الخميس 27 نوفمبر 2025
المحرر العام
محمد الباز

مونيكا حنا: يهاجموننى لأنى أغرّد خارج السرب

حرف

- من الضرورى إنشاء وحدة متخصصة للجرائم الدولية الخاصة بالتراث المصرى حتى يمكن وقف بيع وتجارة الآثار المصرية بشكل فعّال

- المحتكرون لعلم المصريات طوال 30 عامًا يزعجهم صوتى المختلف

- «دكتور دون نشر علمى مُحكَم» وراء مهاجمة كتابى «مستقبل علم المصريات»

- تعرضت لفبركة واجتزاء تغريدات بهدف إظهار أننى ضد الدولة

فى السنوات الأخيرة بات اسم الدكتورة مونيكا حنا، أستاذ مساعد الآثار والتراث الثقافى، حاضرًا بقوة فى النقاشات العامة حول مستقبل علم «المصريات»، وواقع إدارة التراث، وملف استرداد الآثار المصرية فى الخارج. 

هذا الحضور صاحبه كثير من الجدل، خاصة على منصات التواصل الاجتماعى، حيث تتعرض لحملات تتهمها بـ«تشويه الحضارة المصرية» و«دعم أفكار المركزية الإفريقية»، خاصة فى أعقاب صدور كتابها الأحدث «مستقبل علم المصريات»، الذى تدعو فيه إلى إعادة التفكير فى علم المصريات، ليس بوصفه علمًا يختص بالماضى فقط، بل باعتباره مجالًا معرفيًا يجب أن يرتبط بالحاضر والمجتمع المصرى.

وترى عالمة الآثار المصرية، وهذا أيضًا من أسباب الهجوم عليها فى الفترة الأخيرة، أن علم المصريات تخصص «نشأ فى سياق استعمارى»، وأن كثيرًا من مناهجه وممارساته «لا تزال متأثرة بالمنظور الأوروبى الاستعمارى».

فى الحوار التالى مع «حرف» تتحدث الدكتورة مونيكا حنا بصراحة عن أسباب الهجوم الذى تتعرض له فى الفترة الأخيرة، وأبرز المشكلات التى تراها فى علم المصريات، ورؤيتها لإصلاح هذا التخصص، وتفاصيل مشروعها الأكبر لتأسيس «مدرسة مصرية جديدة لعلم المصريات»، أكثر انفتاحًا وديمقراطية وقدرة على إنتاج معرفة حقيقية مرتبطة بالمجتمع، مع الرد أيضًا على ما يُثار حول «المركزية الإفريقية» و«أبناء كيميت».

■ لماذا يتكرر الجدل كلما تحدثتِ عن نقد واقع المصريات؟

- أعتقد أن السبب يرجع إلى أن بعض الأشخاص احتكروا علم المصريات طوال الـ٣٠ عامًا الماضية، ويزعجهم بشكل كبير وجود صوت آخر يقدّم طرحًا مختلفًا ويغرّد خارج السرب التقليدى.

■ إذن هل تعتقدين أن الهجوم مُنظّم وله دوافع محددة أم أنه نتاج فجوة معرفية وسوء فهم؟

- أرى أن الهجوم هذه المرة مُنظّم تمامًا، فـ٩٠٪ منه لجان تعتمد على السباب والتخوين، و١٠٪ فقط أشخاص تأثروا بهجمة قامت على الفبركة واجتزاء تغريدات بهدف الإساءة لى، وإظهار أننى ضد الدولة المصرية.

■ كيف تفسرين تحول النقاشات العلمية إلى «معارك إلكترونية»؟ وهل يؤثر ذلك على جودة الحوار العام؟

- أعتقد أن المشكلة الأساسية هى غياب المجال السياسى الذى يسمح للشباب بالانخراط فى عمل جاد يستوعب أفكارهم أو ينقدها، لذا تظهر الحدة والعنف فى النقاشات. يُضاف إلى ذلك دخول غير الأكاديميين فى الحوارات الأكاديمية، وطرح آرائهم دون التزام بمنهجية علمية. والأسوأ أنهم ينشرون عِلمًا مُحاطًا بـ«الأيديولوجيا».

 

■ ذكرتِ أنك سجلتِ حلقات للرد على هذه الهجمة السلبية.. ما أبرز ما أردتِ توضيحه؟

- لم أسجل الحلقات لهذا الغرض، لكننى أقدم حلقات جديدة أطرح فيها أفكارًا متعددة سبق وتناولتها فى كتابى «مستقبل علم المصريات».

