الأربعاء 10 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

لا تخترق.. فتحترق.. لعنة أم كلثوم

حرف

- ليلة عرض الحلقة الأخيرة من مسلسل «أم كلثوم» لمحفوظ عبدالرحمن كانت الشوارع خالية والمقاهى مزدحمة

- على الشاشات الصغيرة والكبيرة- تليفزيون وسينما- احتلت أم كلثوم مساحة لم يحتلها أحد غيرها

- فيلم «كوكب الشرق» تم سحبه بعد يوم واحد من نزوله إلى دور العرض فى عام 1999

- أم كلثوم من الشخصيات الكبرى التى يمكن من خلالها أن نعرف الكثير عن أنفسنا وبلادنا وثقافتنا

- ظهور أم كلثوم فى مسرحية «ميدان التاريخ» كان فى غاية الابتذال

- صوت أم كلثوم سوف يظل يدفعنا دائمًا إلى الأمام وإلى النور وإلى أزهار الأمل المتفتحة فى القلوب

- أم كلثوم لا تتسامح مع مَن يعبث معها ولا تصمت أمام مَن يحاول التجريب فى تاريخها وحياتها تصيبه بلعنة

- كانت أم كلثوم فى حياتها حريصة علىألا يقترب أحد من أغانيها ولم تكن تسمح لأحد بتقليدها

هذه امرأة صنعت من نفسها معجزة عابرة للعصور، فكان حقًا لها على من آمنوا بها أن يقدسوها، ويضعوها فى موضع لا ينالها منه أحد. 

إنها السيدة أم كلثوم. 

عندما نقول الست، لا نحتاج إلى بحث عمن تكون، فهى تفسر نفسها بنفسها، وتقدم ذاتها على غيرها من الذوات. 

هى الست التى حجزت لأسطورتها مقعدًا فى مسرح الخالدين، لم تنتهِ بموتها، بل تتجدد كل يوم عبر نغمات صوتها، حيث يسمعها الملايين. لا تحتاج لمن يمنحها قيمة، فهى من تمنح القيمة، وليست فى حاجة لمن يخلدها، فمن يقترب منها يحظى بشىء مما حظيت به، ومن يحاول أن يدخل قدس أقداسها بما لا يليق بها تُصيبه لعنتها، فيظل يعانى دون أمل فى شفاء، أو رجاء فى علاج. 

لا يشغلنى كثيرًا ما تردد عن الفيلم الأحدث «الست» الذى يتناول جزءًا من حياتها، فقد لاقى هجومًا طاغيًا قبل عرضه، وهذا ليس إنصافًا ولا عقلًا. 

المنطق يقول إن الحكم بعد المشاهدة وليس قبلها. 

ورغم أننى لا أصادر على حق مَن غضبوا وسخروا بسبب برومو الفيلم التسويقى الذى لا بد أن يكون تشويقيًا، فإننى لا بد أن أدافع عن حق من صنعوا الفيلم، وطلبهم أن نمنحهم فرصة للعرض، ثم ليكن بعده ما يكون. 

لدىّ قاعدة أقيس عليها أى عمل يتعرض لحياة أم كلثوم، أو حتى يستلهمها، وهذه القاعدة تقول إن من يتعامل مع كوكب الشرق بما يليق بمقامها ومكانتها تمنحه بركتها، ومن يدخل إليها من زاوية الإهانة أو الاستهانة بها أو الانتقاص من قدرها، أو لا يعمل بإخلاص فى محرابها، فإن لعنتها تصيبه، فالست لها لعنة لا تقل ضراوة ولا قسوة عن لعنة الفراعنة. 

كلامى لا خيال فيه، أتحدث بواقعية انطلاقًا من التجارب السابقة التى دخل أصحابها إلى قدس أقداس الست أم كلثوم، وهؤلاء أنتجوا أفلامًا ومسلسلات وكتبًا وروايات، وكل منهم جنى ما زرعت يداه. 

من حقكم أن تطلبوا منى دليلًا على ما أقول. 

شىء يؤكد قاعدتى التى نسجتها من الوقائع التى كانت ويمكن أن تتأكد أكثر من النتائج التى ستكون. 

لن أتأخر عنكم، ودعونا نخوض معًا هذه الرحلة التى سنكشف من خلالها الكثير، كل ما أطلبه منكم هو الصبر، وبعد ذلك الحكم لكم على ما ذهبت وما كتبت، فإن أعجبكم حسنت بها وطابت، وإن لم يعجبكم، فما عليكم إلا أن تعتبروا ما بين أيديكم بعضًا مِن جنون مَن اختاروا الكتابة قدرًا ومصيرًا. 

على الشاشات الصغيرة والكبيرة- تليفزيون وسينما- احتلت أم كلثوم مساحة لم يحتلها أحد غيرها، ومن بين كل الأعمال التى اقتربت منها، لم يفز إلا مسلسل «أم كلثوم» الذى كتبه محفوظ عبدالرحمن وأخرجته إنعام محمد على وقامت بدورها الفنانة صابرين، وعرضه التليفزيون المصرى فى العام ١٩٩٩. 

لا يختلف اثنان على أن هذا المسلسل هو أفضل ما تم تقديمه عن أم كلثوم، وحتى الذين لم يعجبهم المسلسل لا يجاهرون بذلك، ربما لأن المزاج العام يفضله وينحاز إليه، وذلك لأن كل العاملين فى المسلسل أدوا عملهم بإتقان لم يصل له أحد فى أى مسلسل تليفزيونى قبل ذلك أو بعده.

ولا أزال أذكر ليلة عرض الحلقة الأخيرة من المسلسل التى تسجل وقائع وفاة الست، كانت الشوارع خالية، والمقاهى مزدحمة، جلس المصريون يشاهدون حلقة المسلسل الأخيرة وكأنهم يشاهدون «نهائى لكأس عالم تلعبه مصر»، رغم أن مصر لم تعبر فى مشاركاتها فى كأس العالم منافسات الدور الأول أبدًا. 

عندما استضفت المخرجة إنعام محمد على فى برنامجى «٩٠ دقيقة» قبل سنوات، قالت لى إنها عندما تلقت العرض بإخراج مسلسل أم كلثوم شعرت بخوف شديد، بل سمعت دقات قلبها، فقد أحست بمسئولية كبيرة تلقى على عاتقها، خاصة أن هذا هو أول عمل درامى يتم إنتاجه عن الست. 

دخلت إنعام محمد على إلى المسلسل بقناعة أن ما ستقدمه ليس مجرد عمل درامى ولكنه توثيق لتاريخ مصر من خلال سيرة أم كلثوم، ولذلك حرصت على أن تباشر العمل بمنتهى الدقة، وقد تعب كل من شاركها العمل، لأنها كانت تدقق فى كل التفاصيل، وكانت النتيجة أنه لم يكن هناك ممثل ولو صغير غير مناسب للدور الذى يقوم به. 

قاومت إنعام رغبة عدد كبير من نجمات السينما فى تقديم دور أم كلثوم فى المسلسل. 

أذكر منهن: نبيلة عبيد، ونادية الجندى، وإلهام شاهين. 

