الجمعة 07 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

يا عندليب ما تخافش من غنوتك

حرف

يا عندليب ما تخافش من غنوتك

قول شكوتك واِحكى على بلوتك

الغنوة مش ح تموتك.. إنما

كتم الغنا هو اللى ح يموتك!

فليسمح لنا صلاح جاهين بأن نستعير رباعيته الخالدة، ونحن نعود فى الزمن إلى أيامه، حين كانت الصحف قبلة المُبدعين، خاصة طلاب الجامعات، والدارسين فى مراحلها المتقدمة من ماجستير وغيره، الموهوبين فى كتابة الشعر والقصة والمسرح، والقادرين على سرقة الضحكة من فم الحزن بالكتابة الساخرة، وأيضًا أولئك الذين لديهم قدرة على نفخ الروح فى لوحة خشبية صماء، فتدب الحياة فى أوصالها لوحة تشكيلية أو رسم كاريكاتيرى يسحر الألباب والعقول.

جامعاتنا مليئة بالمواهب الإبداعية فى كل المجالات تقريبًا، من دون أى شك، لكنها فى نفس الوقت تعانى غياب ذلك «الصائغ»، الذى اعتدنا على وجوده فى مؤسساتنا الصحفية، بأنامله الخبيرة التى يمكنها إزاحة التراب عن لآلئ هذه الجامعات، من إبداعات تبحث عن فرصة للظهور، وأسماء لا نريد أن «يقتلها» التجاهل ويوقف مسيرتها، من قبل أن تبدأ. فى هذه الزاوية من «حرف»، نمد يدنا إلى كل موهوب فى جامعات مصر، من شمالها إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، ننشر لهم إبداعاتهم فى الشعر والقصة والكتابة الساخرة، إلى جانب الفن التشكيلى والكاريكاتير، مُرددين ما قاله صلاح جاهين قبل سنوات طويلة: «يا عندليب ما تخافش من غنوتك».

عدسة شهد رضا

بسنت جمال تكتب: كل ده كان ليه؟

بسنت جمال

ستمنحين روحك؟

لِيَكن.. كم سنين استعمالها؟

الآن فقط أفهم ذلك الشعور القديم الذى راودنى طويلًا، ولم أجد له توصيفًا.

أشعر أننى بدأتُ حياتى بروحٍ مستعمَلة؛ طفلتى عجوزة.

ألم يكفِ هذا النزيف كله لتنالى البراء؟

كل ما منحتِه كان مآله صرخة خفيّة، أخيرة ومتجددة للبراءة.

أشرس الحيوانات لا تُمَس براءتها، كسائر الطبيعة.

البراءة: التمثيل الأقصى للفجاجة.

الغريزة: فجاجة.

الفجاجة: براءة.

أما الإنسان: هذا الكائن المقنَّع، يختبئ فى ثيابٍ لأنه لم يعد عفيفًا،

مسخ الأرض الوحيد الذى تفوّقت فيه العين على الغريزة.

أمام البحر: يحنّ الإنسان إلى سيولته الأولى.

هناك، يقف فى أقدم موقف بشرى؛ يصارع الصخر والموج الأطرش وحيدًا.

حنين مازوخى غامض، كأنه توق لا نهائىّ إلى كيف شعر الأولون.

تنظرين إلى البحر؛ ترين قاتلكِ.

تنظرين إلى البحر؛ ترين قاتلكِ، يراودكِ عن نفسك.

يراودكِ الإنسىّ عن نفسك..

لسان حالك: لن تحصل علىَّ أبدًا.

لكن الزهر يراودكِ عن نفسك،

والموسيقى تراودكِ،

والبحر يراودكِ..

يقول: «اقتربى، اسمعى وَحدة الأنساغ فى قلبى».

أو يقول: «وثنٌ غافٍ عند حافة الهاوية؛

دمعة الغبطة الأولى».

تنتهى دورة الساعة الرملية، فتجدينكِ حبلى..

ابنٌ للموت، أو ابنٌ للقتل.

