، وكشفت فيه عن الرسائل الخاصة المتبادلة بين زوجها وبين السيدة أم كلثوم. 

قدم محمود صلاح لقرائه قصة ثلاثة خطابات أرسلها محمد التابعى لأم كلثوم، وخطاب واحد منها إليه، وما أضفى مزيدًا من الرومانسية على هذه الخطابات أن السيدة هدى التابعى كانت قد عثرت عليها بعد رحيله داخل مظروف مكتوب عليه بخط التابعى الأنيق «كروانة الكراوين»، وكان معها منديل صغير به آثار رائحة عطر وقصاصة من الشعر رجحت أنها من شعر أم كلثوم، هذا غير مجموعة من الصور الخاصة لأم كلثوم لم تُنشر من قبل. 

ما كتبه التابعى فى خطاباته يمكن أن يكشف لنا بعضًا مما كان بينه وبين أم كلثوم من عشق أعتقد أنه ظل ممنوعًا، فلم يتحول إلى علاقة خاصة، ولم يصل إلى محطة الزواج السرى بينهما. 

الخطاب الأول كتبه التابعى من فندق «أكسليسور» بميلانو صباح ٩ يونيو ١٩٣٦، ويقول فيه: لست أطمع فى أن يبعث مرأى هذا الخطاب الدم إلى خديك، أو يزيد من سرعة دقات قلبك، أو أن يعقد لسانك لحظة أو لحظتين، أو أن تقرئيه من وراء أبواب مغلقة أو إلى آخر ما وصفت بإسهاب وأنت غارقة فى بحار الذكريات- لكنى أطمع فقط وليس هذا بالشىء الكثير ففى نفسى ورأسى ألف معنى ومعنى، كلها تزدحم وكلها تطلب النور ولكنى أخشى أن يصيبها ما يصيب الجماهير، حين تزدحم أمام باب الدخول، أى أنها تدوس بعضها بعضًا، ويمزق بعضها بعضًا، ويعطل بعضها بعضًا، ثم ترتد خائبة منهكة عن باب الدخول. 

ويذكّر التابعى أم كلثوم بما جرى بينهما: اليوم الثلاثاء.. فهل تذكرين؟ هل تذكرين ما قلت لك فى يوم الثلاثاء الماضى؟ وأين كنا؟ وكيف كنا؟ كان البحر هائجًا مضطربًا طول الطريق، كنت أفكر أين أنت الآن وترى ماذا تفعلين، وهل أنت تفكرين فىّ كما أفكر فيك؟ وفى يوم الخميس والناس معى سكارى دائخين من غير خمر، اعتليت مقعدًا عاليًا فى بار السفينة، وشربت نخبك كأسًا صامتًا، وكانت الساعة العاشرة، فلما أفرغتها وكان هياج البحر على أشده، أسرعت إلى غرفتى وآويت أفكر فيك وأنا مغلق العينين. 

أم كلثوم والتابعى مع عدد من الأصدقاء

ويقول: أكره أن أعرى نفسى ولو أمام عينيك، أرجو أن تكون صديقتك «باب الخلق» قد شفيت، وأن تكونى قد اطمئننتِ، فأنا أعرف مبلغ حبك لها، حتى لأكاد أحيانًا أغار منها، ولقد رأيت صديقتك «مش عارف إيه الباجورى» على ظهر السفينة، وهى سمراء واسعة العينين مقوسة الأنف، سمينة نوعًا ما، واسم زوجها حاجة همام.. فهل هى؟

الخطاب الثانى كتبه التابعى بلغة عاشق وروح محب صباح الخميس ١٩ يونيو ١٩٣٦، يقول لأم كلثوم: فى ذمتى لك كلمة يجب أداؤها، فعهدى بك أن أكون دائمًا صريحًا معك، لقد اكتمل اليوم أسبوعان منذ سمعت صوتك آخر مرة، أسبوعان كنت دائمًا فيهما فى خاطرى، وكنت أنا دائم التفكير فيما كان وفيما يمكن أن يكون، وبين الاثنين جولات شردت فيها إلى الماضى البعيد الذى أجهله وإن كنت أحيانًا أود أن أعرفه، لولا خوفى من أن يكون فيها ما يحطم الأمل أو يقطع حبل الرجاء، ولم يكن لى بد من أن أقارن بين حاضرك معى وبين ماضيك، وهل أنت معى كما كنت؟ وأكملى الباقى من عندك. 

ويضيف التابعى: ولعلى ألمحت إلى شىء من هذا فى صدر خطابى الأول إليك، وهذه المقارنة تؤلمنى دائمًا، لأننى أخرج منها كسير النفس مغلوبًا على أمرى، جريحًا فى أدق مشاعرى، لأننى لم أستطع أن أكون لك أو أكون منك فى المنزلة التى تريدين، وكانت النتيجة أننى هممت أو على الأصح شرعت فعلًا فى أن أحاول نسيانك، لأنى إذا لم يكن فى استطاعتى أن أحظى بحبك كما أريد، فعلى الأقل أن أحظى بكرامتى كاملة، وليكن بعدها ما يكون. 

كتب التابعى خطابه الثالث لأم كلثوم فى ١٧ أبريل ١٩٣٦. 

