الجمعة 26 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

عسل السنيورة.. احتفاء خاص بإبداع شريف سعيد بعد فوزه بـ«جائزة نجيب محفوظ»

حرف

- الروائى والمخرج التليفزيونى: بهاء طاهر ومحمد المنسى قنديل كاتباى المفضلان

فى أمسية أدبية حافلة، احتفت مؤسسة «الدستور» بالكاتب والمخرج شريف سعيد عقب فوزه بجائزة نجيب محفوظ لأفضل رواية مصرية لعام 2025، عن رواية «عسل السنيورة»، الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة.

الاحتفاء جاء مساء الإثنين الماضى، بحضور الكاتب الصحفى الدكتور محمد الباز، رئيس مجلسى إدارة وتحرير مؤسسة «الدستور»، وبمشاركة المؤرخ الدكتور محمد عفيفى، إلى جانب نخبة من رؤساء تحرير الصحف والكتّاب، الذين أثنوا على تجربة «سعيد» الروائية وما تحمله من جرأة فى الطرح وعمق فى الرؤية، مؤكدين أن فوزه بالجائزة يمثل تتويجًا لجيل كامل من المبدعين الشباب، وتحديدًا جيل بداية الألفية.

محمد الباز:  اللغة من أبطال الرواية وتحتاج «قارئًا مستعدًا»

فى مستهل اللقاء، اعتبر الإعلامى الدكتور محمد الباز، أن ندوة الاحتفاء بفوز شريف سعيد بجائزة نجيب محفوظ، أقرب ما تكون إلى جلسة يغلب عليها الود وتوثيق منجز أدبى لواحد من جيل الشباب الذى استطاع اقتناص الجائزة، رغم أن المعتاد أن تذهب غالبًا إلى كبار الكُتّاب.

وأضاف «الباز» أنه قرأ الرواية وتوقف أمام لغتها التى وصفها بأنها ليست لغة عابرة، مشيرًا إلى أن العمل يحتاج قارئًا مستعدًا، إذ إن اللغة نفسها تعد بطلًا من أبطال الرواية. 

وأعرب عن سعادته بهذا الإنجاز، مؤكدًا أن جائزة نجيب محفوظ تُحمل كاتبها مسئولية أكبر مقارنة بالجوائز العربية الأخرى، لأنها ترتبط باسم نجيب محفوظ، لافتًا إلى تحقيق الزميل إيهاب مصطفى الذى تناول ١٠ كتّاب بشر نجيب محفوظ بميلادهم، معتبرًا أن ذلك فى حد ذاته قيمة أدبية كبيرة.

وفى ختام اللقاء، أهدى الدكتور محمد الباز درع جريدة «الدستور» للروائى شريف سعيد، تكريمًا لفوزه بالجائزة.

محمد عفيفى:  نجحت فى ألا تتحول إلى كتاب تاريخ

كشف المؤرخ الدكتور محمد عفيفى عن أنه التقى الروائى شريف سعيد منذ سنوات، وعندما قرأ روايته اكتشف أنها تحمل حكاية لطيفة تجذب القارئ، دون أن تتحول إلى كتاب فى التاريخ. 

وأضاف «عفيفى» أن «سعيد» يتمتع بذكاء يجعله لا يقع فى فخ الادعاء بأنه مؤرخ، ورغم ذلك يقرأ بعمق فى الفترة التى يكتب عنها، حتى إنه رجع إلى رسالة دكتوراه عن أعيان الريف فى الوجه البحرى لأحد تلاميذه، الدكتور رضا أسعد، مستفيدًا من أدق الدراسات لخدمة خياله الروائى. 

وأوضح أن «سعيد» لا يدّعى شخصية المؤرخ كما يفعل بعض الروائيين، بل يكتب وهو ملم بالتفاصيل الدقيقة والأطر العامة، مؤكدًا أن كل رواية تحمل جانبًا من التاريخ، خاصة أن معنى التاريخ تغيّر كثيرًا، بينما تبقى الرواية قائمة على الخيال.

وأشار إلى أن شريف سعيد يمتلك نظرة المخرج، إذ استطاع أن يكشف التفاصيل الدقيقة فى عمله الروائى ويجعل الصور واضحة لا تضل عن القارئ، مع حرصه على إبراز الخطوط العامة بحكم عمله ودراسته، ما يمنح النص حيوية ويجعل القارئ لا يشعر بالملل.

