الثلاثاء 16 ديسمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

صيد الجوائز.. الأدب المصرى على الخريطة العربية والدولية فى 2025

حرف

- أشرف العشماوى ينافس على جائزة «الشيخ زايد»

- الأدب المصرى قادر على المنافسة ضمن بيئات متعددة الثقافات

شهد المشهد الثقافى العربى والدولى فى عام 2025 تحولات واسعة فى الأدب والبحث العلمى والتراث، مع تنامى التنافس بين الكُتاب والباحثين من مختلف الدول العربية، إلى جانب الانفتاح المتزايد للجوائز الكبرى على الأعمال المتميزة عالميًا.

بالتزامن مع هذه التحولات، استطاعت مصر أن تؤكد حضورها الراسخ فى الساحة الأدبية والثقافية، من خلال مجموعة من الأعمال الروائية والدراسات النقدية وتحقيق المخطوطات، وأدب الطفل والناشئة، وصولًا إلى البحوث التاريخية التى تسهم فى إثراء المعرفة الإنسانية.

وبلغ عدد الأعمال المصرية التى تصدرت المشهد الثقافى فى 2025، من خلال المسابقات الثقافية العربية والدولية، نحو 30 عملًا متنوعًا، ما يعكس تنوع الإنتاج الثقافى المصرى، وقدرته على التفاعل مع مختلف التوجهات الحديثة، إلى جانب تنوع أجيال الكُتَّاب والمبدعين، من الأصوات الجديدة التى تحمل رؤى متجددة، إلى الأسماء المخضرمة التى استمرت فى صناعة الإنتاج الثقافى الراسخ.

فى هذا التقرير، تسلط «حرف» الضوء على الإنجازات المصرية فى أبرز الجوائز العربية والدولية خلال عام 2025، ونحلل دلالات هذا الحضور القوى، سواء بالفوز أو احتلال المراكز الأولى فى القوائم الطويلة والقصيرة، وكيف يعكس ذلك قدرة مصر على المنافسة على المستويين الإقليمى والدولى.

«صلاة القلق» تحصد «البوكر»

فى فبراير ٢٠٢٥، أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية عن القائمة القصيرة للروايات المرشحة للفوز بالجائزة فى دورتها الـ١٨، والتى ضمت رواية «صلاة القلق» للكاتب محمد سمير ندا، إلى جانب ٥ روايات أخرى هى: «دانشمند» لـ«أحمد فال الدين»، و«وادى الفراشات» لـ«أزهر جرجيس»، و«المسيح الأندلسى» لـ«تيسير خلف»، و«ميثاق النساء» لـ«حنين الصايغ»، و«ملمس الضوء» لـ«نادية النجار». وفى ٢٤ أبريل الماضى، نجحت الرواية المصرية فى الفوز بالجائزة، لتكون محطة بارزة فى تاريخ الرواية المصرية المعاصرة. وتطرح رواية «صلاة القلق» موضوعات وجودية واجتماعية بعمق نفسى متقدم، يعكس قدرة الكاتب على المزج بين الحكاية الروائية والتحليل النفسى للأفراد والمجتمع. كما تتناول الرواية الصراعات الداخلية للأبطال فى مواجهة ضغوط الحياة، وتستكشف طرق التعامل مع الخوف والقلق والحنين إلى الذات والجذور الثقافية، ما منحها القدرة على المنافسة والفوز فى واحدة من أهم الجوائز الأدبية العربية. ويعتبر هذا الفوز رسالة قوية إلى المشهد العربى بأن الأدب المصرى ما زال يحتفظ بصدارة المنافسة الإبداعية، وأن الأجيال الجديدة من الكُتَّاب قادرة على حفظ الهوية الثقافية المصرية، وفى الوقت نفسه التفاعل مع التحولات الاجتماعية والفكرية فى المنطقة. كما يسلط الضوء على تميز الرواية المصرية بقدرتها على المزج بين الفن السردى والتحليل الاجتماعى والنفسى، ما يجعلها نموذجًا متكاملًا للأدب العربى المعاصر.

فوز «تحفة الأدب» و«استراتيجيات السرد» بـ«كتارا»

إبراهيم فرغلى

شهدت الدورة الحادية عشرة لجائزة «كتارا» للرواية العربية لعام ٢٠٢٥ حضورًا مصريًا بارزًا فى القائمة الطويلة، التى ضمت أعمالًا مصرية تمثل امتدادًا للمشهد الروائى والنقدى المصرى، على رأسها رواية إبراهيم فرغلى «بيت من زخرف: عشيقة ابن رشد»، التى تعكس قدرة الرواية المصرية على المزج بين التاريخ والفلسفة والحياة المعاصرة، معتمدة على أسلوب سردى متجدد يمزج بين السرد التقليدى والحداثة الروائية.

وامتد التميز المصرى ليشمل فئات البحث الأكاديمى بجائزة «كتارا» عبر فوز الباحثة نهى حسين الحفناوى بجائزة فئة «المخطوطات» عن تحقيقها عمل «تحفة الأدب فى الرحلة من دمياط إلى الشام وحلب» لـ«أحمد الأدهمى»، وهو تحقيق أكاديمى يقدم مادة علمية مهمة فى مجال الدراسات التراثية.