يقول فيه: ليست هناك ساعة واحدة أستطيع القول إنها ملكى، أو إننى فيها ملك نفسى، لأنك دائمًا معى، تطلين علىّ وتهمسين فى أذنى، بكل ما كان بيننا فى كل ساعة من ساعات الأشهر الستة التى اتصلنا فيها، وعرفت معنى القرب ومعنى الخصام، وفى محفظتى صورتك الصغيرة، وخصلة من شعرك أشمها، ويعلم الله أننى لست من أنصار الخيال كما يفهم أصحاب الرواية والشعراء من تجار الشعر الرخيص، ولست من أنصار الأحلام ولا من الذين يطوون أياديهم فى صدورهم ويستسلمون إلى خيال مستعار لم يتعبوا منه، ولكنى أمام صورتك الصغيرة أحس أننى تلميذ يشم معبودته الأولى، التى حرق أمامها أول بخور اشتراه بأول قطرة من دم قلبه الشاب. 

ويخاطب التابعى أم كلثوم: اكتبى إلىّ وتكفينى كلمة ترد علىّ إيمانى، لقد أردت أن أعيد إليك كل ما تحت يدى، لا زاهدًا فيها لأنها كلها تذكارات عزيزة علىّ وأقرب إلى قلبى مما تظنين، وإنما أردها إليك لأننى لم يعد لى حق فى الاحتفاظ بها. 

ويكشف التابعى أمورًا خاصة بينهما، يقول: أذكر أننى قلت لك فى آخر حديث لى معك إننى خجل لأننى عن غير قصد قد ورطتك فى بعض ما تكرهين أو على الأقل حملتك على أن تفعلى ما كنت تريدين ألا يكون، وأن هذه أول مرة أجد نفسى فى مثل هذا الموقف، وأول مرة أحس فيها بأننى قد جرحت فى حبى وكبريائى معًا، قلت لك هذا بعد أن قلته أنت نفسك، ثم زدت أنا عليه أننى سوف لا أضايقك فى المستقبل، وإننى لن أسمح لنفسى بأى عمل أو قول يكون فيه إحراج أو توريط لك، لأننى أطمع دائمًا فى علاقة لى، أن يكون المتبادل فيها عطاء بنفس راضية، لا استجداءً أو سلبًا بإكراه أو توريطًا، قلت لك هذا ورهنت كلمتى عليه، وأخذت على نفسى أن أفى بكلمتى هذه كما وفيت بكلمة سابقة، ثم أكدت لك فى ختام حديثى أننى أنا لم أتورط معك، وكل كلمة قلتها لك كانت من قلبى، وكل عاطفة أو خلجة كانت صادقة خالصة لا أثر فيها لإحراج أو توريط، هذا ما أذكره الآن من حديثى الأخير.

يبدو مما كتبه التابعى فى خطاباته أن علاقته بأم كلثوم لم تكن مستقرة، ويبدو لى أكثر أنها كانت علاقة حب من طرف واحد، فقد غرق التابعى فى حب أم كلثوم، لكنها لم تكن تبادله الحب بنفس القدر الذى يريده. 

خطاب أم كلثوم لم يكن ردًا على ما كتبه التابعى فى عام ١٩٣٦، فقد جاء بتاريخ ٢٨ ديسمبر ١٩٤٦، وأهم ما فيه أنها كانت تحدثه عن التذكارات الصغيرة التى تحدث عنها فى خطاباته إليها، ويبدو أنها كانت تذكارات متبادلة. 

تقول أم كلثوم: أنت لم تعطِ لى شيئًا فى الحقيقة، وإنما أنا التى أخذتها منك، وورطتك فى إعطائها إياى بعد إلحاح كثير، وبقاؤها تحت يدى قد يثير فى نفسك شيئًا من القلق وعدم الاطمئنان، لا لأن فى هذه الصور ما يمكن مؤاخذتك عليه، كلا فهى خالية من الإهداء وحتى من الإمضاء، وإنما لأنها قد يجوز أن يكون فى وجودها مجتمعة تحت يدى، ومنها صورة لا يمكن أن تهدى إلى صاحب معرفة بسيطة أو أول عابر طريق، ما يثير الفضول إذا وقعت عليه عين غريبة فى يوم من الأيام، خفت أن يدور هذا كله فى رأسك وأنا أريدك أن تكون مطمئنًا وأن لا يقلقك هاجس، بأنك تركت وراءك أثرًا قد ينم عن كذا أو يكشف عن كيت، لذا أعيدها إليك. 

وتخاطب أم كلثوم الكاتب الكبير، تقول: عزيزى محمد التابعى.. أشكرك على برقيتك، ثم أشكرك أكثر على رسالتك، وإنى سعيدة بأن أسمع أنك فى أحسن حال، ومقالتك الأسبوعية الممتعة فى «أخبار اليوم» و«آخر ساعة» تحمل لى كل أسبوع خير الأنباء عنك، إنى على العكس سُررت بالبرقية سرورى بالخطاب، وإذا كان هناك من يجب أن يعتذر.. فهو أنا، وتقبل خالص تحياتى وشكرى. 