شريف سعيد:  بطلتها «جوليا» نموذج للمرأة المقهورة

حكى الروائى والإعلامى شريف سعيد أن شخصية «جوليا»، التى جاءت مع الحملة الفرنسية، صاغها أثناء كتابة روايته الأولى «وأنا أحبك يا سليمة»، مبينًا أنه حرص لاحقًا على تناولها فى عمل روائى آخر. وأوضح «سعيد» أن «جوليا»، التى وقعت فى أسر «الشيخ أبوقورة» فى المنصورة، ولم تعد إلى بلادها، جسّدت نموذج المرأة المقهورة والإنسان الذى يتحمل أخطاءً لم يقترفها، لافتًا إلى أن الرواية تثير العديد من التساؤلات حول الحب والقهر وغيرهما من المحطات التى كشفتها له رحلة بطلة العمل.

وكشف أنه أدرك فى لحظة ما ضرورة التوقف عن جمع المادة التاريخية المتعلقة بالشخصية، مشيرًا إلى أن عمله كمخرج انعكس على أسلوبه فى الكتابة الروائية والتاريخية. وأكد أنه يحب الأعمال الروائية، وأنه حين كان يكتب «الاسكريبت» للأعمال السينمائية كان يتلقى إشارات بأنه كاتب جيد، مضيفًا أنه تعلم كتابة الرواية أكثر من خلال قراءاته المتنوعة، وأن اهتمامه بقراءة الروايات بدأ منذ عام ٢٠٠٨، بينما كانت قراءاته قبل ذلك تقتصر على الكتب العامة.

وكشف أنه فى روايته الأولى «وأنا أحبك يا سليمة» أُخذ عليه تركيزه على إبراز تفاصيل الصورة أكثر من التطور الدرامى للشخصيات، وهو ما حاول تجاوزه فى عمله الروائى الثانى، مع الحرص على صياغة تناسب الحقبة التاريخية وضمان وصولها لغويًا بشكل واضح إلى القارئ.

وعن كتّابه المفضلين، قال «سعيد» إنه يحب أعمال الراحل بهاء طاهر، والدكتور محمد المنسى قنديل الذى يرى أنه لم ينل التقدير الكافى رغم مكانته الكبيرة، إضافة إلى الروائى الكبير إبراهيم عبدالمجيد الذى قرأ رواياته فى عامى ٢٠١٠ و٢٠١١، ثم تواصل معه عبر «تويتر» والتقاه فى أحد المقاهى، وكان يلتقيه باستمرار برفقة الدكتور شاكر عبدالمجيد، معتبرًا أن جلوسه مع هاتين القامتين الأدبيتين من أبرز محطات حياته، قائلًا: «أنا من هذا الاحتفاء أُقبل رأس الأستاذ إبراهيم عبدالمجيد».

وعند سؤاله عن نصيحته للكتّاب الشباب، شدد «سعيد» على أن الكتابة وظيفة وليست مجرد موهبة، مستشهدًا بنصيحة إبراهيم عبدالمجيد له منذ أكثر من عشر سنوات بضرورة الكتابة يوميًا قبل الذهاب إلى العمل وتثبيت مواعيدها. 

وأكد أن الموهبة وحدها لا تكفى دون التزام مع النفس، وأن ليس كل ما يُكتب سيكون رائعًا، لكنه قد يحمل ما يلقى إعجاب القراء.

محمد العسيرى:  الكتابة فى هذا الزمن إنجاز!

رأى الشاعر والكاتب الصحفى محمد العسيرى أن أى فعل إبداعى، فى اللحظة الراهنة التى يعيشها الشرق الأوسط، وليس مصر وحدها، يُعد إنجازًا فى حد ذاته، مشيرًا إلى أن القدرة على الكتابة والتفوّق فيها، وسط هذا المناخ، تمثل قيمة استثنائية.

وأضاف «العسيرى» أنه لفت انتباهه، خلال مداخلة المؤرخ الدكتور محمد عفيفى، وجود تحفّظات على مفهوم «الرواية التاريخية»، فى ظل تداخلها أحيانًا مع رواية «السيرة الذاتية»، مطالبًا بضرورة فك هذا «الاشتباك المفاهيمى».

وتساءل حول توقيت رفع القيمة المادية للجوائز الأدبية فى مصر، مضيفًا: «رغم القيمة الرمزية الكبرى لاسم نجيب محفوظ المرتبط بالجائزة، هناك مؤسسات ثقافية حديثة باتت تقدم جوائز ذات قيمة مالية أعلى»، قبل أن يعقب: «ارتفاع القيمة المادية للجائزة يمثل دعمًا حقيقيًا للكاتب، ويمنحه القدرة على الاستمرار والإنتاج».

وواصل: «إذا تطلّب الأمر اختزال هذا العدد الكبير من الجوائز الأدبية فى مصر مقابل جائزة واحدة كبرى ذات قيمة مالية مرتفعة، فإن ذلك سيكون أكثر تأثيرًا وجدوى»، معربًا عن أمله فى أن يحسم المجلس الأعلى للثقافة هذا الملف.

