لصوص شرعيون.. وثيقة رسمية تكشف الأصل التاريخى لسرقة الإخوان أموال التبرعات
- محمود عبدالحليم: أنفقنا تبرعات فلسطين فى الدعاية ولم نرسلها للمجاهدين
- اعتراف إخوانى: الأموال التى تجمع باسم فلسطين لا تصل كلها إلى أهلها
يتعامل الإخوان مع كتاب محمود عبدالحليم «الإخوان المسلمون.. أحداث صنعت التاريخ» على أنه كتاب تاريخهم الرسمى، وقد صدر فى ثلاثة أجزاء يرصد تاريخ الجماعة منذ العام ١٩٢٨ وحتى العام ١٩٧١.
ظل هذا الكتاب هو المرجع الأساسى الذى يحيلون إليه كل من يريد معرفة تاريخ الجماعة، وثقوا فيه وفى مؤلفه الذى كان من المقربين لحسن البنا مؤسس الجماعة، حتى صدر كتاب جمعة أمين الموسوعى «أوراق فى تاريخ الإخوان المسلمين»، فزاحم كتاب محمود عبدالحليم قليلًا، لكنه لم ينزله من على عرش تاريخ الجماعة.
ولأن هذا الكتاب يحتل كل هذه المكانة لدى الإخوان، فهو بمثابة وثيقة تاريخية، فإنهم لا يمكن أن يشككوا فيما جاء به، ورغم أنه ينصر الجماعة على من سواها، إلا أن القراءة المدققة للكتاب تمكننا من معرفة سواءتها، إذا ما وضعنا الوقائع إلى جوار بعضها فى سياقها الصحيح، وتحليلها على النحو الذى يكشف لنا ما وراءها.
يعتقد الإخوان أنهم على حق، وكان محمود عبدالحليم ممن يعتقدون أن الله وضع الحق فى قلوب الجماعة وعلى ألسنة أعضائها، ولذلك لم يتردد فى توثيق كل ما جرى، اعتقادًا منه أنه لا يقول إلا الصواب.
من بين ما تعرض له عبدالحليم فى كتابه مسألة جمع التبرعات لفلسطين.
فى صفحة ١٧٣ من الكتاب يشير عبدالحليم إلى أن قضية فلسطين ظلت شبه مجهولة إلا فى حدود المساجد التى غشيها الإخوان بكلماتهم فى أيام الجمع، وهى مهما كثرت عددًا فإنها لا تصل إلى عشرة مساجد بالقاهرة، لكن عندما انتقلت الجماعة إلى الدار الجديدة فى العتبة قرر حسن البنا أن ينطلق الإخوان بهذه القضية انطلاقة واسعة، ومن بين الخطوات التى اتخذتها الجماعة كان استمرار نظام الخطابة فى المساجد وجمع التبرعات.

لكن هل كان يجمع الإخوان أموال التبرعات لفلسطين وأهلها؟
ينبه محمود عبدالحليم قارئ كتابه إلى أن النقود التى كانوا يجمعونها لفلسطين من المساجد والمقاهى والبارات لم يكن القصد من جمعها إعانة المجاهدين الفلسطينيين بها، فهم كانوا من هذه الناحية فى غير حاجة إليها لأن أغنياء أهل فلسطين من التجار كانوا من وراء هؤلاء المجاهدين.
ويشير عبدالحليم إلى أن السيد أمين الحسينى حضر فى بعض زياراته للمركز العام للإخوان ومعه بعض هؤلاء التجار وعرف الإخوان بهم.
ويعترف عبدالحليم نصًا فى صفحة ١٧٤ من الكتاب: إنما كان جمعنا لهذه التبرعات أسلوبًا من أساليب التأثير فى نفوس الناس بهذه القضية وربطًا لقلوب الناس وعقولهم بها واختبارًا لمدى تجاوبهم معها.