لم تنكر هدى التابعى أن تكون هناك قصة حب جمعت بين أم كلثوم وبين زوجها محمد التابعى، لكنها كأى زوجة تحافظ على كبريائها، قالت لمحمود صلاح إن زوجها الراحل لم يتحدث معها أبدًا عن قصة حبه لأم كلثوم، رغم أنها كانت تشعر بذلك، وقد تأكدت من ذلك عندما عثرت على الخطابات وقصاصة الشعر. 

وفى عذوبة بالغة تصف هدى التابعى ما جرى عندما ماتت أم كلثوم، تقول: يوم وفاة أم كلثوم كان زوجى يعيش رحلة مرضه الأخير، وحاولت إبعاد الجرائد التى كانت تحمل خبر وفاتها عنه، لكنه ظل يسأل: أين الجريدة، وعندما اضطرت إلى إعطائه الجريدة بعد إلحاحه وبمجرد أن وقع نظره على خبر وفاة أم كلثوم سقطت الجريدة من يده وغطى وجهه بيديه وانخرط فى بكاء حار. 

أغلب الظن أن هدى التابعى لم تهتم كثيرًا بقصة الحب التى جمعت بين زوجها وبين أم كلثوم، فقد بدأت وانتهت قبل أن يتعرف عليها، فقد كان الخطاب الأخير بينهما فى العام ١٩٤٦، وهو نفس العام الذى تعرف فيه على هدى، وقرر أن يتزوجها، لتبقى هى المرأة الوحيدة فى حياته حتى عام وفاته فى ١٩٧٦. 

ورغم تأكيد هدى التابعى قصة الحب التى جمعت بين زوجها والسيدة أم كلثوم فإن الكاتب الكبير مصطفى أمين نفى أن تكون بينهما أى علاقة. 

فى يوم الأربعاء ١٨ ديسمبر ١٩٨٥ وفى عموده فكرة بجريدة «الأخبار» كتب مصطفى أمين أن الشعب المصرى كان منقسمًا بين أم كلثوم وعبدالوهاب، وانضم التابعى إلى حزب عبدالوهاب وأصبح ينتهز كل فرصة للسخرية من أم كلثوم، ثم أصبح بعد ذلك صديقًا مقربًا منها، وذات يوم تعرف التابعى على أسمهان بواسطة صديقهما المشترك محمد عبدالوهاب، وبعد شهور عدة وقع التابعى فى حب أسمهان وقرر أن يتزوجها، ووافقت أسمهان ووضع فى إصبعها «دبلة الخطوبة» ووضعت فى إصبعه «دبلة الخطوبة»، وأصبح التابعى غيورًا عليها، وأصبحت هى غيورة عليه، وكان إذا غار احترق، وكانت إذا غارت اختفت، ثم يحل الوفاق بعد الخصام، وبعد أيام تعود الحرب من جديد ويتبادلان الاتهامات، وبعد يومين يتبادلان القبلات. 

كان مصطفى -كما يقول- رئيس تحرير آخر ساعة، وعلى أمين سكرتيرًا للتحرير، وكانا يعارضان هذا الزواج بشدة، لأن أسمهان كانت مطربة عظيمة ولكنها امرأة هوائية، تحب فى الصباح وتكره فى المساء. 

ذهب مصطفى وعلى أمين إلى أم كلثوم وكانا يرتبطان معها بصداقة متينة -كما يقول- مصطفى - وطلبا منها أن تساعدهما فى إنقاذ التابعى من أن يغرق فى بحر أسمهان. 

قالت أم كلثوم: وماذا تريدان منى أن أفعل؟ 

فقالا: أن تتزوجيه أنت. 

ضحكت أم كلثوم وقالت: أعوذ بالله.. أنقذ التابعى من الغرق.. لأغرق أنا؟ أولًا كلكم تعرفون أنه لا يوجد بينى وبين التابعى أى استلطاف، ثم إنه لا يصلح زوجًا لى، فقد تزوج الممثلة زوزو حمدى الحكيم، ولم يدم الزواج سوى شهر واحد وطلقها. 

يمكننا أن نتعامل مع ما كتبه مصطفى أمين على أنه كان محاولة لإخفاء قصة الحب بين التابعى وأم كلثوم، فقد كان هو الآخر يحبها، ويبدو أنه كان يريد مصادرة الست لنفسه، لكن أغلب الظن أنه لم يكن يعرف ما دار بين أستاذه والست، وقد مات قبل أن تفصح هدى التابعى عن هذه الخطابات، فقد توفى فى العام ١٩٩٧. 

لكن ما توقفت عنده هو ما قالته أم كلثوم عن التابعى لمصطفى وعلى أمين، فهى الأخرى كانت تجتهد فى إخفاء هذه العلاقة. 

ما يدهشك بالفعل أن مصطفى أمين كان قد كتب ما نفهم منه أن هناك علاقة خاصة بين التابعى وأم كلثوم، وأنه ليس صحيحًا أنها لم تكن تستلطفه. 