وضرب مثالًا ببرنامج «دولة التلاوة»، الذى تصل قيمة جائزته إلى مليون جنيه، معتبرًا أن هذه القيمة المادية أضفت ثقلًا كبيرًا على المسابقة، وشجّعت المتسابقين على التقدم، بما يمثل إضافة حقيقية للقوة الناعمة المصرية.

وأكد «العسيرى» أنه يعرف شريف سعيد من خلال أعماله الأدبية، وتجربته الإخراجية، معلنًا اتفاقه مع ما طرحته الإعلامية الدكتورة صفاء النجار بشأن الاحتفاء بخريجى كلية الإعلام الذين اتجهوا إلى الإبداع الأدبى.

وكشف أنه كان يأتى من الصعيد إلى كلية الإعلام خصيصًا لحضور ندوات الشاعر جمال بخيت، مطالبًا الدكتور محمد الباز باحتفاء جريدة «الدستور» بالمبدعين من خريجى كلية الإعلام، وتقديمهم بوصفهم أحد روافد المشهد الثقافى المصرى.

 

مصطفى عمار: تتوّيج لجيل كامل من الكُتَّاب الشباب

هنّأ الكاتب الصحفى مصطفى عمار، رئيس تحرير جريدة «الوطن»، الروائى والمخرج شريف سعيد بمناسبة فوز روايته «عسل السنيورة» بجائزة نجيب محفوظ للرواية لعام ٢٠٢٥.

وأكد «عمار» أن فوز شريف سعيد بالجائزة يمثل تتويجًا لجيل كامل من الكُتّاب المبدعين المصريين الشباب، موجّهًا سؤاله إلى «سعيد» وإلى المؤرخ الدكتور محمد عفيفى حول دور جائزة نجيب محفوظ للرواية فى مصر والعالم العربى.

صفاء النجار:  نموذج لاحترام حرفة الكتابة

وصفت الإعلامية الدكتورة صفاء النجار رواية «عسل السنيورة» بأنها تمثل نموذجًا لاحترام حرفة الكتابة وتقدير جهدها، مهنئة الروائى والمخرج شريف سعيد بمناسبة فوز الرواية بجائزة نجيب محفوظ للرواية لعام ٢٠٢٥.

وقالت د. صفاء النجار: «عند قراءتى لرواية (عسل السنيورة) لمست جهدًا واضحًا واحترامًا عميقًا لعملية الكتابة ذاتها»، مشددة على أن «الكتابة حرفة لا تقل شأنًا عن أى حرفة أخرى، وتتطلب وعيًا وأدوات وصبرًا».

وكشفت أن معرفتها الأولى بشريف سعيد جاءت بوصفه كاتبًا روائيًا لا مخرجًا، فى عام ٢٠١٨، حين وصلت روايته الأولى «وأنا أحبك يا سليمة» إلى القائمة القصيرة لجائزة «ساويرس» الأدبية، فطلبت منه آنذاك إرسال مقطع من الرواية لنشره فى صفحة «مرايا الإبداع» بجريدة «الدستور»، وهو ما تم بالفعل، قبل أن تعرف خلفيته الأكاديمية كمخرج وخريج كلية الإعلام.

وأضافت أن تلك اللحظة شكّلت بداية علاقة ذهنية بينها وبين مشروعه الروائى، متسائلة منذ ذلك الحين عن موعد صدور روايته الثانية، وهو ما تحقق لاحقًا من خلال «عسل السنيورة»، مؤكدة أن روايتيّه الأولى والثانية تكشفان عن اهتمام واضح بالتاريخ. كما أن عناوينهما تحمل دلالات عميقة داخل النص ذاته.

وواصلت: «لغته الروائية منحوتة بعناية، وتقترب إلى القارئ، على عكس بعض الروايات التاريخية التى تفتقر إلى لغة معاصرة»، مشيرة إلى أن شريف سعيد يراعى سياق السرد، ويتسق مع روح العصر الذى يكتب فيه.

ودعت جريدة «الدستور»، من خلال صالوناتها الثقافية، للاحتفاء بخريجى كلية الإعلام الذين اتجهوا إلى كتابة الأعمال الأدبية، وهم كُثر. كما دعت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية للالتفات إلى الأعمال الروائية الجيدة، مثلما فعلت الهيئة العامة للسينما، عندما حولت الأعمال الأدبية المصرية إلى أفلام سينمائية، فى ستينيات القرن الماضى.

وتابعت: «جوائز عالمية كبرى، مثل الأوسكار، تحتفى سنويًا بالنصوص المكتوبة للسينما، وتخصص جائزة لأفضل سيناريو مقتبس عن عمل أدبى. هناك روايات تسائل الواقع، وأخرى تسائل التاريخ. إلى متى ستظل الرواية المصرية بعيدة عن الشاشة؟!».