«كوتة» المسئولين.. اتقوا الشبهات.. لماذا لا يعتذر رجال وزارة الثقافة عن «جوائز الدولة»؟

- اتهامات بوجود نوع من «الهيمنة المؤسسية» على جوائز الدولة
فاز ثلاثة من المسئولين بوزارة الثقافة بجوائز الدولة، التى أُعلنت مساء الثلاثاء، ما أثار جدلًا واسعًا حول مدى تعارض هذا الفوز مع مناصبهم داخل الوزارة، وسط اتهامات غير مباشرة بوجود نوع من «الهيمنة المؤسسية» على جوائز الدولة.
أولى الشخصيات التى شملها الفوز كانت الدكتورة نهلة إمام، مستشار وزير الثقافة للتراث اللامادى، التى حصدت جائزة الدولة للتفوق فى العلوم الاجتماعية، تلاها الدكتور خالد أبوالليل، نائب رئيس الهيئة العامة للكتاب، الحاصل على جائزة الدولة للتفوق فى الآداب، ثم الدكتور مسعود شومان، رئيس الإدارة المركزية لشئون الهيئة العامة لقصور الثقافة، الذى فاز بالجائزة نفسها التى نالها أبوالليل.
اللافت أن هذه الجوائز لم تأت فى سياق منفصل، بل جاءت ضمن سياق أوسع من الترشحات شملت مسئولين آخرين داخل الوزارة، إذ برزت أسماء خمسة من كبار العاملين بالوزارة فى القوائم القصيرة هذا العام، ما جعل البعض يصف الأمر بأنه «كوتة» أو حصة شبه ثابتة مخصصة لأبناء الوزارة داخل منظومة جوائز الدولة.
من بين الأسماء التى وصلت للقوائم القصيرة، كان عبدالرحيم كمال، مساعد وزير الثقافة لتطوير الرقابة على المصنفات الفنية، الذى ترشح لجائزة الدولة التقديرية فى الآداب، على الرغم من فوزه بجائزة التفوق فى العام الماضى.
كما ظهر اسم الشاعر أحمد الشهاوى، رئيس سلسلة «ديوان الشعر المصرى» الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب، فضلًا عن الأسماء الثلاثة التى فازت بالفعل بالجائزة. وازدادت التساؤلات تعقيدًا بعد الكشف عن تصويت الكاتب محمد سلماوى، عضو المجلس الأعلى للثقافة، لصالح زوجته الفنانة التشكيلية نازلى مدكور، التى فازت بجائزة الدولة للتفوق، ما شكّل علامة استفهام إضافية.
هذا الوضع يطرح تساؤلات جوهرية حول آلية عمل الهيئات الأكاديمية والبحثية والجمعيات الثقافية التى رشحت هؤلاء المسئولين، وفقًا للمادة الأولى من اللائحة التنظيمية لجوائز الدولة، وهل أجرت هذه الجهات مراجعة دقيقة لمدى استحقاق المرشحين؟.
الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يمتد إلى مدى توافق هذه الترشيحات مع القوانين المنظمة للجوائز، بدءًا من القانون رقم ٣٧ لسنة ١٩٥٨ وتعديلاته المتتالية، وهى القوانين التى تشدد على أن يكون العمل المقدم للجائزة ذا قيمة علمية أو فنية ممتازة، وأن يمثل إضافة حقيقية للمجال الذى يترشح له، فهل استوفى المرشحون هذه الشروط؟!
الحالة الأكثر إثارة للجدل هى ترشيح الكاتب عبدالرحيم كمال لجائزة الدولة التقديرية فى الآداب، بعد فوزه بجائزة التفوق فى العام الماضى، ما يطرح تساؤلًا مشروعًا: هل كان هناك وقت كافٍ بين الجائزتين لإنتاج أعمال جديدة تستحق التقدير؟ وهل يمكن أن يقدم كاتب - مهما بلغت موهبته- إنتاجًا علميًا أو أدبيًا استثنائيًا فى عام واحد فقط؟!.
وسبق ونشرت «حرف» فى تقرير بتاريخ ١٩ أبريل ٢٠٢٥، أن ترشيح عبدالرحيم كمال لجائزة الدولة التقديرية، بعد عام واحد فقط من نيله جائزة التفوق، يتعارض صراحة مع القرارات التى أقرها المجلس الأعلى للثقافة فى اجتماعه الـ٦٨ برئاسة الدكتورة نيفين الكيلانى فى مارس ٢٠٢٣. ذلك الاجتماع التاريخى، الذى حضره أمين المجلس الدكتور هشام عزمى، شهد مراجعة شاملة للائحة القديمة التى ظلت سارية منذ ١٩٨٢، وكان من أبرز مخرجاته إقرار لائحة جديدة (بقرار رقم ٣٨٤ لسنة ٢٠٢٠) تضمنت ضوابط صارمة، أبرزها فرض فترة ٣ سنوات بين حصول المبدع على أى من جوائز الدولة وترشحه لجائزة أخرى.