هذا جنينى؛ فأرينى جنينك.

تبحثين عن كيانٍ تنتمين إليه، لا يمنحك حتى مزية لومه على الضياع؛

ليكون هذا عين الأمان.

لا تكونين وثنية إلا بقدر ما تكونين موحّدة.

كل برّية مقاربةٌ للمقدّس.

ولا يُدَجّن المقدّس أبدًا.

نذركِ هو الدائرة؛

ومنذورٌ لكِ أن تتلمسى فحيح النواة، حراستها،

أن تقولى: لا مِساس.

وألقيتُ عليك محبةً منى، ولِتُصنَع على عينى.

حَملٌ مزمن، هَمّ يختمر..

مسّها اللا بشرى مرة أخرى، يمسّها دومًا.

حبلى طوال الوقت؛ شىءٌ يتخمّر فيها طوال الوقت.

تُعطَى من الوجود قلبه، لتضعه فى قلبها، ولا تعرف لماذا.

لكنها كفّت عن سؤال: «كل ده كان ليه؟» منذ زمن بعيد.

ومنذ يومها وهى تعيش؛

تحمل الواضع والموضوع معًا.

تقول:

العُرس ما ردته ولا المكان حبيته،

لكن الحليب هيطقّ، هيطقّ فى نهودى،

وإن يسألوكم مين أبوه قولوا خدها غصب.

كانت تبحث عن إيمان؛ لم تدرك أنها مؤمنة منذ البدء.

طَقّ الحليب، أحبّت الولد، ولم تسأل مَن أبوه..

كما لم تسأل يومًا:

كل ده كان ليه؟

عدسة شهد رضا

 

رنا الصيفى تكبت: ربما كان رحيله خيرًا

رنا الصيفى

فى ليالى المدينة الهادئة،

حين تخلو الشوارع من ضجيج النهار،

أمشى وحدى بين أضواء المصابيح الخافتة،

أستمع إلى وقع خطواتى كأنها موسيقى بعيدة.

تمرّ نسمة هواءٍ باردة،

فتداعب وجهى برفق،

وتحملنى إلى ذكرى قديمة،

لكنّها لم تعُد تجرحنى كما كانت،

بل تمرّ خفيفة، كأنها تقول:

ما مضى كان جميلاً.. لكنه مضى.

الأماكن العتيقة التى جمعتنا يومًا

ما زالت واقفة، صامتة،

جدرانها تحمل أسرارًا،

ومقاعدها الخشبية تعرف صوت ضحكاتنا.

لكننى حين أزورها اليوم،

لا أبكى، ولا أتألم، أبتسم فقط،

وأشكر تلك اللحظات لأنها منحتنى نورًا يومًا، حتى وإن غاب عنى الآن.

مع الصبح، حين تشرق الشمس،

أدرك أنها لم ترحل معك،

وأن دفئها ليس حكرًا على وجودك.

تشرق من جديد كل يوم،

لتقول لى إن الحياة قادرة على أن تبدأ مرارًا،

حتى بعد الفقد.

وفى المطر، حين تتناثر القطرات على الطرقات القديمة،

أشعر أن الأرض تغتسل من حزنها،

وأنا أيضًا أغتسل من ذكرياتى الثقيلة.

أتنفّس بعمق وأقول لنفسى:

ربما كان رحيله خيرًا،

خيرًا لى كى أتعلم أن أقف وحدى،

وخيرًا له ليجد طريقه.

الحنين ما زال موجودًا،

لكنه صار كزائرٍ هادئ،

يأتى ليذكّرنى أننى أحببت بصدق،

ثم يرحل دون أن يترك ندبة.

وأنا.. لم أعد أعيش على أمل عودة،

بل على يقين أن الحياة قادرة أن تكون أجمل،

بما تهبنى من وجوه جديدة،

وأماكن أخرى تنتظر أن تمتلئ بالضحكات.