يحكى مصطفى أن الأستاذ محمد التابعى مسح به الأرض، وصوّره للقراء بصورة الحيوان الذى لا يفهم شيئًا فى أصول الغناء، لأنه ذات مرة كان يتكلم مع رياض الصلح، رئيس وزراء لبنان، عندما كانت أم كلثوم تغنى له، وقال له: أنا أكره السهرات الغنائية للسيدة أم كلثوم التى تحضرها معى. 

ويواصل أمين حكايته: طلبت من أم كلثوم أن تدافع عنى فرفضت، وقالت: إنها متفقة مع الأستاذ التابعى فى كل ما قال، واستحلفتها بالعيش والملح، لكنها أكدت أنها لم تأكل عيشًا وملحًا، لا معى ولا مع سواى، لأنها تعيش طوال حياتها على الريجيم، ومن أصول المحافظة على القوام ألا تأكل العيش ولا الملح، ولهذا كان لا بد من أن أدافع عن نفسى كما يفعل المتهمون المقدمون لمحكمة الشعب. 

ويضيف مصطفى: كان الأستاذ التابعى يطلب منا إذا جلسنا فى حفلة لنسمع أم كلثوم، أن نضع أيدينا على صدورنا، وألا نتنفس إلا فى مقاطع معينة، والويل لو واحد منا عطس وأم كلثوم تغنى رباعيات الخيام، يجب أن تحبس «العطسة» إلى أن ينتهى الغناء وتبدأ موسيقى السنباطى، والويل لك إذا لم تقل الله فى الوقت الذى حدده الأستاذ، فهناك مقاطع معينة يجب أن تقول فيها الله، وإذا لم تقل الله فى هذا المقطع فأنت لا تفهم أصول الفن، ولا تفهم الفرق بين القصيدة والطقطوقة، والفرق بين بيتهوفن وشكوكو، فإذا حدث مثلًا وقال أحد الحاضرين نكتة، فليس لك إلا أن تنتظر وتضحك عليها بعد انتهاء السهرة، لأن الضحك فى أثناء الاستماع لأم كلثوم لا يتفق مع أصول الفن الرفيع. 

ويصل مصطفى أمين بنا إلى ذروة الحكاية عندما يقول: ومن المدهش أن السيدة أم كلثوم عندما تغنى فى منزل الأستاذ التابعى، تنقلب إلى تلميذة هى الأخرى، إنها تقف وتجلس طبقًا للأوقات التى يحددها التابعى، فالتابعى عنده آلة تسجيل ويجب ألا تغنى أم كلثوم أكثر من طول الشريط، ولم أرَ فى حياتى أم كلثوم تحافظ على مواعيد حفلة، كما تحافظ على مواعيد حفلات التابعى. 

ويضيف: كنت ذات مرة جالسًا معها، وإذ بها تنظر إلى الساعة فى فزع وتقول: ليلتنا سودة .. لقد ضرب الجرس من خمس دقائق، ولم أفهم ماذا تريد أن تقول أم كلثوم.. ثم فهمت بعد ذلك، لقد دعاها الأستاذ التابعى للعشاء الساعة الثامنة والنصف، وكانت ساعة أم كلثوم الثامنة والنصف، فخرجت مسرعة من بيتها فى طريقها للتابعى، ونسيت أن تأخذ معها حقيبة يدها، ومعطفها.. ونسيتنى أنا أيضًا فى البيت. 

فمن نصدق أم كلثوم التى قالت لمصطفى أمين إنها لا تستلطف التابعى أم التى تنسى نفسها وهى فى طريقها إليه؟ 

وما يدهشك أن الروايتين كتبهما مصطفى أمين نفسه.

كانت أم كلثوم حاضرة فى حياة محمد التابعى منذ بداياتها، وزاد هذا الحضور فى الثلاثينيات والأربعينيات، وقد كشف التابعى عن هذا الحضور البرىء فى كتابه «ألوان من القصص»، وهو من كتبه النادرة والتى لا يعرف الكثيرون عنه شيئًا. 

الكتاب ضم مجموعة من الحلقات التى نشرها التابعى فى مجلة «آخر ساعة» فى العام ١٩٥٨، وقدمه التابعى بقوله: «هذه كلمة أقدم بها مجموعة أو ألوانًا من القصص التى سمعتها من أصدقاء وزملاء وكل منهم يقول- أو يزعم - أن قصته حقيقية وأنه لم يؤلفها ولم يقرأها فى كتاب، بل هى قصة سمعها من راوية ثقة أو عاش فيها أو كان له بين أبطالها دور ونصيب، وهذه القصص كثيرة ولكننى- وأنا أكتب هذه المقدمة - لا أعرف عدد القصص التى سوف أنشرها هنا، لأننى لم أستأذن بعد هؤلاء الأصدقاء والزملاء فى نشر القصص التى رووها أمامى». 

حكى التابعى فى كتابه عن ذكرياته فى مصيف رأس البر، وكانت أم كلثوم عاملًا مشتركًا فى هذه الذكريات، وقد خصها بالذكر فى مقدمته، فقال: مطربتنا العظيمة قد ترفض أن تأذن لى بنشر القصة، التى روتها لأسباب تراها وتقدرها. 