المفاجأة الكبرى تجسدت فى نفى المجلس الأعلى للثقافة حينها ما ورد فى تقرير «حرف»، زاعمًا أنه ما زال يعمل باللائحة القديمة التى لا تتضمن أى فترة زمنية فاصلة بين حصول المبدع على جائزة وترشحه لأخرى.
هذا الرد الرسمى فتح الباب أمام تساؤلات أكبر حول طبيعة الإصلاحات المعلنة سابقًا، فبينما تم التباهى بإقرار لائحة جديدة فى ٢٠٢٠ (برقم ٣٨٤)، نجد المؤسسة الثقافية تعود اليوم للاحتماء بلائحة ١٩٨٢ العتيقة.
هنا يبرز سؤال أخلاقى ملحّ: هو لماذا لم يقتدِ المسئولون بالموقف النبيل للدكتور جابر عصفور الذى اعتذر عن عدم الترشح لجائزة النيل عام ٢٠١٤ بسبب منصبه كوزير للثقافة ورئيس للمجلس الأعلى للثقافة؟ وهو الموقف التاريخى الذى مثّل ذروة النزاهة والشفافية، لكنه يبدو اليوم كأنه استثناء نادر فى منظومة تزداد فيها التداخلات بين المناصب والجوائز.
فى التحقيق التالى، نستقصى آراء النخب الثقافية حول هذه الإشكالية المتعددة الأبعاد، والتى تمسّ جوهر استقلالية العمل الثقافى ومصداقية التكريمات الرسمية.
ياسمين فراج: إلغاء آلية الترشيح من النقابات والجامعات يحل المشكلة

أثارت الدكتورة ياسمين فراج، الأستاذة بأكاديمية الفنون والناقدة الموسيقية، جملة من التساؤلات الجوهرية حول نظام جوائز الدولة، معتبرة أنه «لا يجوز لمن حصل على جائزة أن يترشح لجائزة أخرى فى سنوات تالية، لأن هذا يمس بمصداقية الشخص والمجلس الأعلى للثقافة معًا».
وتساءلت الدكتورة ياسمين باستنكار: «كيف لشخص يفوز بجائزة التفوق أن يُرشح لنفس الجائزة فى العام التالى، وبعد ذلك يمكن أن يُصعد لجائزة النيل؟»، مضيفة «إنهم نفس الأشخاص الذين يحصدون الجوائز الثلاث بشكل متتابع!».
وتابعت «كأكاديمية ومتابعة للحركة الثقافية، أتساءل: ما المنتج العلمى أو الإبداعى الجديد الذى قدمه هؤلاء فى الفترة بين الجوائز؟»، مشددة على مبدأ أساسى وهو: «لا يصح أن يحصل شخص على جائزتين أو ثلاث من نفس الجهة (المجلس الأعلى للثقافة) لنفس الأعمال».
وأكملت قائلة: «إذا حصلت على جائزة التفوق عن ثلاثة كتب، فلا يجوز أن تنال الجائزة التقديرية أو النيل لنفس الأعمال، خاصة أن هناك قامات علمية لم تحصل على أى جائزة».
وتوجهت بسؤال استنكارى آخر: «كيف يُرشح مستشارو وزير الثقافة أنفسهم للجوائز؟ ولماذا لم يذكرهم أحد قبل توليهم هذه المناصب؟»، مقترحة نظامًا جديدًا يتبنى «وضع معايير صارمة تكسر حلقة المصالح والصداقات».
على عطا: لجنة الاختيار «وهمية» ومخالفة لأهداف «الثقافة»

وجه الكاتب الصحفى والروائى على عطا، انتقادات لاذعة لآليات منح جوائز الدولة، قائلًا إن غياب الشفافية فى الترشيحات على مدار سنوات هو السبب وراء علامات الاستفهام التى تحيط بأسماء بعض الفائزين، معتبرا أن المسألة برمتها تحتاج لإعادة نظر جذرية فى آليات الاختيار.