كان هناك تصور أن أداء شخصية كوكب الشرق يحتاج إلى نجمة كبيرة ومعروفة، لكنها كانت ترى أن أم كلثوم لا تحتاج إلى ذلك، فقط تحتاج إلى من تتقمص شخصيتها وتندمج نفسيًا وعاطفيًا وتتوحد معها، وهو ما وجدته فى صابرين التى كانت أبعد ما تكون عن الشخصية، لكنها أصرت عليها، ورأت فيها ما لم تره فى غيرها. 

لقد اتهم كثيرون المسلسل بأنه لم يكن واقعيًا، وأنه تعامل مع أم كلثوم وكأنها من بين الملائكة، فلا أخطاء فى حياتها، ولا عثرات ولا سقطات.

 

وهو ما كتبه الكاتب الكبير جلال أمين فى مقاله «أم كلثوم.. فى الحقيقة والمسلسل التليفزيونى» الذى نشره فى عدد فبراير ٢٠٠٠ من مجلة الهلال. 

يقول جلال: لا أظن أن مسلسلًا تليفزيونيًا مصريًا حظى بدرجة الإعجاب والثناء منذ ظهر التليفزيون فى مصر، مثلما حظى به مسلسل أم كلثوم، فحتى قبل أن تنتهى حلقات المسلسل لم يكن يمر يوم إلا ويشيد المقال بعد الآخر- وأحيانًا فى نفس اليوم وفى نفس الصحيفة أو المجلة- بعظمة المسلسل وروعته، واستخدمت كلمات فى الثناء على الكاتب والمخرجة من مستوى المجد بل والخلود، أى أن المسلسل جلب المجد للكاتب والمخرجة، بل وربما جعلهما خالدين، بالإضافة إلى كلمات المديح الشديد والإعجاب المتناهى لكل ممثل وكل ممثلة ربما دون استثناء، واشترك فى هذا النوع من الثناء، ليس فقط المعلقون المتخصصون فى النقد الإذاعى والتليفزيونى، بل امتد ليشمل بعضًا من كبار المثقفين. 

ويعترف جلال أمين بأن جزءًا كبيرًا من شغف الناس بالمسلسل يعود إلى نوع الشخصيات التى يتناولها ومكانتها عند المصريين، فأم كلثوم شخصية أسطورية فى مدى ما حققته من إجماع المصريين على حبها، أو يقارب هذا الإجماع، وهى كانت ملء السمع والبصر فى حياتها، وظلت طوال ربع القرن الذى انقضى على وفاتها حاضرة حضورًا قويًا فى آذان الناس وذاكرتهم وقلوبهم. 

يخرج جلال من ذلك إلى رؤيته الخاصة، فرغم أنه يعترف بأن أحدًا لا يمكن أن يجادل فى أن أم كلثوم كانت شخصية قوية ومبهرة بكل معانى الكلمة، بل يكاد يكون من المستحيل أن يتصور أن تحقق كل ما حققته من نجاح ومجد لو لم تتمتع بمثل هذه الصفات- فإنه يقول: من المؤكد أيضًا أنها لم تكن من الآلهة، بمعنى استعصائها على أى صورة من صور الضعف الإنسانى، بل يكاد المرء يقول أيضًا إن كل هذا النجاح وكل هذا المجد ما كان من الممكن أن يتحقق لو خلت أم كلثوم من بعض أوجه الضعف الخطيرة. 

ويزيد جلال أمين رؤيته إيضاحًا، يقول: نعم كان فنها هو أهم شىء لديها، تهون فى نظرها التضحية بأى شىء من أجله، ولكن هذا الموقف المتطرف نفسه لا يتصور وجوده إلا مع وجود أوجه ضعف جسيمة، سواء فى موقف المرء تجاه الناس وشعوره نحوهم، أو فى رأى المرء فى نفسه، أو فى حرصه المبالغ فيه على هذا النوع أو ذاك من متاع الدنيا. 

ويرسخ جلال لفكرته أكثر: من الصعب جدًا الاعتقاد بأن هناك رجلًا عظيمًا أو امرأة عظيمة لم يعانيا من عيب نفسى جسيم، بل من الممكن جدًا أن يكون الأمران، التفوق والتألق من ناحية والعيب النفسى الجسيم من ناحية أخرى، وجهان للعملة نفسها، لا يمكن أن يوجد الأول دون الثانى، وسير العظماء من نابليون إلى تشرشل إلى شارلى شابلن وغيرهم كثيرون تؤكد هذا الاعتقاد. 

رغم أهمية مقال جلال أمين، وأهمية الرؤية التى طرحها، فهى منطقية، لكن طوى النسيان مقاله، ولا يذكره أحد رغم أن كثيرين يذكرون كثيرًا مما كتب جلال جيدًا، وبقى المسلسل يتجدد بريقه كل عام، بل قامت الهيئة الوطنية للإعلام بتكريم صناعه بمناسبة مرور خمسة وعشرين عامًا على إنتاجه، ليستعيد الناس مع هذا التكريم ذكرياته عنه وعن أبطاله وعن أم كلثوم أيضًا. 

عندما نسترجع ما قاله محفوظ عبدالرحمن عن عمله فى مسلسل أم كلثوم سنتأكد أن هذا العمل لم يكن مجرد مسلسل درامى، بل كان بحثًا كاملًا عن حياة السيدة التى لا تزال تبوح بأسرارها حتى الآن. 

تردد محفوظ فى البداية، خاف من الاختبار الكبير، اعتبر نفسه أنه يدخل بقدميه إلى عرين الأسد، كان يعلم أنه لو أخفق فستكون نهايته، لكنه انعزل تمامًا، وقرر أن يقبل التحدى، عمل بروح الباحث الذى يدقق فى كل تفصيلة، منحه كل وقته، ورغم رائعته «بوابة الحلوانى» فإنه يعتبر ما فعله فى مسلسل أم كلثوم إنجاز عمره. 

منحت أم كلثوم صناع مسلسلها من روحها حظها ونصيبها فى الحياة، فحققوا نجاحًا هائلًا، لأنهم عملوا فى شىء يخصها بنفس جديتها ودأبها وصبرها وإتقانها. 

شىء من هذا لم يتحقق لفيلم «كوكب الشرق» الذى كتبه إبراهيم الموجى وأخرجه محمد فاضل وأدت الدور فيه الفنانة الكبيرة فردوس عبدالحميد، وعرض فى دور السينما فى نفس عام عرض المسلسل فى ١٩٩٩. 

بعد يوم واحد من نزول الفيلم إلى دور العرض تم سحبه، وهى السابقة التى كانت الأولى من نوعها فى تاريخ السينما المصرية. 

كان السبب المعلن لسحب الفيلم- الذى عُرض فى ثمانى دور عرض فى القاهرة والإسكندرية- الفشل فى تحقيق الحد الأدنى من الإيرادات المتوقعة. 

وقتها أعلن محمد فاضل، مخرج الفيلم، عن أنه يسحب الفيلم لاستكمال الدعاية وعمل ترجمة لبعض جمل الحوار التى وردت فيه بالفرنسية. 

لكنّ مسئولى دور العرض أعلنوا عن أن السبب الحقيقى وراء قرار السحب هو تدنى الإيرادات إلى أقصى درجة، حيث حقق فى اليوم الأول ٢٩٠٠ جنيه فقط فى كل دور العرض، من بينها فى سينما «كايرو» ٢٨١ جنيهًا فى اليوم الأول خلال حفلين، وفى اليوم التالى حقق ٧٤ جنيهًا، وفى سينما سموحة بالإسكندرية حقق فى اليوم الأول ٦٠٠ جنيه فى ثلاث حفلات متتالية، وألغت السينما حفلًا رابعًا لعدم وجود مشاهدين. 