يقول التابعى: لأول مرة أصبح رأس البر مصيفًا لأصحاب المقام الرفيع، فأقامت الملكة نازلى وبناتها فى فندق كريستال على الضفة الشرقية للنيل أمام رأس البر، ويقيم رئيس الوزراء النحاس باشا وأسرته فى جناح بفندق كورتيل، وكذلك مكرم باشا عبيد، ويقيم إسماعيل صدقى صاحب الدولة وعبدالفتاح يحيى باشا فى فندق مارين فؤاد.

ويضيف: أما أنا العبد لله فقد كانت لى عشة صغيرة على شاطئ البحر فى، رأس البر كانت أشبه بدار ضيافة للأصدقاء الذين كنت أرجوهم أن يقيموا معى ويؤنسوا وحدتى وكانوا يتفضلون بقبول الرجاء، العشة بها ثلاث حجرات للنوم، وبكل حجرة سريران، وأحيانًا كنا نقيم قرعة لمن ينام على السرير ومن ينام على الكنبة، فقد كانت الأسرة تتسع أحيانًا لعشرة أشخاص إلى جانب كنبتين فى حجرة الطعام.

ويتحدث التابعى عن أصدقائه، يقول: كل هؤلاء عدا الأصدقاء الذين كانوا يقيمون فى الفنادق ويفدون إلى العشة الصغيرة المتواضعة لتمضية السهرة، وكنا نسمى هؤلاء الزائرين أعضاء شرف ومنهم السيدة أم كلثوم وحفنى محمود ويوسف وهبى ونجيب الريحانى الذى كان يصطحب معه استيفان روستى وحسن الأعور والدكتور سعيد عبده وقاسم على ويوسف الشريعى وأحمد الألفى عطية، أما الأعضاء الذين يقيمون معى فى العشة فقد كان منهم سليمان نجيب وتوفيق الحكيم وكامل الشناوى وأحمد الصاوى وإحسان عبدالقدوس ومحمد عبدالوهاب.

ويتذكر التابعى ما كان من أم كلثوم فى رأس البر، فيقول: كنا نخرج للنزهة على شاطئ البحر سيرًا على الأقدام، وغالبًا إلى حيث كانت تجلس أم كلثوم، وكانت تقيم فى عشة فى آخر المصيف إلى الجنوب، وكانت تجلس دائمًا أمام عشتها على الشاطئ تحت مظلة وفى يدها كتاب، وكنا نحييها ونجلس على الرمال حولها، وبعد أن توزع نكاتها علينا بالعدل والقسطاس كانت أحيانًا تسألنى: طابخين إيه النهاردة عندكم؟!

كان التابعى يحيل أم كلثوم على سليمان نجيب لأنه كان الوحيد الذى يهتم بالمطبخ وما يجرى فيه، والوحيد الذى كان يشترك مع الطاهى الأسطى أحمد فى إعداد قائمة الطعام. 

يقول التابعى: كانت الأطباق المفضلة عند «أم كلثوم» هى البط على الطريقة الدمياطية والأوز بالملوخية والرقاق وورق العنب والكوارع واللحم والحمام، فإذا تصادف أن كان أحد هذه الأطباق فى قائمة طعام اليوم قالت المطربة الذواقة على الفور: طيب اعملوا حسابى بأه.. جاية أتعشى معاكم النهارده. 

ويضيف التابعى: كانت السهرات التى نحضرها- وأم كلثوم على رأسها - نسخر من الذين يأكلون بشهية، ونروى القصص، أو نتحدث عن الحب أو فى السياسة الداخلية، أو خيرًا من هذا وذاك نتناول سيرة أحد المصطافين أو إحدى المصطافات، وغالبًا سيرة الاثنين معًا، وتصيح أم كلثوم: أعوذ بالله من لسانكم اللى زى المبرد، ولكنها مع ذلك تشترك معنا بنصيب الأسد فى الحديث.

ويتنقل التابعى من الحديث عن السخرية والكلام عن الناس إلى أم كلثوم وهى تغنى، يقول: وفجأة ننتبه إلى شىء ما، وتخفت الأصوات ثم نسكت تمامًا، فقد بدأت «أم كلثوم» تدندن وهى تبتسم لنا كأنها تتحدانا أن نستمر فى حديثنا إذا استطعنا، ويعلو النغم قليلًا قليلًا، ويتجمع ويرتفع، ثم ينطلق قويًا ويجلجل، وتختفى الابتسامة، وتتوه عيناها فقد نسيتنا جميعًا ونست كل ما حولها وهى تغنى لنفسها. 

يصف التابعى الحال: كنت أدور بعينى على الحاضرين، سليمان نجيب يشد فى شعر رأسه ثم يركل بعصبية، وهنا يتراجع توفيق الحكيم بمقعده إلى الوراء بعيدًا، فقد أصيبت ساقه بإحدى رفصات سليمان نجيب، وتوفيق الحكيم يهز رأسه ويمصمص شفتيه، والصاوى أحمر العينين يغالب النعاس فقد كان صديقنا الذى يسهر الآن فى عمله الصحفى إلى الصباح، كان فى تلك الأيام لا يطيق السهر بعد العاشرة مساءً. 