■ كيف يتحول شعار «استرداد قدرتنا على كتابة التاريخ أهم من استرداد القطع» إلى سياسة عملية؟

- يتحقق ذلك من خلال توفير دعم مؤسسى حقيقى للأكاديميين المصريين العاملين فى الآثار والتراث للقيام بالحفائر والترميم وإدارة التراث، والالتزام بالنشر العلمى لهذه الجهود.

■ ما المعوقات الفعلية أمام استرداد الآثار المصرية؟

- أرى أن المعوقات الأساسية هى غياب تحرك إفريقى وعربى قوى فى ملف الاسترداد. عند وجود موقف موحد وسياسات مُعلَنة لن تجد المتاحف حلًا إلا البدء فى مفاوضات الاسترداد.

■ كيف تقيّمين أداء المؤسسات المصرية فى ملف الاسترداد مقارنة بدول ناجحة؟

- أعتقد أنه من الضرورى إنشاء وحدة متخصصة للجرائم الدولية الخاصة بالتراث المصرى، حتى يمكن وقف بيع وتجارة الآثار المصرية بشكل فعّال.

■ البعض يرى أن كتابك «مستقبل علم المصريات» لم يقدم سيناريوهات مستقبلية واضحة.. ما ردك؟

- لم أقرأ حتى الآن نقدًا علميًا حقيقيًا يمكن أن أتعلم منه. ما كُتب مؤخرًا كان مجرد تصفية حسابات، وبطريقة طفولية من شخص حاصل على الدكتوراه دون نشر علمى مُحكَم. من يريد نقدًا جادًا فلينشره فى دورية علمية أو مجلة أدبية بمنهج واضح، وسأكون أول المستفيدين. العلم يتطور عبر النقد الذى يبنى ولا يهدم. وكما قلت مستشهدة بـ«فوكو»: «أنا لا أكتب لأمتلك الكلمة الأخيرة، بل لأن تتاح الفرصة لكتب أخرى».

■ كيف يمكن تفكيك ما تصفينه بـ«الإرث الاستعمارى لعلم المصريات» وبناء مدرسة مصرية جديدة؟

- أدركت أن علم المصريات الذى أحببته تأسس داخل سياق استعمارى ما زال يحمل امتداداته. نقطة التغيير فى مسارى كانت بعد نهب متحف ملوى عام ٢٠١٣، حين رأيت صبيًا يدمر أجزاءً من المتحف معتبرًا أنه «بتاع الحكومة». وقتها تجاوزت الانبهار بـ«الأشياء الرائعة»، واتجهت للتفكير فى العنصرية، وغياب العدالة وتمثيل المجتمع المصرى فى التخصص.

هدفى الآن هو تفكيك هذا الإرث، وبناء منهج مصرى أكثر ديمقراطية يقوم على إنتاج معرفى جاد، ونشر مُحكَم، وبالعربية. فى فصل كامل من كتابى يتم تناول آليات دعم هذا العلم عبر مؤسسات فاعلة. وأرى أن كل بحث يمثل قطعة من «البازل»، وجزءًا من عملية إتاحة المعرفة، وفهم جذور مشكلات التخصص ومحاولة إعادة تعريفه.

■ نريد جملة واضحة لتعريف «الأفروسنتريك» و«الكيمتيين»؟

- هما فى الأساس أيديولوجيات سياسية تستخدم مصر القديمة. الأولى تحاول نسب الحضارة لها كرد على «المركزية الأوروبية»، التى احتكرت تفسير مصر القديمة منذ حملة نابليون، والثانية تعتبر الأولى عدوًا وجوديًا، وترد عليها بخطاب عنصرى موازٍ.

كلا التيارين يستخدمان الهوية ولون البشرة كسلاح، وهو أمر مدمر للتعددية الثقافية المصرية. أشعر بأن هناك محاولات لتفكيك المجتمع عبر تأصيل «أيديولوجيات» تُدخل الدين أو مصر القديمة فى صراع سياسى خطير على وحدة المجتمع

■ ما سيناريوهاتك حول مستقبل علم المصريات 2025-2035؟

لو كان القرار لى، أول خطوة ستكون إصلاح أوضاع ورواتب العاملين فى المجلس الأعلى للآثار، ثم توفير منح قوية سنوية للأكاديميين المصريين لإجراء حفائر وترميم وإدارة تراث مرتبطة بنشر علمى محكم. يلى ذلك إشراك المجتمع المحلى فى إدارة التراث، ووضع استراتيجية مشتركة داخل الاتحاد الإفريقى وجامعة الدول العربية للتفاوض حول استرداد الآثار.