ويضيف: هذه المبالغ لم تكن ترسل إلى المجاهدين بل كانت تصرف فى شئون الدعاية لهذه القضية بأمر اللجنة العربية، ثم إن اللجنة كانت ترسل إلينا من أموالها الخاصة مبالغ طائلة لنضيفها إلى ما عندنا للإنفاق على هذه المهمة الخطيرة، التى كانت اللجنة تعتبرها أهم وألزم للقضية من الجهاد المسلح الذى يقوم بأعبائه المجاهدون فى فلسطين نفسها، وإلا لما كان للإخوان وهم ما زالوا فى مهدهم أن ينهضوا بمهام الدعاية المجلجلة التى أقضت مضجع الإمبراطورية البريطانية والتى تحتاج إلى إنفاق واسع النطاق.
وفى اعتراف صاعق فى الحقيقة يقول محمود عبدالحليم: كانت الأموال التى تجمع باسم فلسطين لا تصل كلها إلى أهلها، بل كان يتصرف بجزء كبير منها فى شئون التنظيم، وما يبقى يرسل إلى فلسطين، وكثيرًا ما كان الإخوان يختلفون فيما بينهم حول أحقية الجماعة بهذه التبرعات.
يمكن لمن يتشكك فى هذا الكلام أن يعود إلى كتاب محمود عبدالحليم ليقرأه بنفسه، فالكتاب متاح على مواقع مختلفة بالإنترنت، وكل ما أتمناه بعد القراءة أن يقف من لا يعرف تاريخ الجماعة جيدًا أن يتأمل ما حدث، فببساطة شديدة سيكتشف أنه لا جديد لدى هذه الجماعة على الإطلاق، وتحديدًا فى مسألة سرقة التبرعات التى يتم جمعها لفلسطين والقضية الفلسطينية.
المشكلة فى اعتقادى أن الجماعة لا تعتبر أن ما يحدث سرقة، وقد بررت ذلك لأعضائها، فالأموال التى يتم جمعها لا توجه إلى دعم القضية، ولكن يتم تمويل الدعاية منها، وهو أمر كانت الجماعة تعتبره- ولا تزال- أفضل من معاونة من يحتاجون هذه التبرعات بالفعل، وأعتقد أنهم كانوا يفعلون ذلك ولا يزالون لأن باب الإنفاق على الدعاية للقضية يتيح لهم الفرصة الكبيرة للسرقة والسطو على الأموال دون أن يحاسبهم أحد.

الأخطر من ذلك أن خلافًا جرى فى كواليس الجماعة، فهناك من كان يرى أن هذه الأموال لا بد أن توجه كاملة إلى فلسطين وأهلها، لكن هناك من كان يعترض، لكن الكفة رجحت لصالح من كانوا يعتبرون أن أموال التبرعات التى يتم جمعها من المصريين من حق الجماعة، ولذلك انتصر هذا الرأى، وأصبحت الجماعة تنفق على نفسها من أموال التبرعات، وما يتبقى منها وهو فى الغالب الجزء الأصغر كان يذهب إلى فلسطين.
لقد منحت الجماعة أعضاءها ما يشبه الفتوى الشرعية، وقدمت بين يديها المبررات للتأكيد على أن من حق الجماعة أن تسطو على جزء من التبرعات، فهى تعمل من أجل القضية، وهذا العمل يحتاج إلى إنفاق، وعليه فهذه الأموال حق لا شبهة فيه.
ما حدث- ولا يزال يحدث حتى الآن- يمكننا اعتباره سرقة شرعية، فقد منحت الجماعة لمن يفعلون ذلك الغطاء الشرعى لسرقاتهم، ولذلك تراهم يتحدثون عما يفعلون ببساطة، لأنهم فى قرارة أنفسهم على قناعة بأنهم لا يخالفون الشرع ولا المنطق.. وكأنى بهم مثل هؤلاء «الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا».