ويصل التابعى إلى الذروة عندما يقول: وإذا ما انتهت أم كلثوم من الغناء، سمعنا دوى التصفيق خارج العشة، ونخرج إلى الشرفة المطلة على البحر ونجد عشرات وعشرات من سكان العشش المجاورة الذين كانوا أقبلوا على غناء أم كلثوم قد افترشوا رقعة الرمال التى تفصل بين العشة ومياه البحر. 

ويعدد التابعى بعضًا من نوادر أم كلثوم. 

كانت تقول لكامل الشناوى: اوعى تنزل البحر لحسن تعمل فيضان. 

وكان سليمان نجيب يعشق أكل الشطة فتقول له: ولو.. والله لو شربت الشطة بالمعلقة مفيش فايدة. 

فيسألها توفيق الحكيم: مافيش فايدة فى إيه؟ 

فتضحك دون أن ترد عليه. 

ويضيف التابعى: وإذا كان المطرب الشعبى محمد عبدالمطلب موجودًا عندى تقول له: اوعى تخرج لحسن قرعتك تسيح، فنضحك جميعًا، ويا ويله من يصيبه الدور من سخريتها ونكاتها. 

تقاطعت أم كلثوم مع التابعى كثيرًا، وقد جرت بعض هذه التقاطعات فى الفترة التى جمعت بينهما قصة الحب السرية، والتى أميل إلى أنها كانت من التابعى أكثر، ففى رمضان العام ١٩٤٠ حدث لبس بينهما بسبب الإفطار، وهو اللبس الذى كتب التابعى قصته فى آخر ساعة بعنوان لطيف هو: أنا وأم كلثوم أفطرنا على بصلة. 

يحكى التابعى: اتفقت مع الآنسة أم كلثوم على أن نفطر سوا اليوم ووافقت، ذهبت إلى دارها فلم أجدها، واضطررت أن أفطر على بصلة، أقصد أن أفطر فى الشارع، وفى الساعة السابعة والنصف، أى بعد الإفطار، اتصلت بأم كلثوم لأعاتبها، فراحت هى تعاتبنى، وتؤكد أنها فهمت من حكاية «نفطر سوا» أنها ستفطر عندى، فى منزلى، ولما حضرت ولم تجدنى اضطرت أن تفطر على بصلة أيضًا فى بيتها.

نزل التابعى من بيته، وذهب إلى أم كلثوم، وقاده الخادم إلى غرفة الصالون، ويظهر أن الخادم أخطأ فى ذكر اسمه- كما يقول- ، لأن أم كلثوم حضرت بعد دقيقة واحدة، مع أنها تعودت أن تلطعه ساعة أو نصف الساعة فى الانتظار.

يقول التابعى: المهم جلسنا نتحدث حديثًا لم توافق أم كلثوم على نشره، وإن كانت سمحت بأن أنشره بعد وفاتها أو وفاتى أنا زى بعضه، والحديث لذيذ جدًا، ولا شك فى أن القراء يتمنون أن يقرأوه قرييًا.

ويخرج التابعى من الحديث عن الإطار على بصلة للحديث عن أم كلثوم، يقول: كلما رأيت أم كلثوم شعرت بالكثير من الفخر أن تستطيع فتاة مصرية فلاحة أن تصل إلى ما وصلت إليه، أن تخط لنفسها طريقًا للمجد، وترتفع درجات هرم الشهرة درجة درجة، فلا تنزلق مرة واحدة، كما شعرت بالسعادة أن أرى امرأة غير مغرورة تعرف أنها فى حاجة دائمًا إلى أن تتعلم، وإلى أن تزداد خبرة ودراسة ومرانًا.

ويحدثنا التابعى عن عظمة أم كلثوم من وجهة نظره، يقول: وليس سر عظمة أم كلثوم فى صوتها، فهذه هبة من الله، وإنما فى شخصيتها القوية، فى أن الفتاة الساذجة الريفية تستطيع أن تجالس الوزراء، وتحدثهم أحاديث الوزراء، وتجالس النساء فتتكلم عن الموضة والأزياء، وتجالس التلاميذ فتتكلم عن المبتدأ والخبر، وصيغة منتهى الجموع، وتجالس الموظفين فتحدثهم عن تعديل الدرجات، هى فى كل مجلس تعرف ما يقال وما لا يقال، وتفهم عقلية هؤلاء وهؤلاء، بينما أنا أعرف عظماء معينين تنزلق ألسنتهم بألفاظ السوقة فى مجالس الكبراء، ويتحدثون بكلام الكبراء فى مجالس الصعاليك.

ولا ينهى التابعى مقاله دون أن يوثق واحدة من سخريات أم كلثوم، يقول: كان معى صديق يرى أم كلثوم لأول مرة، وكان صديقى معجبًا بها مدهوشًا، فقال لها: إنى أريد أن أتبناك.. اجعلك ابنتى الوحيدة. 

فضحكت ثومة، وقالت: يعنى عاوز تقول لى يا بنت الكلب.. بالذوق؟ 

ويكشف أرشيف مجلة «آخر ساعة» اهتمام التابعى بأم كلثوم، ففى ٢٣ نوفمبر ١٩٤٩ تنشر تقريرًا عن جلسة فى منزل التابعى خصصها لأم كلثوم وحضرها ثلاثون من أصدقاء التابعى وأم كلثوم. 