الموزع السينمائى محمد حسن رمزى قال لجريدة «البيان» الإماراتية وقتها: المخرج محمد فاضل أخطأ فى اختيار توقيت عرض الفيلم، وقد نصحته بتأجيل العرض إلى شهر أكتوبر، لأن الموسم الصيفى لا يصلح لعرض فيلم جاد، هذا غير أن نسخ الفيلم لم تصل من معامل التحميض والطبع فى لندن، وبدلًا من أن يعرض فى عشرين دارًا، عرض فى ثمانى دور فقط. 

بعد سنوات من هذا الإخفاق تحدث محمد فاضل، وذكر الكواليس الكاملة لما جرى. 

فبعد خمس سنوات من وفاة كوكب الشرق وتحديدًا فى العام ١٩٨٠ فكر محمد فاضل فى إخراج مسلسل تليفزيونى عن حياة أم كلثوم، واتفق مع أسامة أنور عكاشة على كتابته، ونشر خبرًا فى مجلة الكواكب يشير إلى أن فردوس عبدالحميد ستؤدى دور أم كلثوم، وأنهم عقدوا جلسات عمل مع محمد الدسوقى ابن شقيقتها، ولكن المشروع توقف بسبب عدم وجود جهة منتجة فى ذلك الوقت. 

وبعد نجاح فيلم «ناصر ٥٦» فى العام ١٩٩٦ كتب السيناريست إبراهيم الموجى فيلمًا عن أم كلثوم، واتفق مع محمد فاضل على إخراجه. 

وقع فاضل والموجى عقد تقديم الفيلم مع مدينة الإنتاج الإعلامى فى العام ١٩٩٨، وفى هذا الوقت تولى أمين بسيونى مسئولية اتحاد الإذاعة والتليفزيون وتعاقد يحيى العلمى معه على إخراج مسلسل عن أم كلثوم، وهنا تفجرت مشكلة فكيف يتم إنتاج فيلم ومسلسل عن أم كلثوم، وتدخل صفوت الشريف فى الخلاف، وتم الاستقرار على إنتاج الفيلم والمسلسل، لأن أم كلثوم تستحق. 

جرى الاتفاق على أن يتم إنتاج الفيلم، لكن يحيى العلمى أصر على إنتاج المسلسل وعرضه أولًا، فقرر محمد فاضل وإبراهيم الموجى سحب الفيلم من قطاع الإنتاج والبحث عن منتج آخر، وتم عرضه بالفعل على رجل أعمال شهير كان يمتلك شركة إنتاج، لكنه لم يتعامل مع الفيلم بجدية. 

أسس محمد فاضل وإبراهيم الموجى وفردوس عبدالحميد شركة إنتاج لتنفيذ الفيلم، وحصلوا على قرض من البنك الأهلى قدره ٢ مليون جنيه، وبدأوا فى التنفيذ، وفى أثناء العمل التقى فاضل صفوت الشريف فى افتتاح مسرح محمد صبحى بسينما راديو، وأخبره بأنه ينتج الفيلم من خلال شركته، فقال له الشريف إنه سيعلن إفلاسه، وطلب منه أن يتحدث مع المهندس عبدالرحمن حافظ، رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، ليكون الاتحاد شريكًا فى الإنتاج. 

التقى فاضل عبدالرحمن حافظ، الذى أخبره بأنه يوافق على المشاركة فى إنتاج الفيلم بشرط أن يحدد الاتحاد الوقت الذى يتم تنفيذه فيه، فقرر فاضل أن ينتج الفيلم فى شركته حتى لا يتحكم فيه أحد. 

انتهى فاضل من تصوير الفيلم، وقام بعمل حملة دعاية تكلفت ٢٠٠ ألف جنيه، وهو مبلغ كبير وقتها، ونظم عرضًا خاصًا للفيلم فى سينما التحرير، حضره عدد كبير من الفنانين الذين أبدوا إعجابًا شديدًا بالفيلم، وقال له مدير السينما إن الفيلم سيستمر عرضه ثلاثة أسابيع على الأقل، وسيحقق أرباحًا جيدة. 

كانت المفاجأة أنه بعد العرض الخاص وجد فاضل إعلانًا عن فيلم أم كلثوم يتبعه إعلان عن عرض فيلم «الآخر» بعد أسبوع واحد، بمعنى أن الفيلم سيعرض لمدة أسبوع واحد فقط، وهو ما يعنى وجود قرار سابق بعرض الفيلم لمدة أسبوع واحد، فتواصل فاضل مع محمد حسن رمزى الموزع السينمائى، وطلب منه سحب الفيلم وعدم عرضه. 

وقتها أصر مدير سينما التحرير على عرض الفيلم ليوم واحد لحين وجود فيلم آخر جاهز للعرض، لأن السينما لا يمكن أن تظل دون عرض، وأكد مدير السينما لفاضل أن عرض الفيلم لأسبوع واحد كان قرارًا من موزع الفيلم، وليست له علاقة بجماهيرية الفيلم، لأنه لم يكن قد عُرض للجمهور بعد. 

يفسر فاضل ما جرى بأنه تعرض للعقاب لأنه تحدى صفوت الشريف ورفض مشاركة اتحاد الإذاعة والتليفزيون فى إنتاج الفيلم. 

ويقول فى تصريحات صحفية: تحققت تهديدات صفوت الشريف، وفعلًا أفلست واستسلمت للموزعين، وبعت التوزيع الخارجى بتسعين ألف دولار فقط، حتى أسدد جزءًا من ديونى بسبب الخسائر والديون، وذهبت فردوس عبدالحميد إلى زكريا عزمى الذى كان رئيسًا لديوان رئيس الجمهورية، وعرضت عليه ما جرى، فاتصل بصفوت الشريف الذى عرض على فاضل الشراكة فى الفيلم بنسبة خمسين فى المائة، وتشكلت لجنة من يحيى العلمى ومحمد فوزى وصفوت غطاس، ورغم أن السعر الذى عرضوه للمشاركة فى الفيلم كان قليلًا فإننى وافقت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وحصلوا على حق امتلاكه مدى الحياة. 

يمكنك أن تعتبر كل ما جرى لفيلم محمد فاضل وفردوس عبدالحميد مجرد سوء حظ أو عدم توفيق، لكن من زاويتى أرى أنه كان تطبيقًا عمليًا للعنة أم كلثوم التى حلت على الفيلم الذى تعامل معها بما لا يليق. 

تعرض الفيلم لفترة محددة من حياة أم كلثوم بداية من العام ١٩٤٤ وحتى ما بعد هزيمة ١٩٦٧، وكان تركيزه الأساسى على العلاقات العاطفية غير المكتملة فى حياة الست، وبدت فيه كوكب الشرق سيدة غير ناضجة تمامًا على عكس الصورة التى يعرفها عنها الناس، تسير خلف عواطفها دون تفكير، ورغم أن صناع الفيلم حاولوا التأكيد على أنهم تحروا الدقة فيما يتعلق بغراميات أم كلثوم، فإن كثيرين شككوا فيما قالوا، ولم يقبل الجمهور الصورة التى تم تقديم مطربتهم الخالدة بها. 