وحصل الباحث المصرى محمد مشرف خضر على الجائزة فى فئة «الدراسات النقدية»، عن دراسته: «استراتيجيات السرد فى الرواية العربية: جدلية الجمالى والثقافى فى روايات ما بعد الربيع العربى»، التى توفر قراءة متعمقة للتجارب الروائية الحديثة، وتناقش العلاقة بين الجمالى والثقافى فى النصوص العربية المعاصرة.

ويبرز هذا الحضور المصرى فى «كتارا» قدرة مصر على المنافسة ليس فقط على مستوى الرواية، بل أيضًا فى الحقل الأكاديمى، ما يعكس تنوع الإنتاج الثقافى المصرى وتجدده، ويؤكد أن الأدب المصرى يمتد إلى البحث والتحقيق فى التراث والظواهر السردية الحديثة، ويواكب التحولات الأدبية والفكرية فى العالم العربى.

تتويج سلوى بكر بأولى جوائز«بريكس» الأدبية

ضمت القائمة الطويلة لجائزة «بريكس» الأدبية، فى دورتها الأولى لعام ٢٠٢٥، ٣ كُتَّابًا مصريين هم: إبراهيم عبدالمجيد وفتحى إمبابى وسلوى بكر، قبل أن تذهب الجائزة فى النهاية إلى الكاتبة الكبيرة سلوى بكر عن مجمل أعمالها.

وتعد سلوى بكر واحدة من أبرز الأصوات السردية المصرية خلال العقود الأربعة الماضية، بعد أن قدمت أعمالًا روائية وقصصية أسهمت فى تشكيل تجربة السرد المصرى المعاصر، ومن بينها روايات: «العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء» و«البشمورى» و«وصف البلبل» و«نونة الشعنونة»، بالإضافة إلى مجموعتها القصصية «وردة أصفهان». كما أسهمت مشاركاتها فى العديد من الندوات والمؤتمرات الثقافية داخل مصر وخارجها فى تعزيز مكانة الأدب المصرى على الصعيد الدولى.

ويعد فوز سلوى بكر بالجائزة خطوة مهمة للأدب المصرى، إذ يتيح ترجمة أعمالها إلى عدة لغات، ويعكس مستوى التقدير الدولى الذى يحظى به الإنتاج الثقافى المصرى، خاصة فى ظل ما تعكسه الجائزة الجديدة من اهتمام دول «بريكس» بالثقافة والأدب كأداة لتعزيز القيم الثقافية والروحية لشعوبها، وتتيح للأدب المصرى التفاعل مع مشهد ثقافى متعدد الجنسيات، ما يعزز حضوره الدولى ويؤكد دور مصر المحورى فى المشهدين العربى والدولى.

8 أعمال متنوعة فى القوائم الطويلة لـ«الشيخ زايد»

تصدرت الأعمال المصرية القوائم الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب فى دورتها العشرين، وذلك فى مختلف الفروع التى تشملها الجائزة، وهى: الآداب والمؤلف الشاب وأدب الطفل والناشئة وتحقيق المخطوطات.

فى فرع الآداب، برزت روايتان مصريتان هما «مواليد حديقة الحيوان» للروائى أشرف العشماوى، و«موت العالم» للكاتب والسينارست عبدالرحيم كمال، الصادرتان فى عام ٢٠٢٤، لتعكسا استمرار الرواية المصرية فى جذب الانتباه العربى، وتناولها موضوعات فلسفية واجتماعية معاصرة. كما أن تناول الروايتين موضوعات مثل التغير الاجتماعى والبحث عن الهوية، يعكس قدرة الأدب المصرى على المزج بين التجربة الإنسانية والتناول الفنى الراقى.

أما فرع المؤلف الشاب، فمثلت مصر فيه الكاتبة دينا شحاتة بعملها السردى «نداهة أصيل من لندن إلى جدة»، لتبرز قدرة الشباب المصرى على المنافسة فى المشهد الأدبى العربى، وإثبات قدرته على التجدد والابتكار، وتقديم أعمال تتوافق مع تطلعات الأجيال الجديدة من القراء.

وفى أدب الطفل والناشئة، كان للحضور المصرى بصمتان بارزتان، من خلال كتاب «دارك ويب» لـ«أحمد قرنى»، و«عندما تحققت الأمنيات» للكاتبة منى كمال، ليظهر التوجه المصرى نحو إنتاج محتوى خيالى ومعرفى للطفل يجمع بين التعليم والترفيه، ويحفز على القراءة والابتكار منذ الصغر. أما فرع تحقيق المخطوطات، فشهد تميزًا أكاديميًا مصريًا من خلال ٣ أعمال رصينة، وهى «موسوعة الأديان العالمية» للمفكر محمد الخشت، و«المعجم الموسوعى لألفاظ الحضارة وأدواتها فى الوثائق الرسمية المصرية» للباحث عصام عيسوى، و«كتاب طيف الخيال» بتحقيق عمرو عبدالعزيز منير، لتؤكد هذه الأعمال الدور المستمر للباحثين المصريين فى خدمة التراث العربى، وإثراء المكتبة العربية والدولية، وتسهم فى الحفاظ على الهوية الثقافية والتاريخية لمصر فى مواجهة تحديات العولمة الثقافية.