تقول المجلة إنه لفت أنظار المدعوين جهاز كامل للتسجيل الكهربائى مزود بالميكرفونات ومركب على قاعدة خاصة تضم مكتبة للأشرطة. 

وتشير المجلة إلى أنه لم يكن معروفًا عن التابعى أنه من هوايات التسجيل، لكن يبدو أن أم كلثوم جعلته يهواها، حتى أصبحت لديه مكتبة كبيرة ومتنوعة من الأشرطة المسجلة. 

كان التابعى قد أقام هذا الحفل بعد عودته من رحلته الأخيرة إلى أوروبا، ووقفت أم كلثوم تغنى فى الجهاز الذى جلبه التابعى معه، وكان يقف إلى جوارها أثناء الغناء صلاح ذهنى ثم التابعى الذى كان واقفًا يداعب الدكتور جورج بطرس الذى انهمك بإشعال السيجارة، وكان إلى جوارهم صبحى الشوربجى، ومحمد حسنين هيكل، ومحمد إبراهيم المهندس بالإذاعة، وحسين التابعى، ومصطفى أمين.

كان التابعى يعرف أن أحد أحلام أم كلثوم هو أن تسجل القرآن بصوتها، ويبدو أنه كان يدعمها فى ذلك ولكن على طريقته، فلم يتورط هو بالدعوة إلى ذلك، ولكنه استند إلى رسالة وصلته من أحد القراء يطالب بأن تسجل أم كلثوم القرآن. 

فى العام ١٩٥٠ يكتب محمد التابعى: وصلنى خطاب من زكريا عبدالسلام المحامى وجهه إلى الآنسة أم كلثوم، يقدم فيه اقتراحًا يسر المسلمين فى مصر والعالم، يقول فيه: أن تقوم «أم كلثوم» بتسجيل جميع سور القرآن الكريم فى شريط يذاع بمصر ومختلف الدول العربية فى شهر رمضان الكريم وأيام الجمع، مؤكدًا أن الشريط سيكون أثرًا خالدًا لها مدى الحياة، خاصة أننى سمعتك تقرئين القرآن فى الإسكندرية عام ١٩٢٣، كما سمعتك تقرئين القرآن فى رواية «سلامة»، ومن الواجب عليك أن تسمعى الأجيال القادمة صوتك الحنون الذى سيزداد حلاوته بمعانى القرآن الكريم.

ويواصل زكريا فى خطابه: بصفتى محاميًا أؤكد لك أنه يمكنك أن توقفى هذا الشريط المسجل لآيات القرآن، كما توقف العقارات والكتب، وتنصى على شروط إذاعته بما يناسب جلال القرآن الكريم، وأن تجعلى القيم على هذا الشريط محطة الإذاعة المصرية لتتولى مفاوضة محطات العالم، أما ريع تأجير إذاعة الشريط فيصرف فى السابع والعشرين من رمضان «ليلة القدر» للمشايخ الفقراء الذين لا يذيعون فى محطات الإذاعة والذين لا يتقاضون مرتبات، وتذكرى يا آنستى أن عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين جمع القرآن وحفظه من الضياع، وأنت ستحفظين نفوس البشر من شرور العالم بسماع القرآن الكريم بصوت عذب من صنع الله القدير.

انتهت رسالة زكريا عبدالسلام المحامى، ليعلق عليها التابعى بقوله: أصبحت الكلمة الآن للأزهر الشريف، ويوم أذيعت قصيدة «ولد الهدى» بصوت أم كلثوم كتبت أقول: إن هذه القصيدة التى تغنيها أم كلثوم توضح أركان الدين الحنيف وتمدح الرسول الكريم هى أشد تأثيرًا فى النفوس من ألف خطبة منبرية يلقيها شيخ صاحب صوت قبيح، وما أخشاه هم طائفة العلماء المتزمتين الذين يجهدون أنفسهم ليخرجوا على الناس بأحكام ضيقة الخناق دون سند لها فى كتاب ولا سنة، فمنذ سنوات اعترض بعض العلماء على عمل المقرئات فى الإذاعة باسم الدين، لكن نزلت الإذاعة على حكمهم وأوقفت إذاعة القرآن على لسان السيدات.. لذا أرجو من مشيخة الأزهر نظر اقتراح أخونا زكريا عبدالسلام. 

وفى العام ١٩٥٢ رزق محمد التابعى بأول مولود له، وكما نشرت مجلة «الكواكب» فإن أم كلثوم عندما علمت بالخبر السعيد ذهبت إلى زيارة أمير الصحافة لتهنئته بالمولود الجديد، ونشرت لها صورة وهى تحمل المولود بين يديها. 

وأشارت المجلة إلى أن التابعى أطلق اسمه المركب على ابنه الأول، فأصبح اسمه «محمد التابعى» لكنه اختار مع والدته اسم دلع له وهو «كوكى». 

كان التابعى هو أيضًا من كشف سرًا خطيرًا عن أم كلثوم يؤكد قوة تأثيرها. 