فشل الفيلم فى دور العرض، وفشل أيضًا عندما عرضته القنوات الفضائية، ولا يكاد أحد يذكره لا بالخير ولا بالشر، وكأنها رسالة من أم كلثوم لمن يتناولون سيرتها، بأنها لن تترك أحدًا يعبث معها.. أو بها. 

توالى ظهور أم كلثوم فى أعمال درامية تليفزيونية وسينمائية، فقدمت دورها الفنانة سلوى عزب فى فيلم «حليم» الذى لعب بطولته أحمد زكى فى العام ٢٠٠٦، وظهرت أيضًا فى مسلسل «العندليب.. حكاية شعب» الذى كتبه مدحت العدل وأخرجه جمال عبدالحميد ولعبت دورها الفنانة سلمى غريب، وكان ذلك فى العام ٢٠٠٦ أيضًا. 

مرت أم كلثوم مرورًا عابرًا فى هذين العملين، لم يكن هناك تركيز عليها، وقد بادلت العملين إهمالًا بإهمال، وكأنها أرادت أن ينساها الجمهور فيهما. 

لكن لعنتها أصابت فيلم «الحرب العالمية الثالثة» الذى قدمه الثلاثى أحمد فهمى وشيكو وهشام ماجد فى العام ٢٠١٤. 

ظهرت أم كلثوم فى سياق الفيلم كتمثال من تماثيل المتحف التى تعود إلى الحياة بسبب تعويذة قُرئت عليها، وقادت طبيعة الفيلم التفكيكية الساخرة إلى أن تتم السخرية من أم كلثوم على لسان خميس بطل الفيلم، الذى وصفها بأنها ست مملة، ورغم نجاح الفيلم لجرأة فكرته، فإن أم كلثوم أخفت نفسها فيه تمامًا، فلا يكاد أحد يذكر الإفيه الذى رماها أحمد فهمى عليها، ولن أكون مبالغًا إذا قلت إن لعنة الست أصابت الثلاثى الذين انفصلوا بعدها، ورغم أن هناك أسبابًا عديدة يقدمونها لانفصالهم، فإننى أميل إلى أن شيئًا من لعنة أم كلثوم أصابهم بسبب سخريتهم منها. 

وعندما حاولت المخرجة الإيرانية شيرين نيشات تقديم الست فى فيلمها «البحث عن أم كلثوم» فى العام ٢٠١٧ وجاءت بياسمين رئيس لتقديم دورها لم ينجح الفيلم، ولا يذكر أحد أن ياسمين قامت بالدور من الأساس. 

لم تقدم شيرين سيرة أم كلثوم، بل اهتمت بتتبع سيرة انتصارها وشهرتها كامرأة تجاوزت قدر المرأة المهمشة فى المجتمع الذكورى، وشقت طريقها فيه لتتحول إلى أيقونة فنية كبيرة، فى مقابلة مع المخرجة الإيرانية كامرأة شرقية تسعى لتحقيق نجاحها وشهرتها فى عالم الفن، وكأنها لجأت إلى أم كلثوم لتجد نفسها. 

فيما يبدو لى أن شيرين كانت تدرك شيئًا عن لعنة أم كلثوم، فقد كانت تعرف أنها ستتعرض لانتقادات حادة بسبب معالجتها قصة أم كلثوم من زاويتها الخاصة، ولذلك كانت حريصة على أن يتضمن فيلمها هذه الانتقادات، بل جعلتها المحور الرئيسى فى بناء الفيلم، ووزعتها بعد كل مشهد من مشاهده على لسان كوكب الشرق، وتظهر أم كلثوم فى نهاية الفيلم لتحاكم المخرجة وتعاتبها على الطريقة التى صورتها بها وتحريفها حقائق تاريخية تتعلق بها، وتستسلم المخرجة الإيرانية فى نهاية فيلمها وتصفه بنفسها بأنه مجرد عجرفة فنية. 

ورغم أهمية هذا الفيلم فإن أم كلثوم، فيما يبدو، لم تقبل أن يتم التجريب فى سيرتها بهذه الطريقة، ولذلك فلا نجد له أى أثر شعبى، ربما يهتم به صناع السينما، لكن من يحبون أم كلثوم لا يذكرونه ولا يرحبون به. 

على هامش هذه الأفلام لا بد أن أتوقف عند فيلم «اللمبى» الذى قدمه محمد سعد فى العام ٢٠٠٢، لم تظهر أم كلثوم فى الفيلم، لكن جرت خلاله محاولة لاهية وعابثة، عندما أدى اللمبى أغنيتها «حب إيه؟» بطريقة هزلية، وكان يقف وراءها الملحن عصام كاريكا. 

لفت أداء محمد سعد للأغنية نظر الكثيرين، استاء مَن استاء وغضب من غضب وقبل من قبل، لكن فيما أعتقد أن لعنة أم كلثوم تجلت هنا فى مساحتين.

الأولى: فيما تعرض له الفيلم من مشاكل وعقبات وصلت إلى حملة صحفية طالبت بعدم تصديره إلى الخارج لأنه يسىء إلى سمعة مصر، ويشوه غناء السيدة أم كلثوم، وكان وقتها رئيس الرقابة الدكتور مدكور ثابت، الذى شكل لجنة للبت فى أمر الفيلم، وكنت حاضرًا جلستها التى أدانت فيه ما قدمه الفيلم، إلا أنها لم تأخذ قرارًا بمنع تصديره إلى الخارج حتى لا تكون سابقة. 

المساحة الثانية: كانت فى وقف نمو حالة من الأداء الهزلى لأغنياتها، فلو أقر المجتمع ما فعله عصام كاريكا فى أغنية «حب إيه؟» وتقديمها على طريقة المخمورين والحشاشين، لسار الأمر سهلًا وهينًا فى باقى أغنيات الست، لكن الغضب مما فعله اللمبى وأد هذه المحاولة فى مهدها، وظلت أغنيات أم كلثوم مصونة ومحفوظة، لا يقترب أحد منها إلا بحساب، ولا يجرب معها أحد إلا بحرص. 

وكما ظهرت أم كلثوم على شاشتىّ التليفزيون والسينما، فقد ظهرت على المسرح. 

يمكننا أن نرصد ثلاثة أعمال، اثنان منها مرت فيهما مرورًا عابرًا. 

المرة الأولى كانت فى مسرحية «سيرة الحب»، التى كتبها أيمن الحكيم وأخرجها عادل عبده، ولعبت دورها الفنانة نهلة خليل، ولم تكن أم كلثوم هى الشخصية الرئيسية فيها، ولذلك لم يلتفت لها أحد، فقد كان البطل هو بليغ حمدى. 

المرة الثانية كانت فى مسرحية «دايبين فى صوت الست»، التى كتبها مدحت العدل بطاقة فنية وشعرية رائعة، أنزل خلالها أم كلثوم التى أدت دورها أسماء الجمل، وهى مغنية وممثلة خريجة معهد الموسيقى العربية، المنزل الذى تستحقه، وأعتقد أن حالة الإقبال الكبيرة على المسرحية تأتى من تقدير مدحت العدل للست أم كلثوم، ودخول قدس أقداسها بما يليق بها، فكل من شاهد المسرحية خرج بطاقة نفسية وروحية هائلة، بل يتحدث مَن حضروا العرض أنهم يشعرون بأم كلثوم نفسها، وكأنها ترحب بهم وتستقبلهم مع صنّاع المسرحية. 