هذا الأصل التاريخى لمسألة سرقة التبرعات لدى جماعة الإخوان، جعلنى لا أتعجب أبدًا من الوقائع التى بدأت تتوالى منذ أسابيع عن سرقات كبرى من أموال التبرعات التى جمعتها كيانات قريبة من الإخوان لصالح فلسطين بعد أحداث ٧ أكتوبر.
تعرفون ما جرى من جمعية «وقف الأمة»، وهى جمعية قام بتأسيسها إخوان الأردن، وقد أطلقت حملات دولية لجمع التبرعات لصالح غزة، لكن يبدو أنهم تصرفوا فى هذه الأموال كما كان يتصرف حسن البنا فى الأموال التى كان يجمعها من أجل فلسطين.

بدأت مناوشات كلامية بين بعض شباب حماس وقيادات جمعية «وقف الأمة»، دارت كلها حول سرقة أموال التبرعات، وظلت هذه المناوشات فى دائرة الشائعات، إلى أن تدخلت جماعة حماس رسميًا وحسمت الأمر، عندما أعلنت أن الجمعية سرقت ما يقرب من ٥٠٠ مليون دولار من أموال التبرعات.
بيان حماس لم يكتف بكشف الغطاء عن جمعية «وقف الأمة» فقط، ولكنه أضاف إليها جمعيات أخرى مثل «مؤسسة منبر الأقصى» ومؤسسة «كلنا مريم».
وجاء فى البيان نصًا: نضع أيديكم وكلنا أسف لما وصلت إليه بعض مؤسسات الحركة التى استحوذ عليها بعض الأشخاص، ويتخذون من تزكيات قديمة لبعض العلماء غطاءً لهم، ولقد أطلقوا حملات منوعة ظاهرها جمع الأموال لإسناد أهلنا فى غزة والقدس فى هذه الأيام العصيبة التى نمر بها، مع أن واقع الحال غير ذلك، ويتم التصرف فيما يُجمع من أموال بما لا يخدم أوضاع أهلنا هناك بتاتًا.

وجهت حركة حماس بيانها إلى من يهمه الأمر، وقالت فيه: بهذا الخطاب فإن الحركة ترفع الغطاء عن هؤلاء الأشخاص والمؤسسات، مع العلم أن هؤلاء الأشخاص كانوا يعملون فى بعض مؤسسات الحركة، وأصبحوا يشكلون جسمًا موازيًا للعمل المقدسى، بزعمهم خدمة القدس والمسجد الأقصى المباركين من خلال المؤسسات التى استحوذوا عليها، وهم فى الحقيقة يخدمون مصالحهم الشخصية بعيدًا عن القدس وغزة.
حاولت حركة حماس كما تقول إعادة تلك المؤسسات لأهدافها، إلا أن محاولاتها لاقت رفضًا قاطعًا من قبلهم طوال العامين الماضيين، وهو ما دفعها إلى مطالبة الجميع بقطع العلاقة مع تلك المؤسسات والأشخاص القائمين عليها وعدم تزكيتهم أو التعاون معهم، لما فيه من ضرر بالغ يلحق بمدينة القدس والمسجد الأقصى المباركين وبفلسطين، وإبلاغ من يلزم إبلاغه عنهم، وحددت الحركة أشخاصًا بعينهم وأسماءهم وهم: سعيد أبوالعبد الشهير بيزيد نوفل، وفؤاد الزبيدى، وسمير سعيد، وعبدالله سرحان، وخلدون حجازى، وأحمد العمرى، وزيد العيص.

هل تجدون جديدًا فيما كشفته حركة حماس، أعتقد أنه لا يوجد أى جديد.
ولم يكن غريبًا بالنسبة لى عندما كشفنا ما قام به القيادى الإخوانى الذى يعيش فى تركيا سلامة عبدالقوى، عندما اتهمه أحد العناصر الإخوانية الإرهابية الهاربة إلى تركيا بأنه استولى منه على ٢٠٠ ألف دولار، بعد أن أقنعه أنه سيكون شريكًا له فى تأسيس مدرسة خاصة بمدينة إسطنبول، لكنه لم ينفذ المشروع، وعندما طالبه العنصر الإخوانى بأن يرد له أمواله تنكر له ورفض أن يتفاهم معه.