فمن بين ما ينسب إليه أنه دعا الملحق الصحفى البريطانى فى باريس مستر دونالد إلى الغداء، وتطرق الحديث بينهما إلى الغناء فى مصر وإلى المعجزة التى اسمها أم كلثوم، وإلى الموسيقار الكبير محمد عبدالوهاب. 

قال دونالد للتابعى: عندما لاح شبح الحرب فى أوروبا عام ١٩٣٩ لاحظ رجال المخابرات البريطانية فى الشرق الأوسط أن عملاء دول المحور راحوا يجمعون من أسواق القاهرة وتل أبيب ويافا والقدس وبيروت ودمشق وحلب، جميع الأسطوانات العربية، خصوصًا أسطوانات أم كلثوم وعبدالوهاب، وهنا أدركت أقلام المخابرات أن دول المحور تستعد لحرب الدعاية، ومن ثم نشطوا هم أيضًا لشراء تلك الأسطوانات، وكان سباقًا حارًا بين الفريقين. وسبب ذلك أن إذاعة لندن أو برلين أو إيطاليا سوف تضمن أن يصغى ملايين العرب إلى نشرات الأخبار إذا هى وضعت أغانى أم كلثوم قبل أو بعد النشرة.

وأضاف الملحق البريطانى: مع تطور الحرب عام ١٩٤٢ والخوف من احتمال فوز دول المحور، قررت وزارة الاستعلامات البريطانية إخراج أم كلثوم من مصر بالرضا أو بالإكراه خوفًا أن تستغلها الدعاية الألمانية، ولقد كان يكفى أن يذيع الراديو- الألمانى المصرى - أن أم كلثوم، أو عبدالوهاب، سوف يغنيان هذا المساء، لكى ينصت العالم العربى إلى إذاعة محطة القاهرة التى يسيطر عليها الألمان

ورغم هذه العلاقة الوثيقة التى ربطت بين التابعى وأم كلثوم، إلا أنه وقف منها موقفًا حادًا وحاسمًا بسبب محمد عبدالوهاب، وكما يكشف المؤرخ الفنى أحمد السماحى فإنه فى العام ١٩٥٤ كانت المنافسة بين محمد عبدالوهاب وأم كلثوم فى ذروتها. 

فى هذا الوقت عرض أحمد رامى أغنية «عودت عينى» على الموسيقار محمد عبدالوهاب الذى أعجب بها جدًا، وأخذها وبدأ يلحنها، وبعد تلحينه المذهب والكوبليه الأول توقف عند الكوبليه الأخير الذى يقول:

زرعت فى ظل ودادى غصن الأمل وأنت رويته

وكل شىء فى الدنيا دى وافق هواك أنا حبيته

ومهما شفت جمال وزار خيالى خيال

إنت اللى شاغل البال

وأنت اللى قلبى وروحى معاك

وإن مر يوم من غير رؤياك 

ما يتحسبش من عمرى.

مرت سنة، واثنتان وثلاث ومحمد عبدالوهاب لم ينته بعد من تلحين الأغنية، وفى أحد الأيام وبالمصادفة جاءت سيرة هذه الأغنية فى حديث بين رامى وأم كلثوم، فطلبت أن تسمع كلمات الأغنية، وما كادت تسمع كلماتها حتى قررت أن تغنيها، واتصلت بالموسيقار رياض السنباطى الذى لحن الأغنية على الفور، وقدمتها أم كلثوم فى نهاية موسم ١٩٥٧. 

ولأنه مرت ثلاث سنوات ولم ينته «محمد عبدالوهاب» بعد من تلحين الأغنية، ففى أحد الأيام وبالمصادفة البحتة جاءت سيرة هذه الأغنية فى حديث بين «رامى وأم كلثوم»، فطلبت أن تسمع كلمات الأغنية، وما كادت تسمعها حتى قررت أن تغنيها.

استمع محمد عبدالوهاب للأغنية فغضب وثار وهاجم أم كلثوم بقوة، وقرر أن يكشف الأمر للصحافة. 

كتب محمد التابعى واعتبر أن ما فعلته أم كلثوم سرقة، فالتقطت الصحف الخيط منه وبدأت حملة كبيرة ضد أم كلثوم تردد ما يقوله التابعى. 

ولأن التابعى كان صديقًا مقربًا من أم كلثوم، فقد تواصلت معه، وعاتبته عتابًا شديدًا، وقالت له: أرجوك اسأل محمد عبدالوهاب متى قدم له رامى هذه الأغنية؟

اتصل التابعى بـمحمد عبدالوهاب وعرف أن الأغنية عنده من ثلاث سنوات، فثار التابعى عليه وقال له: يا راجل حرام عليك جعلتنا نهاجم الست ونتهمها بالسرقة وانت الغلطان، وأسرع التابعى بالاتصال بكوكب الشرق معتذرًا لها، وتوقفت الحملة التى شنت على كوكب الشرق بسبب «عودت عينى».

القصة بين التابعى وأم كلثوم كانت طويلة ومتشابكة، المخفى فيها أكثر من المُعلن، ولذلك كان سخيفًا ومضحكًا أن يتم اختصارها فى فيلم «الست» فى مشهد واحد، لا يليق أبدًا لا بأمير الصحافة ولا بـ«كوكب الشرق» السيدة أم كلثوم.