المرة الثالثة التى ظهرت فيها أم كلثوم على المسرح كانت فى غاية الانحطاط والابتذال. 

ففى واحدة من مسرحيات «مسرح مصر»، وعنوانها «ميدان التاريخ»، خرج فيها الممثل الهزلى «أوس أوس» ليقلد أم كلثوم، وقد ارتدى فستانها ونظارتها وأمسك فى يده بمنديلها، وحرّف كلمات أغنيتها «إزاى.. إزاى.. إزاى.. أوصف لك يا حبيبى إزاى»، إلى «إزاى.. إزاى.. إزاى.. أعمل لك يا حبيبى الشاى». 

لم يقابل جمهور مسرح مصر هذه السخرية بضحكاته الهستيرية المعتادة، وأعتقد أن هذه كانت سقطة كبيرة من سقطات هذه الفرقة، التى سرعان ما تبخرت وتفككت، وتاه ممثلوها، ولم يعد لهم ذكر، فكيف يتجرأون على السيدة أم كلثوم بهذه الطريقة؟، وهى التى لا تغفر أبدًا لمن يعبث معها. 

وكما منحت أم كلثوم مجدًا لمن تعاملوا معها بما يليق فى الدراما، فقد فعلته مع مَن كتبوا عنها، فى الوقت الذى حجبت فيه هذا المجد عمن حاولوا أن ينتقصوا منها. 

فى حياة أم كلثوم أربعة كتب مهمة، ما زالت حتى الآن موجودة ومنتشرة ومؤثرة، بل لا تزال تصدر فى طبعات جديدة. 

الكتاب الأول: «لغز أم كلثوم» للكاتب الكبير رجاء النقاش، وهو الكتاب الذى تعامل معه وكأنه صلاة يؤديها بين يدىّ الست. 

يقول رجاء عن هذا الكتاب: «هو مجموعة من الذكريات والأحاديث والدراسات والأفكار المتنوعة المتفرقة التى لا يربط بينها سوى رابط واحد هو (أم كلثوم)، فأم كلثوم من الشخصيات الكبرى التى يمكن من خلالها أن نعرف الكثير عن أنفسنا وبلادنا وثقافتنا وجهودنا المتواصلة من أجل النهوض والتقدم، خاصة فى مجال الذوق والتفكير، وقد أدت أم كلثوم دورها العظيم، وسوف تظل تؤديه جيلًا بعد جيل، لأن الجسم يموت وينتهى، ولكن الفن الجميل حى لا يموت». 

ويضيف: «هذا الكتاب فى صفحاته المختلفة محاولة لإضاءة بعض الجوانب من عالم أم كلثوم الغنى، ولا يمكن إضاءة كل هذا العالم الرحب إلا بمزيد من الجهود وآلاف من الشموع المشتعلة، وهناك صعوبة دائمة فى محاولة إضاءة عالم كله نور مثل عالم أم كلثوم، ومع ذلك فنحن نحمل الشموع إلى هذا العالم لنتبين لأنفسنا طريقنا فيه، وهذا الكتاب هو شمعة نحملها على خجل واستحياء إلى دنيا من الجمال والعزة، هى دنيا أم كلثوم، وفى هذه الدنيا سوف يحمل غيرى شموعًا أخرى كثيرة، وكلنا يجاهد لكى يجد طريقه فى حياة أم كلثوم وفنها ورحلتها الفريدة، ولا شك أننا فيما نحمله من الشموع لا نريد إلا التعبير عن حبنا لكوكب الشرق بحق، وإلا الرغبة فى أن نزداد فهمًا وسعادة باقترابنا من هذا الكوكب المنير، ولعلنا نهدف أيضًا إلى تحقيق مزيد من الثقة بأنفسنا وبلادنا، فإذا كانت أمتنا قادرة على إنجاب شخصية مثل أم كلثوم، فلماذا لا تكون قادرة على إنجاب آخرين من الذين يستطيعون أن يملأوا الأرض بالحب والجمال وقوة الإرادة والعزيمة التى لا تتردد فى قهر المشاكل والصعوبات؟. ذلك ما نتمناه لأنفسنا وبلادنا، وهو ما نرجو أن يتحقق بإذن الله مهما تكاثرت الغيوم فى السماء وانتشرت الأحزان فى القلوب، وبدا لنا أن الظلام كثيف، فالفجر لا بد أن يشرق، وصوت أم كلثوم سوف يظل يدفعنا دائمًا إلى الأمام وإلى النور وإلى أزهار الأمل المتفتحة فى القلوب وأمام كل العيون». 

دخل رجاء النقاش إلى عالم أم كلثوم وهو ينظر إليها كملهمة، ولذلك حظى الكتاب برضاها، ونال بركتها. 

الكتاب الثانى: «أم كلثوم التى لا يعرفها أحد»، الذى كتبه الكاتب الشاب وقتها محمود عوض، وقد أنجزه فى حياة أم كلثوم وعلى عينها. 

يقول عنه: «الصفحات المقبلة حصيلة أفكار أم كلثوم وأفكار المجتمع عن أم كلثوم، نصفها مذكرات منها، ونصفها مذكرات عنها، حل وسط، وفى هذه النقطة أريد أن أنبه إلى شىء مهم، إننى أعشق صوت أم كلثوم، ولكننى لا أعبده، فى الواقع إننى أنتمى إلى جيل جديد لا يعبد أحدًا، جيل يحب، يعجب، يعشق، ولكنه لا يفعل- حتى هذا- إلا بعد أن يفهم، ويناقش، جيل يرفض استنثاء أحد من المناقشة والمراجعة». 

ويضيف عوض: «وأم كلثوم نفسها متفقة معى فى هذه النقطة، بل إنه فى مكانين على الأقل من هذا الكتاب، حدث خلاف فى الرأى بين أم كلثوم وبينى، ما زال الخلاف قائمًا، ولكننى أؤمن بأننى إذا كنت معجبًا حقًا بأحد، فيجب أن أعبر عن هذا الإعجاب وأنا واقف على قدمىّ، إن أم كلثوم نجحت فى أشياء كثيرة سوف تسجل الصفحات المقبلة جزءًا منها، وفشلت أم كلثوم فى أشياء قليلة، سوف تسجل الصفحات المقبلة معظمها، ولكن يبقى فى النهاية شىء واحد، لقد فشلت أم كلثوم فى شىء أكبر من هذا كله، فشلت فى أن تكون امرأة عادية، وبهذا السطر أعلن عن انسحابى مؤقتًا، حتى أجلس فى مقاعد القارئ لصفحات من مذكرات أم كلثوم، مذكرات منها وعنها، مذكرات إلى صديقى المجهول (نقطة.. مليون مستمع، مائة مليون مستمع، يعشقون أم كلثوم)».

هذا ليس حديث ناقد، ولكنه حديث معجب وعاشق، اختارته أم كلثوم ليكتب بعضًا من سيرتها، باركت العمل، ومنحته زخمًا هائلًا، حاول أن يبدو متمردًا عليها، يظهر خلافه معها ليؤكد استقلاليته فى الكتابة عنها، لكن عندما نقرأ ما كتبه، فلن نجد أمامنا إلا متيمًا بالست حتى الغرق فى عالمها الرحب الواسع الفسيح. 