وربط «عطا» بين تأخر إعلان الجوائز هذا العام والتشكيل الجديد للمجلس الأعلى للثقافة، معتبرًا أن هذا التشكيل لم يأتِ بجديد، بل واجه انتقادات واسعة من قبل المثقفين، خاصة فيما يتعلق بتكرار بعض الشخصيات وتقدم أعمار معظم الأعضاء، وهى ملاحظات جديرة بالاهتمام.
وتساءل عن المهام الفعلية لأعضاء المجلس فى ظل هذا التأخير، قائلا: «ما هى المهمة الموكلة للأعضاء؟ وهل يقتصر دورهم على الاجتماع مرة واحدة سنويًا للتصويت على الجوائز؟ وأين اجتماعاتهم لوضع السياسات الثقافية؟ وأين تلك السياسات التى يفترض أنهم وضعوها؟».
ووصف اللجنة العليا للتصويت بأنها «لجنة وهمية» تظهر فقط لتحديد فائزى الجوائز، وهو ما يراه مخالفًا لأهداف تأسيس المجلس، مع تأكيده على احترامه الشخصى لأعضاء اللجنة.
وعبر عن حنينه للمرحلة الذهبية للمجلس، قائلا: «أفتقد ذلك العصر الذى كان للمجلس دور ثقافى بارز على المستويين المحلى والإقليمى، حين كانت مؤتمراته - مثل مؤتمر الرواية- تجذب كبار المثقفين العرب، خلال العقد أو العقدين الماضيين».
حمدى البطران: الترشيحات قائمة على المجاملات والعلاقات الشخصية

قدم الكاتب حمدى البطران رؤية نقدية حادة لأزمة جوائز الدولة، معتبرًا أن «اللائحة لا تمنع ترشح المسئولين، لكن المشكلة تكمن فى ثقافة المجاملات السائدة، فضلًا عن أن العديد من المرشحين ليسوا من الأكفاء الحقيقيين».
وأضاف «البطران»: «للأسف هناك مبدعون كبار يحجمون عن التقديم بسبب غياب الشفافية، كما أن جوائز الدولة فقدت قيمتها الأدبية الحقيقية»، معتبرًا أن الحديث عن أزمة الجوائز أصبح «سردية متكررة كل عام دون تغيير حقيقى».
وأعرب عن يأسه من إصلاح هذا الملف، بقوله: «فقدنا الأمل»، مشيرًا إلى مفارقة غريبة فى نظام الترشيحات، قائلًا: «من المفترض أن تقوم الجامعات الإقليمية بترشيح أدباء الأقاليم، لكن هناك انفصالًا واضحًا بين الجامعات وجوائز الدولة».
ولفت الكاتب إلى مشكلة أخرى تتمثل فى «اتحاد الكتاب»، قائلًا: «إذا لم تكن تعمل ضمن دائرة معينة، فلن تحصل على ترشيح من خلاله أبدًا»، مقترحًا حلًا جذريًا وهو «إنشاء مجلس أمناء مستقل لإدارة الجوائز، بعيدًا عن موظفى الوزارة».
واستشهد بتجربته الشخصية قائلا: «حاول أحد الزملاء إقناعى بالتقدم لجائزة التفوق عن طريق الاتصال بأحد أعضاء المجلس الأعلى للثقافة، لكننى رفضت هذا الأسلوب»، كاشفا عن حالة صادمة: «أحد شعراء الإسكندرية حصل على جائزة العام الماضى دون أى مؤهلات حقيقية سوى علاقاته الشخصية بأعضاء المجلس».
صلاح بيصار: ترشيح رئيس مكتبة الإسكندرية لجائزة النيل يبطل شرعيتها

أثار الفنان والناقد التشكيلى صلاح بيصار إشكالية قانونية وأخلاقية كبيرة، مشيرًا إلى أن «القانون يبطل الجائزة إذا كان المرشح عضوًا فى المجلس الأعلى للثقافة المانح للجوائز».
وعلّق «بيصار» على ترشح الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم الاجتماع، رئيس مكتبة الإسكندرية، لجائزة النيل رغم كونه عضوًا بالمجلس، قائلًا: «نحن ننبه فقط وليس لدينا ممانعة فى ترشحه، لكن عليه تقديم استقالته من عضوية المجلس للحفاظ على شرعية الجائزة».
وأكد معارضته لرأى الدكتور عماد أبوغازى، وزير الثقافة الأسبق، الذى يرى جواز تصويت أعضاء المجلس وهم مرشحون للجوائز، معلقًا: «لسنا فى عصر القمم»، مقترحا حلًا عمليًا، قائلا: «على الدكتور زايد أن يقدم استقالته مؤقتًا من المجلس حتى انتهاء التصويت، ثم يعود إليه بعد ذلك، كما فعل الدكتور محمد صابر عرب من قبل».