وهكذا، بين الشوارع فى الليل،

ونسمة هواءٍ صافية،

وشمسٍ مشرقة، ومطرٍ يغسل الأرصفة،

أمضى فى طريقي..

بقلبٍ ممتن، وروحٍ تعرف أن الغياب ليس دائمًا نهاية،

بل بداية لحياة أوسع وأجمل.

عدسة شهد رضا

چوليانا صبحى تكتب: الصلب دائمًا فدا الحب

جوليانا صبحى

سألتنى صديقتى: كيف الحال؟ 

أشعر أننى مصلوبة.

قالت لى صديقتى التى تحمل نفس جرحى

إن «الصلب دائمًا فدا الحب»

علقت فى ذهنى هذه الجملة

تتأرجح فى خيالى كلما أصابتنى غصة فى قلبى

ناتجة لى من الذاكرة

«الصَلب دائمًا فدا الحب»

لكن لماذا؟! 

لماذا كلما أحببت شيئًا بشدة صَلبنى؟!

أرسم دائرة محاطة بالأسئلة

أمتلئ من شعر رأسى حتى أظافر أقدامى 

أتحول الى غيمة 

يتناثر الدمع 

أصرخ فى الظلام حتى لا يدوم! 

يا نجوم أرجوك ساعدينى!

تَمَرد قَلبى على

لا آثار لخطواتٍ تُعيدنى حيث المنزل 

أتنفس بصعوبة يُداعب الهواء دمعى فيطير 

أرى شجرة.. هذه أختى 

أرى عصفورة

هذه أنا 

الجميع ينتظرنى لا يُمكننى التوقف 

حسناً لا بأس يُمكننا الغناء وفرد الأيادى

 

عدسة: زينة علاء الدين

عبدالرحمن أحمد يكتب: دبلوم زخرفة

عبدالرحمن أحمد

لم تكن لى يد أتكئ عليها،

ولا صدر لأبكى فوقه فأحيا

كنتَ أنتَ الخوف،

والحزن، والوَحدة.

هنا ليسَ حرفًا يلامسُ أذنك،

هنا روحٌ تصرخُ فى صمتِ حزنك

قصةُ طفلٍ كانَ يرى فى أبيهِ،

كلَّ الأمانِ وكلَّ أمانيه.

لم يكن بيتنا أمانًا،

كان سجنًا بلا جدرانٍ،

وقيودًا لم أرها.

كان سقفُ يقطرُ خوفًا وغضبًا،

ويدٌ لا تعرفُ غيرَ القيدِ والإهانة.

ما كان لى حلمٌ لأرسمَ فيه الأمان،

فقد وُلدتُ فى غيابهِ وفى غيابِ الحنان.

أنتَ يا من سمَّيتُكَ أبًا،

علّمتنى أنَّ الأمانَ ليس له مكان.

وأنا الآن أقفُ على حافةِ الجرحِ،

فلا شىءَ فى الماضى يداويهِ أو يمحوهِ.

فأنتَ لم تصنعْ فىَ أملًا،

بل غرستَ فى روحى صحراء،

لا تعرفُ الحياةَ ولا تحتويها.

أسأل نفسى، كيف لى أن أكون إنسانًا؟

وأنتَ من علّمتنى أن الحب ليس له معنى.

كيف لى أن أثق بنفسى؟

وأنتَ من أخبرتنى أننى لا أستحق الحياة.

أنتَ من كسر ظهرى، وزرعت فى قلبى الخوف!

وجعلتنى أشعر أننى وحيدة فى هذا العالم.

لم أكن أتوقع منك كل هذا الجحيم

لم أكن أتوقع أن تكون السبب فى آلامى

أنتَ من أخذ منى طفولتى وشبابى

وتركتنى أبحث عن الحب والأمان فى مكان آخر.

أحيانًا أتمنى لو أنك كنت موجودًا بجانبى

لأخبرك كم الألم الذى تسببت فيه

ولكننى أدركت أنك لا تستحق حتى دموعى

فأنت لا تساوى قطرة من ماء الحياة!