ولذلك، فلا عجب من انتشار الكتاب وتوالى طبعاته حتى الآن، فلا تزال روحها تحرسه، ولم يكن غريبًا أن تربح منه مؤسسة «أخبار اليوم» التى طبعته لأول مرة أرباحًا كثيرة، بل توالت طباعته فى أشهر قليلة. وعلى الغلاف الخلفى للطبعة الرابعة نقرأ بتوقيع المسئولين عن سلسلة كتاب اليوم التى صدر عنها الكتاب: «لم تكن أم كلثوم مجرد مطربة يسهر الملايين فى أنحاء العالم العربى لسماعها فى الخميس الأول من كل شهر، لقد كانت دنيا بأسرها، كانت موهبة، وشخصية ونفوذًا، وسلطة عاطفية، وتناقضًا حادًا بين حياتها الخاصة وحياتها العامة، هذا ما يقدمه ويفسره هذا الكتاب عن أم كلثوم، بقلم الكتاب الشاب محمود عوض عن أم كلثوم رغم اختلاف الأجيال». 

ويقول صاحب التعريف بالطبعة الجديدة: «هذه هى الطبعة الرابعة من الكتاب تصدر بعد أن سجلت الطبعات الثلاث الأولى أرقامًا قياسية فى الانتشار، وبعد أن أضاف إليه محمود عوض فصلًا ختاميًا عن أصعب الأغنيات الشخصية التى استخلصها القدر من أم كلثوم بين جدران المستشفى، لقد عاشت أم كلثوم خمسين سنة من حياتها فى الصفحة الأولى، وهذا الكتاب يقدم جزءًا من الصفحات الأخرى المجهولة، كتبها محمود عوض بقلمه الشاب وأسلوبه الرشيق وتحليله العصرى». 

الكتاب الثالث: «أم كلثوم.. وعصر من الفن» للدكتورة نعمات أحمد فؤاد، الذى يعتبر السيرة الرسمية لكوكب الشرق. 

دخلت نعمات أحمد فؤاد إلى عالم أم كلثوم الرحب بإهداء مطول، يشى لنا بما أرادت أن تفعله. 

تقول: «أيها الصوت من السماء، يا حبيبة الملايين وكل معنى كريم يا أم كلثوم، حين غنيت أوبريت (رابعة العدوية) شدا صوتك وأنّ وبكى، ثم طار على جناحين إلى السماء معلنًا صعود رابعة إلى الملأ الأعلى، الآن أنت فى طريقها إلى عالم الحور والنور، وشفّت الرؤية وانجلى البصر، فهل تذكرين كيف تعارفنا؟ كتبت إليك وأنا طالبة بالجامعة لا أزال، بعد ليلة من لياليك وما أكثر لياليك، وما أهنأ لياليك، وما أبعد الآن عنا لياليك. 

كتبت إليك خطابًا ظللت تعتزين به وتحتفظين به، حتى قبل أن ترانى عيناك أو تراك عيناى، وطلبت أن تلقى صاحبة هذا الخطاب، وتلاقينا، وكان ملحنك القصبجى حاضرًا هذا اللقاء، وما أسعدنى فى طراءة السن أسمعك ومن ورائك الشهرة والمجد والأضواء تقولين لى أنا طالبة الجامعة: لقد كتب لى وعنى كتاب وشعراء وخطباء، ولكن كلامًا كهذا لم أسمعه أو أقرأه من قبل». 

كتبت نعمات لأم كلثوم فى خطابها تقول: «كلما أصغيت إليك أمسكت بالقلم طامعة فى تسجيل رفرفة نفسى الفرحة المرتاحة لنشيدك، فأحجم لأن الجمال إذا بلغ الغاية من الكمال قد يفسده الوصف مهما تأنق وافتتن، وهيهات للشعاع أن تمسكه اليد أو تحدق فى شمسه العين، ولكننى هذه المرة أقدمت على الكتابة لأننى لم أقو على الدمعة التى تألقت فى عينيك المفداة، يغمطك قدرك من يزعمك تغنين فحسب، إنك فى مقامك شادية وشاعرة وخطيبة وداعية إلى الآمال الكبار، وباكية على آلامنا الكبار أيضًا، إنك قطعة منا، إنك ذخر كبير من ثروتنا القومية، إنك رى لظمأ هذا الشعب الصادى، والمتاع الوحيد فى حياته الكابية يعوضه عما يعانيه من ضنى وحرمان، ولعل هذا السر فى أن الكثيرين يجودون بمالهم القليل ليصلوا إليك مؤثرين نعيم الروح على غذاء الجسم الضارع المحتاج إلى الغذاء، ولكنه يؤثر فرحًا داعى السماء». 

تواصل نعمات أحمد فؤاد سر ما جاء فى رسالتها إلى أم كلثوم، وتختم إهداءها بقولها: «أيها الصوت من السماء، بعد هذا الخطاب لم أكتب إليك، لأننى اتصلت بك وأخذت أقرؤك بأذنى وعينى ووجدانى، والآن طارت حمامة الأيك، ومن جديد سأكتب إليك من أجل عينيك، وستصلك رسائلى عبر الأرض إلى السماء ترفرف على جناحى ملك يصل هتافه من مصر ببضعة من مصر التى وصلت بين قلبينا بالانتماء والولاء والغناء، فقد كانت وحدها ليلانا معًا، ونجوانا معًا كلما ضمنا مجلس أو دار بيننا حديث، يا عقد الفل على صدر مصر، يا ست الكل بين سيدات مصر، صوتك آية، واسمك راية، فالكلثوم هو الحرير يكون فى أعلى العلم، وقد كنت حريرًا ونميرًا وخيرًا كثيرًا وذخرًا كبيرًا، كنت لنا علمًا ومعلمًا، ثم غدوت لنا التراث والرصيد، والتاريخ والنشيد، والفخر والتمجيد، أنت أم كلثوم وستبقين أم كلثوم، ما بقيت مصر، وجرى النيل». 

لسنا فى حاجة لنعرف بعد ذلك ما الذى كتبته نعمات أحمد فؤاد فى كتابها عن أم كلثوم، فقد كان استهلالها دالًا على ما تقول، وهو ما استقبلته أم كلثوم بترحاب وحب، ورغم أنها رحلت عن الحياة قبل أن يصدر الكتاب، فإنها منحته من بركتها للدرجة التى جعلت منه مرجعًا مهمًا، لا يمكن لأحد يريد أن يتحدث عنها إلا وعاد إليه. 

الأمر نفسه تكرر مع الكتاب الرابع الذى وضعته الدكتورة رتيبة الحفنى «أم كلثوم معجزة الغناء العربى»، الذى قدمت بين يديه بقولها، قالوا عن أم كلثوم إنها أسطورة، ووصفوها فى الغرب بأنها أشهر من جان دارك، وأنها تفوقت على إديث بياف وماريا كالاس، هذه العملاقة التى بدأت منذ فترة مبكرة، وعاشت وسط الفلاحين، لأنها فلاحة، من ريف مصر السخى، ذاقت الفقر والحرمان والجوع والشقاء، واستطاعت فى النهاية أن تصل إلى أعلى مراكز التقدير من شعبها ومن شعوب العالم. 