من ناحية أخرى، انتقد «بيصار» ما وصفه بـ«التربيطات» التى تقلل من قيمة جوائز الدولة، قائلًا: «هناك سوابق مؤسفة تجاوزت فيها الجوائز رموزًا كبارًا مثل المفكر حامد سعيد، والفنان محمد صبرى، والفنان أحمد عبدالوهاب»، مضيفًا: «المسألة لا تتعلق بالضمير فقط، ولكن بدرجة الموضوعية فى تقدير مكانة هذه الجوائز».
وحذر من ظاهرة خطيرة وصفها بقوله: «هناك من يلحّون فى الترشح اعتمادًا على ضجيجهم الإعلامى، فى حين يترفع أصحاب القيمة الحقيقية»، محذرا: «نتمنى أن تعود الأمور إلى نصابها، وإلا ستتحول جوائز الدولة إلى حدث روتينى يفقد قيمته القومية الكبيرة».
وقال إن ما يُثار حول أعمار أعضاء المجلس فى التشكيل الجديد لا يعكس رفضًا لأصحاب المكانة الفكرية الحقيقية، كما أن مسألة السن ليست محل اعتراض، لكنه أضاف: «هناك وجوه فقدت مصداقيتها مع الزمن، وكان من المفترض استبدالها، وهى معروفة للجميع».
وتابع الناقد التشكيلى: «لدينا فى الساحة الثقافية كمٌ هائل من المفكرين وأصحاب القدرات المتميزة فى مجالات الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، ممن يمتلكون رؤية أكثر حيوية وإضافة نوعية»، معبرًا عن أسفه لأن «الإصرار على الحفاظ على الصورة النمطية للمجلس يقلل من شأنه ويضعف مكانته».
حسام عطا: عليهم الاقتداء بـ«فوزى فهمى» الذى اعتذر عنها 3 مرات

كشف الدكتور حسام عطا، أستاذ الدراما والنقد المسرحى بالمعهد العالى للفنون المسرحية، عن موقف أخلاقى رفيع للدكتور فوزى فهمى الذى اعتذر ٣ مرات عن عدم الترشح لجائزة الدولة التقديرية، و٥ مرات عن عدم الترشح لجائزة النيل. وأضاف «عطا»: «كنت شاهدًا على كيف كان يغضب عندما يقوم قسمنا فى المعهد بترشيحه»، مؤكدًا أن عضويته فى هيئة مكتب المجلس الأعلى للثقافة كانت تمنعه من القبول بالترشح، حرصًا على النزاهة وتجنبًا لأى حرج.
وانتقد نظام الترشيح الحالى قائلًا: «النقابات الفنية واتحاد الكتاب والجامعات لا ينبغى أن يكون لها حق الترشيح فى صورته الحالية، فهم إما يقتصرون على ترشيح أعضاء هيئة التدريس، أو يهملون القامات الكبرى فى المجالات الأخرى، بما فيها القانونية»، مشيرا إلى إشكالية أخرى قائلا: «حتى فى جائزة النيل العربية، لا يتم الانتباه للقامات العربية الكبرى، بل يتحول الأمر إلى ترشيحات داخلية». ولفت إلى ظاهرة خطيرة وصفها بقوله: «تحولت ترشيحات النقابات المهنية واتحاد الكتاب إلى ما يشبه القطاع الخاص، حيث يتم مجاملة النقباء والمسئولين»، ورغم اعترافه باستحقاق بعض المرشحين، إلا أنه أكد أن «وجودهم فى مناصب رسمية بوزارة الثقافة يستدعى اعتذارهم حفاظًا على مصداقية منجزهم الإبداعى». كما انتقد قرارات التصويت التى وصفها بـ«العبثية»، مستشهدًا بمنح جائزة التفوق للمخرج الراحل محسن حلمى، معتبرًا أن «جائزة التقديرية» كانت أنسب لمسيرته الإبداعية الكاملة، مطالبا بـ«وقف منح جائزة التفوق للمتوفين، لأنها جائزة منتصف الطريق، بينما يمكن منح التقديرية للأحياء والراحلين».
واختتم بإثارة إشكالية فنية قائلا: «دمج الفنون التعبيرية مع التشكيلية فى لجنة واحدة يؤدى إلى تصويت عشوائى يفتت الأصوات ويظلم كثيرًا من المبدعين المستحقين». مؤكدًا أن هذه الممارسات «تسهم فى إضعاف مصداقية الجوائز وتحتاج إلى مراجعة عاجلة».