3 روائيات يتنافسن على جائزة القدس للمرأة العربية

أعلنت وزارة الثقافة الفلسطينية، بالتعاون مع وزارتى شئون المرأة وشئون القدس، عن القائمة الطويلة لجائزة القدس للمرأة العربية للإبداع الأدبى فى فرع الرواية العربية، والتى ضمت ٣ كاتبات من مصر بـ٣ روايات، هى: «التُرَجّالى رأس الثعلب» لـ«ابتهال السوقى»، و«كفّ المسيح» لـ«أمنية صلاح»، و«شىء من سالومى» لـ«سهير المصادفة».

استقبلت إدارة الجائزة الأعمال خلال الفترة من ٢٨ أبريل حتى ٢٨ يونيو ٢٠٢٥، قبل الكشف عن القائمة القصيرة، فى ١٩ أكتوبر، ثم الكشف عن العمل الفائز بالجائزة، فى ٢٦ أكتوبر الماضى، وهو رواية «إيشى» للروائية الليبية عائشة الأصفر.

12 عملًا تتصدر قوائم «الشيخ يوسف بن عيسى للكتاب»

شهدت الدورة الأولى لجائزة الشيخ يوسف بن عيسى للكتاب حضورًا مصريًا قويًا، فى ٣ فروع رئيسية هى: التربية والتعليم والآداب «الرواية» والتاريخ، وذلك بعد فرز لجنة التحكيم الأعمال المرشحة من بين ٥٣٢ مشاركة من ٣٢ دولة.

فى فرع التربية والتعليم، رُشحت ٣ أعمال مصرية هى «البناء المنهاجى للطفل» للدكتور شريف يونس، و«سايكوسينما: رحلة استكشافية فى عالم الطب النفسى على شاشة السينما» للدكتور إسماعيل إبراهيم، و«لن أعيش فى كينونة أبى» لـ«محمود عبدالغنى»، لتؤكد مصر قدرتها على تقديم إسهامات متميزة فى مجالات التربية والتحليل النفسى والاجتماعى. أما فرع الآداب «الرواية»، فشهد ترشيح ٦ روايات مصرية، منها «موت العالم» لـ«عبدالرحيم كمال»، و«بورتريه لأبى العلا البِشرى» لـ«باهر بدوى»، و«بيت الجاز» لـ«نورا ناجى»، و«مرحلة النوم» لـ«محمد خير»، و«السيرة قبل الأخيرة للبيوت» لـ«مريم حسين»، و«مريم ونيرمين» لـ«عمرو العادلى»، لتؤكد الرواية المصرية استمرار حضورها المتميز فى المشهد العربى.

وفى فرع التاريخ، كان الحضور المصرى واضحًا من خلال ٣ أعمال بحثية، هى: «الجزيرة العربية فى خرائط العصور الوسطى: الهُوية والخصوصية» للدكتور محمود أحمد على هدية، و«الموريسكيّون فى الأمريكتين: من الطرد حتى الوصول.. من الشتات إلى الأمل» للدكتورة شيماء مجدى، و«تاريخ طب النساء والتوليد وتطوره فى المغرب والأندلس» للدكتور محمد سعيد شهاب الدين، والتى تعكس مساهمة مصر البارزة فى الدراسات التاريخية والإقليمية، وإثراء البحث العلمى العربى والعالمى، وحرص مصر على الحفاظ على التراث والهوية الثقافية فى مواجهة التحولات العالمية. ويمثل هذا الزخم من الأعمال المصرية مؤشرًا على قدرة مصر على فرض حضورها فى المشهد الثقافى العربى والدولى، ويعكس تنوع التيارات الإبداعية بين الرواية والنقد وتحقيق التراث وأدب الطفل، ويبرز قدرة الأجيال الجديدة من الكتاب والباحثين على الاستمرار فى الابتكار والتجديد.

ويشير هذا الإنجاز أيضًا إلى أهمية المؤسسات البحثية والمكتبية فى مصر ودورها فى دعم الإنتاج الأدبى والعلمى، سواء على المستوى المحلى أو الدولى.

ويظهر انفتاح الأدب المصرى على الجوائز العالمية وقدرته على المنافسة ضمن بيئات متعددة الثقافات، كما يعكس استمرار الرواية المصرية كرافد أساسى للأدب العربى المعاصر، وحضور البحث الأكاديمى المصرى فى مجالات الدراسات النقدية والتاريخية والتراثية.

كما تؤكد هذه الإنجازات أن مصر لا تقدم إنتاجًا أدبيًا متفردًا فقط، بل تقدم أيضًا أعمالًا بحثية عالية الجودة، تصل إلى مستوى المنافسة على الجوائز العالمية، وهو ما يعكس قوة البنية الثقافية فى مصر وحرصها على دعم المبدعين والباحثين، من خلال مؤسسات مثل مكتبة الإسكندرية وجامعات القاهرة وعين شمس؛ وغيرها.