لا أنكر أن هناك كتبًا أخرى مهمة عن أم كلثوم، لكن هذه هى الكتب التى منحتها مجدها، لأن أصحابها دخلوا إليها من بابها الملكى، باب معرفة قدرها وقيمتها، لم يكتبوا، بل كانوا يصلون فى محرابها. 

وبالقدر نفسه من تخليد أم كلثوم هذه الكتب، نزلت لعنتها على كتب أخرى دخلت إليها من زاويا مغايرة، فلم يلتفت لها أحد رغم أهميتها. 

وهنا يمكن أن نشير إلى الكتاب البائس «الهوى دون أهله» الذى كتبه حازم صاغية، وهو كتاب يعرفه قليلون فى الأوساط الثقافية والأدبية، لكن لا قدر له أو صيت خارجها. 

فى هذا الكتاب انتقم صاغية من عبدالناصر وعصره وسياساته فى شخص أم كلثوم. 

ويكفينا أن نستعرض بعضًا مما ربط به مؤلف الكتاب بين أم كلثوم وعبدالناصر، لنتأكد من ذلك. 

فهو مرة يقول فى إطار استعراضه لدور أم كلثوم التى اعتبرها وزارة إعلام عبدالناصر التى جرى استغلالها بمهارة فى نشر الناصرية وتوصيلها إلى الجماهير وتخديرهم بها: «هذا على الأقل ما أعلنته جهارًا بأغانيها السياسية والوطنية التى تنقلب فى أحيان كثيرة إلى مادة برنامجية مشوبة بتوعية مبتذلة، أو تلك التى توازى السياسة الخارجية المصرية وتكملها». 

ومرة ثانية يقول: «بقى تمجيد جمال عبدالناصر محورًا ولازمة فى هذا الضرب من الغناء الكلثومى، (فمن عصر مينا إلى عصر عمرو، ومن عصر عمرو إلى عصر جمال)، وصولًا إلى تلك المنجزات، كما درجت على تعدادها أجهزة النظام، دون أن تتردد فى سرد قصة السد العالى وسرد وقائع حرب ١٩٥٦ كما تنقلها الرواية الرسمية المصرية، وقبلها تفاصيل محاولة اغتيال جمال عبدالناصر». 

فى مقدمة كتابه ينتقد حازم صاغية من كتبوا سيرة أم كلثوم قبله، ويخصص القدر الأكبر من الهجوم على نعمات أحمد فؤاد، ويعلق على ذلك بقوله: «لم يبق إلا تشبيه المغنية الراحلة بالإلهات وعظيمات التاريخ والأسطورة، وهكذا وضعت الست إلى جانب إيزيس ونفرتيتى ونيتشرى والبتول مريم والست زينب، ولم تتردد كاتبة سيرتها الرسمية فى أن ترسمها إلهًا يستحيل إلى قلب يخفق وروح ترفرف، فيها ضراعة وفيها رجاء وفيها أمل، وهى فوق هذا كله صلاة خالصة عميقة». 

أبى حازم صاغية بتعقيدات حياته السياسية والثقافية أن يدخل محراب أم كلثوم بأدبه، فأخرجته من حدود مملكتها الواسعة، ولم تجعل أحدًا يلقى بالًا لكتابه، الذى لا يأتى ذكره إلا بالنقد والرفض والاتهام بالتطاول، ما جعله يتبرأ مما فعل، بل يحاول الدفاع عن نفسه فى تصريحات تليفزيونية. 

مؤخرًا قال: «أنا لا أكره أم كلثوم، ولا أحقد عليها كما يزعم بعض النقاد، والحال أن العكس هو الصحيح، بمعنى أننى أحب الكثير من أغانيها، أو مقاطع منها، وقد أتجرأ حين ينخفض اكتراثى بآذان السامعين، على غناء بعضها بصوتى، وربما جاز القول إن أم كلثوم هى فعلًا إنسانة عظيمة فى تاريخنا الحديث، بكل ما تحمله كلمة (عظيمة) من معانٍ إيجابية وسلبية فى آن، وما يصح فى الموقف من أم كلثوم، يصح بدرجة أكبر من الموقف مع مصر التى نسب إلى أيضًا وبسبب هذا الكتاب أننى أكرهها». 

اعتذر حازم صاغية لأم كلثوم، لكن الاعتذار جاء متأخرًا، وكأنه مثل إبليس الذى يتوب بعد أن أغلقت كل أبواب التوبة فى وجهه، ولذلك فلا تزال لعنة أم كلثوم تطارد كتابه. 

وعندما ثارت الضجة على فيلم «الست» الذى كتبه أحمد مراد وأخرجه مروان حامد وتلعب دور البطولة فيه منى زكى، حاول البعض استعادة رواية «كان صرحًا من خيال» التى كتبها بالفرنسية سليم نصيب، وترجمها إلى العربية بسام حجار، وصدرت عن دار العين فى ٢٠١٩. 

سليم نصيب لبنانى الأصل، هاجر إلى فرنسا منذ عام ١٩٦٩، أصدر روايته بعنوان «أم» وهو الاسم المعروف لأم كلثوم فى فرنسا، وتمت ترجمتها أولًا إلى الإنجليزية والإيطالية بعنوان «أحببتك لأجل صوتك»، وانحاز بسام حجار إلى عنونتها بـ«كان صرحًا من خيال».

قرأت إشادات كثيرة بالرواية التى يروى فيها مؤلفها قصة أم كلثوم بلسان أحمد رامى ومن عينه وزاويته الخاصة، وأعتقد أن كثيرين لفت انتباههم أن كاتبها اهتم بقصة الغرام المراوغة التى جمعت بين رامى وأم كلثوم، وتعاملوا مع الرواية باهتمام شديد، لكن هناك ما جعل جمهور أم كلثوم ينفر منها، فالرواية بها تلميحات واضحة لما يدعيه البعض عن مثلية أم كلثوم. 

فى صفحة ٩٧ من طبعة العين نقرأ على لسان رامى: «إنها تحب النساء، هذا ما يدور على ألسنة الجميع بشأنها، سر شائع، محفوظ، لا أطيق سماعه، غير أننى أشعر به دومًا من حولى، ومن حولها». 

ولأن بطل الرواية، الذى هو رامى، كان يحب أم كلثوم، فهو يدافع عن حبها للنساء. 

يقول: «كانت تحب النساء، أعلم، ولكن ليس بالطريقة التى يلمحون إليها، لقد فتحت عينيها على عالم حيث الرجال، كل الرجال يشبهون والدها بالطغيان نفسه، وبالعناد نفسه، وبحس التملك نفسه، فبحثت عن الأمان فى جنسها هى، وكانت تردد على مسامع الجميع: لن أتزوج لأننى تزوجت فنى، ويجب أن أكرس نفسى لما وهبته، ولجمهورى الغيور، وبذلك كسرت العرف، وما كانت لتعرف عرفًا آخر، فوجدت نفسها بلا أعراف». 

الرواية مهمة، ولغتها راقية، لكن أعتقد أن كثيرين لم يغفروا لصاحبها أنه حاول خدش صورة مطربتهم المقدسة، ولذلك فقد مروا عليها مرور الكرام. 