بعد أن نشرنا هذه الواقعة وتناقلتها عنا مواقع وصفحات السوشيال ميديا، قامت قيامة سلامة عبدالقوى ورفاقه، خرج يدافع عن نفسه، ويدافع عنه أنصاره، متهمين من نشر بتشويه سمعته، ولم يحاولوا تفنيد الاتهام، أو الاستعانة بالعنصر الإخوانى الذى اتهم عبدالقوى لينفى عنه جريمته.
أغلب ظنى أن سلامة عبدالقوى متورط فى هذه الواقعة المشينة.
وأغلب ظنى كذلك أنه مقتنع تمامًا أنه لم يأت بخطأ، لأن لديه رخصة شرعية منحتها له الجماعة فيما يبدو ليسطو على أموال الناس ويعتبرها حلالًا له، ولذلك فنحن أمام «لصوص شرعيين»، يسرقون أموال الناس ويستحلونها دون أن يشعروا بأنهم يخالفون شرع الله، فالمهم لديهم أنهم لا يخالفون شرع الجماعة الذى يحل لهم ما فى أيدى الناس.
وأذكر أننى فى العام ٢٠١٩ عندما كنت أقدم برنامج «٩٠ دقيقة» على قناة المحور، عرضت لتسجيل صوتى كان منتشرًا وقتها، ويتحدث فيه أمير بسام عضو مجلس شورى الجماعة فى اتصال تليفونى مع صديق عما تقوم به القيادات الإخوانية الهاربة فى تركيا.

أشار أمير إلى أن قيادات الجماعة يقومون بجمع تبرعات تحت راية حقوق الإنسان، لكنهم بدلًا من أن ينفقونها على أفراد الجماعة فى تركيا، فإنهم يقومون بشراء سيارات ومنازل ويسجلونها بأسمائهم وأسماء أبنائهم.
كان بسام يقارن بين وضع القيادات الذين يسرقون أموال التبرعات التى تصلهم، يزيدون بها ثرواتهم، فى الوقت الذى كانوا يمنحون فيه الشباب ٢٠٠ ليرة شهريًا لينفقوا منها على إقامتهم وحياتهم، إلى أن أحد أبناء محمود حسين القيادى الإخوانى يركب سيارة ثمنها ١٠٠ ألف يورو، بينما هو لا يجد مكانًا يعيش فيه.
قال أمير نصًا: إن نائب مرشد الإخوان محمود حسين اعترف أمام الجميع بأنه أخذ ما لا يحق له أخذه من أموال التبرعات، هو ومحمود الإبيارى وإبراهيم منير ومحمد البحيرى، كما اعترف أنهم حصلوا على شقق وعقارات وسجلوها بأسمائهم، ورغم ذلك لم يتحدث أحد من الجماعة أو يعترض.

وفى أسى قال بسام: تألمت كثيرًا أن يكون هذا موقفكم من اعتراف محمود حسين الصريح أنه أخذ هذه الأموال، محمود حسين اشترى سيارة بى إم دبليو، يركبها بـ١٠٠ ألف دولار، فى حين أن الطلاب هنا يتم إذلالهم ليحصلوا على ٢٠٠ ليرة و٤٠ دولارًا، رغم أن ثمن السيارة يكفى احتياجات الطلاب لشهور طويلة، أى فتنة عندما ينظر الطلاب الذين دمر مستقبلهم لهذا الأمر فى حين أن محمود حسين ونجله يلعبان بالأموال ويتحركان بالسيارة، كيف نواجههم وماذا نقول لهم؟
لم أتعاطف وقتها مع ما يقوله بسام، فهو شريك فيما يحدث، ثم إننى لم أجد شيئًا جديدًا فيما قام به محمود حسين أو غيره، فهذه جماعة من اللصوص، وضعت لنفسها دينًا، وقررت أن تسرق بشرعيته الأموال والأوطان معًا، وليس على من صدقوهم أو ساروا خلفهم إلا أن يعضوا أصابع الندم على ما فعلوه بأنفسهم.. أما نحن فيكفينا أننا كنا- ولا نزال - نعرف حقيقتهم.