وكما فى الكتب والروايات حدث فى الشعر، وأعتقد أن شيئًا من لعنة أم كلثوم أصاب أحمد فؤاد نجم، بعد قصيدته «كلب الست». 

يحتفى كثيرون بهذه القصيدة، ربما رغبة منهم فى أن يظهروا بعضًا من الاختلاف، أو انحيازًا لشاعر كان يقدم نفسه متحللًا من كل شىء على أنه فاجومى. 

فى مذكراته ذكر أحمد فؤاد نجم قصة هذه القصيدة التى كتبها بعد أن عض كلب أم كلثوم الطالب إسماعيل خلوصى، الذى ذهب إلى نقطة شرطة الزمالك وحرر محضرًا بالواقعة، وعندما وصل المحضر إلى النيابة تم حفظه، رغم الكشف الطبى الذى أثبت إصابات إسماعيل البالغة من عضة الكلب، ما دفع نجم إلى أن يكتب قصيدة سوداء تمامًا ضد أم كلثوم. 

وأقول إنها قصيدة سوداء، لأنه تجاوز كعادته الواقعة إلى صاحبتها، هذا رغم أن أم كلثوم لم تكن صاحبة الواقعة، ولكنه كلبها. 

تجاوز نجم فى حق أم كلثوم المغنية والمرأة وليس أم كلثوم صاحبة الكلب، بل عايرها بأنها لا تنجب. 

يقول فى بداية قصيدته: 

فى الزمالك من سنين وفى حمى النيل القديم 

قصر من عصر اليمين ملك واحدة من الحريم

صيتها أكتر من الأدان يسمعوه المسلمين

والتتر والتركمان والهنود والمنبوذين

ست فاقت ع الرجال فى المقام والاحترام

صيت وشهرة وتل مال يعنى فى غاية التمام 

قصره يعنى هى ليها كلمة فى الحكومة 

بس ربك لجل حكمه حرمها من الأمومة. 

لم يقدر نجم على غضب جمهور أم كلثوم، حاول أن يخفف حدة ما فعله، ادعى أنه لم يكن يقصدها، لأنها بالنسبة له الصوت الساحر الذى لم يأت مثله، ثم إنها لم تحرض كلبها على فعلته الآثمة، وإنما كانت قصيدته موجهة إلى هؤلاء المنافقين الذين أثاروا الاستفزاز بنفاقهم وتزلفهم وقلبهم الحقيقة وخلطهم الأمور، فكتبوا أن إسماعيل خلوصى لم يتأذ مما جرى له، بل كان سعيدًا به. 

أى كلام بالطبع يقوله أحمد فؤاد نجم، فلو أنه كتب قصيدته كما يقول، لما تعرض لأم كلثوم بهذه الإهانة البالغة، لكنه تعمد أن يسبها ويعيرها، نزولًا على طبيعته الخالدة التى لخصها الكاتب الكبير رجاء النقاش عندما وصفه بأنه «عضاض بلا سبب». 

أمام قصيدة نجم التى يدينها كل من يسمعها، كتب مئات الشعراء قصائد لأم كلثوم، غنت بعضها فى حياتها، وكثير منها كتبه أصحابه بعد وفاتها فى رثائها، وهى قصائد لا تزال تحتل مكانها ومكانتها فى الأدب العربى يحتفى بها دارسوه، ويعززها جمهور أم كلثوم بالقراءة والحفظ. 

ومن الشعر إلى الغناء، وفى هذه المساحة يمكن أن يمر علينا الكثير دون أن ننتبه له. 

كانت أم كلثوم فى حياتها حريصة على ألا يقترب أحد من أغانيها، ولم تكن تسمح لأحد بتقليدها، وهنا أعود إلى كتاب نعمات أحمد فؤاد، التى تقول إنه فى عام ١٩٥٠ عندما تعرضت أم كلثوم لأزمة صحية، بدا للإذاعة أن تجرّب نجاة الصغيرة فى قصيدة شوقى وأم كلثوم «ولد الهدى»، وكان يومًا لم تعد بعده نجاة الصغيرة إلى تقليد أم كلثوم. 

وفى عام ١٩٦٢ حلا لعازف ماندولين يعمل فى التليفزيون أن يقدم ضمن عرض فكاهى له تقليد أغنية «يا ظالمنى»، فاتصلت أم كلثوم بمراقب البرامج وطلبت منه عدم عرضه، فاستجاب المراقب، بل استدعى العازف وقال له: «اقتصر على تقليد فلانة أو فلانة، ولكن إياك وتقليد أم كلثوم». ودخلت أم كلثوم معارك كثيرة مع من اعتقدن أنهن يمكن أن يكن منافسات لها، وفى هذا الإطار يمكننا أن نستعرض قصصًا كثيرة، ومن بينها ما يشاع عن الشاعر الكبير كامل الشناوى الذى كان يتبنى المطربة نور الهدى، التى أراد أن يجعلها منافسة لأم كلثوم، لكن الست سحقتها وتسببت فى طردها من مصر. 

الحقيقة أن أم كلثوم لم تفعل ذلك، فعندما كانت نقيبة للموسيقيين فى الأربعينيات، شكت المطربات أن هناك مغنيات عربيات يعملن فى مصر، وهو ما يؤثر على دخول المطربات المصريات وعملهن، وكن يرددن «أخى جاوز الظالمون المدى.. جاءت صباح بعد نور الهدى»، إلا أن أم كلثوم لم تتأثر بهذه الحملة، وأصرت على بقاء صباح ونور الهدى، لأنها لم تكن ترى فيهما خطرًا من أى نوع عليها أو على المطربات المصريات. 

وبعد وفاتها كانت أم كلثوم باب المجد لمطربات خرجن من معطفها وتواضعن أمام بابها، أمثال آمال ماهر وريهام عبدالحكيم ومى فاروق، لكنها لم تتسامح مع مطربات كن يقمن بتقليدها بطريقتهن الخاصة، بل تجرأن وقلن إنهن أدين أغنيات أم كلثوم أفضل منها، ولا داعى لذكرهن، فقد ذهبن مع النسيان، ولم يعد أحد يذكر ما فعلن أو ما غنين. 

هل لكل هذا الكلام علاقة بفيلم «الست» الذى تلعب بطولته منى زكى، والذى هو آخر عمل يتعرض لحياة أم كلثوم. 

مؤكد له علاقة، لكنها غير مباشرة. 

لقد تابعت الحملة الشرسة على الفيلم قبل عرضه، لا أستطيع أن أعترض طريق أحد وأقول له قل كذا ولا تقل كذا، أو امتنع عن إبداء رأيك فيما ترى، لكن فى النهاية لا يمكننا أن نحكم على فيلم كامل من مجرد مشاهد عابرة أو صورة متناثرة، خاصة أن صنّاع الفيلم لهم سوابق مهمة فى الإجادة والإتقان. 

الرسالة فقط التى أردت أن أضعها أمام الجميع، هى أن أم كلثوم لا تتسامح مع مَن يعبث معها، ولا تصمت أمام مَن يحاول التجريب فى تاريخها وحياتها، تصيبه بلعنة لا يفيق منها أبدًا، وكل ما أتمناه أن تمنح أم كلثوم بركتها لفيلم «الست»، وأن يبعد الله عنهم لعنتها.